fbpx

طريق مطار بيروت الدولي: اهلاً بكم في طهران!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الشّوارع والجدران والأحياء، جميعها فضاءات تعكس ثقافة البلد أو المنطقة التي تحيطها، بيد أنّه يمكنك التعرّف على الشّعوب بسهولة من جدرانها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في شهر كانون أول/ ديسمبر من العام 1968 قامت فرقة كوماندوز تابعة للقوّات الخاصة في الجيش الإسرائيلي بشنّ غارة على مطار بيروت الدولي دمّرت جرّاءها 13 طائرة تابعة لشركة طيران الشّرق الأوسط، بحجة أنّ عملية فدائية قامت بها “الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين” استهدفت طائرة إسرائيلية في مطار أثينا.

أفي تمّوز من العام 2006 تعرض مطار بيروت الدولي لقصف إسرائيلي طال المدرج الشرقي للمطار.

في ذلك الحين، لم يكن مطار رفيق بيروت الدّولي تحت سيطرة أيّ جهة سياسيّة، وكذلك الطّريق المؤديّة إليه. مع الوقت، أيّ بعد نهاية الحرب، وبعد مضيّ فترة اعادة الإعمار بمؤازرة من الجمهوريّة الإيرانيّة، تحوّل مشهد الخروج من بوّابة المطار ليصبح مشهدا إيرانيّا بامتياز.

يقول الشّاعر الفرنسي جان تارديو «بما أنّه يوجد جدار، ما الذي يجري وراءه؟».

صور القادة الإيرانيّين والحزبيّين أمثال قاسم سليماني وغيره من رموز “المقاومة” تحتلّ مشهد طريق المطار. لا تنفكّ تكون شبيهة بالجدران والأسوار. وهي تدفعك لأن تسأل نفسك سؤال تارديو نفسه، «ماذا يجري وراءها؟» تلك اليافطات التي عبّر عدد كبير من اللّبنانيّين على مواقع التواصل الإجتماعي عن امتعاضهم لوجودها عقب الدعوة التي أطلقها وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار لـ”حزب الله” وحركة “أمل”، “بمحبة واحترام” لنزع اللافتات السياسية قبل الموسم السياحي واستبدالها بصور تعكس جمال لبنان ومناطقه السياحيّة.

إتّضح بحسب قول رئيس بلديّة الغبيري معن الخليل أنّ صور قاسم سليماني وغيرها هي مجرّد إعلانات، مثلها كمثل مساحيق التجميل وسوائل الجلي والشامبو والبوظة، فقد صرّح خلال احدى مقابلاته التلفزيونيّة بأنّه “لا يمكن للبلدية أن تنزع الإعلانات، فليس لها أي صلاحية إزالة إعلانات وضعتها شركة مرخّصة لزبون لها”.  

في لبنان، لا يوجد منطقة رماديّة، لا توجد أنصاف مواقف، الشّعارات لا تنفكّ تغلب الأحياء منّا والأموات. يقول بلزاك بأنّ المجد هو شمس تشعّ على الموتى فقط. لكنّي لا أذكر أن قال شخص ما، شيئا عن الأحياء، أولئك المحكومين بأمجاد ليست لهم. أو حتى الأحياء الصّغيرة، تلك القابعة وراء جداريّات القادة الإيرانيّين، الذي لا يعرف ضوء الشّمس طريقا إليها.

الشّوارع والجدران والأحياء، جميعها فضاءات تعكس ثقافة البلد أو المنطقة التي تحيطها، بيد أنّه يمكنك التعرّف على الشّعوب بسهولة من جدرانها.

داخل نفق طريق المطار مثلا، من كلا الجهتين، يوجد كتابات على الجدران الاسمنتية يعرفها المارّون جيّدا، هي أحرف وأسماء أشخاص، ألقاب وغراميّات معذّبة بالخيانة والغدر، خليط شعارات قوميّة وسياسيّة، وأخرى عن “كلام النّاس” وغيرها… هي أشياء كتبها أصحابها امّا بدافع السخرية وامّا بدافع الحزن والنّقمة.

جميع تلك السمات والعلامات، هي محاولة لإبقاء تلك المساحات على قيد الحياة، وهو ما يحدّد علاقة السكّان مع فضاءاتهم. فلكي تحيا، بحسب صاحب كتاب “فصائل الفضاءات” جورج بيرك،  «عليك أن تعبر من فضاء إلى آخر، محاولا أقصى ما يمكن أن لا تتعثّر».

ظهر ذلك جليّاً بُعيد ثورة 17 تشرين. قبل ثلاث سنوات لم يكن الشّعب يمتلك شيئا من فضاءات هذه المدينة وتحديدا من وسطها التجاريّ المعروف “بسوليدير” وهو إسم الشّركة العقاريّة التي قامت بإعادة إعمار وسط بيروت بعد إنتهاء الحرب الأهليّة.

تلك كانت امبراطوريّتهم، شركات ومؤسّسات تجاريّة ضخمة لجلب السوّاح في الصيف، ولتهجير السكّان “الأصليين” باقي أيّام السنة. كان ذلك كلّه مثيراً للسّخط.

عرّف جان جاك روسو الحضارة بأنها عندما يبني الناس الأسوار. أيّ أنّه في كلّ مرّة يطالب شخص ما بالحريّة، يكون ذلك سببا كافيا يدفعهم لتشييد المزيد من الأسوار بهدف ردعه. 

أرادوا تقليص جميع الفضاءات التي أيقنّا جميعنا بأنّها ملك للشّعب وحده، كما أيقنّا في وقت لاحق عجزنا التّام عن استردادها.

لا أحد يسأل ماذا وراء تلك الإعلانات العملاقة، لم يعد ذلك مهمّا حتّى، لم يعد مهمّا من يسكن تحت تلك الجسور، ومن يقبع خلف الجدران. الأمر بات جليّا بالنّسبة إلى القادمين عبر بوّابة المطار. هذه طهران. لقد ضلّوا الطّريق إلى هنا. لكن بالنّسبة لي، تلك اليافطات تقول شيئا واحدا: إنّ الذين ولدوا هنا، وحدهم ضلّوا الطّريق. تلك البوابة التي تستقبل السّائحين والمغتربين، لم تعد تصلح إلّا للوداع. هكذا وببساطة، أن تقول وداعاً لقاسم سليماني هو الموقف الصّائب، أمّا أن تسلّم عليه، كأنّه صديقك، أو قائدك، أو حتّى رئيس جمهوريّتك فذلك أمر ربّما لا يحدث الّا في الجنّة ونحن بالتّأكيد، وبحسب رئيس جمهوريّتنا، ذاهبون إلى الجحيم.

جاء في بيان وزير السياحة أيضا أنّ الوزارة في صدد التخطيط لإقامة مهرجانات مركزية في وسط بيروت، وذلك يعني إزالة السّواتر الحديديّة كرمى لعيون السوّاح. فليُرمى الشّعب بالحجارة، والرصاص المطّاطي والمياه المركّزة، أمّا السوّاح فأهلا بهم. “سوليدير” ترحّب بهم، الوسط التجاريّ، المول الضّخم معدٌّ جيّدا للترحيب بالعملات الأجنبيّة في هذا الوقت من السنة. علينا أن نضع العملة المحليّة جانبا هذا الصّيف، هذا الأمر كان واضحا في تعميم وزير السياحة. اتركوا وسط المدينة لأصحابه. إتركوا منطقة طريق المطار لأصحابها أيضا. ثمّة من يريد أن يقول أنّ بين ولاية الفقية و”سوليدير”، لا يعيش سوى أبناء المنظومة نفسها، الذين يتودّدون لبعضهم البعض، امّا لإبراز صور رموزهم وامّا لإزالتها بـ”محبّة واحترام”. وراء تلك الرّموز ثمّة من لا يعيش، من لا يقف على قدميه، يسير أو يستيقظ، بين إيران ولبنان، ثمّة من سقط هنا سهوا، من تعثّر، من الاستيقاظ فجأة في نفق مظلم، وسط جدران مظلمة، لا يعرف شيئا سوى أنّ هذا النّفق، هو مكان ما بين جنّة قاسم سليماني، وبين جحيم ميشال عون.

تلك الصّور والإعلانات لا تعبّر عن الواقع كما هو. لكن ثمّة من يريد أن يفرض علينا واقعه، أو أحلامه وأنّ “كلام النّاس” الذي لا يقدّم ولا يؤخّر بحسب جورج وسّوف، هو قاعدة أساسيّة لبناء مفهوم الدّويلة، أمّا بالنّسبة للسياحة، فإنّ الوزير نصّار يعرف جيّدا أنّ المهم في هذه الحالة هو ما يطلبه السوّاح، لأنّه وحدهم قادرون على أن يقدّموا ويؤخّروا، بعكسنا نحن النّاس.

إقرأوا أيضاً:

09.06.2022
زمن القراءة: 4 minutes

الشّوارع والجدران والأحياء، جميعها فضاءات تعكس ثقافة البلد أو المنطقة التي تحيطها، بيد أنّه يمكنك التعرّف على الشّعوب بسهولة من جدرانها.

في شهر كانون أول/ ديسمبر من العام 1968 قامت فرقة كوماندوز تابعة للقوّات الخاصة في الجيش الإسرائيلي بشنّ غارة على مطار بيروت الدولي دمّرت جرّاءها 13 طائرة تابعة لشركة طيران الشّرق الأوسط، بحجة أنّ عملية فدائية قامت بها “الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين” استهدفت طائرة إسرائيلية في مطار أثينا.

أفي تمّوز من العام 2006 تعرض مطار بيروت الدولي لقصف إسرائيلي طال المدرج الشرقي للمطار.

في ذلك الحين، لم يكن مطار رفيق بيروت الدّولي تحت سيطرة أيّ جهة سياسيّة، وكذلك الطّريق المؤديّة إليه. مع الوقت، أيّ بعد نهاية الحرب، وبعد مضيّ فترة اعادة الإعمار بمؤازرة من الجمهوريّة الإيرانيّة، تحوّل مشهد الخروج من بوّابة المطار ليصبح مشهدا إيرانيّا بامتياز.

يقول الشّاعر الفرنسي جان تارديو «بما أنّه يوجد جدار، ما الذي يجري وراءه؟».

صور القادة الإيرانيّين والحزبيّين أمثال قاسم سليماني وغيره من رموز “المقاومة” تحتلّ مشهد طريق المطار. لا تنفكّ تكون شبيهة بالجدران والأسوار. وهي تدفعك لأن تسأل نفسك سؤال تارديو نفسه، «ماذا يجري وراءها؟» تلك اليافطات التي عبّر عدد كبير من اللّبنانيّين على مواقع التواصل الإجتماعي عن امتعاضهم لوجودها عقب الدعوة التي أطلقها وزير السياحة في حكومة تصريف الأعمال وليد نصار لـ”حزب الله” وحركة “أمل”، “بمحبة واحترام” لنزع اللافتات السياسية قبل الموسم السياحي واستبدالها بصور تعكس جمال لبنان ومناطقه السياحيّة.

إتّضح بحسب قول رئيس بلديّة الغبيري معن الخليل أنّ صور قاسم سليماني وغيرها هي مجرّد إعلانات، مثلها كمثل مساحيق التجميل وسوائل الجلي والشامبو والبوظة، فقد صرّح خلال احدى مقابلاته التلفزيونيّة بأنّه “لا يمكن للبلدية أن تنزع الإعلانات، فليس لها أي صلاحية إزالة إعلانات وضعتها شركة مرخّصة لزبون لها”.  

في لبنان، لا يوجد منطقة رماديّة، لا توجد أنصاف مواقف، الشّعارات لا تنفكّ تغلب الأحياء منّا والأموات. يقول بلزاك بأنّ المجد هو شمس تشعّ على الموتى فقط. لكنّي لا أذكر أن قال شخص ما، شيئا عن الأحياء، أولئك المحكومين بأمجاد ليست لهم. أو حتى الأحياء الصّغيرة، تلك القابعة وراء جداريّات القادة الإيرانيّين، الذي لا يعرف ضوء الشّمس طريقا إليها.

الشّوارع والجدران والأحياء، جميعها فضاءات تعكس ثقافة البلد أو المنطقة التي تحيطها، بيد أنّه يمكنك التعرّف على الشّعوب بسهولة من جدرانها.

داخل نفق طريق المطار مثلا، من كلا الجهتين، يوجد كتابات على الجدران الاسمنتية يعرفها المارّون جيّدا، هي أحرف وأسماء أشخاص، ألقاب وغراميّات معذّبة بالخيانة والغدر، خليط شعارات قوميّة وسياسيّة، وأخرى عن “كلام النّاس” وغيرها… هي أشياء كتبها أصحابها امّا بدافع السخرية وامّا بدافع الحزن والنّقمة.

جميع تلك السمات والعلامات، هي محاولة لإبقاء تلك المساحات على قيد الحياة، وهو ما يحدّد علاقة السكّان مع فضاءاتهم. فلكي تحيا، بحسب صاحب كتاب “فصائل الفضاءات” جورج بيرك،  «عليك أن تعبر من فضاء إلى آخر، محاولا أقصى ما يمكن أن لا تتعثّر».

ظهر ذلك جليّاً بُعيد ثورة 17 تشرين. قبل ثلاث سنوات لم يكن الشّعب يمتلك شيئا من فضاءات هذه المدينة وتحديدا من وسطها التجاريّ المعروف “بسوليدير” وهو إسم الشّركة العقاريّة التي قامت بإعادة إعمار وسط بيروت بعد إنتهاء الحرب الأهليّة.

تلك كانت امبراطوريّتهم، شركات ومؤسّسات تجاريّة ضخمة لجلب السوّاح في الصيف، ولتهجير السكّان “الأصليين” باقي أيّام السنة. كان ذلك كلّه مثيراً للسّخط.

عرّف جان جاك روسو الحضارة بأنها عندما يبني الناس الأسوار. أيّ أنّه في كلّ مرّة يطالب شخص ما بالحريّة، يكون ذلك سببا كافيا يدفعهم لتشييد المزيد من الأسوار بهدف ردعه. 

أرادوا تقليص جميع الفضاءات التي أيقنّا جميعنا بأنّها ملك للشّعب وحده، كما أيقنّا في وقت لاحق عجزنا التّام عن استردادها.

لا أحد يسأل ماذا وراء تلك الإعلانات العملاقة، لم يعد ذلك مهمّا حتّى، لم يعد مهمّا من يسكن تحت تلك الجسور، ومن يقبع خلف الجدران. الأمر بات جليّا بالنّسبة إلى القادمين عبر بوّابة المطار. هذه طهران. لقد ضلّوا الطّريق إلى هنا. لكن بالنّسبة لي، تلك اليافطات تقول شيئا واحدا: إنّ الذين ولدوا هنا، وحدهم ضلّوا الطّريق. تلك البوابة التي تستقبل السّائحين والمغتربين، لم تعد تصلح إلّا للوداع. هكذا وببساطة، أن تقول وداعاً لقاسم سليماني هو الموقف الصّائب، أمّا أن تسلّم عليه، كأنّه صديقك، أو قائدك، أو حتّى رئيس جمهوريّتك فذلك أمر ربّما لا يحدث الّا في الجنّة ونحن بالتّأكيد، وبحسب رئيس جمهوريّتنا، ذاهبون إلى الجحيم.

جاء في بيان وزير السياحة أيضا أنّ الوزارة في صدد التخطيط لإقامة مهرجانات مركزية في وسط بيروت، وذلك يعني إزالة السّواتر الحديديّة كرمى لعيون السوّاح. فليُرمى الشّعب بالحجارة، والرصاص المطّاطي والمياه المركّزة، أمّا السوّاح فأهلا بهم. “سوليدير” ترحّب بهم، الوسط التجاريّ، المول الضّخم معدٌّ جيّدا للترحيب بالعملات الأجنبيّة في هذا الوقت من السنة. علينا أن نضع العملة المحليّة جانبا هذا الصّيف، هذا الأمر كان واضحا في تعميم وزير السياحة. اتركوا وسط المدينة لأصحابه. إتركوا منطقة طريق المطار لأصحابها أيضا. ثمّة من يريد أن يقول أنّ بين ولاية الفقية و”سوليدير”، لا يعيش سوى أبناء المنظومة نفسها، الذين يتودّدون لبعضهم البعض، امّا لإبراز صور رموزهم وامّا لإزالتها بـ”محبّة واحترام”. وراء تلك الرّموز ثمّة من لا يعيش، من لا يقف على قدميه، يسير أو يستيقظ، بين إيران ولبنان، ثمّة من سقط هنا سهوا، من تعثّر، من الاستيقاظ فجأة في نفق مظلم، وسط جدران مظلمة، لا يعرف شيئا سوى أنّ هذا النّفق، هو مكان ما بين جنّة قاسم سليماني، وبين جحيم ميشال عون.

تلك الصّور والإعلانات لا تعبّر عن الواقع كما هو. لكن ثمّة من يريد أن يفرض علينا واقعه، أو أحلامه وأنّ “كلام النّاس” الذي لا يقدّم ولا يؤخّر بحسب جورج وسّوف، هو قاعدة أساسيّة لبناء مفهوم الدّويلة، أمّا بالنّسبة للسياحة، فإنّ الوزير نصّار يعرف جيّدا أنّ المهم في هذه الحالة هو ما يطلبه السوّاح، لأنّه وحدهم قادرون على أن يقدّموا ويؤخّروا، بعكسنا نحن النّاس.

إقرأوا أيضاً: