fbpx

عن اغتيال الثورة السورية: من “تحرير” حلب إلى انهيار درعا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

منذ سنوات، لا سيما منذ احتلال الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية المتستّرة بالإسلام، تحدث البعض عن “سرقة” الثورة, بيد أن هكذا مصطلح لا يعكس الحقيقة، أعتقد بأن مصطلح الاغتيال هو الأدق، تعبيراً عن تلك الحالة

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ سنوات، لا سيما منذ احتلال الكيانات السياسية والعسكرية والمدنية المتستّرة بالإسلام، السلفي والمتعصّب والمتطرف والعنفي، مكانة الصدارة في الثورة السورية، وتالياً تحكّمها بمساراتها وخطاباتها وأشكال عملها وتحالفاتها، تحدث البعض عن “سرقة” تلك الثورة. بيد أن هكذا مصطلح لا يعكس الحقيقة، لأن الثورة ليست شيئاً كي تسرق، ولأن تلك الكيانات هي من نسيج المجتمع ذاته، أي من الفاعلين فيه.

تأسيساً على ذلك فإنني أعتقد بأن مصطلح الاغتيال هو الأكثر، والأدق، تعبيراً عن تلك الحالة، كونه يرصد علاقات، أو تفاعلات، القوة والهيمنة في الحيّز السوري، في مآلاتها، أي في ضوء حال التدهور في قوى المعارضة السياسية والعسكرية والمدنية في سوريا، إن على الأرض أو في المجتمع، من حلب إلى درعا، أو منذ “تحرير” أجزاء من حلب (2012)، قبل ستة أعوام، إلى التدهور أو الكارثة في درعا، هذه الأيام.

وكنا شهدنا أن تلك القوى عملت منذ البداية على إزاحة المقاصد الأساسية التي انطلقت من أجلها تلك الثورة، والمتمثلة بالحرية والكرامة والمواطنة والديموقراطية، لمصلحة شعارات دينية وطائفية ضيّقة، كما أنها أنهت الحالة الشعبية للثورة بحصرها بمجرد فصائل عسكرية تعتمد على الدعم الخارجي،  ناهيك بأنها صادرت طبيعة الثورة، باعتبارها ثورة سلمية، تعتمد الوسائل الشعبية، وقوة الشعب على التحمل، وذلك لمصلحة أشكال عمل عسكرية، متسرّعة، وغير مدروسة، وفوق قدرة الشعب على التحمّل، وتخضع لسياسات أو حسابات الدول الداعمة، لا سيما في اللحظات أو المنعطفات الحاسمة.

اقرأ أيضاً: العقل الأيديولوجي وقصف القواعد التي تقصف السوريين؟

بالنتيجة، لم تنجح تلك الكيانات الإسلاموية العسكرية في تحقيق مرادها، وأكثر من ذلك، قدمت نموذجا سيئاً في إدارة السلطة في المناطق “المحررة”، أو تلك التي خرجت من تحت سيطرة النظام، مقدمة خدمة كبيرة له، بتأكيدها أنها تعيد إنتاج علاقات الهيمنة والاستبداد، وأن نموذجها للسلطة ليس أفضل من نموذجه، هذا إضافة إلى أنها لم تبالِ بحقيقة أن طريقتها في الصراع ضد النظام خدمته، وسهّلت له التخلص من عبء السيطرة على ملايين السوريين، إن من خلال فرضه الحصار على المناطق التي يعتبرها غير موالية، وتحويل العيش فيها إلى جحيم لا يطاق، بحكم قصفه المستمر بالصواريخ والبراميل المتفجرة، أو بتشريده سكان المناطق.

الكيانات التي تحكمت بمسار الثورة والمعارضة السوريتين لم تضرّ بذاتها فقط، إذ هي أضرّت، أيضاً، بصدقية التيارات الإسلامية وشرعيتها كلها

الأهم من كل ذلك أن هذه الكيانات قدمت نموذجاً لسذاجة أو لحماقة أو لتوظيفات سياسية قل نظيرها، فعلى رغم كل تقاطعاتها في الأفكار والخطابات (التي تدعي الإسلام السياسي مرجعيةً)، والتي هي برأيي مجرد قشرة سطحية، لأن تلك الكيانات لم تخرج من رحم كيانات سياسية إسلامية سورية معروفة، ونشأت كالفطر بين يوم وليلة، بفضل تدخلات وتشجيعات خارجية، إلا أنها لم تتجه نحو التوحد أو التنسيق في ما بينها، بل إن الأطراف التي ترعاها، او تشكل مرجعيتها، كانت تفضل لها التشرذم كي تبقى مسيطرة عليها، وكي تبقيها في إطار تبعيتها السياسية. وبديهي أنه يأتي ضمن ذلك، تنازع النفوذ بين تلك الكيانات (الإسلاموية)، بل والاقتتالات في ما بينها، والتي لم يخفف من وطأتها لا الهجوم على مواقع المعارضة في حلب (أواخر 2016)، ولا الهجوم على الغوطة (العام الماضي)، ولا كل هذا التدهور.

المعنى من كل ذلك أن تلك الكيانات التي تحكمت بمسار الثورة والمعارضة السوريتين لم تضرّ بذاتها فقط، إذ هي أضرّت، أيضاً، بصدقية التيارات الإسلامية وشرعيتها كلها (معتدلة أو غير معتدلة، سلمية أو غير سلمية)، ناهيك بأنها أضرت بالثورة، وبالسوريين، وبوحدتهم كشعب.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، أي التحكّم بأسماء الجمع، والشعارات والخطابات والمفاهيم، ونمط الثورة، وطريقة العمل المسلح (تحرير مناطق)، والكيانات السائدة، إذ شمل ذلك، أيضاً، التحكّم بنمط العلاقات الخارجية، إذ تم اتباع الثورة والمعارضة السوريين إلى هذه الدولة أو تلك، كأن الدول نوادي علاقات عامة أو جمعيات خيرية، أو كأنها مبرر وجود مثل تلك الفصائل، أو كأن دعم تلك الدول هذا الفصيل أو ذاك يتطلب بالمقابل الخضوع لإملاءات تلك الدولة وتوظيفاتها السياسية حتى لو كانت تضر بالسوريين وبسلامة مسار ثورتهم.

قصارى القول، إن الثورة السورية، اليتيمة والمستحيلة والمدهشة والأكثر تعقيداً وكلفة، شارك أعداؤها و”أصدقاؤها” في استنزافها وتبديد قواها واغتيالها، كل بحسب فاعليته. هكذا استخدم الأعداء القوة العاتية، وأقصوا التوحش (النظام وروسيا وإيران وميليشياتها الطائفية “الداعشية”)، وضمن ذلك استخدام الصواريخ الفراغية والارتجاجية والبراميل المتفجرة، والقتل والاعتقال والتشريد، في حين اشتغل “الأصدقاء” على التحكم بهذه الثورة، وربطها بهم، بالمال والسلاح والنفوذ، كل بحسب أجنداته وقدراته، إذ تم تفريغها من بُعدها الشعبي، وإفقادها استقلاليتها، وتقويض صدقيتها كثورة وطنية ديموقراطية لكل السوريين، وتالياً تركها مكشوفة أمام النظام وروسيا وإيران، هذا حصل من قبل الولايات المتحدة، وحصل من قبل تركيا، التي دخلت في حلف مع روسيا وإيران بخصوص التفاهم على إدارة الصراع السوري.

لذا، فإن اغتيال الثورة السورية لم يبدأ فقط منذ سقوط مواقع المعارضة في حلب، وبعدها الغوطة، ثم في درعا، وإنما بدأ قبل ذلك بكثير، منذ أخذ الثورة بعيداً من شعبها، ومنذ إنشاء هذه الدولة أو تلك لفصائل مسلحة، ومنذ رفع الرايات السود، ومنذ فرض هذه الدولة أو تلك وصايتها على المعارضة، وتشكيلها كيانات سياسية وعسكرية ومدنية، والمؤسف أن كثراً سكتوا عن ذلك، أو لم يدركوا مخاطر ذلك في حينه؛ وهكذا وصلنا إلى هنا.

اقرأ أيضاً: مخيم اليرموك: “المقاومة” و”الممانعة” تدمّران عاصمة اللاجئين الفلسطينيين!