fbpx

طموحات انفصال جنوب اليمن: مصالح ونزاعات وتدخّلات خارجية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أعادت النهاية المأسوية للشاب محمد دحمان الذي قُتل في عدن مطلع الشهر قضية انفصال جنوب اليمن عن شماله إلى واجهة المشهد السياسي. تقول رسالة المهاجمين بوضوح إن ثمة من يريد أن يفرض الانفصال بقوّة السلاح.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يكن الشاب محمد دحمان يدري أن يوم تخرجه من الكلية العسكرية التي التحق بها في عدن، ليغدو جندياً في خدمة وطنه، سيكون آخر يوم في حياته.

سقط محمد قتيلاً في يوم حفل تخرّجه الذي أقامته قيادة الكلية، من دون أن يتمكّن من معرفة سبب موته أو من قتله؟ لا أحد يستطيع سؤاله عن ذلك بعد الآن.

 ما الذي حدث وكيف حصلت تلك التراجيديا؟

تقع الكلية العسكرية في معسكر صلاح الدين في مديرية البريقة، وهو معسكر غير بعيد من معسكر محصّن لقوات التحالف العربي في عدن التي تتّخذها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عاصمة موقتة للبلاد. صباح السبت 18 آب/ أغسطس 2018، أقامت الكلية العسكرية حفل تخرّج لعدد من طلابها؛ لكن مجموعات مسلّحة تتبع ما يُسمّى بألوية الحزام الأمني المدعومة من دولة الإمارات، قامت بمهاجمة المتخرّجين بالرصاص الحي خلال الحفل ما أدّى إلى مقتل الجندي محمد وإصابة اثنين آخرين حالتهما خطيرة.

كان سبب الهجوم رفع أعلام الجمهورية اليمنية في المعسكر واختفاء أعلام جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية التي عادة ما يرفعها الداعون إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله.

رفع نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش اليمني اللواء صالح الزنداني وقائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء فضل حسن اللذان تعذّر حضورهما للمشاركة في الحفل، تقريراً أولياً عن تداعيات أحداث التخرّج جاء فيه وفق ما نشرته وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) التي تبث من العاصمة السعودية الرياض: “في صباح هذا اليوم السبت الساعة السادسة والنصف، تم قطع الطريق المؤدية إلى صلاح الدين عند جسر البريقة بواسطة قاطرات البترول وعربات وأطقم، وفي السادسة وخمسة وأربعين دقيقة أثناء تجمّع الطلبة في الميدان الأسود، قامت مجموعة من اللواء الأول دعم وإسناد والتابع للحزام الأمني، بإطلاق النار المركز على الطلبة والضباط في ساحة العروض بالكلية العسكرية لمنعهم من احتفال تخرّج تلك الدفعة من طلاب الكلية”.

بعد ساعات أشار خبر نشرته (سبأ) أيضاً إلى أن الرئيس هادي وجّه بإحالة القياديين في الحزام الأمني (أبو اليمامة) و(أبو همام) إلى القضاء لمحاكمتهما مع من يثبت تورّطهم في الحادثة.

لكن الرئيس هادي لا يسيطر فعلياً على عدن. وهي مدينة وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في نيسان/ أبريل الفائت “مأخوذة رهينة في لعبة شد حبال متداخلة: هناك أنصار حكومة هادي من جهة، وخصومهم في المجلس الجنوبي الموقّت من جهة أخرى”. ويضيف التقرير: “ثمة نزاع بين مصالح وطنية ومحلية متعارضة يسعى فيه الجميع إلى السيطرة على الموارد لكن ليست هناك قوة تحكم بشكل فعّال”.

وعادة ما تبدو إجراءات الرئيس هادي نحو من يسيطر على عدن مجرّد حبر على ورق. بل وأيضاً مجالاً لتحدّي الرئيس نفسه إن كان بمقدوره تنفيذ إجراءاته تلك.

تحدّى وزير الدولة السابق هاني بن بريك على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” صباح اليوم التالي للحادثة التي أودت بحياة محمد دحمان، الرئيس هادي، إحالة القائدين العسكريين في ألوية الحزام الأمني (أبو اليمامة) و(أبو همام) إلى القضاء لمحاكمتهما.

لم يحدث أن قام أحد بسلوك مماثل لسلوك هاني من قبل. كتب هاني بن بريك على صفحته الشخصية في “تويتر: “كلنا أبو اليمامة كلنا أبو همام إحالة شعب الجنوب للمحاكمة”، وأضاف الشيخ السلفي هاني بن بريك الذي لا يعترف بأنه يمني ويطالب بإقامة دولة الجنوب العربي في جنوب اليمن: “سنرى من سيحاكم من”.

ينطلق هاني بن بريك في موقفه هذا من يقينه بأن الرئيس ضعيف، فقد سبق أن قام هادي بإقالة هاني بن بريك من منصبه كوزير للدولة في 27 نيسان 2017 وإحالته إلى التحقيق. لكن ظل قرار إحالته إلى التحقيق غير نافذ منذ ذلك الوقت.

قاتل هاني بن بريك في بداية الحرب التي شهدتها مدينة عدن أواخر آذار/ مارس 2015، ضمن الجماعات السلفية تحت قيادة القائد الميداني العام هاشم السيد الجنيدي مُعترفاً بأنه يمني، وأشرف على ألوية الحزام الأمني الناشئة ومن ثم تم تعيينه وزيراً للدولة وجرّ معه عدداً من الموالين له إلى صفه الموالي للإمارات المعادي لحزب الإصلاح، ومكّنهم من مساجد عدن.

يشغل هاني بن بريك الآن منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الممول من دولة الإمارات حيث يقضي معظم وقته في أبو ظبي.

ويُصرّ المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي محافظ عدن السابق الذي أقاله الرئيس هادي من منصبه هو الآخر في 27 نيسان 2017، على تقديم نفسه كممثل وحيد للقضية الجنوبية ويطالب بالانفصال، وفي الوقت ذاته يقدّم نفسه كقائد لميليشيات مسلّحة، وليس بصفته مكوّناً سياسياً ضمن مكوّنات سياسية أخرى في سياق المشهد العام.

الانفصال مجدّداً

أعادت النهاية المأسوية للشاب محمد دحمان انفصال جنوب اليمن عن شماله إلى واجهة المشهد السياسي في اليمن. تقول رسالة المهاجمين بوضوح إن ثمة من يريد أن يفرض الانفصال بقوة السلاح.

في الواقع ثمة رسائل كثيرة نحت المنحى ذاته الذي يؤكد أن قطعة من القماش أغلى من حياة إنسان ليس من اهتماماته الخوض في السياسة.

قبل وقوع هذه الحادثة التي أودت بحياة الشاب محمد دحمان بنحو شهر تقريباً، كان خطاب أحد القادة العسكريين للحزام الأمني بعدن يعيد الانفصال إلى واجهة المشهد السياسي بقوة السلاح.

قال قائد اللواء الأول دعم وإسناد الذي يتبع ألوية الحزام الأمني، العميد منير اليافعي المُكنّى بـ”أبو اليمامة”، وهو ذاته الذي أحاله الرئيس هادي إلى القضاء في حادثة مقتل الشاب محمد دحمان، إنه يتعهّد بـ”الانقضاض على العاصمة عدن والجنوب في الأيام القريبة والسيطرة على الأرض وإدارتها”، مُعيداً إلى الأذهان محاولة الانقلاب العسكري المسلّح الفاشلة التي قامت بها مجاميع مسلحة تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً نهاية كانون الثاني/ يناير الفائت للإطاحة بالحكومة الشرعية، وأسفرت عن سقوط نحو 70 قتيلاً وعدد من الجرحى.

يسقط الكثير من القتلى في عدن، لكن الانفصال لم يحدث حتى الآن. وكلما سقط قتلى يفكر كثرٌ إن كان الأمر يستحق ذلك فعلاً.

موقف الأحزاب الكبيرة في اليمن، مثل “المؤتمر الشعبي العام” و”حزب التجمع اليمني للإصلاح”، و”الحزب الاشتراكي اليمني”، ما زال لا يدعم خيار الانفصال. في مقابل ذلك، ترفع فصائل الحراك الجنوبي المختلفة، كما المجلس الانتقالي الجنوبي، ومجلس الحراك الثوري الجنوبي، راية الانفصال، وتدعو إلى تحقيقه.

اللافت في هذا المشهد السياسي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي يرفض تصنيفه مكوناً سياسياً مثل المكونات السياسية الأخرى، ويضم في عضويته في الوقت ذاته أعضاء في أحزاب المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، الأحزاب ذاتها التي لا تدعم خيار الانفصال.

“اكتشفنا في نهاية الأمر أننا تائهون، وقادتنا تائهون أكثر منّا، لا يعرفون كيف يحقّقون الانفصال”

يقول القيادي في الحراك الجنوبي عبدالكريم السعدي: “تحالفات الضرورة التي تقوم في أي بقعة من العالم ولمواجهة أي حدث تقيّدها أسس، وتحكمها اتفاقات، وتُوضع لها معايير تحدد أهداف كل طرف من أطراف هذه التحالفات وواجباته وحقوقه، وما حدث في الجنوب لا معايير له ولا أسس أو اتفاقات تحمي حقوق الأطراف”.

ويضيف لـ”درج”: “يكفينا عبث بعقول البسطاء فإما ينزل العلم اليمني في كل مناطق عدن والجنوب وإما يرتفع فيها، لا يوجد حل وسط، أما أن يتم تحريم رفع العلم على الكلية العسكرية في صلاح الدين، فيما نسمح برفعه في جارتها بئر أحمد ومعاشق، فهذه حالة فصام يجب الخضوع للعلاج منها وبعد الشفاء نفكر في العودة إلى الثورة وربنا يسهل أمورنا”.

بإمكان المتجوّل في شوارع مديريّات عدن أن يلحظ أن الكثير من الناس منشغلون في مواجهة مصاعب الحياة أكثر من اهتمامهم برفع علم هنا أو هناك، أو معرفة ما الذي سيسفر عنه نزال التحدّي بين (هادي) و(هاني). في الواقع، لم يعد أحد يهتم ببيع أعلام الجنوب كما كان يحدث من قبل.

وافق أحد الشباب البارزين الذين قاتلوا في الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن أواخر آذار 2015 على التحدث إلى “درج” عن انفصال الجنوب شريطة عدم ذكر اسمه. قال: “لم يعد الاهتمام برفع علم الجنوب كما كان من قبل لدى الكثير من الشباب. فقدنا الحماسة في فعل ما تعودنا على فعله. أنظر لقد اختفت هذه الأعلام في كثير من الأماكن لأنها صارت مصدر ربح لمعظم القادة”.

ويوضح الشاب بعد إلحاح: “وجدنا كشباب مقاتلين أن الحرب الأخيرة التي شهدتها عدن كشفت لنا بروز قادة كل همهم جني ما يستطيعون جنيه من المال لمجرد أنهم مستمرون في رفع علم الجنوب ويطالبون بالانفصال ويشترون الشقق الفارهة في العاصمة المصرية القاهرة وبعضهم في أبوظبي التي صارت مقراً دائماً لهم، في حين نحن الغالبية من الشباب الذين دافعنا بأرواحنا عن المدينة بالكاد نتحصل على الفتات، وفي خضم كل هذا اكتشفنا أنه لا يوجد مؤشر حقيقي دال على إمكان حصول انفصال”.

“اكتشفنا في نهاية الأمر أننا تائهون، وقادتنا تائهون أكثر منّا، لا يعرفون كيف يحققون الانفصال، لكنهم يعرفون كيف يجنون الكثير من الأموال وهذا آخر ما أستطيع قوله لك”، منهياً حديثه بنبرة صوت حزينة.

يؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي أنه يعرف ما يريد ما تحقيقه. وينظر إلى ما حدث في الكلية العسكرية بصلاح الدين بشكل مختلف من وجهة نظره. يقول بيانه: “إن المحاولة الأخيرة المدروسة والممنهجة التي حصلت يوم 18/8/2018، في الكلية العسكرية في صلاح الدين، ما هي إلا محاولة أخرى من المحاولات، الغرض منها توجيه رسالة إلى المبعوث الأممي مارتن غريفيث، ونحن على أبواب محادثات جنيف أن هذه القوى تسيطر على الجنوب، وأنها تمثل الجنوب وإرادته وهي ليست كذلك ولن تكون بإذن الله”.

لكن الأمر مختلف عند من هو معني بشأن اليمن على مستوى الأمم المتحدة وفي ما يخص جنوب اليمن بالضرورة؛ إذ ستنطلق مفاوضات في جنيف بتاريخ 6 أيلول/ سبتمبر المقبل بين الحكومة الشرعية والحوثيين في محاولة للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع المسلّح في البلاد.

يؤكد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث أنه “من الضروري أن يدرك الجنوبيون ما سيحدث في المشاورات، ولاحقاً في المفاوضات لأنها ستؤثر فيهم. إن مسألة مستقبل الجنوب لن يتمّ التفاوض بشأنها في هذه المشاورات بل ستكون جزءاً من نقاش يمني في المرحلة الانتقالية. لقد شرحنا ذلك للجنوبيين، وأوضحنا ذلك لجميع المعنيين وهم يوافقون عليه”.

علاوة على ذلك، يضيف الرجل: “بصفتي مبعوث الأمم المتحدة أؤمن بسيادة أي دولة ووحدتها وأمنها، وهي قيم الأمم المتحدة، فإننا لا ندعم الانفصال، نحن لا ندعم أي انفصال ما لم يكن نتيجة عملية توافقية داخل تلك الدولة العضو، لذلك نحن بالفعل نأخذ الرأي القائل إن وحدة اليمن مهمّة، وهي فعلاً كذلك. إذا انفصل اليمن اليوم فسيكون ذلك كارثياً”.

يقول الديبلوماسي اليمني عبدالله الحنكي، لـ”درج”: “في ما يخص القضية الجنوبية فلم يكن المبعوث الدولي بعيداً من الموضوعية حين قرّر أنها من مهمّات المسار اللاحق لا سيما بعد ما تبيّن من استغراق الأطراف الجنوبية في أوهام وتخبّط لا يجعلان منها أداة مفيدة لحل مشكلات الجنوب بمعزل عن الإطار العام للوطن الواحد”.

إقرأ أيضاً:
في اليمن قد تُعيد نفوذ تنظيم القاعدة
صناعة الفرد الآمر الناهي في اليمن لم تكتمل بعد: عبدربه منصور هادي نموذجاً

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.