fbpx

عن التحرش والنسوية وعن معنى حياتنا كإناث

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
يارا دبس

هل أنا مُطالبة بدليل أمام عائلتي وعائلته إذا ما قرّرت البوح عن اسمه ووصفه علناً بأنّه رجل متحرّش جنسياً، تعدّى على مساحتي الجسدية وأنا في سن الرابعة عشرة! حسناً، أحتاج إلى معجزة لتقديم أي دليل، كل ما أملكه هو الحقيقة التي لا أشكّّ بها

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تصاعدت في الأيام الأخيرة نقاشات حادة على السوشيال ميديا على خلفيات حوادث بعينها تتعلق بالتحرش الجنسي. تشعبت السجالات لتطال مفاهيم التحرش وحدود الحرية والمسؤولية والحركة النسوية..

يارا دبس رغبت في أن تشارك في هذا النقاش من خلال هذا المقال..

أخبرت صديقي منذ فترة عن ثلاث قصص لثلاث نساء أرغب بالكتابة عنها، لكنني أخاف من فعل الكتابة وما قد ينجم عنه، علماً أن هذا الخوف غير مُبرّر إذا ما قاربنا قصصهنّ من نواح إنسانية وحقوقية، لا من النواحي المجتمعية التي قد تحوّل الضحيّة إلى مذنبة.

القصة الأولى سمعتها من جدّتي صدفةً، فهي قالت حرفياً:”كبّها بالبير عشان ما تروح مع فلسطيني، كبّها هيي وعايشة وما حدا حكي كلمة..كان عمرها 16 سنة”.

القصة الثانية لفتاة قُتلت برصاص والدها، الذي أطلق النار عليها ومنع الناس من إسعافها كي تموت، وتأكّد من موتها. هذه المرأة لا قبر واضح لها، مدفونة بلا إسم، بلا رخامة تعلو التراب الذي أهيل فوق جسدها كبقيّة الأموات. لا صور لها، ولا حتّى ذكرى وفاة، أو سورة فاتحة عن روحها أو مجلس عزاء. لها موتها، وسطوة أبيها، وقصّتها المنسيّة. ماتت قبل ولادتي، لكنّني أحبّها، وأحزن أنّني عاجزة عن إحقاق عدالتها وأشعر بالسخافة كلّما أغلقت موضوعها مُجبرة، وقد حفظت جيداً المكان الذي ماتت فيه. مُرعب هذا المجتمع، مُرعب وهذا أقلّ ما يُقال.

القصة الثالة هي لامرأة حملت بلا زواج، وقرّرت الإبقاء على طفلها وهربت لسنوات خوفاً من قتلها وقتل ابنها، لكنّها وإن لم تكن محظوظة بقدرتها على تسجيل إبنها على اسمها، إلا أنها وجدت رجلاً تكفّل بهذا الأمر.

كنت أرغب بألّا تكون هذه القصص مدخلاً للكلام عن معنى حياتنا كإناث، لكنها كذلك فعلاً وأنا غير قادرة على الغوص أكثر في تفاصيل سيرهنّ، لأن أحداً لا يريد أن يعرف.

تلاحقني تلك الحكايات لكوني أشعر بالعجز عن ذكر إسم رجل تحرّش بي لأنّه “واصل”، أو بمعنى آخر له نفوذ.

أرى هذا الرجل بشكل دائم، فهو يتمتع بامتيازات كثيرة فيما عدا أنّه “ذكر”، ويملك سمعة ممتازة.

من المؤسف أن نضطر عند كل قضية أن نسترجع معاناتنا، وما يحيطنا من ظروف لا تقدّم لنا أدنى حماية، من المؤسف أنّ يتحوّل النضال النّسوي الى تهمة، وأن يصبح نكتة لأن البعض لم تعجبه الأساليب، لأننا أيضاً لا خبرة كافية لدينا لمحاربة هذا النظام بأدواته، لأن لا أدوات معنا أصلاً.

هل أنا مُطالبة بدليل أمام عائلتي وعائلته إذا ما قررت البوح عن اسمه ووصفه علناً بأنّه رجل متحرّش جنسياً، تعدّى على مساحتي الجسدية وأنا في سن الرابعة عشرة! حسناً، أحتاج إلى معجزة لتقديم أي دليل، كل ما أملكه هو الحقيقة التي لا أشكّّ بها، واسم فتاة أخرى تعرّضت لتحرّش من قبله. أذكر أنني واجهتها باسمه دون أن تخبرني بأي شيء، لكنني كنت بحاجة للتأكّد من حكمي عليه، لأنني ظننت للحظة أنه من الممكن أن أكون مخطئةً، طرحت عليها سؤالاً واحد بلا مقدّمات، هل تحرّش بك؟ قالت نعم.

لن أتحدّث عن الذكور وعمّا لا يعايشنه، سأحكي عمّا نعيشه كفتيات منذ ولادتنا، يومياً، حتى نموت أو نُقتل كمنال ورقيّة وريبيكا وغيرهنّ كثيرات قرأنا وتابعنا حكاياتهن الصادمة..

نحنا فتيات نخاف منذ صغرنا وحتى بلوغنا سن الرشد من أشياء كثيرة وتفاصيل تُعتبر تافهة، لكنها مخاوف تبني شخصيّاتنا وقلقنا وغضبنا من كل وأي شيء.

نخاف المشي في الشوارع بملابس قصيرة، وأحياناً بملابس محتشمة.

نخاف أن نُنعت بالعاهرات بسبب سهرة أو علاقة علنية.

نخاف من الردّ على إهانة شوارعية كي لا نُعتبر قليلات أخلاق لأننا لم نلتزم الصمت.

نخاف الأطباء، والقوانين، والمحاكم، والإنجاب والإمتناع عنه، نخاف الحديث عن الدورة الشهرية، ونخاف غيابها.

نخاف الدين ورجاله، ونهرب من شهواتنا ومن أجسادنا.

في فيلم what happened, miss simone الذي يحكي قصة حياة المغنية نينا سيمون، يظهر بدايةً للمشاهد أنها محظوظة لأن الرجل الذي أحبّته ترك وظيفته كعسكري ليكون رجل أعمالها، وأصبح سرّ سعادتها وشهرتها ووصولها للعالمية، ليتبيّن لاحقاً، أنّه رجل معنّف يضربها بوحشية كل يوم، ويجبرها على العمل بطاقة لا تحتملها، ولا يحتملها أحد، وأنّه سبب رئيسي من أسباب تعاستها. أراد أن يستعمل موهبتها كما يريد هو وإن كانت موهبتها ملكاً لها. هو كالكثير من الأزواج الذين يقررون حيوات زوجاتهم، أتحدّث عنه لأنه ككثيرين  يبدون بأبهى صورة في الواجهة لكنهم في الحقيقة شيئ آخر..

نينا لم تكن محظوظة، وكذلك ابنة الرجل الذي قال لي مرة “البنت متل السرطان ومش لازم تتعلّم”

وليست محظوظة حبيبة الشاب الذي قال لي مرة “انتي حلوة ليش لتحكي بالسياسة.؟”

ولسن محظوظات الفتيات اللواتي استدرجهنّ الإعلامي الكبير بحجّة أنّه يريد تدريبهنّ على الصحافة، لكنّه يريد منهنّ علاقة جنسية حتى لو كان يكبرهم بما يفوق الثلاثين عاماً.

نحن سخيفات ومبالغات طالما أننا خرجنا من الإطار الذي يضعه “الرجل” لحياتنا، حتى في نضالنا النّسوي علينا أن نضع معايير تناسب هذا الرجل وتحافظ على امتيازاته وقوّته لنُعتبر محقّات، يجب أن نراعي كل ما يمرّ بالبال من مخاطر سيعاني منها بعض الأشخاص إذا ما تكّلمنا، لكن أحزاننا وحقوقنا في آخر الأولويات.

في السنة الماضية قضت أكثر من 12 امرأة قتلاً على أيدي رجال، وحُرمت آلاف النساء من حضانة أطفالهنّ، ومنعت أمهات كثيرات من إعطاء الجنسية لأطفالهنّ. لا إحصاءات عن اللواتي اغتُصبن ونامت قضاياهم في أدراج المحاكم.

هل حقاً نحن منتصرات، ولم نلق أي حلّ إيجابي للمادة التي تسمح للمغتصب من الزواج من ضحيته سوى البارحة، ومن جريمة الشرف قبل البارحة.

أي مبالغات تتحدّثون عنها في بلد يعتبر زواج المغتصب من ضحيته إنصافاً لها وسترةّ لها، بلد لا يعتمد سوى قانون الأحوال الشخصية الذي يهدر حق المرأة بكل تفاصيله  وجوانبه وطوائفه.

من المؤسف أن نضطر عند كل قضية أن نسترجع معاناتنا، وما يحيطنا من ظروف لا تقدّم لنا أدنى حماية، من المؤسف أنّ يتحوّل النضال النّسوي الى تهمة، وأن يصبح نكتة لأن البعض لم تعجبه الأساليب، لأننا أيضاً لا خبرة كافية لدينا لمحاربة هذا النظام بأدواته، لأن لا أدوات معنا أصلاً.

ليست النسويّة التي تحدّ من حريّة المرأة الجنسية، والتي تقع في فخ رجالات الدين وقيود المجتمع هي التي أتحدّث عنها، ولا هي التي لا تصدّق أنه من الممكن أن يناصر الرجل قضايا المرأة لمجرّد أنّه ذكر، فنعود ونقع في ذات التمييز الجنسيّ.

النسويّة التي ننادي بها هي التي تحمي حريّة الفتاة وحقّها بالعيش كما تريد، والنسويّة التي تناضل لكسب المرأة كل ما أفقدها النظام والمجتمع من حقوق نالها الرّجل منذ قرون بحيث يعيشان معا الرجل والمرأة متساويين في الحقوق والواجبات.

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!