fbpx

عن الرئيس هادي وأوقات من اليقظة النادرة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قبل أشهر قليلة، تداولت الأوساط القريبة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، غضب. بالنسبة لبلد يُحكم عن بعد، يبقى معطى مثل هذا، محل اهتمام.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل أشهر قليلة، تداولت الأوساط القريبة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، غضب. 

بالنسبة لبلد يُحكم عن بعد، يبقى معطى مثل هذا، محل اهتمام. لكن -ويا للخيبة- حتى هذا الغضب الوحيد، لم يكن ذا قيمة بالمقاييس التي يفترض أن تكون لقادة الشعوب. 

بحسب الرواية التي لم نكن لنصدقها، لو أنها قيلت في قائد آخر، فإن الرئيس هادي امتنع عن القيام بأي نشاط، بما في ذلك استقبال شخصيات ذات صلة بممارسة مهامه. اعتكف في محل إقامته في العاصمة السعودية الرياض، وطالب بعقد لقاء له مع ولي العهد السعودي؛ نعم، لقاء عاجل وسريع. كل ذلك لأن القائمين على القصر الذي ينزل فيه ضيفًا منذ سنوات، رفضوا إيصال شحنة القات (الهرري) الطري، الذي يصل إلى مقامه يوميًّا على متن طائرة تتولى نقله من أثيوبيا. 

أيًّا تكن تدخلات المخيلة الشعبية في متن الحكاية، وأيًّا يكن الزائد والمنقوص فيها، لم يكن لنا بد من الاستشهاد بها، لأنها -رغمًا عن أنوفنا- تختصر ممارسات مطابقة في مسيرة الرئيس، وإدارته للشأن اليمني منذ أول يوم لتسلمه منصبه، 25 فبراير/ شباط 2012. 

ما الذي يتوخاه الرئيس المعترف به دوليًّا من هذا الوجود الملتبس في حياتنا نحن اليمنيين؟ وما الذي يصبو إلى تحقيقه، أكثر مما تحقق لنا في عهده الميمون؟ هل شهدت البشرية على طول مسيرتها، في تشكيل وعي الأفراد وفن صناعة القادة من النخب، وضعًا كهذا الذي ابتلينا بحلوله علينا لما يقارب عشر سنوات؟ أي خوارزمية معقدة ، أنتجت لنا هذا “القائد”! لو أننا نعثر على الإجابة ونوفر على أنفسنا عناء هذا الرثاء والكلفة النفسية المترتبة عليه.

لسنوات، ونحن نحاول أن نسبر أغوار هذا التكتل الذي اصطدمت سفينتنا بحوافه المسننة، حتى لكأننا ونحن نلقي بأجسادنا في هذا البحر المتلاطم، ملتمسين النجاة، نراه هناك بعيدًا، على كرسيه، واضعًا ساقًا على ساق، ويبتسم بسحنة سائلة مترهلة لهبة التفكيك التي منحته إياها عثرات السياسة. ومثلما كان الغموض سيدًا عند كل محاولة للاقتراب من “القائد” وسبر سياسته المحيّرة قبل عشر سنين مضت، نعيش اليوم كناجين بالصدفة على جزيرة محجوبة عن أنظار العالم. كنا نترقب قراراته ونحن فاغرين أفواهنا، ذاهلين ومشلولي القدرة على الإحاطة بما قد تنتجه النزاعات، و مخاضات الدول، وحروب القبائل، وسباق المكائد للوصول إلى السلطة، واليوم، هل ما زال هناك من يعتقد بأن سرّ الخلاص يكمن بين أصابعه؟! 

ثم إننا نتساءل، ونحن نحاول التنقيب في الإجابات، أين تتكثف رمزية الرئيس المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي؛ هل في غضب نظام علي عبدالله صالح من تمردنا عليه وإرادة العقاب الذي توخاه لنا، أم في التيه الوطني الذي احتلت به الجماهير الشوارع ونصبت على أطنابه خيامها؟ لا مواربة في اعتبار الأمر مزيجًا بين هذا وذاك؛ بين نظام صالح المتكثف ضغائن في هذه اللامعقولية الفادحة، وبين سذاجة الثوار وتعطشهم اللامحدود للفوضى.

بذلك كله، تواطأت المرحلة الانتقالية على تسليم زمام البلد لهذا القائد. كانت نية الانقضاض على السلطة مبيتة؛ هكذا أرادها الجميع، وهكذا قالوا، لكن المتربص الأكبر، الحوثي، كان قد حمل بندقيته وأشهرَها في كل الوجوه، متخذًا من الإبهام الذي عليه كرسي الرئاسة، فرصة لا تعوض لفرد عضلة القوة والبأس الشديد.

بمثل هادي، جُلب العبث وسوء الإدارة إلى كرسي السلطة الحصين؛ عسكريٌّ نزعت عنه الدنيا مخالبه، مدنيٌّ لكن برتب عسكرية، أخرس لكن بقدرات تفكيكية هائلة، ولسان طليق عندما يكون موضوع الحديث إخفاقاته وقدرته الفائقة على الهرب، وفي الوقت نفسه الذي يحتم عليه واجبه الوطني المجابهة وقول شيء للشعب؛ لكن أنّى لهذا التركيب العجيب من المتضادات أن يعرف الغضب! 

في السنوات القليلة الماضية، سجلت النميمة السياسية، أوقاتًا نادرة من غضب القائد، انتصر فيها هادي لموقعه. لكنها هي الأخرى لا تقول شيئًا في الادارة الخاصة للحكم، إلا باعتبارها ضربًا من المصالح الشخصية الضيقة. 

يغضب القائد؛ لأن مذيعًا انتقده قبل سنوات في إذاعة محلية، على صحفي أشار له بشكل عابر في صحيفة، وعلى حارس شخصي أزاحه أثناء وجوده في كرنفال، ومن قادة منفيين، كانوا يومًا ينافسونه في سلّم المرتبة الحزبية. أيًّا نقول، على وجه الدقة أو التقريب، لا أحد يشكك في العقلية الفصائلية لهادي، واعتقاده بالسلطة شكلًا من الضغينة الشخصية وإيقاع الخصوم ببعضهم، مع الكثير من التثاؤب، وانعدام كامل للنباهة والحكمة.

إقرأوا أيضاً:

لم يمر يوم إلا وحاول اليمنيون فيه بناء تكوين مفهوم من جملة تموضعات هادي وتصرفاته. قالوا عنه إنه ماكر، وربما مخادع، مسلوب السلطة، وقد يكون حسن الطوية، ومشكوك في قدراته على الإدارة. حاولوا أيضًا تجريده من المسؤولية، فقد نكون ضحايا لضعف في شخصية القائد، وشيخوخته، أو انعدام خبرته. كل شيء قيل، وكل الْتِماس وُضع، لكن في النهاية، تبقى هناك خلاصة واحدة ناصعة وجلية: هذا الرجل غير مسؤول، وتفكيكي بطريقة تفوق كل خيال. ومع عجزه، وصمته، ولا مسؤوليته، وانعدام نباهته، أثبت يقظة قلّما تجدها في أعتى الديكتاتوريات وأكثرها سطوة. لكن حتى يقظته لا تقل كارثية وتدميرًا.

ينام القائد في منفاه بأحد قصور الرياض، منقطعًا من كل شيء، إلا من السلطة وقد صارت موردًا ماليًّا لا ينضب. فبينما يموت مئات الآلاف من موظفي حكومته، وقد انقطعت عنهم أسباب عيشهم، يدير الرئيس هادي اليمن، من خلال شبكة مالية معقدة، تستخدم شرعية الاعتراف الدولي به لتحتكر عقود استيراد وربما تصدير النفط، وأشياء أخرى، من وإلى البلد، لتصب في حسابات وملاذات ضريبية تستفيد منها كتلة صلبة كوّنها القائد في غفلة من شعبه الذي اعتقد بأنه نائم.

كتلة المصالح هذه، استطاعت خلال سنوات الحرب بناء سياج فولاذي حول الكرسي الوهمي للرئاسة، ليصير محميًّا على هذا النحو العابث

والمخزي، لنرى قائدنا المبرأ بطبيعته من المسؤولية عن دمار البلد وتشظيه؛ قائدنا الذي لا يقوم بشيء ولا يفعل شيئًا، أوكل أمره إلى بطانة صالحة لا تقل عنه براءة ووداعة، تتولى إيقاظه في كل فرصة لانتقال السلطة إلى فاعلين جدد، فيستمر انحصار ممارسة السلطة في هذا المسار اللصوصي الخانع، ولو على حساب بلد بكل أجياله ومقدراته.

إقرأوا أيضاً:

طارق اسماعيل - كاتب لبناني | 02.12.2024

من يرد عنا تهديدات أدرعي؟ 

يفترض واقع الحال مباشرة الجيش مهمته القديمة والمستحدثة، كضامن وحيد لأمن الجنوبيين، ولو بحد أدنى متاحاً يستدعي بالضرورة تفعيل دور مديرية التوجيه فيه، كي لا يبقى الجنوبيون أسرى لاستعلاء ذميم يمارسه عليهم أفيخاي أدرعي.
26.12.2021
زمن القراءة: 4 minutes

قبل أشهر قليلة، تداولت الأوساط القريبة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، غضب. بالنسبة لبلد يُحكم عن بعد، يبقى معطى مثل هذا، محل اهتمام.

قبل أشهر قليلة، تداولت الأوساط القريبة من الحكومة المعترف بها دوليًّا، أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، غضب. 

بالنسبة لبلد يُحكم عن بعد، يبقى معطى مثل هذا، محل اهتمام. لكن -ويا للخيبة- حتى هذا الغضب الوحيد، لم يكن ذا قيمة بالمقاييس التي يفترض أن تكون لقادة الشعوب. 

بحسب الرواية التي لم نكن لنصدقها، لو أنها قيلت في قائد آخر، فإن الرئيس هادي امتنع عن القيام بأي نشاط، بما في ذلك استقبال شخصيات ذات صلة بممارسة مهامه. اعتكف في محل إقامته في العاصمة السعودية الرياض، وطالب بعقد لقاء له مع ولي العهد السعودي؛ نعم، لقاء عاجل وسريع. كل ذلك لأن القائمين على القصر الذي ينزل فيه ضيفًا منذ سنوات، رفضوا إيصال شحنة القات (الهرري) الطري، الذي يصل إلى مقامه يوميًّا على متن طائرة تتولى نقله من أثيوبيا. 

أيًّا تكن تدخلات المخيلة الشعبية في متن الحكاية، وأيًّا يكن الزائد والمنقوص فيها، لم يكن لنا بد من الاستشهاد بها، لأنها -رغمًا عن أنوفنا- تختصر ممارسات مطابقة في مسيرة الرئيس، وإدارته للشأن اليمني منذ أول يوم لتسلمه منصبه، 25 فبراير/ شباط 2012. 

ما الذي يتوخاه الرئيس المعترف به دوليًّا من هذا الوجود الملتبس في حياتنا نحن اليمنيين؟ وما الذي يصبو إلى تحقيقه، أكثر مما تحقق لنا في عهده الميمون؟ هل شهدت البشرية على طول مسيرتها، في تشكيل وعي الأفراد وفن صناعة القادة من النخب، وضعًا كهذا الذي ابتلينا بحلوله علينا لما يقارب عشر سنوات؟ أي خوارزمية معقدة ، أنتجت لنا هذا “القائد”! لو أننا نعثر على الإجابة ونوفر على أنفسنا عناء هذا الرثاء والكلفة النفسية المترتبة عليه.

لسنوات، ونحن نحاول أن نسبر أغوار هذا التكتل الذي اصطدمت سفينتنا بحوافه المسننة، حتى لكأننا ونحن نلقي بأجسادنا في هذا البحر المتلاطم، ملتمسين النجاة، نراه هناك بعيدًا، على كرسيه، واضعًا ساقًا على ساق، ويبتسم بسحنة سائلة مترهلة لهبة التفكيك التي منحته إياها عثرات السياسة. ومثلما كان الغموض سيدًا عند كل محاولة للاقتراب من “القائد” وسبر سياسته المحيّرة قبل عشر سنين مضت، نعيش اليوم كناجين بالصدفة على جزيرة محجوبة عن أنظار العالم. كنا نترقب قراراته ونحن فاغرين أفواهنا، ذاهلين ومشلولي القدرة على الإحاطة بما قد تنتجه النزاعات، و مخاضات الدول، وحروب القبائل، وسباق المكائد للوصول إلى السلطة، واليوم، هل ما زال هناك من يعتقد بأن سرّ الخلاص يكمن بين أصابعه؟! 

ثم إننا نتساءل، ونحن نحاول التنقيب في الإجابات، أين تتكثف رمزية الرئيس المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي؛ هل في غضب نظام علي عبدالله صالح من تمردنا عليه وإرادة العقاب الذي توخاه لنا، أم في التيه الوطني الذي احتلت به الجماهير الشوارع ونصبت على أطنابه خيامها؟ لا مواربة في اعتبار الأمر مزيجًا بين هذا وذاك؛ بين نظام صالح المتكثف ضغائن في هذه اللامعقولية الفادحة، وبين سذاجة الثوار وتعطشهم اللامحدود للفوضى.

بذلك كله، تواطأت المرحلة الانتقالية على تسليم زمام البلد لهذا القائد. كانت نية الانقضاض على السلطة مبيتة؛ هكذا أرادها الجميع، وهكذا قالوا، لكن المتربص الأكبر، الحوثي، كان قد حمل بندقيته وأشهرَها في كل الوجوه، متخذًا من الإبهام الذي عليه كرسي الرئاسة، فرصة لا تعوض لفرد عضلة القوة والبأس الشديد.

بمثل هادي، جُلب العبث وسوء الإدارة إلى كرسي السلطة الحصين؛ عسكريٌّ نزعت عنه الدنيا مخالبه، مدنيٌّ لكن برتب عسكرية، أخرس لكن بقدرات تفكيكية هائلة، ولسان طليق عندما يكون موضوع الحديث إخفاقاته وقدرته الفائقة على الهرب، وفي الوقت نفسه الذي يحتم عليه واجبه الوطني المجابهة وقول شيء للشعب؛ لكن أنّى لهذا التركيب العجيب من المتضادات أن يعرف الغضب! 

في السنوات القليلة الماضية، سجلت النميمة السياسية، أوقاتًا نادرة من غضب القائد، انتصر فيها هادي لموقعه. لكنها هي الأخرى لا تقول شيئًا في الادارة الخاصة للحكم، إلا باعتبارها ضربًا من المصالح الشخصية الضيقة. 

يغضب القائد؛ لأن مذيعًا انتقده قبل سنوات في إذاعة محلية، على صحفي أشار له بشكل عابر في صحيفة، وعلى حارس شخصي أزاحه أثناء وجوده في كرنفال، ومن قادة منفيين، كانوا يومًا ينافسونه في سلّم المرتبة الحزبية. أيًّا نقول، على وجه الدقة أو التقريب، لا أحد يشكك في العقلية الفصائلية لهادي، واعتقاده بالسلطة شكلًا من الضغينة الشخصية وإيقاع الخصوم ببعضهم، مع الكثير من التثاؤب، وانعدام كامل للنباهة والحكمة.

إقرأوا أيضاً:

لم يمر يوم إلا وحاول اليمنيون فيه بناء تكوين مفهوم من جملة تموضعات هادي وتصرفاته. قالوا عنه إنه ماكر، وربما مخادع، مسلوب السلطة، وقد يكون حسن الطوية، ومشكوك في قدراته على الإدارة. حاولوا أيضًا تجريده من المسؤولية، فقد نكون ضحايا لضعف في شخصية القائد، وشيخوخته، أو انعدام خبرته. كل شيء قيل، وكل الْتِماس وُضع، لكن في النهاية، تبقى هناك خلاصة واحدة ناصعة وجلية: هذا الرجل غير مسؤول، وتفكيكي بطريقة تفوق كل خيال. ومع عجزه، وصمته، ولا مسؤوليته، وانعدام نباهته، أثبت يقظة قلّما تجدها في أعتى الديكتاتوريات وأكثرها سطوة. لكن حتى يقظته لا تقل كارثية وتدميرًا.

ينام القائد في منفاه بأحد قصور الرياض، منقطعًا من كل شيء، إلا من السلطة وقد صارت موردًا ماليًّا لا ينضب. فبينما يموت مئات الآلاف من موظفي حكومته، وقد انقطعت عنهم أسباب عيشهم، يدير الرئيس هادي اليمن، من خلال شبكة مالية معقدة، تستخدم شرعية الاعتراف الدولي به لتحتكر عقود استيراد وربما تصدير النفط، وأشياء أخرى، من وإلى البلد، لتصب في حسابات وملاذات ضريبية تستفيد منها كتلة صلبة كوّنها القائد في غفلة من شعبه الذي اعتقد بأنه نائم.

كتلة المصالح هذه، استطاعت خلال سنوات الحرب بناء سياج فولاذي حول الكرسي الوهمي للرئاسة، ليصير محميًّا على هذا النحو العابث

والمخزي، لنرى قائدنا المبرأ بطبيعته من المسؤولية عن دمار البلد وتشظيه؛ قائدنا الذي لا يقوم بشيء ولا يفعل شيئًا، أوكل أمره إلى بطانة صالحة لا تقل عنه براءة ووداعة، تتولى إيقاظه في كل فرصة لانتقال السلطة إلى فاعلين جدد، فيستمر انحصار ممارسة السلطة في هذا المسار اللصوصي الخانع، ولو على حساب بلد بكل أجياله ومقدراته.

إقرأوا أيضاً: