fbpx

عن سرّ “النزعة الصينية” المستجدة في البلاد العربية

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تلك النزعة نحو الصين ناجمة، أيضاً، عن التبرّم من سياسات الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، واللامبالية إزاء تزايد خطر إيران في بلدان المشرق العربي واليمن.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

فجأة ظهرت هبّة في العالم العربي تتمثل بتولد نزعة “صينية”، أو بميل للقطب الصيني الصاعد، وهي هبة تستمد مشروعيتها من النجاح الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين في العقود القليلة الماضية، ومن سعيها إلى فرض ذاتها، كقطب دولي يحظى بالاحترام، بواسطة “القوة الناعمة”، مع التسليم بأفول مكانة روسيا، وتضاؤل فعاليتها في كل المجالات.

بيد أن تلك النزعة نحو الصين ناجمة، أيضاً، عن التبرّم من سياسات الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، واللامبالية إزاء تزايد خطر إيران في بلدان المشرق العربي واليمن، ومن مداخلاتها في شؤون حقوق الإنسان، وطلب التحولات الديمقراطية في مبنى الأنظمة العربية، التي ظهرت مع عهد الرئيس الجمهوري بوش الابن (مشروع “نشر الديمقراطية” و”الشرق الأوسط الكبير” 2002)، على خلفية التداعيات الناجمة عن الهجوم الإرهابي في نيويورك وواشنطن (2001)، والتي استمرت في عهدي الرئيسين أوباما وبايدن الديمقراطيين. 

المسألة ليست في المجادلة بشأن نجاحات الصين الاقتصادية، وصعودها كقطب دولي، فذلك أمر بديهي، ومثير للإعجاب، مع إدراك أن عالمنا في حقيقته متعدد الأقطاب، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بيد إن ما يفترض إدراكه، أيضاً، هو تعذر المساواة بين أقطاب دوليين غير متساوين، في القوة الاقتصادية والإنتاجية والتصديرية، وفي امتلاك ناصية التطورات العلمية والتكنولوجية، التي تعتبر قاطرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية وامتلاك القوة، في العالم. 

بحسب معطيات البنك الدولي لعام 2021، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين بلغ 17.7 ترليون دولار، في حين بلغ في الولايات المتحدة 23 ترليون دولار، بيد أن ذلك النجاح، المتحقق للصين، يفترض فحصه لدى مقارنته بدولة أخرى، لجهة عدد السكان ونوعية الإنتاج. 

مثلا، في المقارنة مع الولايات المتحدة (331 مليون نسمة) فإن حصة الفرد من الناتج المحلي فيها يبلغ 70 ألف دولار، في حين انه في الصين (1,4 مليار نسمة) يبلغ 12,500 دولار، حيث عدد السكان في الصين أكثر بأربعة أضعاف منه في الولايات المتحدة الأمريكية، علما إن المساحة متقاربة، ما يبين الفجوة بين الطرفين لصالح الولايات المتحدة، حتى لو كان الناتج المحلي الإجمالي متساوياً. أما في البعد المتعلق بالنوع، فإن المعطيات تفيد بأن الولايات المتحدة هي المصدر الأساسي للتطورات العلمية والتكنولوجية في العالم، ويأتي ضمن ذلك أبحاث الفضاء (تصرف عليها 55 مليار دولار سنوياً)، والاكتشافات فيما يتعلق بعلم الجينات، والذكاء الصناعي، علما إن الصين لديها مثل ذلك، لكن ضمن جيل، او مستوى، أدنى، بمعنى أن ثمة فجوة هائلة بين الولايات المتحدة، وبلدان العالم الأخرى المتقدمة، ومنها ألمانيا واليابان. وربما يجدر الإشارة هنا إلى أن الانفاق على البحث العلمي والتطوير يبلغ في الولايات المتحدة 3.5 بالمئة من ناتجها الإجمالي السنوي، في حين هو في الصين 2.4 بالمئة، وفي ألمانيا 3.14 بالمئة، وفي اليابان 3,26 بالمئة (في إسرائيل 5.5 بالمئة)، أي إن الولايات المتحدة تصرف سنويا 800 مليار دولار على البحث العلمي (ومثلها موازنة التسلح إذ نصيبها نصف الإنفاق العالمي)، في حين تصرف الصين على البحث العلمي حوالي 400 مليار دولار.

في المقارنة بين الصين وكل من ألمانيا، أو اليابان، فإن الصين (9.5 مليون كلم2) أكبر بثلاثين مرة من اي منهما (أقل من 400 ألف كلم2)، وعدد سكانها أكبر بـ17 أو 14 ضعفا، مع ذلك فإن الناتج الإجمالي لكل منهما على حدة، يساوي أكثر من ربع الناتج الإجمالي للصين، علما أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في ألمانيا 51 ألف دولار (85 مليون نسمة)، وفي اليابان 39 ألف دولار (125 مليون نسمة)، أي أعلى بعدة أضعاف منه في الصين. 

في المقارنة مع الولايات المتحدة (331 مليون نسمة) فإن حصة الفرد من الناتج المحلي فيها يبلغ 70 ألف دولار، في حين انه في الصين (1,4 مليار نسمة) يبلغ 12,500 دولار.

في السياق ذاته، مقارنة مع روسيا (143 مليون نسمة)، وهي أكبر دولة في العالم (17 مليون كلم2)، فإن ناتجها المحلي الإجمالي 1.7 ترليون دولار، فقط، (وللفرد 12.200 دولار)، رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة، بسبب نظامها السياسي، وطريقة إدارتها لمواردها، إذ هي ليست بين الدول العشر الأولى في العالم، بل إن دولة بحجم إيطاليا او كوريا الجنوبية أقوى منها اقتصادياً؛ مع الاخذ بالاعتبار انها تشتغل على “عضلاتها” العسكرية، أكثر من اشتغالها على التطور العلمي والتكنولوجي. على ذلك فإن ألمانيا (84 مليون نسمة ومساحتها 357 كلم مربع)، وهي بالنسبة لروسيا 1/50 من حيث المساحة، ونصف عدد السكان، فإن ناتجها الإجمالي المحلي ثلاثة اضعاف الاقتصاد الروسي (4.2 مليار دولار).

المقارنة بين الصين وروسيا ليست لصالح الأخيرة، أيضا، إذ تبدو كبلد يفتقر للتطور، رغم غناها المادي واتساع مساحتها، فبينما كان الناتج الإجمالي في الصين عام 2010 ستة ترليونات دولار، وفي روسيا 1.5 ترليون دولار، ارتفع في الصين في العام 2020 إلى 14 ترليون دولار، أي تضاعف، في حين ظل في روسيا على حاله، بمعنى أن العالم، وضمنه الصين، يتطور، في حين روسيا جامدة، أو لا تتمكن من التطور، رغم كل امكانياتها، الأمر الذي تنكره القيادات الروسية، بظنها إمكانية فرض ذاتها كقطب مقرر بواسطة الآلة العسكرية، فقط، علما أن الاتحاد السوفييتي (السابق) انهار من تلقائه، بسبب مثل ذلك الإنكار، وبسبب خسارته في الصراع على النموذج، وخسارته في المباراة السلمية بالذات، مع الدول الغربية.

الناحية الثانية، تتعلق بالنوع، فمعنى أن الصين مصنع العالم، ناجم عن أن الدول الصناعية الكبرى تخلت منذ عقود، وبتطور مسارات العولمة، عن الصناعات الاستهلاكية، والملوثة للبيئة، ولأن معظم الشركات الاحتكارية، خاصة الأمريكية والأوروبية، نقلت أعمالها إلى الصين (ودول آسيوية أخرى)، حيث الأيدي العاملة رخيصة، للتحرر من الضرائب ومن التقديمات للعمال في الدول الغربية، بل إن تلك الدول تخلصت من كثير من قطاع الأعمال التكنولوجية المتقدمة، للتحول نحو قطاعات جديدة، أكثر حداثة في مجال العلوم والتكنولوجيا العالية. 

طبعاً، يحسب للصين نجاحها في إدارة أوضاعها، واستثمارها في العولمة، لتوفر اليد العاملة لديها، وانفتاحها على العالم، منذ مطلع السبعينيات، باستعادتها مقعدها في الأمم المتحدة، ومع الانفتاح الأمريكي، والغربي، عليها، وانضمامها (2001) إلى منظمة التجارة العالمية. فمنذ ذلك الحين ارتفع نصيب الصين في التجارة العالمية، إذ بلغت عام 1979، نسبة وارداتها وصادراتها من السلع أقل من 1 بالمئة (30 مليار دولار) فقط، لكنها ارتفعت عام 2018 إلى 12 بالمئة منه (3.5 ترليون دولار)، وأصبحت أكبر دولة تجارية في العالم. (“ليو هونغ كوي”: تجارة الصين الخارجية في 70 عاما، “الصين اليوم”، 30/8/2019)

وما يؤكد اعتماد الصين على العولمة، وعلى علاقاتها الوثيقة بالغرب، سيما الولايات المتحدة، في الصناعة والمبادلات التجارية، أولا، امتلاكها احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 3 تريليون دولار، واستثمارات في سندات الخزانة الأمريكية بمقدار ترليون دولار، بمعنى إن لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على قوة العملة الأمريكية. ثانيا، عدم إمكانية استغنائها عن أسواق الدول الغربية، فالمبادلات التجارية بينها وبين الولايات المتحدة بلغت حوالي 600 مليار دولار (2021)، بميزان تجاري لصالح الصين طبعاً، وهو أكثر من ستة أضعاف المبادلات التجارية للصين مع روسيا (مؤخرا ارتفعت المبادلات الصينية الروسية إلى 170 مليار دولار)، إذ تستوعب سوق الولايات الأمريكية لوحدها، ربع او خمس الصادرات الصينية، وثمة 700 مليار دولار في المبادلات التجارية بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي، أي أن ثلثي المبادلات التجارية للصين هي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكندا واليابان وكوريا الجنوبية. ثالثاً، واقع تغلغل الشركات الأجنبية في قطاعات الإنتاج في الصين، منذ بدء الإصلاح والانفتاح، إذ ارتفعت حصتها من التصدير من حوالي 0,5 بالمئة عام 1980 إلى 58 بالمئة عام 2005. وقد جلبت تلك الشركات (5 آلاف شركة لألمانيا وحدها) معها الآلات والمعدات المتقدمة، وكذلك مفاهيم الإدارة والأكفاء الفنيين، مما ساعد الصين على الاندماج بسرعة في نظام الإنتاج العالمي، وساهم في النمو السريع للتجارة الخارجية للصين. (ليو هونغ كوي)

المقارنة بين الصين وروسيا ليست لصالح الأخيرة، أيضاً، إذ تبدو كبلد يفتقر للتطور، رغم غناها المادي واتساع مساحتها.

أما بخصوص وجود محور بريكس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل جنوب أفريقيا)، فإن الناتج المحلي للولايات المتحدة لوحدها يزيد عن الناتج المحلي لتلك الدول، ثم هي لا تشكل سوقاً مناسباً للصادرات الصينية الهائلة، ناهيك عن التناقض المعروف بين الصين والهند. هذا ينطبق على محور دول منظمة شنغهاي(الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان)، الضعيف اقتصادياً(بمعزل عن الصين) حتى مع إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان والهند ومنغوليا وأذربيجان وأرمينيا، إذ إن تناقضات تلك الدول أكثر من توافقها، وضمنها بين الصين والهند، والهند وباكستان، وقرغيزيا وطاجكستان، وأرمينيا وأذربيجان، بمعنى أن محور بريكس او شنغهاي، لا يضاهي أي من التجمعات التي تتمحور حول الولايات المتحدة وأوروبا، ولا في أي من مجالات القوة الاقتصادية أو العلمية أو التكنولوجية؛ مع أن الهند موجودة، أيضا، في مختلف التجمعات التي تقودها أو تتحكم بها الولايات المتحدة.

لا يعني كل ما تقدم أن الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي من الدول الأوروبية، أو اليابان، هي بمثابة الدولة الفاضلة، أو المثالية، لكنه يعني أن تلك الدول، حتى الآن، الأكثر قدرة على تطوير إمكانياتها، وتجديد أدواتها (وفقا لكتاب فؤاد مرسي: “الرأسمالية تجدد نفسها”)، كما وأن الدول التي تجمع بين الليبرالية، كحقوق مواطن، والديمقراطية، كنظام سياسي، أكثر قدرة على حل مشاكلها، بالقياس لدول تفتقد للحقوق والحريات والديمقراطية، ولعل ذلك بالذات، هو السر الذي يغذي النزعة الصينية الفجائية في البلاد العربية، أكثر من غيره من الأسباب المشروعة، تحت شعار: “لا تتدخلوا في شؤوننا”. يعني لا أحد دخله، لا نظريا ولا عمليا، لا في شأن حقوق انسان، ولا حريات ولا وجع راس، فنحن أدرى بأحوالنا، في استعارة للفكرة المراوغة، والمبتذلة، عن الاستثناء العربي للديمقراطية.

22.12.2022
زمن القراءة: 7 minutes

تلك النزعة نحو الصين ناجمة، أيضاً، عن التبرّم من سياسات الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، واللامبالية إزاء تزايد خطر إيران في بلدان المشرق العربي واليمن.

فجأة ظهرت هبّة في العالم العربي تتمثل بتولد نزعة “صينية”، أو بميل للقطب الصيني الصاعد، وهي هبة تستمد مشروعيتها من النجاح الاقتصادي الكبير الذي حققته الصين في العقود القليلة الماضية، ومن سعيها إلى فرض ذاتها، كقطب دولي يحظى بالاحترام، بواسطة “القوة الناعمة”، مع التسليم بأفول مكانة روسيا، وتضاؤل فعاليتها في كل المجالات.

بيد أن تلك النزعة نحو الصين ناجمة، أيضاً، عن التبرّم من سياسات الولايات المتحدة، الداعمة لإسرائيل، واللامبالية إزاء تزايد خطر إيران في بلدان المشرق العربي واليمن، ومن مداخلاتها في شؤون حقوق الإنسان، وطلب التحولات الديمقراطية في مبنى الأنظمة العربية، التي ظهرت مع عهد الرئيس الجمهوري بوش الابن (مشروع “نشر الديمقراطية” و”الشرق الأوسط الكبير” 2002)، على خلفية التداعيات الناجمة عن الهجوم الإرهابي في نيويورك وواشنطن (2001)، والتي استمرت في عهدي الرئيسين أوباما وبايدن الديمقراطيين. 

المسألة ليست في المجادلة بشأن نجاحات الصين الاقتصادية، وصعودها كقطب دولي، فذلك أمر بديهي، ومثير للإعجاب، مع إدراك أن عالمنا في حقيقته متعدد الأقطاب، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، بيد إن ما يفترض إدراكه، أيضاً، هو تعذر المساواة بين أقطاب دوليين غير متساوين، في القوة الاقتصادية والإنتاجية والتصديرية، وفي امتلاك ناصية التطورات العلمية والتكنولوجية، التي تعتبر قاطرة التحولات الاقتصادية والاجتماعية وامتلاك القوة، في العالم. 

بحسب معطيات البنك الدولي لعام 2021، فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين بلغ 17.7 ترليون دولار، في حين بلغ في الولايات المتحدة 23 ترليون دولار، بيد أن ذلك النجاح، المتحقق للصين، يفترض فحصه لدى مقارنته بدولة أخرى، لجهة عدد السكان ونوعية الإنتاج. 

مثلا، في المقارنة مع الولايات المتحدة (331 مليون نسمة) فإن حصة الفرد من الناتج المحلي فيها يبلغ 70 ألف دولار، في حين انه في الصين (1,4 مليار نسمة) يبلغ 12,500 دولار، حيث عدد السكان في الصين أكثر بأربعة أضعاف منه في الولايات المتحدة الأمريكية، علما إن المساحة متقاربة، ما يبين الفجوة بين الطرفين لصالح الولايات المتحدة، حتى لو كان الناتج المحلي الإجمالي متساوياً. أما في البعد المتعلق بالنوع، فإن المعطيات تفيد بأن الولايات المتحدة هي المصدر الأساسي للتطورات العلمية والتكنولوجية في العالم، ويأتي ضمن ذلك أبحاث الفضاء (تصرف عليها 55 مليار دولار سنوياً)، والاكتشافات فيما يتعلق بعلم الجينات، والذكاء الصناعي، علما إن الصين لديها مثل ذلك، لكن ضمن جيل، او مستوى، أدنى، بمعنى أن ثمة فجوة هائلة بين الولايات المتحدة، وبلدان العالم الأخرى المتقدمة، ومنها ألمانيا واليابان. وربما يجدر الإشارة هنا إلى أن الانفاق على البحث العلمي والتطوير يبلغ في الولايات المتحدة 3.5 بالمئة من ناتجها الإجمالي السنوي، في حين هو في الصين 2.4 بالمئة، وفي ألمانيا 3.14 بالمئة، وفي اليابان 3,26 بالمئة (في إسرائيل 5.5 بالمئة)، أي إن الولايات المتحدة تصرف سنويا 800 مليار دولار على البحث العلمي (ومثلها موازنة التسلح إذ نصيبها نصف الإنفاق العالمي)، في حين تصرف الصين على البحث العلمي حوالي 400 مليار دولار.

في المقارنة بين الصين وكل من ألمانيا، أو اليابان، فإن الصين (9.5 مليون كلم2) أكبر بثلاثين مرة من اي منهما (أقل من 400 ألف كلم2)، وعدد سكانها أكبر بـ17 أو 14 ضعفا، مع ذلك فإن الناتج الإجمالي لكل منهما على حدة، يساوي أكثر من ربع الناتج الإجمالي للصين، علما أن نصيب الفرد من الناتج الإجمالي في ألمانيا 51 ألف دولار (85 مليون نسمة)، وفي اليابان 39 ألف دولار (125 مليون نسمة)، أي أعلى بعدة أضعاف منه في الصين. 

في المقارنة مع الولايات المتحدة (331 مليون نسمة) فإن حصة الفرد من الناتج المحلي فيها يبلغ 70 ألف دولار، في حين انه في الصين (1,4 مليار نسمة) يبلغ 12,500 دولار.

في السياق ذاته، مقارنة مع روسيا (143 مليون نسمة)، وهي أكبر دولة في العالم (17 مليون كلم2)، فإن ناتجها المحلي الإجمالي 1.7 ترليون دولار، فقط، (وللفرد 12.200 دولار)، رغم ثرواتها الطبيعية الهائلة، بسبب نظامها السياسي، وطريقة إدارتها لمواردها، إذ هي ليست بين الدول العشر الأولى في العالم، بل إن دولة بحجم إيطاليا او كوريا الجنوبية أقوى منها اقتصادياً؛ مع الاخذ بالاعتبار انها تشتغل على “عضلاتها” العسكرية، أكثر من اشتغالها على التطور العلمي والتكنولوجي. على ذلك فإن ألمانيا (84 مليون نسمة ومساحتها 357 كلم مربع)، وهي بالنسبة لروسيا 1/50 من حيث المساحة، ونصف عدد السكان، فإن ناتجها الإجمالي المحلي ثلاثة اضعاف الاقتصاد الروسي (4.2 مليار دولار).

المقارنة بين الصين وروسيا ليست لصالح الأخيرة، أيضا، إذ تبدو كبلد يفتقر للتطور، رغم غناها المادي واتساع مساحتها، فبينما كان الناتج الإجمالي في الصين عام 2010 ستة ترليونات دولار، وفي روسيا 1.5 ترليون دولار، ارتفع في الصين في العام 2020 إلى 14 ترليون دولار، أي تضاعف، في حين ظل في روسيا على حاله، بمعنى أن العالم، وضمنه الصين، يتطور، في حين روسيا جامدة، أو لا تتمكن من التطور، رغم كل امكانياتها، الأمر الذي تنكره القيادات الروسية، بظنها إمكانية فرض ذاتها كقطب مقرر بواسطة الآلة العسكرية، فقط، علما أن الاتحاد السوفييتي (السابق) انهار من تلقائه، بسبب مثل ذلك الإنكار، وبسبب خسارته في الصراع على النموذج، وخسارته في المباراة السلمية بالذات، مع الدول الغربية.

الناحية الثانية، تتعلق بالنوع، فمعنى أن الصين مصنع العالم، ناجم عن أن الدول الصناعية الكبرى تخلت منذ عقود، وبتطور مسارات العولمة، عن الصناعات الاستهلاكية، والملوثة للبيئة، ولأن معظم الشركات الاحتكارية، خاصة الأمريكية والأوروبية، نقلت أعمالها إلى الصين (ودول آسيوية أخرى)، حيث الأيدي العاملة رخيصة، للتحرر من الضرائب ومن التقديمات للعمال في الدول الغربية، بل إن تلك الدول تخلصت من كثير من قطاع الأعمال التكنولوجية المتقدمة، للتحول نحو قطاعات جديدة، أكثر حداثة في مجال العلوم والتكنولوجيا العالية. 

طبعاً، يحسب للصين نجاحها في إدارة أوضاعها، واستثمارها في العولمة، لتوفر اليد العاملة لديها، وانفتاحها على العالم، منذ مطلع السبعينيات، باستعادتها مقعدها في الأمم المتحدة، ومع الانفتاح الأمريكي، والغربي، عليها، وانضمامها (2001) إلى منظمة التجارة العالمية. فمنذ ذلك الحين ارتفع نصيب الصين في التجارة العالمية، إذ بلغت عام 1979، نسبة وارداتها وصادراتها من السلع أقل من 1 بالمئة (30 مليار دولار) فقط، لكنها ارتفعت عام 2018 إلى 12 بالمئة منه (3.5 ترليون دولار)، وأصبحت أكبر دولة تجارية في العالم. (“ليو هونغ كوي”: تجارة الصين الخارجية في 70 عاما، “الصين اليوم”، 30/8/2019)

وما يؤكد اعتماد الصين على العولمة، وعلى علاقاتها الوثيقة بالغرب، سيما الولايات المتحدة، في الصناعة والمبادلات التجارية، أولا، امتلاكها احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 3 تريليون دولار، واستثمارات في سندات الخزانة الأمريكية بمقدار ترليون دولار، بمعنى إن لها مصلحة مباشرة في الحفاظ على قوة العملة الأمريكية. ثانيا، عدم إمكانية استغنائها عن أسواق الدول الغربية، فالمبادلات التجارية بينها وبين الولايات المتحدة بلغت حوالي 600 مليار دولار (2021)، بميزان تجاري لصالح الصين طبعاً، وهو أكثر من ستة أضعاف المبادلات التجارية للصين مع روسيا (مؤخرا ارتفعت المبادلات الصينية الروسية إلى 170 مليار دولار)، إذ تستوعب سوق الولايات الأمريكية لوحدها، ربع او خمس الصادرات الصينية، وثمة 700 مليار دولار في المبادلات التجارية بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي، أي أن ثلثي المبادلات التجارية للصين هي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية وكندا واليابان وكوريا الجنوبية. ثالثاً، واقع تغلغل الشركات الأجنبية في قطاعات الإنتاج في الصين، منذ بدء الإصلاح والانفتاح، إذ ارتفعت حصتها من التصدير من حوالي 0,5 بالمئة عام 1980 إلى 58 بالمئة عام 2005. وقد جلبت تلك الشركات (5 آلاف شركة لألمانيا وحدها) معها الآلات والمعدات المتقدمة، وكذلك مفاهيم الإدارة والأكفاء الفنيين، مما ساعد الصين على الاندماج بسرعة في نظام الإنتاج العالمي، وساهم في النمو السريع للتجارة الخارجية للصين. (ليو هونغ كوي)

المقارنة بين الصين وروسيا ليست لصالح الأخيرة، أيضاً، إذ تبدو كبلد يفتقر للتطور، رغم غناها المادي واتساع مساحتها.

أما بخصوص وجود محور بريكس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل جنوب أفريقيا)، فإن الناتج المحلي للولايات المتحدة لوحدها يزيد عن الناتج المحلي لتلك الدول، ثم هي لا تشكل سوقاً مناسباً للصادرات الصينية الهائلة، ناهيك عن التناقض المعروف بين الصين والهند. هذا ينطبق على محور دول منظمة شنغهاي(الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان)، الضعيف اقتصادياً(بمعزل عن الصين) حتى مع إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان والهند ومنغوليا وأذربيجان وأرمينيا، إذ إن تناقضات تلك الدول أكثر من توافقها، وضمنها بين الصين والهند، والهند وباكستان، وقرغيزيا وطاجكستان، وأرمينيا وأذربيجان، بمعنى أن محور بريكس او شنغهاي، لا يضاهي أي من التجمعات التي تتمحور حول الولايات المتحدة وأوروبا، ولا في أي من مجالات القوة الاقتصادية أو العلمية أو التكنولوجية؛ مع أن الهند موجودة، أيضا، في مختلف التجمعات التي تقودها أو تتحكم بها الولايات المتحدة.

لا يعني كل ما تقدم أن الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي من الدول الأوروبية، أو اليابان، هي بمثابة الدولة الفاضلة، أو المثالية، لكنه يعني أن تلك الدول، حتى الآن، الأكثر قدرة على تطوير إمكانياتها، وتجديد أدواتها (وفقا لكتاب فؤاد مرسي: “الرأسمالية تجدد نفسها”)، كما وأن الدول التي تجمع بين الليبرالية، كحقوق مواطن، والديمقراطية، كنظام سياسي، أكثر قدرة على حل مشاكلها، بالقياس لدول تفتقد للحقوق والحريات والديمقراطية، ولعل ذلك بالذات، هو السر الذي يغذي النزعة الصينية الفجائية في البلاد العربية، أكثر من غيره من الأسباب المشروعة، تحت شعار: “لا تتدخلوا في شؤوننا”. يعني لا أحد دخله، لا نظريا ولا عمليا، لا في شأن حقوق انسان، ولا حريات ولا وجع راس، فنحن أدرى بأحوالنا، في استعارة للفكرة المراوغة، والمبتذلة، عن الاستثناء العربي للديمقراطية.

22.12.2022
زمن القراءة: 7 minutes
|
آخر القصص
 هل تستطيع الدول العربية الغنيّة تجاهل أزمات جيرانها؟
أفراح ناصر - باحثة في المركز العربي في واشنطن | 12.10.2024
هل هُزم محور “المقاومة”فعلاً؟!
شكري الريان - كاتب فلسطيني سوري | 12.10.2024
لماذا أخفق حزب الله؟
ندى عبدالصمد - كاتبة وصحافية لبنانية | 12.10.2024
خطبة الوداع
بادية فحص - صحافية وكاتبة لبنانية | 11.10.2024

اشترك بنشرتنا البريدية