fbpx

عن عقوبات اقتصادية أصابت السوريّين ولم تصب النظام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

العقوبات الاقتصادية ضاغطة حقاً ولكن على الشعب السوري فقط؛ أمّا أمراء الحرب وبشار الأسد وشبّيحته فهم ينعمون بالثروات الطائلة والأموال المنهوبة من خزينة الدولة، ومن المنظمات الدولية والمهجّرين وحتى من ذوي المعتقلين والمقتولين أيضاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

سبع سنوات مضت على فرض العقوبات الأميركية والأوروبية على نظام الأسد، إذ ارتبطت بقمع الثورة السورية عام 2011، لكن بشار الأسد وبعض الأسماء من داعمين وكيانات تابعة لهم يرزحون تحت العقوبات منذ عام 2004 في قضية الوجود في لبنان، وبعد عام 2005 في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. هذه الحقائق لم تغيّر شيئاً في أوضاعهم، على رغم تزايد أعداد الأشخاص والكيانات المفروضة عليهم العقوبات ذاتها، على مر الأعوام. 

للسوريين معاناة أخرى مع العقوبات، إذ إن أي حدثٍ يعيق تقدّمهم في الحياة يرمون بأسبابه عليها. فهم يتساءلون، هل فُرضت العقوبات عليهم أم على نظام الأسد فقط؟!

فلمغادرة عشرات الشركات النفطية والبتروكيماوية الأثر الكبير على ارتفاع أسعار البنزين ومازوت التدفئة، فيما الوقود المتوفر أصبح بجودة منخفضة جداً، لكن العذر موجود لدى المواطن “المتجانس” الذي تحدّث الرئيس بشار الأسد عن ميزاته في أحد خطبه، والذي اكتفى أيضاً من جحيم الحرب، ووجد شمّاعة يعلّق عليها ضيق الحال، إذ إنه سمع في أحد المجالس أو محطات الوقود أو الحانات أن وراء هذا الاختناق شيء اسمه “العقوبات”.

“للعقوبات الأوروبية الأثر الكبير مقارنة بالعقوبات الأميركية، كون التعامل التجاري والمالي للنظام مع الاتحاد الأوروبي يقارب 56 في المئة من إجمالي التعامل الخارجي”

لقد وصل ارتفاع الأسعار حدّاً يحتاج إلى أكثر من ثورة، فقد تجاوز عتبة الـ  1000 في المئة منذ زمن، كما أن النقص الحاد في الأدوية وبخاصة الأدوية القلبية وأدوية السرطان، وصعوبة وصولها إلى المراكز المختصة إن توفّرت، جعلت البديل الإيراني والهندي الخيار الأسهل على رغم أنه أكثر كلفة وأقل فعاليّة. بحسب أحد المختصين، فإن الجرعة الكيماوية الواحدة تبلغ كلفتها ما بين 160 إلى 380 ألف ليرة سورية، بحسب نوع المرض، وهو رقم خيالي إذا ما قورن بمتوسط دخل المواطن السوري.

كان السوري يحلم بشراء منزل وسيارة، وهي حقوق مكتسبة في الكثير من دول العالم، ولم تكن هنالك مؤشّرات لبداية تحويل هذا الحلم واقعاً في ظل فساد الحكم، حتى مع الشراكة الإيرانية في تجميع السيارات، إذ بلغ سعر السيارة قبل الثورة ما بين 600,000 ليرة سورية والمليون ونصف المليون ليرة سورية، وذلك بين مستعمل وجديد، وهو مبلغ كبير جداً يعادل ما بين 12,000 و25,000 دولار أميركي ولأنواع إيرانية وهندية وكورية. أما اليوم، ومع التضخّم الكبير الذي يشهده الاقتصاد، فإن 10,000 دولار تعادل 5,000,000 ليرة سورية، و الـ25,000 دولار تعادل 12,500,000 ليرة سورية، أي أن حتى الحلم تحول إلى سراب، والأفضل على السوري ألا يحلم، بخاصة أنه مع العقوبات لا تستطيع الحكومة السورية استيراد السيارات الأجنبية وقطع التبديل.

“لقد شاهدتُ كيف ينظر بعض السوريين إلى وصفاتهم الطبية بعين العجز، وهم لا يستطيعون دفع ثمن أدويتهم”

للعقوبات الأوروبية الأثر الكبير مقارنة بالعقوبات الأميركية، كون التعامل التجاري والمالي للنظام مع الاتحاد الأوروبي يقارب 56 في المئة من إجمالي التعامل الخارجي. وعليه حُرم المواطن السوري من المنتجات الأوروبية والأميركية على حد سواء، إذ أن إميركا لوّحت بعقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع حكومة النظام في سوريا.

وعلى صعيد التعليم، تم إغلاق الكثير من المراكز الثقافية خلال الحرب، ومنها ما أدرج تحت بند العقوبات ومنها ما أغلق بسبب الأوضاع الأمنية، مثل المركز الثقافي الفرنسي، ومعهد “غوته” الألماني، والمركز الثقافي الأميركي ALC، والمركز الثقافي الاسباني “ثربانتس”، والمركز الثقافي البريطاني، وبالتالي حُرم السوري من تطوير نفسه في مراكز ذائعة الصيت عالمياً، والأهم من ذلك أنه حرم من تنويع ثقافته؛ حتى التسجيل في امتحانات(TOFEL& IELTS)، وتلك التي تخص التسجيل الجامعي في الخارج أو الهجرة باتت ممنوعة في الداخل السوري، وتحول الضغط الرئيسي على مراكز لبنان والأردن كونها الأقرب جغرافياً.

وعلى صعيد المواد الاستهلاكية، والسياحة لا يعد السوريون سائحين من الدرجة الأولى، إذ تشكّل الشريحة التي تستطيع أن “تسوح” نسبة ضئيلة مقارنة بالنسبة الكبيرة التي تنتهز أيام العطل لكي تذهب إلى سوق الحميدية، أو تفترش طريق المطار مع القليل من الموالح والنرجيلة. وفي دمشق مثلاً، عدد قليل من المولات قد يراها البعض مكاناً آمناً للنظر في ما تبقى من العلامات التجارية، كي يمتّع نظره لا أكثر. لكن ذلك خلق اقتصاداً موازياً، من طريق التهريب. إذ تستطيع اليوم الذهاب إلى بعض مراكز التجزئة الكبيرة وحتى المولات، وترى منتجات أجنبية من شوكولا وبسكويت، ومعلّبات، ومشروبات والفضل طبعاً لخط دمشق– بيروت، وهو خط التهريب العلني الذي عاد إلى أمجاده وبأسعار منافسة للرشوة قد تصل إلى كيس “شيبس” أو علبة سجائر أو مبلغ 200 ليرة سورية بحسب الحاجز كما شاهدت آخر مرة منذ نحو الأسبوع.

إن العقوبات الاقتصادية ضاغطة حقاً ولكن على الشعب السوري فقط؛ أمّا أمراء الحرب وبشار الأسد وشبّيحته ينعمون بالثروات الطائلة والأموال المنهوبة من خزينة الدولة، ومن المنظمات الدولية والمهجّرين وحتى من ذوي المعتقلين والمقتولين أيضاً.  لقد تراجعت قيمة الليرة السورية إلى حدود دنيا لتصل إلى 560 ليرة سورية عام 2016، وكان الرهان على انهيارها كبيراً، ثم عاد التعافي البسيط بعد عدد من المكاسب الميدانية التي حققتها ميليشيات النظام بفضل التدخّل الروسي، لكن ما يحصل أن استمرار العقوبات الاقتصادية على سوريا يعني استمرار معاناة السوريين فقط في الداخل، إذ لم تمنع العقوبات النظام من استخدام السلاح الكيماوي ضد معارضيه من مسلحين ومدنيين، كما لم تمنعه من تطوير صواريخ محلية الصنع كان لها الأثر التدميري الكبير على مناطق الصراع، وراح ضحيتها آلاف المدنيين أيضاً، ولم تمنعه من قتل المعتقلين.

لقد شاهدتُ كيف ينظر بعض السوريين إلى وصفاتهم الطبية بعين العجز، وهم لا يستطيعون دفع ثمن أدويتهم. كما شاهدتُ بعض المنتفعين من الحرب وهم ينظرون نظرة دونية إلى غيرهم من خلف سياراتهم غير المسجلة “بلا نمرة”. وشاهدت العابرين ينظرون بكراهية إلى المنتفعين.

لذلك قبل أن تقول إنك مع الاتحاد الأوروبي وأميركا في فرض المزيد من العقوبات، تذكّر أن من يدفع ثمن العقوبات هم السوريون فقط لا بشار الأسد…

وتذكّر دائماً متى كنت في سوريا آخر مرّة.

إقرأ أيضاً:
المصارف السورية تستبق احتمال تراجع قيمة الليرة عبر التلاعب بموجوداتها
صاغَة دمشق: بين النرد والله
سوريا: من خسر… ومن خسر أكثر