fbpx

غزة: صواريخ و”انتصارات” واستقالات

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تعودنا كفلسطينيين مقولات مثل “شعب الجبارين” و”سنزلزل الأرض تحت أقدام إسرائيل” الخ. لكن أن يأتي الاحتفاء أيضاً باستقالة افيغدور ليبرمان من منصبه وزيراً للدفاع فهذا أمر مستغرب حقاً، وينمّ عن عدم إدراك لطريقة عمل النظام السياسي الإسرائيلي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قد يجوز فهم احتفاء حركة “حماس” بما اعتبرته انتصاراً لها، بالتصدي لدورية للجيش الإسرائيلي، كانت توغّلت في قطاع غزة لمسافة 3 كلم، ما أدى إلى مصرع ضابط إسرائيلي، وسبعة من مقاتلي “حماس” (ثم سبعة فلسطينيين آخرين نتيجة القصف الإسرائيلي). هكذا تعودنا، كفلسطينيين، مع مقولات، مثل، “شعب الجبارين”، و”سنزلزل الأرض تحت أقدام إسرائيل”، الخ. لكن أن يأتي الاحتفاء، أيضاً، باستقالة افيغدور ليبرمان من منصبه وزيراً للدفاع فهذا أمر مستغرب حقاً، وينمّ عن عدم إدراك لطريقة عمل النظام السياسي الإسرائيلي، واستقطاباته، كما عن عدم استفادة من دروس تجربة وطنية ممتدة، عمرها أزيد من نصف قرن، مع الأكلاف الباهظة التي دفعها الفلسطينيون بمعاناتهم وتضحياتهم وبطولاتهم.
السؤال المطروح، متى سيفهم القادة الفلسطينيون قواعد اللعبة السياسية في إسرائيل؟ ثم ألم يؤدِ الجهل بتلك القواعد إلى الكوارث التي تضمنها التوقيع على اتفاق أوسلو (1993)، مع كل الإجحافات والنواقص والثغرات المتضمنة فيه؟ أليس ذلك هو الجهل الذي يدفع للاحتفاء باستقالة ليبرمان، التي أتت ليس، فقط، تعبيراً عن غسل اليد، أو تبرئة الذمة، من “التقصير” الحاصل في العملية الفاشلة، وإنما أيضاً لتبييض الصفحة استعداداً للجولة الانتخابية المقبلة للكنيست الإسرائيلي؟
الأهم من ذلك، أيضاً، متى سيفهم القادة الفلسطينيون أن استقالة شخصية إسرائيلية من منصبها، بسبب فشل في مهمة ما، هي أحد أسباب قوة إسرائيل، وقوة نظامها السياسي، وقوة المساءلة والمحاسبة فيها، وليس العكس؟ وأن هذا هو الأمر الطبيعي، المتوقع، في هذه الحالة، وأن الأمر غير الطبيعي، هو الذي يحصل في أنظمتنا الغرائبية، إذ إن قادتنا حتى لو هزموا، وهزمونا ألف مرة، فهم لا يستقيلون، ويدّعون أن مجرد بقائهم هو بمثابة انتصار للقضية بحد ذاته، وهزيمة لإسرائيل، في حين أنه انتصار علينا فقط، بل إنه أهم أسباب هزائمنا المتسلسلة.
والمعنى أننا إذا بقينا على هذه الحال، وبقينا نفكّر، فقط، بإدراكاتنا العاطفية والرغبوية، وإذا لم نفهم أسباب قوة سرائيل وتفوقها علينا، والتأكد أن ذلك لا ينبع من قوتها العسكرية، أو من دعم الولايات المتحدة لها وحسب،إنما ينبع، أساساً، من طريقتها بإدارة أحوالها، ونمط علاقتها بشعبها، فهذا يعني أننا لن نفهم أسباب ضعفنا وهزائمنا المستمرة منذ أكثر من نصف قرن على الأقل.

 

متى سيفهم القادة الفلسطينيون أن استقالة شخصية إسرائيلية من منصبها، بسبب فشل في مهمة ما، هي أحد أسباب قوة إسرائيل، وقوة نظامها السياسي، وقوة المساءلة والمحاسبة فيها، وليس العكس؟

ومن دون التقليل من أهمية تحقيق إنجاز عسكري، ولو بسيط، ولو على مستوى منع دورية إسرائيلية من تحقيق أهدافها، ربما يجدر الانتباه إلى أنه ليس في حسابات إسرائيل، اليوم، تغيير الواقع السائد في غزة، أي ليس من ضمن أهدافها إنهاء حكم “حماس”، أو ضعضعته، بمعنى أنها تتوخى فقط تقليم أظافر حماس، أو تحجيم قدرتها على إيذائها، عبر مسيرات “العودة” أو عبر البالونات أو الطائرات الورقية الحارقة، وفقط. وفي الحقيقة، فإن الواقع القائم يفيد أو يريح إسرائيل أكثر مما يضرّ بها، وفي المقابل فهو يضرّ بالفلسطينيين، وبقضيتهم وبكفاحهم، أكثر مما يفيدهم. وتالياً، لذلك فإن استمرار الانقسام بين سلطتي الضفة وغزة، يعزّز منطق إسرائيل الذي تروجه في العالم، للتغطية على الاحتلال واستخدامها القوة، بأن الفلسطينيين مختلفون، ومنقسمون، وغير مؤهّلين لإدارة أوضاعهم، او حكم أنفسهم.
ويستنتج من ذلك أن إسرائيل تستثمر في الانقسام الفلسطيني، وفي التنازع على السلطة بين “فتح” و”حماس”، ما يجعلها أكثر قدرة على التلاعب بمصير السلطتين، كل على حدة، وفرض إملاءاتها عليهما، بما في ذلك تكريس الانقسام الحاصل، وتحويل كل من الحركتين إلى سلطة في الإقليم الذي تسيطر عليه، لكنها سلطة تحت هيمنة إسرائيل، السياسية والأمنية والاقتصادية، وضمن ذلك تأتي فكرة تكريس هذا الفصل عبر منح فرصة لتطويع حماس، من خلال تمكينها من السلطة في غزة، وضمن ذلك يأتي الحديث عن هدنة أو تهدئة، والسماح بتدفقات مالية من قطر، وتمويل محطات الكهرباء، وانعاش الوضع الاقتصادي، وإيجاد ممر مائي بين غزة وقبرص، أو ربما بين غزة وأحد الموانئ المصرية، وتخفيف الحصار.

في الغضون، ليست الفكرة هنا التقليل من شأن المقاومة، لكن المبالغة، أيضاً، تبدو مضرة كثيراً، إذ يجدر الانتباه إلى أنه لا يجوز تحميل قطاع غزة لوحده، المحاصر منذ 11 عاماً، والذي يعاني فيه مليونا فلسطيني الأمرين، في منطقة فقيرة الموارد، ومعزولة عن العالم، وتشكل 1.4 في المئة من مساحة فلسطين، عبء تحرير فلسطين، أو دحر الاحتلال من الضفة، أو مقاومة إسرائيل؛ هذا أولاً.

ثانياً، قد يفيد التذكير هنا بأن إسرائيل انسحبت بشكل احادي من غزة (2005)، التي كان الكثير من زعمائها يتمنون أن يبتلعها البحر، ولتحسين صورتها إزاء الخارج، وأيضاً للتخلص من عبء السيطرة على مليوني فلسطيني، سياسياً وأمنياً واقتصادياً وأخلاقياً، والتحرر مما تعتبره الخطر الديموغرافي، ثم إن قطاع غزة في الإدراكات الإسرائيلية ليس الضفة الغربية، التي تعتبر بحسب الأساطير التوراتية “أرض الميعاد” (أو يهودا والسامرا).

ثالثاً، مع التقدير الكبير للمقاومة التي أبداها فلسطينيو غزة، فإن أعداد القتلى الإسرائيليين في الضفة أكبر من ذلك بكثير، لكن إسرائيل مصرة على البقاء في الضفة، وانسحبت من غزة، للأسباب التي ذكرناها. وبحسب الإحصاءات، فإن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في القطاع منذ احتلاله إلى وقت الانسحاب منه (1967ـ2005)، أي طوال 38 عاماً، بلغ 230 إسرائيلياً (“هآرتس”، 23/8/2005)، بمعدل ستة أشخاص في العام الواحد، قتل منهم بين 1967 و1987 أي في عشرين عاماً، 38 إسرائيلياً (حوالى شخصين في العام)، وإبان الانتفاضة الأولى قتل 29 إسرائيليا، في حين قتل 39 إسرائيلياً منذ توقيع اتفاق أوسلو حتى الانتفاضة الثانية 1993- 2000، وفي الانتفاضة الثانية قتل 124 إسرائيلياً (من أصل 1060 إسرائيلياً قتلوا في الضفة وفي مناطق 48). رابعاً، شنّت إسرائيل ثلاثة حروب مدمرة على غزة، الأولى، بين 27 أيلول/ ديسمبر 2008 و19 كانون الثاني/ يناير 2009، واستمرت 23 يوماً، ونتج عنها مصرع أكثر من 1436 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 5400 آخرين، في المقابل اعترفت إسرائيل بمصرع 13 إسرائيلياً بينهم 10 جنود وإصابة 300 آخرين. والثانية، بين 14 و21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، واستمرت ثمانية أيام، فذهب ضحيتها 155 قلسطينياً، إضافة إلى مئات الجرحى مقابل ثلاثة إسرائيليين. أما الحرب الثالثة، التي استمرت 50 يوماً، بين 8 تموز/ يوليو و29 آب/ أغسطس 2018، فنجم عنها مصرع 2174 من الفلسطينيين مقابل مقتل 70 إسرائيلياً منهم 64 جندياً.
في المحصلة لدينا أكثر من أربعة آلاف شهيد من الفلسطينيين، وعشرات آلاف الجرحى وذوي الحاجات الخاصة، ناهيك عن دمار هائل في بيوت وممتلكات، مقابل مصرع 86 إسرائيلياً، في ستة أعوام.

 

إقرأ أيضاً:

طوشة الاجتماعات الفلسطينية

عن فرن غزة ومخيمات الضفة وخيبات الفلسطينيين

 

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!