fbpx

فصل من الحرب السورية:
الإسماعيليون يدفعون ثمن معتقداتهم

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

النظام السوري ورغم أنه لم يقترب قبل الثورة وخلالها، من موضوع العبادة أو العقيدة لدى الاسماعيليين، لكن فكرة الصراع القائمة على الانتماء الديني كانت لا تزال قائمة بمنع الإسماعيليين من الوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل 3 سنوات، غادر رواد منى مدينته السلمية في وسط سوريا، بعد سنوات من نزاع دام، بدأ باحتجاجات شعبية سلمية عام 2011، زاد من حدته الاستقطاب الديني والطائفي، لتصبح ممارسة الحريات الدينية في سوريا مقتصرة بدرجة كبيرة على المكان الجغرافي حيث الطائفة نفسها.

وخلال عقد من الحرب، ظهرت مئات التشكيلات العسكرية التابعة للنظام والمعارضة، فنشأت “ميليشيات” محلية تدافع عن النظام يغلب عليها الطابع الطائفي (من علويين وشيعة) إضافة إلى مجموعات أجنبية من إيران وأفغانستان.

في الوقت ذاته، تشكلت في جانب المعارضة مجموعات عسكرية، اتسم بعضها بطابع “التشدد الديني”، وبات الانتماء الديني تهمة جاهزة عند الاختلاف في الآراء السياسية، كما حصل مع رواد الذي انخرط مبكراً في التظاهرات أوائل عام 2011، ووجد نفسه بعد عسكرة الثورة، غير قادر على المواجهة بمواقفه فقط، فالوضع تغيّر وبات صوت الرصاص يغطي على ما سواه.

اكتظت السلمية بـ”ميليشيات” النظام السوري، التي قمعت كل من يساند المعارضة وجعلت المدينة تحت قبضة من حديد. لم يعد خيار الخروج إلى مناطق المعارضة وارداً، بسبب الاختلاف الديني مع تلك المناطق من جهة، والخوف من الخطف أو القتل، من جهة ثانية، لذلك بقي لسنوات حبيس بيته، من دون أي نشاط سياسي أو اجتماعي باستثناء مقالات عن مدينته نشرها باسم مستعار في بعض مواقع معارضة.

بداية الثورة، شارك جزء كبير من الإسماعيليين في الاحتجاجات، من دون أخذ المعيار الطائفي في الاعتبار، لكن الاستقطاب الطائفي برز، وفق الجرف، مع بدء ظهور الشيخ عدنان العرعور على التلفزيون.

بعد ذلك، قرر رواد مغادرة سوريا، فالتعبير عن رأيه في مناطق النظام لناحية رفض قتل المتظاهرين وقمع الحريات بات من المستحيلات، والإفصاح عن معتقداته الدينية في مناطق المعارضة، لم يعد آمناً. شكّلت تركيا وجهته الأولى ومنها انتقل إلى أوروبا، ويعيش اليوم في السويد.

رواد واحد من مئات الذين غادروا السلمية إلى تركيا وأوروبا. وتُعتبر هذه المدينة المعقل الرئيسي للسكان الإسماعيليين، إضافة إلى مناطق القدموس ومصياف. ولا يتجاوز أتباع هذه الأقلية 2 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليوناً قبل اندلاع النزاع. فكيف تغير حال الإسماعيليين بعد أكثر من 7 سنوات على عسكرة الثورة في سوريا؟

تضم سوريا طوائف كثيرة، على رأسها السنّة والعلويون والدروز والمسيحيون والإسماعيليون وغيرهم.

تاريخياً، أقام الإسماعيليون دولتين مهمتين في التاريخ الإسلامي، هما الفاطمية والنزارية (آلموت)، لكنهم لم يظفروا بأي ظهور سياسي منذ تدمير دولتهم على يد المغول (1256م)، ودخلوا في مرحلة طويلة من السرية والاضطهاد حتى منتصف القرن الثامن عشر، عندما ظهر أئمتهم إلى العلن، وشاركوا في أحداث سياسية مهمة في إيران والهند، واكتسبوا شهرة عالمية في ما بعد بلقبهم الوراثي الآغا خان.

يرى الكاتب السوري مصطفى الجرف، وهو من السلمية، أن الطائفة الإسماعيلية لطالما تمتّعت بالحرية في ممارسة شعائرها، خصوصاً أن علاقات وثيقة جمعت بين إمام الطائفة الآغا خان والنظام الحاكم في سوريا.

بداية الثورة، شارك جزء كبير من الإسماعيليين في الاحتجاجات، من دون أخذ المعيار الطائفي في الاعتبار، لكن الاستقطاب الطائفي برز، وفق الجرف، مع بدء ظهور الشيخ عدنان العرعور على التلفزيون. ويرى أن النظام بدأ حينها “سلسلة شيطنة ” تجاه الإسماعيليين في السلمية بوصمهم بـ”العراعرة” و”الخونة”.

والعرعور داعية إسلامي من مدينة حماه، أطلّ في برنامج تلفزيوني تمّ بثّه من خارج سوريا، هاجم فيه النظام ودعا إلى الثورة عليه، ما دفع النظام إلى وصف المعارضين بـ”العراعرة”، خصوصاً إذا كانوا من الأقليات في إشارة إلى تأييدهم للطائفة السنّية، لكن ما لبثت خطابات العرعور أن أخذت منحاً طائفياً تحريضياً، جعل جلّ المعارضين يرفضون خطابه.  

إقرأوا أيضاً:

وعلى رغم أنّ هناك أسراً إسماعيلية تضمّ أفراداً سنّة، كما يشير الجرف، لكن الاستقطاب الديني اشتدّ خلال الثورة وأصبح “السلامنة الإسماعيليون” المؤيدون للثورة كأنهم من خارج الطائفة، إضافة إلى انحياز فئة أخرى للنظام، بدأت تمارس “التشبيح” على أفراد من طائفتهم ومن الطوائف الأخرى. 

وأوضح الجرف “انعكس هذا الأمر بشكل كبير على رؤية المعارضة التي باتت تعتبر أهل السلمية كلهم شبيحة، وبدأت ردود الفعل كالخطف على الهوية والقتل”، مضيفاً أن شقيقه كان من بين الضحايا الذين قتلتهم “فصائل متشددة”.

وخلال السنوات اللاحقة للثورة، وقعت بعض الأحداث التي أثرت بشكل كبير في الطائفة الإسماعيلية. ففي 2/10/2013، أوقفت مجموعة من منطقة القبو على طريق حمص- مصياف، سيارة خالد عطفة وعائلته المكونة من زوجته وطفلتين، بينما كانوا في طريقهم من السلمية إلى القدموس، وذبحتهم جميعاً.

كان يمكن أن تشكّل هذه الحادثة فعلاً جنائياً، قد يحصل ربّما في أي زمان ومكان، لكنها تحوّلت في السياق السوري إلى حدث سياسي طائفي. فالقتلة ينتمون إلى منطقة القبو العلوية المؤيدة للنظام، والضحايا ينتمون إلى الطائفة الإسماعيلية، التي عرف عنها موقفها المؤيد للثورة السورية، لتعيد الى الأذهان أصداء عداء تاريخي بين الطائفتين، لم تستطع الدولة السورية بأنظمتها المتتالية، أن تنهيه أو تساهم في جعله من تفاصيل الماضي المنسية.

زاد الاحتقان الطائفي بعدما قتل الطيار السوري عزام عيد (ينتمي للطائفة الإسماعيلية)، حرقاً على يد تنظيم “داعش” عام 2017. شكّل ذلك نقطة جديدة للنظام ليوسّع خطابه القائم على التجييش الأقلوي نحو الطائفة الإسماعيلية، ويزيد من تحريضه على الطائفة السنيّة بوصف أتباعها “بالدواعش” الذين سيقتلون الإسماعيليين.

يقول الباحث يحيى الحاج نعسان، وهو من السلمية، إن النظام السوري ورغم أنه لم يقترب قبل الثورة وخلالها، من موضوع العبادة أو العقيدة لدى الاسماعيليين، لكن فكرة الصراع القائمة على الانتماء الديني كانت لا تزال قائمة بمنع الإسماعيليين من الوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية، وهو ما يعتبر تقييداً لحرية الاعتقاد لديهم، فأقصى ما يمكن أن يصلوا إليه هو منصب وزير.

ويضيف الحاج نعسان أن النظام حاول استقطاب الإسماعيليين كجزء من ادعائه حماية الأقليات للتجييش ضد السنّة، فحاول تقديم السلاح والدعم لهم. ودفع ذلك بعضاً من الإسماعيليين للتواطئ معه، فيما رفضها جزء كبير منهم، باعتبار أنّ مدينتهم من أولى المدن التي خرجت في تظاهرات سلمية ضد النظام.

اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وجمعتهم روابط جيدة مع مختلف الطوائف قبل الثورة، إلا أن الوضع تغيّر بعدها.

ويرى الصحافي زاهر هاشم وهو من السلمية أيضاً، أنّ النظام لطالما اتبع استراتيجية التجييش منذ عقود. 

ويقول: “تُعتبر مدينة السلمية معارضة للنظام بشكل عام ولحزب البعث تحديداً، فالكثير من أقاربي اعتقلوا في السبعينات لأسباب سياسية لا دينية، لكن النظام روّج كثيراً أنّ السنة سيقضون على الإسماعيليين والأقليات منذ أحداث الإخوان في الثمانينات، وأعاد ذلك خلال الثورة بعد عام 2011”.

ويرى أنّه استخدم “أسلوب التحريض الديني لبثّ الفرقة الدينية، وصدّق كثيرون رواياته، خصوصاً مع وجود علاقة وثيقة بين إمام الطائفة ورئيس النظام بشار الأسد، على عكس علاقته مع والده حافظ الأسد”.

وحصل التحوّل الجذري، وفق هاشم، بداية عام 2013، حين وقعت حادثة استهدفت معمل السجاد، وحادثة أخرى طاولت معامل الدفاع، مع استهداف فصائل اسلامية “متشددة”، لحافلة أقلّت موظفين اسماعيليين مدنيين، ما تسبّب بمقتلهم. وهنا، “تغيرت مواقف الاسماعيليين السياسية لسبب ديني”.  

في سياق متصل، يذكّر مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل الحريات الدينية، وهي من الحريات الأساسية، ولذلك أعطت اتفاقية اللجوء حق اللجوء بسبب الاضطهاد الديني أو المعتقدات.

ويرى عبد الغني أنّه من الناحية الشكلية، سمح النظام بنوع من الحريات الدينية، لكنه في الواقع مارس التضييق والضغوط على ذلك. وينطبق ذلك على مختلف الطوائف الدينية، من خلال تقييد الاحتفالات الدينية وما سيقال ضمن تلك الطقوس. ويستنتج “لذا، لا يمكن القول إن في سوريا حرية دينية، بسبب شمولية النظام الحاكم وتقييد الحريات الأساسية عموماً”. 

ويرى أن النظام الحاكم “لم يعمل على تحقيق المساواة الدينية على الإطلاق، بل اتّبع سياسة تمييز واضحة، على غرار ما حظيت به الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وهذا ما يمكننا أن نصفه بتضييق على الحريات الدينية، إذ إنّه سخّر أجهزة الدولة لفرض هذا التمييز تجاه الطوائف الأخرى وبينها الإسماعيليون”. 

اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وجمعتهم روابط جيدة مع مختلف الطوائف قبل الثورة، إلا أن الوضع تغيّر بعدها.

تربط دراسة صادرة عن “مركز الجمهورية والديموقراطية”، مركز أبحاث ودراسات سوري، مرخص في فرنسا، بعنوان “الصراع في السلمية نموذج لتشكل المافيات في سوريا”، عدم تقديم المعارضة السلاح إلى العناصر المقاتلة “الخجولة” في السلمية، بالحالة الطائفية. وتعيدها كذلك إلى بروز توتر سني- إسماعيلي، بدأ مع ظهور “فصائل إسلامية متشددة”،  بينها تنظيم “داعش”، الذي كانت تفصله عن المدينة، قرى عدّة من الجهة الشرقية للمدينة وحسب.

وانطلاقاً من ذلك، تورد الدراسة أن ذلك ساهم في ظهور الطبقة “الرمادية” الحيادية في صفوف أبناء المدينة، وهي طبقة ترى في كل من المعارضة والنظام طرفين سيئين. لذا، باتت القاعدة الشعبية تحجم عن التطوع في أي تشكيل مسلح، سواء أكان تابعاً للنظام أو للمعارضة. 

ومن خلال ما سبق، يمكن القول إن الإسماعيليين مارسوا معتقداتهم الدينية بحريّة قبل الحرب في سوريا، على رغم العلاقة غير الودية بينهم وبين العلويين. وجمعتهم علاقات ودية بمحيطهم السنّي تجلّت في التعايش بين الطائفتين داخل مدينتهم. لكن بعد سنوات الحرب، دفع الإسماعيليون على الأرجح ضريبة مزدوجة، بسبب موقفهم السياسي المناهض للنظام ولكونهم أقلية دينية استهدفتها “الفصائل المتشددة”.

وبعد سنوات من الحرب الدامية وما تخللها من تجييش وتحريض وترويج للكراهية، مارسته أطراف النزاع، وعلى رأسها النظام، تبدو اليوم الحاجة ماسة إلى دراسة نقاط الالتقاء وتعزيزها من أجل بناء مجتمع مدني متنوع يتسع للجميع ويضمن الحريات والمعتقدات الدينية، محكوماً بقانون ودستور ووعي اجتماعي.

إقرأوا أيضاً:

فراس دالاتي- كاتب وصحفي سوري | 04.11.2024

الجائحة الترامبية… تفشّي القوميات كـ “علاج” للعولمة

ادّعاء دعاة القومية بأنهم وحدهم قادرون على إنقاذ بلدانهم وثقافاتهم لا أساس له. والحقيقة أنهم يريدون السلطة لأنفسهم فقط، وليس "للشعب" الذي يزعمون أنهم يمثلونه. والبديل الوحيد القابل للتطبيق حقاً هو الديمقراطية في دوائر متداخلة من الحيّ وحتى المؤسسات العالمية.
04.08.2021
زمن القراءة: 7 minutes

النظام السوري ورغم أنه لم يقترب قبل الثورة وخلالها، من موضوع العبادة أو العقيدة لدى الاسماعيليين، لكن فكرة الصراع القائمة على الانتماء الديني كانت لا تزال قائمة بمنع الإسماعيليين من الوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية…

قبل 3 سنوات، غادر رواد منى مدينته السلمية في وسط سوريا، بعد سنوات من نزاع دام، بدأ باحتجاجات شعبية سلمية عام 2011، زاد من حدته الاستقطاب الديني والطائفي، لتصبح ممارسة الحريات الدينية في سوريا مقتصرة بدرجة كبيرة على المكان الجغرافي حيث الطائفة نفسها.

وخلال عقد من الحرب، ظهرت مئات التشكيلات العسكرية التابعة للنظام والمعارضة، فنشأت “ميليشيات” محلية تدافع عن النظام يغلب عليها الطابع الطائفي (من علويين وشيعة) إضافة إلى مجموعات أجنبية من إيران وأفغانستان.

في الوقت ذاته، تشكلت في جانب المعارضة مجموعات عسكرية، اتسم بعضها بطابع “التشدد الديني”، وبات الانتماء الديني تهمة جاهزة عند الاختلاف في الآراء السياسية، كما حصل مع رواد الذي انخرط مبكراً في التظاهرات أوائل عام 2011، ووجد نفسه بعد عسكرة الثورة، غير قادر على المواجهة بمواقفه فقط، فالوضع تغيّر وبات صوت الرصاص يغطي على ما سواه.

اكتظت السلمية بـ”ميليشيات” النظام السوري، التي قمعت كل من يساند المعارضة وجعلت المدينة تحت قبضة من حديد. لم يعد خيار الخروج إلى مناطق المعارضة وارداً، بسبب الاختلاف الديني مع تلك المناطق من جهة، والخوف من الخطف أو القتل، من جهة ثانية، لذلك بقي لسنوات حبيس بيته، من دون أي نشاط سياسي أو اجتماعي باستثناء مقالات عن مدينته نشرها باسم مستعار في بعض مواقع معارضة.

بداية الثورة، شارك جزء كبير من الإسماعيليين في الاحتجاجات، من دون أخذ المعيار الطائفي في الاعتبار، لكن الاستقطاب الطائفي برز، وفق الجرف، مع بدء ظهور الشيخ عدنان العرعور على التلفزيون.

بعد ذلك، قرر رواد مغادرة سوريا، فالتعبير عن رأيه في مناطق النظام لناحية رفض قتل المتظاهرين وقمع الحريات بات من المستحيلات، والإفصاح عن معتقداته الدينية في مناطق المعارضة، لم يعد آمناً. شكّلت تركيا وجهته الأولى ومنها انتقل إلى أوروبا، ويعيش اليوم في السويد.

رواد واحد من مئات الذين غادروا السلمية إلى تركيا وأوروبا. وتُعتبر هذه المدينة المعقل الرئيسي للسكان الإسماعيليين، إضافة إلى مناطق القدموس ومصياف. ولا يتجاوز أتباع هذه الأقلية 2 في المئة من سكان سوريا البالغ عددهم 24 مليوناً قبل اندلاع النزاع. فكيف تغير حال الإسماعيليين بعد أكثر من 7 سنوات على عسكرة الثورة في سوريا؟

تضم سوريا طوائف كثيرة، على رأسها السنّة والعلويون والدروز والمسيحيون والإسماعيليون وغيرهم.

تاريخياً، أقام الإسماعيليون دولتين مهمتين في التاريخ الإسلامي، هما الفاطمية والنزارية (آلموت)، لكنهم لم يظفروا بأي ظهور سياسي منذ تدمير دولتهم على يد المغول (1256م)، ودخلوا في مرحلة طويلة من السرية والاضطهاد حتى منتصف القرن الثامن عشر، عندما ظهر أئمتهم إلى العلن، وشاركوا في أحداث سياسية مهمة في إيران والهند، واكتسبوا شهرة عالمية في ما بعد بلقبهم الوراثي الآغا خان.

يرى الكاتب السوري مصطفى الجرف، وهو من السلمية، أن الطائفة الإسماعيلية لطالما تمتّعت بالحرية في ممارسة شعائرها، خصوصاً أن علاقات وثيقة جمعت بين إمام الطائفة الآغا خان والنظام الحاكم في سوريا.

بداية الثورة، شارك جزء كبير من الإسماعيليين في الاحتجاجات، من دون أخذ المعيار الطائفي في الاعتبار، لكن الاستقطاب الطائفي برز، وفق الجرف، مع بدء ظهور الشيخ عدنان العرعور على التلفزيون. ويرى أن النظام بدأ حينها “سلسلة شيطنة ” تجاه الإسماعيليين في السلمية بوصمهم بـ”العراعرة” و”الخونة”.

والعرعور داعية إسلامي من مدينة حماه، أطلّ في برنامج تلفزيوني تمّ بثّه من خارج سوريا، هاجم فيه النظام ودعا إلى الثورة عليه، ما دفع النظام إلى وصف المعارضين بـ”العراعرة”، خصوصاً إذا كانوا من الأقليات في إشارة إلى تأييدهم للطائفة السنّية، لكن ما لبثت خطابات العرعور أن أخذت منحاً طائفياً تحريضياً، جعل جلّ المعارضين يرفضون خطابه.  

إقرأوا أيضاً:

وعلى رغم أنّ هناك أسراً إسماعيلية تضمّ أفراداً سنّة، كما يشير الجرف، لكن الاستقطاب الديني اشتدّ خلال الثورة وأصبح “السلامنة الإسماعيليون” المؤيدون للثورة كأنهم من خارج الطائفة، إضافة إلى انحياز فئة أخرى للنظام، بدأت تمارس “التشبيح” على أفراد من طائفتهم ومن الطوائف الأخرى. 

وأوضح الجرف “انعكس هذا الأمر بشكل كبير على رؤية المعارضة التي باتت تعتبر أهل السلمية كلهم شبيحة، وبدأت ردود الفعل كالخطف على الهوية والقتل”، مضيفاً أن شقيقه كان من بين الضحايا الذين قتلتهم “فصائل متشددة”.

وخلال السنوات اللاحقة للثورة، وقعت بعض الأحداث التي أثرت بشكل كبير في الطائفة الإسماعيلية. ففي 2/10/2013، أوقفت مجموعة من منطقة القبو على طريق حمص- مصياف، سيارة خالد عطفة وعائلته المكونة من زوجته وطفلتين، بينما كانوا في طريقهم من السلمية إلى القدموس، وذبحتهم جميعاً.

كان يمكن أن تشكّل هذه الحادثة فعلاً جنائياً، قد يحصل ربّما في أي زمان ومكان، لكنها تحوّلت في السياق السوري إلى حدث سياسي طائفي. فالقتلة ينتمون إلى منطقة القبو العلوية المؤيدة للنظام، والضحايا ينتمون إلى الطائفة الإسماعيلية، التي عرف عنها موقفها المؤيد للثورة السورية، لتعيد الى الأذهان أصداء عداء تاريخي بين الطائفتين، لم تستطع الدولة السورية بأنظمتها المتتالية، أن تنهيه أو تساهم في جعله من تفاصيل الماضي المنسية.

زاد الاحتقان الطائفي بعدما قتل الطيار السوري عزام عيد (ينتمي للطائفة الإسماعيلية)، حرقاً على يد تنظيم “داعش” عام 2017. شكّل ذلك نقطة جديدة للنظام ليوسّع خطابه القائم على التجييش الأقلوي نحو الطائفة الإسماعيلية، ويزيد من تحريضه على الطائفة السنيّة بوصف أتباعها “بالدواعش” الذين سيقتلون الإسماعيليين.

يقول الباحث يحيى الحاج نعسان، وهو من السلمية، إن النظام السوري ورغم أنه لم يقترب قبل الثورة وخلالها، من موضوع العبادة أو العقيدة لدى الاسماعيليين، لكن فكرة الصراع القائمة على الانتماء الديني كانت لا تزال قائمة بمنع الإسماعيليين من الوصول إلى مناصب رفيعة في الدولة السورية، وهو ما يعتبر تقييداً لحرية الاعتقاد لديهم، فأقصى ما يمكن أن يصلوا إليه هو منصب وزير.

ويضيف الحاج نعسان أن النظام حاول استقطاب الإسماعيليين كجزء من ادعائه حماية الأقليات للتجييش ضد السنّة، فحاول تقديم السلاح والدعم لهم. ودفع ذلك بعضاً من الإسماعيليين للتواطئ معه، فيما رفضها جزء كبير منهم، باعتبار أنّ مدينتهم من أولى المدن التي خرجت في تظاهرات سلمية ضد النظام.

اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وجمعتهم روابط جيدة مع مختلف الطوائف قبل الثورة، إلا أن الوضع تغيّر بعدها.

ويرى الصحافي زاهر هاشم وهو من السلمية أيضاً، أنّ النظام لطالما اتبع استراتيجية التجييش منذ عقود. 

ويقول: “تُعتبر مدينة السلمية معارضة للنظام بشكل عام ولحزب البعث تحديداً، فالكثير من أقاربي اعتقلوا في السبعينات لأسباب سياسية لا دينية، لكن النظام روّج كثيراً أنّ السنة سيقضون على الإسماعيليين والأقليات منذ أحداث الإخوان في الثمانينات، وأعاد ذلك خلال الثورة بعد عام 2011”.

ويرى أنّه استخدم “أسلوب التحريض الديني لبثّ الفرقة الدينية، وصدّق كثيرون رواياته، خصوصاً مع وجود علاقة وثيقة بين إمام الطائفة ورئيس النظام بشار الأسد، على عكس علاقته مع والده حافظ الأسد”.

وحصل التحوّل الجذري، وفق هاشم، بداية عام 2013، حين وقعت حادثة استهدفت معمل السجاد، وحادثة أخرى طاولت معامل الدفاع، مع استهداف فصائل اسلامية “متشددة”، لحافلة أقلّت موظفين اسماعيليين مدنيين، ما تسبّب بمقتلهم. وهنا، “تغيرت مواقف الاسماعيليين السياسية لسبب ديني”.  

في سياق متصل، يذكّر مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يكفل الحريات الدينية، وهي من الحريات الأساسية، ولذلك أعطت اتفاقية اللجوء حق اللجوء بسبب الاضطهاد الديني أو المعتقدات.

ويرى عبد الغني أنّه من الناحية الشكلية، سمح النظام بنوع من الحريات الدينية، لكنه في الواقع مارس التضييق والضغوط على ذلك. وينطبق ذلك على مختلف الطوائف الدينية، من خلال تقييد الاحتفالات الدينية وما سيقال ضمن تلك الطقوس. ويستنتج “لذا، لا يمكن القول إن في سوريا حرية دينية، بسبب شمولية النظام الحاكم وتقييد الحريات الأساسية عموماً”. 

ويرى أن النظام الحاكم “لم يعمل على تحقيق المساواة الدينية على الإطلاق، بل اتّبع سياسة تمييز واضحة، على غرار ما حظيت به الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وهذا ما يمكننا أن نصفه بتضييق على الحريات الدينية، إذ إنّه سخّر أجهزة الدولة لفرض هذا التمييز تجاه الطوائف الأخرى وبينها الإسماعيليون”. 

اندمج الإسماعيليون في برامج التحديث والتعليم في سوريا، وصاروا الأكثر علمانية في المجتمع السوري، وجمعتهم روابط جيدة مع مختلف الطوائف قبل الثورة، إلا أن الوضع تغيّر بعدها.

تربط دراسة صادرة عن “مركز الجمهورية والديموقراطية”، مركز أبحاث ودراسات سوري، مرخص في فرنسا، بعنوان “الصراع في السلمية نموذج لتشكل المافيات في سوريا”، عدم تقديم المعارضة السلاح إلى العناصر المقاتلة “الخجولة” في السلمية، بالحالة الطائفية. وتعيدها كذلك إلى بروز توتر سني- إسماعيلي، بدأ مع ظهور “فصائل إسلامية متشددة”،  بينها تنظيم “داعش”، الذي كانت تفصله عن المدينة، قرى عدّة من الجهة الشرقية للمدينة وحسب.

وانطلاقاً من ذلك، تورد الدراسة أن ذلك ساهم في ظهور الطبقة “الرمادية” الحيادية في صفوف أبناء المدينة، وهي طبقة ترى في كل من المعارضة والنظام طرفين سيئين. لذا، باتت القاعدة الشعبية تحجم عن التطوع في أي تشكيل مسلح، سواء أكان تابعاً للنظام أو للمعارضة. 

ومن خلال ما سبق، يمكن القول إن الإسماعيليين مارسوا معتقداتهم الدينية بحريّة قبل الحرب في سوريا، على رغم العلاقة غير الودية بينهم وبين العلويين. وجمعتهم علاقات ودية بمحيطهم السنّي تجلّت في التعايش بين الطائفتين داخل مدينتهم. لكن بعد سنوات الحرب، دفع الإسماعيليون على الأرجح ضريبة مزدوجة، بسبب موقفهم السياسي المناهض للنظام ولكونهم أقلية دينية استهدفتها “الفصائل المتشددة”.

وبعد سنوات من الحرب الدامية وما تخللها من تجييش وتحريض وترويج للكراهية، مارسته أطراف النزاع، وعلى رأسها النظام، تبدو اليوم الحاجة ماسة إلى دراسة نقاط الالتقاء وتعزيزها من أجل بناء مجتمع مدني متنوع يتسع للجميع ويضمن الحريات والمعتقدات الدينية، محكوماً بقانون ودستور ووعي اجتماعي.

إقرأوا أيضاً: