fbpx

في الطريق نحو COP 28: العالم العربي بين تبعات التكيّف وهشاشة التمويل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا شك في أن الأزمة المائية في المنطقة العربية متأثرة بعدد من العوامل، منها التلوث وضعف سياسات إدارة المياه، إلى جانب الصراع في بعض المناطق مثل سوريا واليمن، والذي بدوره يحد من وصول الناس إلى الموارد الأساسية كالمياه. ولكن ارتفاع درجة الحرارة غير المسبوق وتغيّر المناخ، باتا يؤثران بشكل واضح على أنماط هطول الأمطار، رغم تباين البيانات الخاصة بنسبة الهاطل المطري في المنطقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشهد العالم العربي ارتفاعاً متسارعاً في درجة الحرارة بمعدل الضعف مقارنة ببقية مناطق العالم، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين عن عصر ما قبل الثورة الصناعية، وذلك ما بين الأعوام 2021 و 2039، وقد تصل إلى 5 درجات بحلول العام 2050، الأمر الذي قد يجعل من الصعب العيش في بعض المناطق ويضاعف معاناة الدول الهشّة في المنطقة المتأثرة بالنزاعات مثل اليمن وسوريا.

تساهم ظاهرة الاحتباس الحراري في ارتفاع متزايد لدرجة حرارة الأرض، وتحدث هذة الظاهرة نتيجة الارتفاع المتزايد في نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة التي تشمل أساساً غازات ناتجة من النشاط الصناعي، يأتي على مقدمها غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد أشارت البيانات الى أن نسبة الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون هي الأعلى منذ 63 عاماً، بمتوسط سنوي 34 مليار طن متري، رغم أن المنطقة لم تساهم سوى في 3 في المئة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن الدراسات تشير الى أن آثار التغير المناخي ستكون عنيفة في المنطقة وسيستمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة حتى وإن نجحت الجهود العالمية في تثبيت متوسط درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.

تغيّر المناخ يهدّد الأمن المائي 

الوتيرة المتسارعة لارتفاع درجة الحرارة تنجم عنها عواقب وخيمة تهدد القطاعات الحيوية في العالم العربي، أبرزها الأمن المائي. فباستثناء مصر والسودان والمملكة السعودية، تعاني المنطقة من تدهور حاد في الأمن المائي، إذ يصل نصيب الفرد من المياه المتجدّدة أقل من 500 متر مكعب سنوياً. إذ يؤدي ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض إلى زيادة امتصاص المزيد من المياه في الغلاف الجوي، الذي يتحوّل بدوره إلى بخار ماء ويرفع وتيرة الجفاف وحوادث الحرائق التي أصبحت تتكرر بشكل متزايد في المنطقة.

لا شك في أن الأزمة المائية في المنطقة العربية متأثرة بعدد من العوامل، منها التلوث وضعف سياسات إدارة المياه، إلى جانب الصراع في بعض المناطق مثل سوريا واليمن، والذي بدوره يحد من وصول الناس إلى الموارد الأساسية كالمياه. ولكن ارتفاع درجة الحرارة غير المسبوق وتغيّر المناخ، باتا يؤثران بشكل واضح على أنماط هطول الأمطار، رغم تباين البيانات الخاصة بنسبة الهاطل المطري في المنطقة. إلا أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هي الأكثر تقلباً مقارنة ببقية العالم، الأمر الذي يساهم في مفاقمة الأزمة المائية، والتي تعد أحد أكبر التهديدات في المنطقة بحسب الخبراء، لما تشكله من تهديد مباشر على الأمن الغذائي الذي يستهلك نحو 85 في المئة من الموارد المائية، وكذلك قطاع الطاقة والصحة والتنمية المستدامة بشكل عام. يتعرض نصف الأراضي الزراعية في المنطقة للضرر بسبب تراجع الإنتاجية الزراعية، وذلك نتيجة لضعف قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وتخزين الكربون وارتفاع نسبة الملوحة والتآكل بفعل نقص المياه والرياح، ما جعل المنطقة تعتمد بشكل متزايد على الواردات في تأمين السلع الغذائية.

دول النزاع الأكثر تأثرا بتغيّر المناخ

الهشاشة الأمنية والوضع غير المستقر الذي تشهده بعض دول المنطقة مثل اليمن وسوريا والعراق، يفاقمان الوضع الإنساني ويضعان تحديات هيكلية أمام الحكومات لتبني سياسات تنموية وتكيفية أمام التأثيرات المتزايدة لتغيّر المناخ. فعلى سبيل المثال، يشهد اليمن، الذي يعتمد فيه أكثر من نصف السكان على قطاعات تتأثر بشكل مباشر بتغيّر المناخ مثل الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك، صراعاً داخلياً على مدى تسع سنوات، وقد كان لضعف الموارد الأساسية دور في إشعال فتيل النزاع. وكان فشل الدولة في توفير الاحتياجات الأساسية مثل الماء وموارد الطاقة وتدني سبل العيش أحد أسباب التي ساهمت في تأجيج الاضطرابات الداخلية.

وعلى صعيد مشابه، كانت موجة الجفاف التي ضربت الأراضي السورية بين العامين 2006 و 2009 أحد الأسباب التي أجّجت النزاع الداخلي أيضاً، وذلك نتيجة لضعف الحكومة في التعاطي مع مشكلة الجفاف وإدارة الموارد المائية، والتي تسببت في نفوق المواشي والمحصول وتدفق النازحين نحو المدن السورية. ورجحت التقارير أن الموجة حدثت بسبب تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض وضعف حركة الرياح نتيجة ارتفاع نسبة الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحراري.

هشاشة التمويل

رغم التأثيرات المباشرة لتغيّر المناخ وما يفرضه من تحديات أمام صمود المجتمعات الضعيفة، لا سيما تلك التي تشهد نزاعاً طويلاً والدول الهشة اقتصادياً، إلا أن التمويل الموجّه لتمكين الاقتصادات النامية من التكيف مع تغيرات المناخ، لا يزال يعاني من قصور، فبحسب التقديرات التي وضعتها 11 دولة عربية وفقاً لاتفاقية باريس، فالوطن العربي يحتاج إلى ما يقارب 570 مليار دولار حتى العام 2030، وذلك لسد حاجته من التمويل المناخي وتلبية أهدافه المناخية ودعم مشاريع التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي. لكن في المقابل، لم يتجاوز إجمالي التمويل الدولي الذي تلقته المنطقة الـ 34.5 مليار دولار، أي ما نسبتة 6 في المئة. تدفّق التمويل لم يكن متوازناً في الدول العربية، فقد حصلت 6 دول عربية، من بينها مصر والأردن، على النصيب الأكبر من التمويل بحوالي 92 في المئة، بينما واجهت الدول التى تشهد نزاعات وبناء مؤسسي هش صعوبة في الوصول الى التمويل.

بحسب قاعدة البيانات لـ27 صندوقاً مخصصاً لتمويل المناخ، حصلت اليمن وسوريا والعراق على الموافقة لتمويل 19 مشروعاً فقط، بإجمالي 20.6 مليون دولار فقط، وهو ما يشكل أقل من 0.5 في المئة من التمويل العالمي للتكيف مع تغيّر المناخ.

رغم موافقة الدول المتقدمة على وجوب تقديم المساعدة المالية للدول النامية للتكيف مع تبعات تغير المناخ، والتعهد بجمع 100 مليار دولار سنوياً حسب اتفاقية باريس في 2015، إلا أن آليات التمويل التي أُنشئت بعد إبرام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، غير مرنة وتتخذ غالباً شكل قروض استثمارية، لذا يتم تفادي المخاطرة في البيئات المتقلبة ودعم الحكومات الضعيفة التي قد تتخلّف عن السداد.

 بلغ إجمالي التمويل على شكل ديون خلال العقد السابق نحو 30 مليار دولار، وهو الأمر الذي يفاقم أزمة الدين الخارجي في الوطن العربي، التي وصلت الى مستوى غير مسبوق تاريخياً، بإجمالي 1.4 تريليون دولار، الى جانب التعقيدات والمتطلبات المؤسسية التى لا تستوعب وضع الدول الهشة التي تعيش نزاعاً رغم الحاجة الماسة الى هذه المجتمعات للتكيف والصمود، وتأثر سبل عيشها المباشر بآثار التغير المناخي الذي يساهم في مفاقمة النزاع.

يثبت الوضع الراهن أن هناك حاجة ماسة الى إعادة النظر وتطوير استراتيجية التمويل المناخي الحالية، فنظراً الى الضعف المؤسسي لم يتمكن سوى نصف الدول العربية من تحديد احتياجاتها التمويلية، وهو الأمر الذي يعد شرطاً أساسياً لتلقّي التمويل، تقول ربا عجور، مديرة دراسات تغير المناخ في الجمعية العلمية الملكية في الأردن، “يجب تخصيص تمويل لرفع القدرات المؤسسية للدول العربية لتتمكن من تحديد احتياجاتها الأساسية من التمويل لمشاريع التكيف والتخفيف مع الأخذ في الاعتبار السياقات المحلية وأولويات التنمية الوطنية، كما أن هناك حاجة الى رفع القدرات المؤسسية وتسهيل الوصول الى صناديق المناخ مثل الصندوق الأخضر” .

وأشارت البيانات الى أن المنطقة العربية لم تنجح في الحصول سوى على 4 في المئة من التمويل المقدم من صناديق المناخ، وذلك نظراً الى الآليات المعقدة والبيروقراطية التى تفوق القدرات المؤسسية لكثير من الدول في المنطقة.

تواجه مناطق النزاع في الوطن العربي مشكلة إضافية متعلقة بالمخاطر التى تحد من الوصول الى التمويلات المناخية غير المهيأة للتعامل مع بيئة المخاطر، تضيف عجور: “الدعم الإنساني وحده في مثل هذه البيئات لا يوفر حلولاً مستدامة للمشاكل الهيكلية التى قد تفاقم النزاع حول الموارد، بخاصة في ظل النزاع الطويل مثل الحالة اليمنية والسورية، لذا وجب تبني منهج شامل تنموي وإنساني يضع الاحتياجات المناخية للتكيف ضمن خطة الاستجابة، ويتبنى سياسات تسهّل وصول المجتمعات المتضررة الىى التمويل”.

هل سيدفع مؤتمر الأطراف COP 28 نحو مزيد من التمويل؟

في نهاية الشهر الجاري، ستعقد القمة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي، وهي القمة التي تعقد سنوياً في دول مختلفة وتجتمع فيها الأطراف الموقعة على اتفاقية باريس، وذلك لمناقشة التقدم الذي تم إحرازه في مجال خفض انبعاثات الوقود الأحفوري ومناقشة التمويل اللازم لمواجهة تبعات التغير المناخي وبناء قدرات المجتمعات للتكيف والصمود. 

 المتوقع في هذة القمة، أن يتم الإعلان عن نتائج التقييم الأولي والخروج بتوصيات جادة ومستعجلة، إذ أشار التقرير الفني الى أن العالم لا يزال بعيداً عن تحقيق الأهداف الطموحة التي صيغت في اتفاقية باريس، وإبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 مئوية. 

 تقول سارين كراجرجيان، مديرة برامج البيئة في مبادرة الإصلاح العربي: “يضم الوفد العربي في مؤتمر الأطراف جميع الدول العربية، إلا أنها لا تخضع لظروف متساوية، فدول النزاع في المنطقة العربية مثل اليمن وسوريا والعراق تعاني من ضعف سياسات، وهي أكثر احتياجاً للتمويل المناخي والتكيف مع تبعات التغير المناخي”. وترى أن هناك مسؤولية تقع على المجتمع المدني والناشطين والحكومات بالضغط باتجاه سن سياسات وآليات تمويلية شفافة وواضحة، فرغم أنه تم الإعلان أن البنك الدولي سيدير تمويل الخسائر والأضرار، إلا أن آلية التمويل وتصريفه وكيف ستستفيد الدول المتأثرة غير واضح حتى الآن. ويؤكد المراقبون أن تقدم المفاوضات في ملف التمويل المناخي وصندوق الخسائر والأضرار على وجه الخصوص، الذي تم الإعلان عنه في القمة السابقة التي عقدت في شرم الشيخ، يعد مقياس نجاح القمة من عدمه.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 14.10.2024

اجتياح لبنان: كيف يمكن لقرارات مجلس الأمن أن تغير المعادلة؟

في السياق اللبناني، يبرز النقاش حول تطبيق القرارين 1559 و1701 كأحد المحاور الأساسية. يدعو القرار 1559 الذي صدر عام 2004، إلى نزع سلاح الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية، بينما يركز القرار 1701 الصادر عام 2006، على وقف الأعمال العدائية وبسط سيطرة الحكومة اللبنانية على أراضيها، مع إنشاء منطقة عازلة خالية من الأسلحة بين الخط…
21.11.2023
زمن القراءة: 6 minutes

لا شك في أن الأزمة المائية في المنطقة العربية متأثرة بعدد من العوامل، منها التلوث وضعف سياسات إدارة المياه، إلى جانب الصراع في بعض المناطق مثل سوريا واليمن، والذي بدوره يحد من وصول الناس إلى الموارد الأساسية كالمياه. ولكن ارتفاع درجة الحرارة غير المسبوق وتغيّر المناخ، باتا يؤثران بشكل واضح على أنماط هطول الأمطار، رغم تباين البيانات الخاصة بنسبة الهاطل المطري في المنطقة.

يشهد العالم العربي ارتفاعاً متسارعاً في درجة الحرارة بمعدل الضعف مقارنة ببقية مناطق العالم، ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار درجتين عن عصر ما قبل الثورة الصناعية، وذلك ما بين الأعوام 2021 و 2039، وقد تصل إلى 5 درجات بحلول العام 2050، الأمر الذي قد يجعل من الصعب العيش في بعض المناطق ويضاعف معاناة الدول الهشّة في المنطقة المتأثرة بالنزاعات مثل اليمن وسوريا.

تساهم ظاهرة الاحتباس الحراري في ارتفاع متزايد لدرجة حرارة الأرض، وتحدث هذة الظاهرة نتيجة الارتفاع المتزايد في نسبة انبعاثات الغازات الدفيئة التي تشمل أساساً غازات ناتجة من النشاط الصناعي، يأتي على مقدمها غاز ثاني أكسيد الكربون. فقد أشارت البيانات الى أن نسبة الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون هي الأعلى منذ 63 عاماً، بمتوسط سنوي 34 مليار طن متري، رغم أن المنطقة لم تساهم سوى في 3 في المئة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن الدراسات تشير الى أن آثار التغير المناخي ستكون عنيفة في المنطقة وسيستمر ارتفاع متوسط درجة الحرارة حتى وإن نجحت الجهود العالمية في تثبيت متوسط درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية.

تغيّر المناخ يهدّد الأمن المائي 

الوتيرة المتسارعة لارتفاع درجة الحرارة تنجم عنها عواقب وخيمة تهدد القطاعات الحيوية في العالم العربي، أبرزها الأمن المائي. فباستثناء مصر والسودان والمملكة السعودية، تعاني المنطقة من تدهور حاد في الأمن المائي، إذ يصل نصيب الفرد من المياه المتجدّدة أقل من 500 متر مكعب سنوياً. إذ يؤدي ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض إلى زيادة امتصاص المزيد من المياه في الغلاف الجوي، الذي يتحوّل بدوره إلى بخار ماء ويرفع وتيرة الجفاف وحوادث الحرائق التي أصبحت تتكرر بشكل متزايد في المنطقة.

لا شك في أن الأزمة المائية في المنطقة العربية متأثرة بعدد من العوامل، منها التلوث وضعف سياسات إدارة المياه، إلى جانب الصراع في بعض المناطق مثل سوريا واليمن، والذي بدوره يحد من وصول الناس إلى الموارد الأساسية كالمياه. ولكن ارتفاع درجة الحرارة غير المسبوق وتغيّر المناخ، باتا يؤثران بشكل واضح على أنماط هطول الأمطار، رغم تباين البيانات الخاصة بنسبة الهاطل المطري في المنطقة. إلا أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى هي الأكثر تقلباً مقارنة ببقية العالم، الأمر الذي يساهم في مفاقمة الأزمة المائية، والتي تعد أحد أكبر التهديدات في المنطقة بحسب الخبراء، لما تشكله من تهديد مباشر على الأمن الغذائي الذي يستهلك نحو 85 في المئة من الموارد المائية، وكذلك قطاع الطاقة والصحة والتنمية المستدامة بشكل عام. يتعرض نصف الأراضي الزراعية في المنطقة للضرر بسبب تراجع الإنتاجية الزراعية، وذلك نتيجة لضعف قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وتخزين الكربون وارتفاع نسبة الملوحة والتآكل بفعل نقص المياه والرياح، ما جعل المنطقة تعتمد بشكل متزايد على الواردات في تأمين السلع الغذائية.

دول النزاع الأكثر تأثرا بتغيّر المناخ

الهشاشة الأمنية والوضع غير المستقر الذي تشهده بعض دول المنطقة مثل اليمن وسوريا والعراق، يفاقمان الوضع الإنساني ويضعان تحديات هيكلية أمام الحكومات لتبني سياسات تنموية وتكيفية أمام التأثيرات المتزايدة لتغيّر المناخ. فعلى سبيل المثال، يشهد اليمن، الذي يعتمد فيه أكثر من نصف السكان على قطاعات تتأثر بشكل مباشر بتغيّر المناخ مثل الزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك، صراعاً داخلياً على مدى تسع سنوات، وقد كان لضعف الموارد الأساسية دور في إشعال فتيل النزاع. وكان فشل الدولة في توفير الاحتياجات الأساسية مثل الماء وموارد الطاقة وتدني سبل العيش أحد أسباب التي ساهمت في تأجيج الاضطرابات الداخلية.

وعلى صعيد مشابه، كانت موجة الجفاف التي ضربت الأراضي السورية بين العامين 2006 و 2009 أحد الأسباب التي أجّجت النزاع الداخلي أيضاً، وذلك نتيجة لضعف الحكومة في التعاطي مع مشكلة الجفاف وإدارة الموارد المائية، والتي تسببت في نفوق المواشي والمحصول وتدفق النازحين نحو المدن السورية. ورجحت التقارير أن الموجة حدثت بسبب تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض وضعف حركة الرياح نتيجة ارتفاع نسبة الانبعاثات المسبِّبة للاحتباس الحراري.

هشاشة التمويل

رغم التأثيرات المباشرة لتغيّر المناخ وما يفرضه من تحديات أمام صمود المجتمعات الضعيفة، لا سيما تلك التي تشهد نزاعاً طويلاً والدول الهشة اقتصادياً، إلا أن التمويل الموجّه لتمكين الاقتصادات النامية من التكيف مع تغيرات المناخ، لا يزال يعاني من قصور، فبحسب التقديرات التي وضعتها 11 دولة عربية وفقاً لاتفاقية باريس، فالوطن العربي يحتاج إلى ما يقارب 570 مليار دولار حتى العام 2030، وذلك لسد حاجته من التمويل المناخي وتلبية أهدافه المناخية ودعم مشاريع التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي. لكن في المقابل، لم يتجاوز إجمالي التمويل الدولي الذي تلقته المنطقة الـ 34.5 مليار دولار، أي ما نسبتة 6 في المئة. تدفّق التمويل لم يكن متوازناً في الدول العربية، فقد حصلت 6 دول عربية، من بينها مصر والأردن، على النصيب الأكبر من التمويل بحوالي 92 في المئة، بينما واجهت الدول التى تشهد نزاعات وبناء مؤسسي هش صعوبة في الوصول الى التمويل.

بحسب قاعدة البيانات لـ27 صندوقاً مخصصاً لتمويل المناخ، حصلت اليمن وسوريا والعراق على الموافقة لتمويل 19 مشروعاً فقط، بإجمالي 20.6 مليون دولار فقط، وهو ما يشكل أقل من 0.5 في المئة من التمويل العالمي للتكيف مع تغيّر المناخ.

رغم موافقة الدول المتقدمة على وجوب تقديم المساعدة المالية للدول النامية للتكيف مع تبعات تغير المناخ، والتعهد بجمع 100 مليار دولار سنوياً حسب اتفاقية باريس في 2015، إلا أن آليات التمويل التي أُنشئت بعد إبرام اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، غير مرنة وتتخذ غالباً شكل قروض استثمارية، لذا يتم تفادي المخاطرة في البيئات المتقلبة ودعم الحكومات الضعيفة التي قد تتخلّف عن السداد.

 بلغ إجمالي التمويل على شكل ديون خلال العقد السابق نحو 30 مليار دولار، وهو الأمر الذي يفاقم أزمة الدين الخارجي في الوطن العربي، التي وصلت الى مستوى غير مسبوق تاريخياً، بإجمالي 1.4 تريليون دولار، الى جانب التعقيدات والمتطلبات المؤسسية التى لا تستوعب وضع الدول الهشة التي تعيش نزاعاً رغم الحاجة الماسة الى هذه المجتمعات للتكيف والصمود، وتأثر سبل عيشها المباشر بآثار التغير المناخي الذي يساهم في مفاقمة النزاع.

يثبت الوضع الراهن أن هناك حاجة ماسة الى إعادة النظر وتطوير استراتيجية التمويل المناخي الحالية، فنظراً الى الضعف المؤسسي لم يتمكن سوى نصف الدول العربية من تحديد احتياجاتها التمويلية، وهو الأمر الذي يعد شرطاً أساسياً لتلقّي التمويل، تقول ربا عجور، مديرة دراسات تغير المناخ في الجمعية العلمية الملكية في الأردن، “يجب تخصيص تمويل لرفع القدرات المؤسسية للدول العربية لتتمكن من تحديد احتياجاتها الأساسية من التمويل لمشاريع التكيف والتخفيف مع الأخذ في الاعتبار السياقات المحلية وأولويات التنمية الوطنية، كما أن هناك حاجة الى رفع القدرات المؤسسية وتسهيل الوصول الى صناديق المناخ مثل الصندوق الأخضر” .

وأشارت البيانات الى أن المنطقة العربية لم تنجح في الحصول سوى على 4 في المئة من التمويل المقدم من صناديق المناخ، وذلك نظراً الى الآليات المعقدة والبيروقراطية التى تفوق القدرات المؤسسية لكثير من الدول في المنطقة.

تواجه مناطق النزاع في الوطن العربي مشكلة إضافية متعلقة بالمخاطر التى تحد من الوصول الى التمويلات المناخية غير المهيأة للتعامل مع بيئة المخاطر، تضيف عجور: “الدعم الإنساني وحده في مثل هذه البيئات لا يوفر حلولاً مستدامة للمشاكل الهيكلية التى قد تفاقم النزاع حول الموارد، بخاصة في ظل النزاع الطويل مثل الحالة اليمنية والسورية، لذا وجب تبني منهج شامل تنموي وإنساني يضع الاحتياجات المناخية للتكيف ضمن خطة الاستجابة، ويتبنى سياسات تسهّل وصول المجتمعات المتضررة الىى التمويل”.

هل سيدفع مؤتمر الأطراف COP 28 نحو مزيد من التمويل؟

في نهاية الشهر الجاري، ستعقد القمة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في دبي، وهي القمة التي تعقد سنوياً في دول مختلفة وتجتمع فيها الأطراف الموقعة على اتفاقية باريس، وذلك لمناقشة التقدم الذي تم إحرازه في مجال خفض انبعاثات الوقود الأحفوري ومناقشة التمويل اللازم لمواجهة تبعات التغير المناخي وبناء قدرات المجتمعات للتكيف والصمود. 

 المتوقع في هذة القمة، أن يتم الإعلان عن نتائج التقييم الأولي والخروج بتوصيات جادة ومستعجلة، إذ أشار التقرير الفني الى أن العالم لا يزال بعيداً عن تحقيق الأهداف الطموحة التي صيغت في اتفاقية باريس، وإبقاء الاحترار العالمي عند 1.5 مئوية. 

 تقول سارين كراجرجيان، مديرة برامج البيئة في مبادرة الإصلاح العربي: “يضم الوفد العربي في مؤتمر الأطراف جميع الدول العربية، إلا أنها لا تخضع لظروف متساوية، فدول النزاع في المنطقة العربية مثل اليمن وسوريا والعراق تعاني من ضعف سياسات، وهي أكثر احتياجاً للتمويل المناخي والتكيف مع تبعات التغير المناخي”. وترى أن هناك مسؤولية تقع على المجتمع المدني والناشطين والحكومات بالضغط باتجاه سن سياسات وآليات تمويلية شفافة وواضحة، فرغم أنه تم الإعلان أن البنك الدولي سيدير تمويل الخسائر والأضرار، إلا أن آلية التمويل وتصريفه وكيف ستستفيد الدول المتأثرة غير واضح حتى الآن. ويؤكد المراقبون أن تقدم المفاوضات في ملف التمويل المناخي وصندوق الخسائر والأضرار على وجه الخصوص، الذي تم الإعلان عنه في القمة السابقة التي عقدت في شرم الشيخ، يعد مقياس نجاح القمة من عدمه.