تنظم مصر، منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في مدينة شرم الشيخ، قمة المناخ العالمية، المعروفة باسم “كوب 27“، وهي الملتقى السنوي الأكبر في العالم، الذي يضمّ رؤساء وزعماء وقادة دول، للحديث عن آليات مواجهة موجات تغير المناخ المتزايدة، وتقدير الموقف الحالي لكوكب الأرض، والاتفاق على إستراتيجيات مُلزمة لجميع الأطراف، ووسط الاستعدادات الشكلية لتنظيم القمة العالمية، تعاني مصر أوضاعاً سيئة ومخالفات مستمرة بحق المناخ والبيئة، تتم بقرارات رسمية.
تبدأ المخالفات بإزالة وتدمير حدائق عامة، وزحف عمراني على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وتسريبات بترولية في السواحل، ومجازر الأشجار الممنهجة المستمرة بأحياء القاهرة القديمة وكذلك بعض المدن الأخرى، والبناء بالقرب من شاطئ البحر في الإسكندرية، ولا تنتهي بردم ونحر الشواطئ لبناء مشروعات سياحية على سواحل عدة مدن.
ولأجل التعتيم على ذلك التوجّه الذي تنتهجه الحكومة المصرية لانتهاك البيئة والإضرار بجهود احتواء التغير المناخي، في ظلّ القلق العالمي بشأنه وكذلك تنظيم “كوب 27” الحدث العالمي الأهم في مجالي المناخ والبيئة، يشدّد النظام المصري قبضته على العمل المستقبل، والتقارير غير الحكومية، بشأن البيئة والمناخ، وتحيطه بالكثير من العقبات البيروقراطية والأمنية لتعطيل عمل المنظمات المستقلة العاملة بالمناخ والبيئة، أو إصدار التقارير حول الانتهاكات البيئية في مصر.
يبدو، من مراقبة النشاط المدني في مجالي البيئة والمناخ طوال السنوات الماضية، أن العمل المستقل شبه متوقّف، كحال جميع منظمات المجتمع المدني والجماعات المستقلة العاملة بالشأن الاجتماعي والسياسي، إلا أنّ الجماعات العاملة بالبيئة والمناخ اكتسبت وضعاً خاصاً يعود إلى الجرائم الحكومية المستمرة في مصر بحق المناطق الخضراء، والسواحل، والتراث البيئي المصري، وهي التي تلقى رواجاً نقدياً من حيث كونها انتهاكاً للتراث، وليس من قبيلِ كونها انتهاكاً وإضراراً عاماً بالبيئة والمناخ، الذي لا يؤثر في الوضع البيئي في مصر فقط، إنما في المنطقة، والعالم ككل، باعتبار مصر بمساحتها الشاسعة وسواحلها الواسعة، واحدة من رئات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي تقرير، أصدرته “هيومن رايتس ووتش”، حول قدرة المجتمع المدني المصري على العمل في مجال البيئة، قالت إن “الحكومة المصرية قيّدت بشدة قدرة الجماعات البيئية على العمل المستقل المتعلق بالسياسات والبحوث الميدانية، الضرورية لحماية البيئة الطبيعية في البلاد، وتنتهك هذه القيود الحق في تكوين الجمعيات وتهدد قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالعمل البيئي والمناخي، بينما تستضيف الدورة الـ 27 لـ(مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ)”.
تنظم مصر، منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، في مدينة شرم الشيخ، قمة المناخ العالمية، المعروفة باسم “كوب 27”، وهي الملتقى السنوي الأكبر في العالم
يحدد التقرير وفقاً لشهادات حصل عليها، أن “مساحة التسامح الرسمي تتسع مع الأنشطة البيئية التي تتفق مع أولويات الحكومة، ولا يُنظر إليها على أنها تنتقد الحكومة”، في إشارة إلى مجالات تقنية كجمع القمامة وإعادة التدوير والطاقة المتجددة والأمن الغذائي، وجلب التمويل الدولي إلى مصر”. وتؤكد إحدى الشهادات أنّه “عندما يتعلَّق الأمر بدول الشمال ومساهمتها في تغير المناخ وانبعاثات الكربون، يُسمح بذلك، لأن هذا يتقاطع مع مصالحها، فهي بحاجة إلى المزيد من التمويل”.
نقد سلوكيات وانتهاكات المناخ، التي تتمّ بإشراف حكومي، أو دون الإشراف الحكومي، هو الجانب المظلم في القصة، وهو الذي يحصل في الفترة الأخيرة، وهو ما يجعل أكثر القضايا البيئية حساسية، بحيث لا يستطيع نشطاء البيئة أو المتخصصون بالمناخ، الحديث حولها، هي التي تشير إلى تقاعس الحكومة عن حماية حقوق الناس من الأضرار التي تسبّبها مصالح الشركات، بما فيها القضايا المتعلقة بالأمن المائي، والتلوث الصناعي، وهي الأضرار البيئية الناتجة عن “بيزنس” خاص بمجالات التطوير العمراني، والسياحة، والزراعة، إما تستفيد منه الحكومة، أو يتمتّع ملاكه بمصالح خاصة من شخصيات حكومية، وفي الحالتين، يُترك دون محاسبة أو رقابة، ويتمّ منع الحديث عنه أو انتقاده نهائياً، وملاحقة من يقدم على ذلك، أو حسبما قالت إحدى الشهادات التي سجّلتها “هيومن رايتس ووتش”: “مشاريع البنية التحتية الوطنية خط أحمر، لا يمكنني العمل عليها”.
الأشكال المدمّرة من استغلال المحاجر ومصانع تعبئة المياه، وبعض مصانع الأسمنت، كلها حساسة بشكل خاص، كما هو الحال بمشاريع البنية التحتية كالعاصمة الإدارية الجديدة لتبعيتها المباشرة إلى مكتب الرئيس المصري، أو الجيش”، حسب التقرير.
أضعفت تلك القيود منظمات المجتمع المدني والجمعيات والمراكز البحثية المعنية بالبيئة والمناخ في مصر، ما جعلها غير قادرة على أداء دور “المراقبة” لإساءة استخدام السلطة الحكومية، بل وتطويعها للجور على البيئة، فالكثير من القوانين التي أضيفت وجرى تعديلها منذ عام 2014 الخاصة بالعقوبات والجمعيات الأهلية، تعطل المنح والتبرعات والتمويلات الخاصة بالمشروعات الدولية من مصادر أجنبية، وقُدّمت منظمات مجتمع مدني، فضلاً عن القائمين عليها، للمحاكمة منذ ذلك التوقيت، وبعضها لا يتجاوز دوره في القيام بأعمال بيئية.
كما توقفت الحكومة المصرية عن منح تصاريح بحث، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في أعداد الباحثين، الذين يقومون ببحوث ميدانية، خوفاً من الاعتقال، والكثير منهم غادر مصر مهاجراً أو لاجئاً، أو لاستكمال دراساته أو العمل في الخارج، لعدم قدرته على العمل في بيئة آمنة في مصر كمراقب لشئون البيئة والمناخ، وحصل ذلك بعد ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011. فقبل ذلك العام، “لم تكن المساحة مغلقة كما هي اليوم، الوضع الآن خطير جداً” إذ تلقى بعضهم مكالمات هاتفية لتهديدهم حال انتقاد الحكومة أو مناصرة العمل البيئي أو تم توقيفهم واستجوابهم عند السفر من مطار القاهرة، أو تلقوا استدعاءات من جانب جهاز الأمن الوطني، وشملت هذه الاستدعاءات ضحايا التلوث البيئي المتضررين مما لحق بهم، حسب الشهادات الواردة بالتقرير، وأبرزهم المشاركون في حملة “مصريون ضد الفحم“، التي قادت معارضة مساعي الحكومة لزيادة استخدام الفحم لتوليد الطاقة لمصانع الأسمنت عام 2013.
وتؤيّد الدكتورة إلهام محمد، الباحثة بمجال تغير المناخ، كثيراً مما ورد بتقرير “هيومان رايتس ووتش”، وتؤكد أن “وضع البحث العلمي في مجالي البيئة والمناخ صار يُرثى له”. وتضيف، في حديث لدرج، أن “كثيراً من الباحثين توقفوا عن العمل واكتفوا بالتدريس في الجامعة، نظراً لعدم قدرتهم على التأثير بشكل حقيقي، لأن معظم ما يحصل ويحتوي على انتهاكات للبيئة والمناخ يحدث بموافقة الحكومة المصرية، ومهما قدّمنا حلولاً واستشارات، هناك رغبة في فعل الأشياء بالطريقة ذاتها، دون الاستماع لصوت العلم، أو التحذيرات من عواقب وخيمة مستقبلاً”.
وتقول: “لن يؤثر ذلك على مصر وحدها، لكن بالتأكيد سيؤثر على مصر أكثر من غيرها، بخاصة أنها من أكثر الدول المتضررة من تغير المناخ في العالم، تحديداً، مدنها الساحلية، والجميع يعرف ذلك، ولا يحتاج إلى باحثين أو علماء لقوله، وألاحظ بالفعل أن الباحثين يخشون نشر أبحاثهم المثيرة للجدل أو النتائج التي يتوصلون إليها بتقارير ومجلات علمية دولية، خوفاً من التضييقات أو المضايقات، وينشرون الأوراق والأبحاث العلمية الخالصة، حتى يتجنبوا الحديث عن الحالة المصرية”.
إقرأوا أيضاً:
“التطوير” الحكومي يقوّض البيئة والمناخ براً وبحراً
خلال الأشهر والسنوات الأخيرة، أزالت السلطات المصرية الكثير من المساحات من الحزام الأخضر في القاهرة والإسكندرية ومدن أخرى لحساب مشروعات عمرانية وسياحية وطرق كباري وأعمال تطوير استبدلت الجنائن والأشجار بمطاعم وأكشاك، دون مشاورة خبراء بيئيين، أو إقناع السكان، أو منظمات المجتمع المدني بأجندة النظام المصري في عمليات الجور المستمرة على المنظومة البيئية، وهي التي عزّزت مكانة القاهرة وموقعها كواحدة من أكثر مدن العالم تلوثاً وأقلها خضرة.
وفي الفترة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للحديقة الدولية، إحدى أكبر المساحات الخضراء بالقاهرة وتحديداً منطقة مدينة نصر، بينما يدهس خضارَها ويجرّف جزءاً منها إحدى الجرافات، التي جرى تداول صورتها في عمليات تجريف حدائق أخرى، ما يشير إلى دخول الحديقة الدولية دوامة الإزالة، الذي أصدر مجلس الوزراء بياناً ليضع له مسمى آخر وهو “التطوير” الذي ما أن يطول أي منشأة تراثية أو حديقة في مصر، يشير ذلك إلى تجريف أجزاء منها، وإفقادها روحها، وجعلها مكاناً صالحاً للكسب المادي، وإقامة مشروعات تجارية، كما جرى بحديقة “المنتزة” في الإسكندرية، التي تم تجريف الكثير من أشجارها ونباتاتها وإقامة أكشاك ومطاعم ومناطق ترفيهية بأسعار باهظة بدلاً منها، تنفيذاً لإستراتيجية الدولة الحالية، القائمة على تحقيق أكبر أرباح ممكنة من أي منطقة على أرض مصر يمكن أن تدر أرباحاً.
يشمل ذلك التوجه الحكومي الحدائق العامة، والسواحل على حدٍ سواء، فسواحل كثيرة تمّ ردمها أو نحرها، أو البناء عليه، بخاصة في مدن قد تواجه خطر الغرق بسبب التغير المناخي خلال السنوات المقبلة، كما حصل في الإسكندرية، حيث تم بناء كبري على بعد أمتار من الساحل، وألغي شاطئ قديم وشهير كان مقصداً أساسياً للسياح، هو “البوريفاج”.
وكذلك ما يجري بمنطقة الساحل الشمالي لـ”حلبها مالياً” إلى أقصى مدى ممكن، إذ يجري حالياً إنشاء مرسى يخوت في عمق البحر، وهو ما استدعى الكثير من أعمال التكريك والبناء بالمنطقة الشاطئية لإحدى القرى السياحية “مراسي”، وبعدما استمرت عملية النحر لأكثر من عام، بهدف تنفيذ مشروع سياحي، انتهى الأمر بتعكّر مياه البحر، وظهور مساحات واسعة من الأحجار والتربة ونضوب المياه عنها وأصبح على أعتاب كارثة بيئية، حتى اضطرت وزارة البيئة المصرية إلى وقف الأعمال لتقدير الموقف، الذي لم يكن الأول من نوعه، إذ كانت شهدته المنطقة سابقاً إنما بدرجة أقل، في ظل التوسعات التي تصرّ عليها شركات الإنشاءات الإماراتية كـ”إعمار“، دون النظر إلى الآثار الجانبية البيئية والمناخية.
وأعقب عمليات الحفر والتكريك بالساحل الشمالي، تعرض حرم البحر المتوسط للنحر، وتلوث المياه بالحجر الجيري، وتآكل نحو 10 أمتار، وامتلاء ساحل البحر بالمخلفات والملوِّثات بخليج سيدي عبد الرحمن الشهير، ما يعجّل في النهاية بغرق السواحل المصرية.
“البناء العشوائي والأبراج الشاهقة… تهديد للسواحل المصرية”
الأزمة البيئية والمناخية التي تتعرّض لها شواطئ الساحل الشمالي لم تكن نتيجة مباشرة- فقط- للأعمال الأخيرة، إنما نتيجة لأعمال إنشاء القرى والمشروعات السياحية المستمرة هناك منذ سنوات، إضافة إلى التمدد العمراني، والاستثمار السياحي واسع المدى، في حرم البحر المتوسط.
في هذا الإطار، يوضح الخبير البيئي المصري الدكتور محمد هيكل لـ”درج”، أن “تضرر مياه البحر المتوسط وساحله بسبب إنشاءات الساحل الشمالي كان أمراً متوقعاً، وذلك لأن معظم المشروعات التي أنشئت في تلك المنطقة، منذ البداية، قبل أكثر من 20 عاماً، لم تكن مخططة، إنما كانت اكتشافاً لأرض جديدة، وإعجاباً بها، وبناءً عشوائياً، ومحاولات عشوائية لتحقيق أقصى استفادة منها”.
ويضيف هيكل: “شهوة الربح والاستثمار السياحي شجعت الكثير من الشركات والأفراد ورجال الأعمال، في ظل غياب الدولة في بعض الأوقات، تحديداً خلال عام 2011، على التعامل مع تلك المنطقة بحرية تامة، فتم البناء دون تخطيط، ولم تُدرس الآثار السلبية لتلك المشروعات على كفاءة الشواطئ، وجودتها، أو جمالها، وهو ما حصل سابقاً في مشروعات سياحية أخرى، لينتهي بها الحال إلى أن تصبح (موضة قديمة) يهجرها سكانها. كما فسدت شواطئها، وبيئتها، بسبب التخطيط السيئ، ولم تعد ممتعة كما في السابق، وهو ما سيحدث لمدن الساحل الشمالي الجديدة، التي تواجه خطراً بيئياً يرتقي لدرجة الخطر الوجودي، لأنها الآن تدفع ثمن البناء العشوائي والحفر في البحر المستمر حتى الآن، فظهرت الصخور بعد نحر الشواطئ، واختفت مساحات كبرى من الرمال الطبيعية”.
ويشير إلى أن بعض المدن الجديدة كالعلمين، التي يُخطط لأن تكون عاصمة صيفية لمصر، إلى جانب العاصمة الإدارية (العاصمة الشتوية)، هي أيضاً انتهاك صريح للبيئة، فهي تقع على شاطئ البحر، وبرغم ذلك بُنيت فيها كتل خرسانية وأبراج شاهقة كثيرة، يُفاقم بناؤها الوضع البيئي في المدن الساحلية المصرية، موضحاً أن “التقاليد العالمية للبناء في المدن الساحلية، يرجّح ألا تمتلئ بالأبراج والمباني العالية، إنما يكون البناء محدوداً، حفاظاً على البيئة والسواحل، وكذلك عدم البناء والتوسع العمراني في البحر، وكل ذلك يحدث في المدن الجديدة خاصة أن شركات المقاولات التي حصلت على حق بناء قرى سياحية وكمباوندات بها قامت ببناء عقارات أمام البحر مباشرةً، وليس بالجهة المقابلة، وهو ما يخالف المعايير البيئية المطلوبة، وذلك سيؤدي إلى نحر شواطئ البحر المتوسط ويقلل من جودة الرمال، ويؤدي إلى مشكلات على المدى البعيد، والمخالفة الثانية، هي التي ترتكبها الكثير من المشروعات السياحية، هي إقامة بحيرات صناعية في حرم البحر، وتغيير خط الشاطئ الأصلي، وهو ما تترتب عليه عواقب بيئية وجيولوجية وخيمة في المستقبل”.
الأزمة البيئية والمناخية التي تتعرّض لها شواطئ الساحل الشمالي لم تكن نتيجة مباشرة- فقط- للأعمال الأخيرة، إنما نتيجة لأعمال إنشاء القرى والمشروعات السياحية المستمرة هناك منذ سنوات، إضافة إلى التمدد العمراني، والاستثمار السياحي واسع المدى، في حرم البحر المتوسط.
قطع الأشجار مستمر… والبديل “نباتات الزينة”
لا يزال قطع الأشجار في مصر مستمراً، وسط تجاهل رسمي لخطورة ذلك على المديين القريب والبعيد، بخاصة أن الكثير من تلك الأشجار التي تُزال نادرة وتاريخية، كالأشجار المعمّرة بكورنيش العجوزة في مدينة الجيزة، وقطع الأشجار التاريخية في منطقة المنتزة التاريخية في الإسكندرية، وكذلك هدم حدائق المنصورة المعروفة بـ”عروس النيل” و”صباح الخير” و”هابي لاند” الأقدم في الدقهلية، لإنشاء مشروع سكني يحمل اسم “تحيا مصر المنصورة”، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي. ودافعت وزيرة البيئة المصرية، د. ياسمين فؤاد، عن قطع الأشجار، بقولها أن “قطعها لتوسيع الطرق أكثر فائدة من الإبقاء عليها” لتنال العديد من تغريدات السخرية والاعتراضات في وسم “أوقفوا قطع الأشجار”.
تضاعف تلك الإزالات المأساة المناخية، فيومياً يُفاجأ سكان منطقة في مصر بمجزرة أشجار جديدة، بدأت بحي مصر الجديدة التاريخي، الذي أزيلت أغلب أشجاره القديمة لإقامة 5 كباري، ليفقد الحي ما يتراوح بين 2500 و3000 شجرة، وفقاً لتقديرات غير رسمية، وبعضها أشجار مميزة، ثم امتدّت الإزالات إلى مدينة نصر لتتخلص من أشجار نادرة أخرى، وفي مدينة الإسماعيلية، أزيلت أشجار يصل عمرها إلى 200 سنة من شارع محمد علي، وفي الإسكندرية، أزيلت أشجار حديقة الخالدين، التي أنشأت في الأربعينات من القرن الماضي، لتتحول إلى أكشاك وجبات سريعة ومياه غازية.
لم تكن المبررات الحكومية للاعتداء على كم مهول من الأشجار، سوى ادّعاء التطوير بمعناه الرسمي الحالي، وهو إضفاء المزيد من التجارية على مناطق تراثية أو حدائق عامة، دون وجود إستراتيجية حقيقية للاحتفاظ بالأشجار أو إعادة زراعتها، بخاصة أن الطريقة التي يتم بها قطع الشجرة من جذورها- في معظم الحالات- تنهي حياتها، بحيث لا تسمح بإعادة زراعتها مرة أخرى، ولا تستخدم تقنيات حديثة تحافظ على استمرارها، كما أن إعادة التشجير والتزيين، في مناطق أخرى بعد رصف طرق أو تشييد كباري، لا تُستخدم فيها الأشجار القديمة أو التاريخية، إنما تُستخدم بها أشجار زينة ونباتات صغيرة.
الإسمنت والمدن الجديدة والاستثمار السياحي…
رغبة المستثمرين في الربح وتحقيق أفضل عوائد مالية من الاستثمار السياحي تدفعهم إلى ارتكاب جرائم بحق البيئة والمناخ، تحديداً في المناطق الساحلية، في غفلة أو تواطؤ من الحكومة المصرية، التي تقرر الصمت حيال ما يحصل، متجاهلة الانكماش الذي سيحدث في مساحات السواحل، وفقدان الكثير من التنوع البحري والبيئي في تلك المناطق.
ويتكامل مع شهوة الربح لدى المستثمرين العاملين في مجال السياحة، السعي الرسمي إلى التوسع الأفقي وبناء المدن الجديدة “دون دراسة جدوى” كما يبدو، بخاصة أن معظم المدن التي انتهى بناؤها لا تزال مهجورة، وهو ما دفع الحكومة المصرية للتقدم في بناء مدينة الجلالة، التي تُبنى أعلى هضبة الجلالة بمحافظة السويس، فوق أكثر من نصف كيلومتر فوق سطح الأرض، ويجد بناءُ مدينة فوق جبل الكثير من الملاحظات والانتقادات، بخاصة أن مصر لا تملك سوى القليل من الجبال، وهو ما يهدد التنوع البيئي والجيولوجي. وقد أثّر ذلك بمرور الوقت على الحياة البرية بتلك المناطق، وتحديداً حياة الطيور المهاجرة، التي كانت تعتبر هضبة الجلالة “نقطة عبور واستراحة”، لا سيما أن الجلالة كانت ممراً لهجرة نحو مليون ونصف المليون طائر سنوياً. ولإصلاح الأمر تدريجياً، تدخلت منظمة حماية الطبيعة في مصر لعلاج الأمر وبناء “مرصد الجلالة“، بالتعاون مع وزارة البيئة المصرية لمراقبة وتتبع رحلة الطيور وتقديم الدعم لها.
ويواجه مشروع تطوير “التجلي الأعظم” في منطقة سانت كاترين في جنوب سيناء ملاحظات أخرى، إذ يستهدف تحويله إلى منطقة سياحية عالمية للسياحية الدينية، بينما أدّت عمليات الهدم والبناء فيه إلى الجورِ على الحياة البرية والطبيعية والبيئة في تلك المنطقة، والكثير من الآثار السلبية، في مقدمتها هدم ملاذات الطيور والحياة البرية لبعض الكائنات الحية، وزيادة التلوث بالمنطقة.
وبسبب معدلات البناء العالية، التي تحرص عليها مصر، ما بين وحدات سكنية ومدن جديدة وعقارات… تتضاعف صناعة الإسمنت، الذي يعد أكثر العوامل المساهمة في التدهور البيئي في مصر. ولاستيعاب الطلب الكبير، ارتفعت الطاقة الإنتاجية للأسمنت المصري خلال السنوات الثلاث الماضية من 85 مليون طن إلى 87 مليون طن سنوياً، برغم المحاولات الحكومية لاحتواء التأثير البيئي المُهلك لهذا القطاع الصناعي، عبر اقتراح تخفيض إنتاج المصانع بنسبة 10 في المئة، إلا أن المصانع لم تتجاوب مع المقترح، كما أن الرقابة الواهية تخلق الكثير من المخالفات، بخاصة أن صناعة الإسمنت ليست بالشفافية المطلوبة، بحسب القواعد العالمية، فالمصانع لا تتخذ التدابير اللازمة لمنع انبعاثات الغلاف الجوي، أو التخلص من النفايات الخطرة بطريقة لا تضر البيئة والسكان. وغالباً، ما تخالف المصانع جميع القواعد والقوانين وتنتهك البيئة، ويصبح إثبات مخالفاتها صعباً للغاية، لتقديمها وثائق وأوراق تؤكّد قانونية عملها.
إستراتيجية الحد من الانبعاثات… مصر في “مؤخرة” مقاومي تلوث البيئة
منذ عام 2014، بدأت الحكومة المصرية تنفيذ إستراتيجية متكاملة للحد من الانبعاثات والتلوث، ضمن خطواتها لمواجهة التغير المناخي. هكذا تعلن دائماً، لكن تتبع النتائج والتغيرات في حالة مواجهة تغير المناخ بالقاهرة يثبت عكس ذلك تماماً. كان من ضمن الإستراتيجية التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة والنقل الذكي والبنية التحتية المُستدامة، إلا أن تلك الوسائل لم تتحقّق حتى الآن، والجهات الحكومية نفسها لا تلتزم بمعايير الحفاظ على البيئة، المنصوص عليها في الإستراتيجية.
تؤكد إحصاءات البنك الدولي، أن مصر أنتجت 310 ملايين طن من الغازات الدفيئة خلال عام 2016 (برغم البدء في تنفيذ الإستراتيجية، حسب التصريحات الرسمية)، وهو الرقم الذي يساوي 10 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما أن الزيادة المصرية في الانبعاثات أسرع ثلاث مرات من المتوسط العالمي، إذ قالت دراسة للبنك الدولي عام 2019، أن تكلفة تدهور البيئة في مصر، والإهمال في توقيف عجلة التغير المناخي، هي زيادة عدد الوفيات المبكرة السنوية بسبب التعرض للجسيمات الدقيقة في القاهرة الكبرى وحدها، يصل إلى 12 ألف و600 حالة، كما تحتل مصر المرتبة الـ94 في مؤشر الأداء العالمي البيئي بمعدلات نجاح منخفضة للغاية، برغم المشروعات والمبادرات والخطط “الشكلية” لمواجهة تغير المناخ، التي تروّجها عن نفسها استعداداً لقمة المناخ التي تُقام في شرم الشيخ، ليتواصلَ التناقض، ما بين ما تعلنه الحكومة المصرية في ملف المناخ والبيئة، وما تنجزه بالفعل.
إقرأوا أيضاً: