fbpx

قتلوا لقمان سليم!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

الجنازة يُعد لها منذ سنوات، ووحده لقمان من كان يؤجل وقوفها على باب دارة العائلة في حارة حريك، عبر صموده الاستثنائي فيها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 أجدني وقد وصلني خبر مقتل لقمان سليم عاجزاً عن استقبال هذا العدد من الاتصالات الساعية لتفسير الجريمة بغير الفعلة نفسها. قتل لقمان هو فعل قتل لقمان. هنا تماماً يبلغ فعل القتل ذروته. فالجريمة معلنة والتفسيرات لن تزيد عن أن لقمان قُتل، وربما يصلح القول هنا: وأخيراً قتلوا لقمان سليم! ذاك أن الجنازة يُعد لها منذ سنوات، ووحده لقمان من كان يؤجل وقوفها على باب دارة العائلة في حارة حريك، عبر صموده الاستثنائي فيها. الدار التي حولها لقمان إلى مختبر فني وبحثي قبل أن تكون موقعاً سياسياً اعتراضياً في قلب جغرافيا “حزب الله”.

معرفتي بلقمان مديدة، وربما تعود إلى أكثر من 25 سنة، لكنني لم أبلغ يوماً معرفة بهذا الرجل تمكنني من تفسير هذا السر. لطالما كنت أمام لقمانات، ينوع بينها ابن حارة حريك كما يحلو له. لا أتحدث عن المعارض والباحث والناشر والناشط، إنما أيضاً عن لقمان الشجاع شجاعة فاقت فجور قاتله، وعن لقمان صاحب الذكاء الخاص والحاد وغير المواري. إنما ثمة لقمان آخر لطالما استحضرته في نقاشاتي معه، وهو لقمان الصحافي، على رغم عدم إيمانه بمطابخ التحرير. وفي معظم المشاريع التي كان لي دور فيها كان لقمان يلوح كاحتمال صعب لاستدراجه. أنا هنا أتحدث عن الصحافي صانع العناوين، وملتقط اللحظات، وباعث الأفكار ومصمم القصص.

لقمان يدعوك إلى ابتلاع نفسك الشيعية وإلى هضمها. في خصومته الهائلة لأحزاب الشيعة التي تزنر منزله، اختار أن يكون جزءاً من هذا النسيج، لا بل جزءاً منسجماً مع شيء فيه لطالما بعث على الحيرة والتأمل.

رجل من طينة غريبة عجيبة. صديق من لا نتوقع أنه صديقهم، والعامل في مجالات لا تخطر على بال. فمن غير المستبعد أن تقصده طلباً لمعلومة أو قصة أو وثيقة، فتجد نفسك أمام مزارع مثلاً، وهو إذ يشرع بشرح فكرته عن الزراعة، يضعك في صلب مشهد شديد السياسية، وشديد الارتباط بتوتر مواز للزراعة ومرافق لها. وهو إذ يضعك فوق طبقة التوتر الضمني، يعالج توترك بتلك الابتسامة الساخرة من بؤس المصائر.

لقمان يدعوك إلى ابتلاع نفسك الشيعية وإلى هضمها. في خصومته الهائلة لأحزاب الشيعة التي تزنر منزله، اختار أن يكون جزءاً من هذا النسيج، لا بل جزءاً منسجماً مع شيء فيه لطالما بعث على الحيرة والتأمل. إنه لقمان سليم ابن محسن سليم عضو البرلمان عن منطقة الضاحية لسنوات طويلة سبقت سنوات “حزب الله” فيها. العائلة الأوسع لم تهجر دار لقمان ورشا وأمهما السيدة التي لطالما عبرت من أمامنا في جلساتنا مخلفة شيئاً كنا نتعقبه بعد أن نغادر. إنها زوجة محسن سليم وأم لقمان ورشا، وثمة أثر للهجة مصرية في حديثها، وأناقة سيدة من زمن آخر. كنا نغادر مع الكثير من الأسئلة التي تضيع لاحقاً في مشاريع لقمان التي لا تتوقف ولا تكف عن إدهاشنا.

لماذا لا نلتقي في الصوانة! كان يسألني. الصوانة بلدتي أنا وليست بلدته، وفيها منازل أعمامي، وهو إذ كان يدعوني إليها، كان يتحدى جفاءً راح يصيب علاقتي بأمكنة أهلي. كان يقول لي هيا لنلتقي في منزل شبيب الأمين. شبيب صاحب كتاب “أعتقد أنني سكران” هو أقرب إلى منشور شعري ضد الشعر، وصاحب قصيدة كتبها عن رضوان الأمين وعن مئذنة مسجد هوت في أعقاب موته، وللقمان أثر في قصائد شبيب الذي تربطه به علاقة هي جزء من مساحة غموض أليف وممتد لسنوات وسنوات.

قتلوا لقمان سليم. قتلوا أشياء كثيرة. لا أدري ماذا سيكون مصير المختبر الذي أنشأه لقمان في حارة حريك. لا أدري كيف سأضع وجهي في وجه رشا، ولا أدري كيف يمكن أن أصل إلى شبيب، أو إذا كانت ممكنة بعد تلبية دعوة لقمان إلى زيارة منازل أعمامي في الصوانة. 

لا شيء أكيداً بعد اليوم. ستصمت “صديقتنا الشريرة” الناطقة باسمه على فيسبوك وستكف عن تذكيرنا بأن ثمة من هو أذكى وأشجع من بنادق القتلة. 

إقرأوا أيضاً:

حنان زبيس - صحافية تونسية | 07.10.2024

قيس سعيد رئيساً بـ89% من الأصوات: تونس عادت إلى الديكتاتورية 

حسب التقديرات الأولية لشركة سبر الآراء "سيغما كونساي"، وفي انتظار إعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في تونس مساء الاثنين، فإن الرئيس قيس سعيد قد حصد معظم الأصوات بنسبة 89.2%. نسبة ذكّرت التونسيين مباشرة بالنسب التي كان يحصل عليها الدكتاتور زين العابدين بن علي في السابق، حين حصل مثلاً على نسبة 89.6% في 2009.
04.02.2021
زمن القراءة: 3 minutes

الجنازة يُعد لها منذ سنوات، ووحده لقمان من كان يؤجل وقوفها على باب دارة العائلة في حارة حريك، عبر صموده الاستثنائي فيها.

 أجدني وقد وصلني خبر مقتل لقمان سليم عاجزاً عن استقبال هذا العدد من الاتصالات الساعية لتفسير الجريمة بغير الفعلة نفسها. قتل لقمان هو فعل قتل لقمان. هنا تماماً يبلغ فعل القتل ذروته. فالجريمة معلنة والتفسيرات لن تزيد عن أن لقمان قُتل، وربما يصلح القول هنا: وأخيراً قتلوا لقمان سليم! ذاك أن الجنازة يُعد لها منذ سنوات، ووحده لقمان من كان يؤجل وقوفها على باب دارة العائلة في حارة حريك، عبر صموده الاستثنائي فيها. الدار التي حولها لقمان إلى مختبر فني وبحثي قبل أن تكون موقعاً سياسياً اعتراضياً في قلب جغرافيا “حزب الله”.

معرفتي بلقمان مديدة، وربما تعود إلى أكثر من 25 سنة، لكنني لم أبلغ يوماً معرفة بهذا الرجل تمكنني من تفسير هذا السر. لطالما كنت أمام لقمانات، ينوع بينها ابن حارة حريك كما يحلو له. لا أتحدث عن المعارض والباحث والناشر والناشط، إنما أيضاً عن لقمان الشجاع شجاعة فاقت فجور قاتله، وعن لقمان صاحب الذكاء الخاص والحاد وغير المواري. إنما ثمة لقمان آخر لطالما استحضرته في نقاشاتي معه، وهو لقمان الصحافي، على رغم عدم إيمانه بمطابخ التحرير. وفي معظم المشاريع التي كان لي دور فيها كان لقمان يلوح كاحتمال صعب لاستدراجه. أنا هنا أتحدث عن الصحافي صانع العناوين، وملتقط اللحظات، وباعث الأفكار ومصمم القصص.

لقمان يدعوك إلى ابتلاع نفسك الشيعية وإلى هضمها. في خصومته الهائلة لأحزاب الشيعة التي تزنر منزله، اختار أن يكون جزءاً من هذا النسيج، لا بل جزءاً منسجماً مع شيء فيه لطالما بعث على الحيرة والتأمل.

رجل من طينة غريبة عجيبة. صديق من لا نتوقع أنه صديقهم، والعامل في مجالات لا تخطر على بال. فمن غير المستبعد أن تقصده طلباً لمعلومة أو قصة أو وثيقة، فتجد نفسك أمام مزارع مثلاً، وهو إذ يشرع بشرح فكرته عن الزراعة، يضعك في صلب مشهد شديد السياسية، وشديد الارتباط بتوتر مواز للزراعة ومرافق لها. وهو إذ يضعك فوق طبقة التوتر الضمني، يعالج توترك بتلك الابتسامة الساخرة من بؤس المصائر.

لقمان يدعوك إلى ابتلاع نفسك الشيعية وإلى هضمها. في خصومته الهائلة لأحزاب الشيعة التي تزنر منزله، اختار أن يكون جزءاً من هذا النسيج، لا بل جزءاً منسجماً مع شيء فيه لطالما بعث على الحيرة والتأمل. إنه لقمان سليم ابن محسن سليم عضو البرلمان عن منطقة الضاحية لسنوات طويلة سبقت سنوات “حزب الله” فيها. العائلة الأوسع لم تهجر دار لقمان ورشا وأمهما السيدة التي لطالما عبرت من أمامنا في جلساتنا مخلفة شيئاً كنا نتعقبه بعد أن نغادر. إنها زوجة محسن سليم وأم لقمان ورشا، وثمة أثر للهجة مصرية في حديثها، وأناقة سيدة من زمن آخر. كنا نغادر مع الكثير من الأسئلة التي تضيع لاحقاً في مشاريع لقمان التي لا تتوقف ولا تكف عن إدهاشنا.

لماذا لا نلتقي في الصوانة! كان يسألني. الصوانة بلدتي أنا وليست بلدته، وفيها منازل أعمامي، وهو إذ كان يدعوني إليها، كان يتحدى جفاءً راح يصيب علاقتي بأمكنة أهلي. كان يقول لي هيا لنلتقي في منزل شبيب الأمين. شبيب صاحب كتاب “أعتقد أنني سكران” هو أقرب إلى منشور شعري ضد الشعر، وصاحب قصيدة كتبها عن رضوان الأمين وعن مئذنة مسجد هوت في أعقاب موته، وللقمان أثر في قصائد شبيب الذي تربطه به علاقة هي جزء من مساحة غموض أليف وممتد لسنوات وسنوات.

قتلوا لقمان سليم. قتلوا أشياء كثيرة. لا أدري ماذا سيكون مصير المختبر الذي أنشأه لقمان في حارة حريك. لا أدري كيف سأضع وجهي في وجه رشا، ولا أدري كيف يمكن أن أصل إلى شبيب، أو إذا كانت ممكنة بعد تلبية دعوة لقمان إلى زيارة منازل أعمامي في الصوانة. 

لا شيء أكيداً بعد اليوم. ستصمت “صديقتنا الشريرة” الناطقة باسمه على فيسبوك وستكف عن تذكيرنا بأن ثمة من هو أذكى وأشجع من بنادق القتلة. 

إقرأوا أيضاً: