أمام مندوبي خمس وأربعين دولة مشاركة في مؤتمر الرابع والعشرين حول مناخ الكوكب في بولونيا، عبّر الرئيس البولوني للمؤتمر اندريه دودا عن فرحه بالوصول إلى إعلان التضامن البيئي والانتقال العادل والمتوازن بالقفز على طاولة القمة. وأصبحت خفة دودا في قفزه أمام مندوبي الدول وابتساماتهم أهم من مضمون أعمال المؤتمر حيث انتشرت صورته على موقع التويتر مثل راقص يحترف إغواء الجمهور، فيما بقيت أوراق المؤتمر ومقرّراته أسيرة “دليل إرشادي” لا يبدّد خوف العلماء من كارثة بيئية تواجه الأرض بحلول نهاية القرن.
يقتصر “الدليل الإرشادي” الذي وصل المندوبون الى الاتفاق عليه، على خطوات من شأنها تفعيل اتفاقية باريس حول البيئة لعام 2015. ويحدّد “الدليل” سبل تقديم البلدان معلومات حول مساهماتها المحدّدة التي تصف سياساتها المناخية المحلية. وتتضمّن هذه المعلومات، إضافة الى تفاصل الدعم المالي للإجراءات المناخية في البلدان النامية، تدابير التخفيف والتكيّف. كما يتضمّن الاتفاق تحديد أهداف جديدة بشأن تمويل الدول النامية اعتباراً من عام 2025 فصاعداً لتتماشى مع الهدف الحالي، وذلك من أجل جمع 100 مليار دولار أمريكي سنوياً اعتباراً عام 2020، ناهيك بسبل إجراء الجرد العالمي لفعالية العمل المناخي في عام 2023، وكيفية تقييم التقدم المحرز في تطوير ونقل التكنولوجيا.
ويعتبر التوصّل إلى توافق في الآراء بين حوالي 200 دولة بشأن الحاجة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة في مؤتمر باريس حول البيئة عام 2015، إنجازًا “تاريخياً”. وفي عام 1997، قد حدّد بروتوكول (كيوتو) أهدافاً لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة لمجموعة من الدول المتقدّمة، إنّما، وبسبب انسحاب الولايات المتحدة، أخفقت الدول في الامتثال للتوجيهات التي حدّدها بروتوكول كيوتو.
قلقي الأكبر هو فشل المحادثات في الأمم المتحدة في مواءمة الطموحات مع العلوم
وتتلخّص المفاتيح الرئيسية لاتفاقية باريس التي جمعت دول العام بشأن التغير المناخي للمرة الأولى في التاريخ: أولا، الحفاظ على درجات الحرارة الكونية بأقل من 2.0 من درجة حرارية بالمقارنة مع عصر ما قبل الصناعي والسعي للحد منها وإيقافها في تخوم 1.5 درجة. ثانياً، الحد من كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من النشاط البشري إلى مستويات بإمكان الأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي بين 2050 -2100. ثالثاً، مراجعة مساهمة كل بلد في خفض الانبعاثات الغازية كل نصف عقد من أجل رفع التحدي. رابعاً، قيام الدول الغنية بمساعدة الدول أكثر فقراً ومنحها “التمويل المناخي” بغية التأقلم مع التغير المناخي والاعتماد على الطاقة المتجددة.
يمكن القول تالياً، بأن القفز على طاولة القمة كان احتفاءً متأخراً باتفاقية باريس حيث أعيد لها قليل من الحياة، إنما كان قفزاً على جميع التقديرات بشأن اقناع الدول المارقة بيئياً، بالتوقف عن استخدام الوقود الاحفوري والصناعات الملوّثة. ففي قلب المؤتمر ذاته، تحالفت كل من الولايات المتحدة وروسيا مع المملكة العربية السعودية والكويت وتخلّتا عن الموافقة على تقرير تاريخي حول الحاجة إلى الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض أقل من 1.5 درجة مئوية. وأشار التقرير الذي أصدرته الهيئة الدولية الحكومية المعنية بشؤون المناخ بداية شهر تشرين الأول الماضي (أكتوبر 2018) إلى إن العالم سيصل إلى أكثر من 3 درجات مئوية في ظل التصاعد الحالي للاحترار الكوني. وحذّر علماء بارزون كتبوا التقرير من حصول الكثير من الجفاف والفيضانات والعواصف، ناهيك بارتفاع مستوى البحر وانقراض الكثير من التنوع الأحيائي في حال بلوغ الحرارة 1.5 درجة مئوية، فيكف إذاً للعالم أن يكون حين تبلغ الحرارة 3 درجات مئوية.
يقول يوهان روكستروم، مدير قسم الأبحاث البيئية في معهد بوتسدام، “قلقي الأكبر هو فشل المحادثات في الأمم المتحدة في مواءمة الطموحات مع العلوم. ما زلنا نتبع مساراً يقودنا إلى 3-4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، حينها سيكون العالم بالغ الخطورة”. ويحذّر يوهان روكستروم من نفس المخاوف التي حذّر منها زملاءه العلماء: لقد ضربت أحداث مناخية عنيفة الناس في جميع أنحاء العالم ببلوغ الحرارة درجة مئوية واحدة، فكيف ستكون الحياة على الأرض حين تتجاوز ذلك وتصل الى ثلاث أو أربع درجات مئوية. تالياً، لسد الطريق أمام مثل هذه الكوارث البيئية القادمة وإبقاء درجات الحرارة في تخوم درجة ونصف، يحتاج العالم الى تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50% في السنوات العشر القادمة؛ ولن يفيد دون ذلك، الفرح على التويتر.
إقرأ أيضاً:
لماذا لا نصدّق التغيّر المناخي؟
كُردستان… الصيد الجائر بأسلحة لمحاربة “داعش”