fbpx

كرديات فضلن التجنيد على الزواج المبكر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كانت نسرين في الصف الابتدائي السادس، وبدلاً من الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في نهاية العام، حصلت على عقد زواج. وتقول الفتاة الكردية ابنة حي الكورنيش في مدينة قامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، “تزوجت قسراً، بسبب ضغط أهلي لإجباري على الزواج من رجل يكبرني بخمسة عشر سنة”. لكنّ ذلك لم يستمر أكثر من عامٍ واحد…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كانت نسرين في الصف الابتدائي السادس، وبدلاً من الحصول على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في نهاية العام، حصلت على عقد زواج. وتقول الفتاة الكردية ابنة حي الكورنيش في مدينة قامشلي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، “تزوجت قسراً، بسبب ضغط أهلي لإجباري على الزواج من رجل يكبرني بخمسة عشر سنة”. لكنّ ذلك لم يستمر أكثر من عامٍ واحد.
وتضيف الفتاة، “زوجي وأهلي كانوا يراقبونني ويمنعونني زيارة الأقارب والأصدقاء، كما أنهم باعوا ما أملكه من ذهب من دون إخباري بذلك”. لم تتحمّل الطفلة الصغيرة هذا العناء، وقام والدها بتطليقها “وافق أهل زوجي على الطلاق لقاء تنازلي عن حقوقي كافة، ولستُ نادمة على القرار الذي اتخذته”.
نسرين واحدة من أعداد متزايدة من قاصرات يقعن فريسة الزواج المبكر في المنطقة الكردية في سوريا بحسب ناشطين في المجتمع المدني. تزايدت الأعداد بعد في سوريا بعد عام 2011، على رغم سن قوانين في هذه المنطقة واتخاذ اجراءات على مستويات عدة للتصدي لظاهرة زواج القاصرات. مئات الفتيات يجدن الحل في الالتحاق بوحدات حماية الشعب والمرأة ليصبحن مقاتلات يوماً ما، بعيداً من ضغوط الأسرة لإقناعهنّ بالزواج المبكر.
تقول هديل محمد التي تزوجت في عمر 13 سنة إنها أنجبت خمسة أطفال خلال ست سنوات من الزواج نزولاً عند رغبة أهل زوجها.
“كان المطلوب مني أن أنجب في كل عام طفلاً”، توضح هديل التي تعيش في حي الآشورية بمدينة قامشلي (محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا). ويؤكد أطباء أن هناك “تكلفة” صحية وبدنية خطيرة تتكبّدها الفتيات بسبب الزواج المبكر.
تقول سعدية ابنة حيّ ميسلون في قامشلي، “اضطررت إلى الزواج بعمر 15 سنة، بسبب الفقر بعد وفاة والدي، وأثناء الحمل أُصِبت بأمراض نسائية، وعانيت من نزيف داخلي أثناء الولادة ناهيك بفقر الدم وفقدان الشهية”.
في هذا الإطار، تؤكد الدكتورة غزالة شويش وهي مختصة بأمراض النساء في المدينة أنّ زواج القاصرات يمكن أن “يؤدي إلى جروح ونزف وتمزّقات في الرحم”. وتوضح أنه “يتم تحديد التشكل العظمي النهائي للحوض في سن الثامنة عشرة”، مشيرةً إلى أن “عدم اكتمال التشكل العظمي يؤدّي في حال الحمل إلى تشوّه الحوض ويؤثِّر في الجنين أيضاً، الذي قد يولد صغير الحجم أو ناقصاً، وهناك نساءٍ كثيرات أجهضن أطفالهنّ نتيجة صغر سنّهن”.
ويعجل البلوغ المبكر التشكل العظمي للحوض، لكن “الدورة الشهرية عندما يحين موعدها تحتاج إلى سنتين على الأقل حتى تنتظم بشكل طبيعي” بحسب شويش.
وتوصي شويش من تتزوج باكراً بأنّ “تؤخِّر الإنجاب لأنها طفلة، وهي غير جاهزة فيزيولوجياً وجسمانياً ونفسياً للإنجاب”.
خطر الزواج المبكر لا يقتصر على الفتيات
وتقول هديل التي أصبحت قبل بلوغ العشرين أمّاً لخمسة أطفال، “بعد وفاة زوجي بحادث سير، أصبحت أخشى عليهم من الانحراف”، مضيفةً، “إنهم لا يسمعون كلامي، ولا أستطيع التحكم بهم وتربيتهم، وأنا لا حول لي ولا قوة”.
من جهةٍ ثانية، ترى المرشدة النفسية سوسن سيد عيسى أن “القاصر لا تملك قدرة اتخاذ قرار كالزواج- حتى وإن رغبت- ويكون قرارها خاطئاً وطائشاً في معظم الحالات، فهي تعيش في حالة تذبذب ما بين الطفولة والمراهقة وقد تجد في الزواج إغراء يشعرها بأنها ناضجة”.
وتحذر همرين حرسان المرشدة الاجتماعية من قامشلي من أن زواج القاصرات “يؤدي إلى تفكّك الأسرة وازدياد حالات الطلاق التي تهدم المجتمع”. وتلفت إلى أنّ سبب ازدياد هذه الظاهرة في المنطقة الكردية يرجع إلى “انتشار البطالة والفقر، نتيجة الحرب الدائرة في سوريا منذ نحو سبع سنوات”.
التجنيد حلاً
في 2012 أسس “حزب الاتحاد الديموقراطي”PYD ، الذي أطلق مشروع الإدارة الذاتية للمنطقة الكردية، وحدات حماية الشعبYPG ووحدات حماية المرأةYPJ ، وهي وحدات عسكرية تضم مقاتلين كرداً وعرباً وسرياناً لحماية المنطقة الكردية (روجآفا أو غرب كُردستان).
تكشف رئيسة مكتب العلاقات العامة في وحدات حماية المرأة القيادية نسرين عبد الله أن فتيات صغيرات “يلجأن إلينا بسبب ضغط العائلة فبعضهن يتعرضن للضرب مثلاً في بيوتهن أو يتم تزويجهن بعمر صغير جداً.”
لكنها تؤكد في المقابل، إنه لا يسمح للملتحقات بالوحدات دون سن الثامنة عشرة بالمشاركة في مهمات قتال على الجبهات، التزاماً باتفاقية وقعتها الوحدات عام 2014 مع “منظمة نداء جنيف” المعنية بدعم التزام المجموعات المسلحة غير الحكومية بالمعايير الإنسانية والدولية وحماية الأطفال من آثار النزاع المسلح.
وتضيف أن الملتحقات بالوحدات دون الثامنة عشرة يتم إلحاقهن بمراكز حماية وتأهيل خاصة بالقاصرات. وتقول، “بلغ عددهن لدينا 300 فتاة حتى الآن، وتشكِّل القاصرات اللواتي هربن من تزويجهنّ مبكِّراً خمسة في المئة من الموجودات”. “وعند بلوغ السن يمكنهن الالتحاق بالقتال بعد أداء القسم.”
الحصول على تصريح لزيارة واحد من مراكز حماية القاصرات التابعة لوحدات حماية المرأة، استلزم الانتظار نحو ثلاثة أشهر بسبب الإجراءات المشدّدة لحمايتهنّ. وفي المركز الواقع قرب مدينة ديريك (المالكية)، التي تبعد نحو 90 كيلومتراً شرق قامشلي، توضح شيلان (15 عاماً) أنها التحقت بالمركز قبل عام، وتركت منزلها لأنها كانت تتعرّض للضرب من الأهل بين حين وآخر. وتردف أنها في المركز لا تتعرّض للضرب، وتتعلّم أموراً كثيرة، وتربطها روح الزمالة مع رفيقاتها.
أمّا دلدار (17 عاماً) فتوضح أنها جاءت إلى المركز قبل عامين بعدما تعرّضت “للظلم من قبل العائلة وقُيِّدت حريتها”. وتقول زيلان (17 عاماً) إنها التحقت بالمركز منذ عامين تقريباً وإن حياتها تحسَّنت لأنها تتعلَّم أشياء لم تكن لتتعلّمها لولا التحاقها، تتعلق بحقوقها وحريتها كأنثى.
وهناك برنامج يومي للملتحقات بتلك المراكز يتضمن تمارين رياضية ودروساً في اللغات والعلوم والرياضيات والثقافة والتراث إلى جانب وقت حر لممارسة الهوايات. وتقول نسرين عبد الله، “نقوم بتدريبهن وحمايتهن في أماكن إقامة مناسبة وجيدة ونعمل على إعادة بنائهن من جديد ومناقشة مشكلاتهن الاجتماعية والنفسية”.
منع صريح بالقانون
وبعد نحو عامين من تأسيس وحدات حماية الشعب والمرأة، أعلن عن تأسيس الإدارة الذاتية للمنطقة الكردية في يناير/ كانون الثاني 2014، التي بادرت بسن قوانين اختلفت في المضمون والإجراءات عن قانون الحكومة السورية. وصادق المجلس التشريعي للمنطقة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 على قانون المرأة، كما أنشأ ديوان العدالة الاجتماعية أو محكمة الشعب، على رغم وجود محكمة تابعة للحكومة السورية في المنطقة الكُردية. وعلى عكس الاستثناءات في قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953، حظر قانون المرأة الجديد في المنطقة الكردية زواج القاصرات، إذ نصت المادة الرابعة والعشرون منه على أنه “يمنع تزويج الفتاة قبـل إتمامها الثـامنة عشرة مـن عمـرهـا”. وفرض القانون عقوبة السجن سبع سنوات على ولي الفتاة والجهة التي عقدت القران واعتبارهما شريكين في التزوير. وإذا حدث انتهاك لهذا الحظر، تسمح المادة 24 من قانون المرأة بإقامة دعوى قضائية ضدّ ولي الفتاة القاصر والجهة التي عقدت القران.
وتقول إلهام عمر مدير دار المرأة في مقاطعة الجزيرة- وهي منظمة نسائية تتبع “اتحاد ستار” المنضوي في حركة المجتمع الديموقراطي TEV DEM، التي تضم أحزاباً وتنظيمات سياسية ومجتمعية ونسوية- وتقوم بنشاطات تخصّ الأسرة والمجتمع والمرأة في المقاطعة، إنه يحقّ للفتاة القاصر– بعد تزويجها– رفع دعوى على والدها ووالد زوجها أمام المحكمة.
وتكشف أفين جمعة الرئيسة المشاركة لـ “منظمة حقوق الإنسان” في منطقة الجزيرة شمال شرقي سوريا أنّ 14 دعوى رفعت أمام المحكمة خلال 2017. وتضيف، “قمنا بتوثيق ذلك بناءً على ما وردنا من ديوان العدالة الاجتماعية/ محكمة الشعب”، وأكد التقرير السنوي للمنظمة لعام 2017 هذا العدد .ولم يتسن تأكيد من ديوان العدالة الاجتماعية.
وتقول إلهام عمر مدير دار المرأة إنه “لا يتم تطليق الفتاة القاصر التي ترفع دعوى على والدها ووالد زوجها، بل تعود إلى منزل أهلها حتى تبلغ الـ18 عاماً ثم تستكمل زواجها بعد ذلك”.
وعلى رغم عدم وجود إحصائياتٍ واستبياناتٍ دقيقة، إلّا أنّ حالات زواج القاصرات في سوريا في ازديادٍ دائم نتيجة الحرب والظروف المعيشية وحالات الفقر وزيادة نسبة الإنجاب، كما أنّ للعادات والتقاليد والموروث الثقافي في المنطقة دوراً في ذلك، كما تقول منى عبد السلام، الناطقة الرسمية باسم “منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة”، وهي منظمة مرخَّصة من قبل الإدارة الذاتية تعنى بحقوق المرأة وحمايتها في قامشلي.
وتضيف أنّ “زواج القاصرات هو أحد أشكال” العنف الاجتماعي ضد المرأة”، وتتابع: “لكن ازدادت نسبته لأنّ الأهالي يتحجَّجن بعدم قدرة الفتيات على إكمال تعليمهنّ الجامعي في ظروف السفر الصعبة بين المحافظات السورية، وأنّ في النهاية مآلهن إلى الزواج”.
قبل الوصول للمحكمة..
وتشهد المنطقة الكردية جهوداً لتحرك مجتمعي في محاولة استباقية لمكافحة الظاهرة من دون الحاجة للجوء إلى الدعاوى القضائية. ونجح هذا التحرك في منع مئات الزيجات المبكرة وفق مسؤولين في منظمات أهلية.
في هذا السياق، تقول إلهام عمر إن المنظمة تقوم بأنشطة مجتمعية تشمل السعي إلى منع زواج القاصرات وتعدد الزوجات. وتتابع، “يتم إخطارنا من قبل الكومين (مجالس شعبية للأحياء التابعة للإدارة الذاتية) بحصول زواج أو خطبة لقاصر، فنشكل وفداً من دار المرأة ونتوجه إلى منزل الفتاة ونتناقش مع الوالدين حول أضرار زواج القاصرات ومنعه قانوناً، ونوصلهم بأسلوبنا إلى تغيير قناعاتهم”.
وتوضح إنّهم في دار المرأة قاموا عام 2017 بإيقاف 172 حالة زواج لقاصرات في قامشلي وريفها “أما على مستوى مقاطعة الجزيرة فأوقفنا حوالي 1000 حالة”. وتمثل المقاطعة نحو 77 في المئة من مساحة المنطقة الكردية التي تضم أيضا منطقتي كوباني وعفرين.
وتضيف أنه “في حال عدم اقتناع الأبوين بإيقاف الزواج “نقوم برفع القضية إلى النيابة لتأخذ القضية مجراها. وفي قامشلي وريفها استطعنا إقناع الأغلبية ولم نتوجه إلى النيابة إلا في حالاتٍ قليلةٍ جداً”، وهذا ما يفسِّر قلة الدعاوى المرفوعة أمام محكمة الشعب.
وربما تكون تحركات منظمات المجتمع المدني هي الخيار الوحيد الذي يمكنه إنقاذ نسرين التي تزوجت في الصف الابتدائي السادس. ففي هذه السن لم تكن تدرك خيارات القانون التي تتيح لها رفع دعوى قضائية أو تعرف بإمكان الالتحاق بمراكز الرعاية في وحدات حماية المرأة.
وتعتبر الناطقة الرسمية باسم “منظمة سارا لمناهضة العنف ضدّ المرأة” أنّ “القانون وحده لا يكفي للحدّ من زواج القاصرات”. وتشير إلى أن القانون “لم يطبَّق بشكل واسع على المناطق كافة، ويحتاج إلى تعاون جهات مختلفة حتى يلتزم به الجميع.”
وفضلاً عن قلة الوعي وسعي عائلات البنات إلى التخفيف من أعباء مادية، تطرح إلهام عمر سبباً آخر لازدياد حالات زواج القاصرات يعود إلى “رغبة بعضهم في إفشال تطبيق قانون المرأة باعتباره جديداً على المجتمع”.
وفي ظل هذه الأوضاع، لا تلوح في الأفق نهاية قريبة لظاهرة زواج القاصرات على رغم سن قانون يحظره، وتوفير الرعاية للفتيات في مراكز حماية القاصرات، إلى جانب الجهود المجتمعية للحد من الظاهرة.

* أُنجز هذا التحقيق ضمن مشروع سوريا بعمق، المدعوم من “الغارديان” البريطانية و”آي إم إس” الدنماركية و”شبكة أريج” للصحافة الاستقصائية.

[video_player link=””][/video_player]

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!