تجدد أزمة المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبي لم يعد مفاجئاً للرأي العام الفرنسي. بالتالي، لم يعد وصول آلاف المهاجرين غير الشرعيين، منتصف أيلول/ سبتمبر الحالي، إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية الحدث، إنما توقيت وصولهم، أي على مسافة تسعة أشهر من انتخابات البرلمان الأوروبي. استناداً إلى أرقام وكالة الأمم المتحدة للهجرة، وصل إلى لامبيدوزا نحو 8500 مهاجر غير شرعي خلال ثلاثة أيام، رقم يتخطى مجمل سكان تلك الجزيرة البالغ عددهم 6500 فرد.
دفعت عضوية إيطاليا في منطقة الشنغن، أطرافاً إقليمية الى الدخول على خط الأزمة القديمة – الجديدة. لم يقتصر الأمر على زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية ووزير الداخلية الفرنسي للجزيرة الإيطالية، إذ قصدت شخصيات فرنسية يمينية متطرفة لامبيدوزا أيضاً. وعليه، خلص الإعلام الفرنسي إلى انطلاق الحملة الانتخابية الأوروبية من لامبيدوزا.
عجز الاتحاد الأوروبي
اعتبرت إيزابيل لاسير من على صفحات Le Figaro، أن أزمة المهاجرين في لامبيدوزا تهدّد بانفجار الاتحاد الأوروبي بعدما نجح في تشكيل جبهة موحدة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. ففي رأي لاسير، اتضح عجز الاتحاد الأوروبي عن بلورة آليات فعالة للتعامل مع أزمة المهاجرين المستمرة منذ العام 2015 : فالنخب السياسية الأوروبية تعيش حالة إنكار لرفضها إدراك العلاقة بين الاضطرابات الاقتصادية والثقافية من جهة وتنامي الهجرة غير المنظمة من جهة أخرى. على رغم تأكيد لاسير أن الحل أوروبيٌّ، يشير كلامها إلى إمكان استغلال الحدث من جانب أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي، المعادية للهجرة وللشراكة الأوروبية، لرفع أسهمها في انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة.
المستشار والأستاذ المحاضر في الشؤون الأوروبية إيف برتونسيني، أيد ما يتم تداوله حيال انطلاق الحملة الانتخابية. ففي حديث لـ “درج”، توقف برتونسيني عند استعدادات أحزاب اليمين المتطرف الفرنسي لخوض انتخابات البرلمان الأوروبي، لا سيما الكشف عن هوية رؤساء اللوائح. من جانب آخر، تدخل “مكافحة الهجرة” في صلب برامج اليمين المتطرف الفرنسي الانتخابية، بالتالي من غير المستغرب سعيها إلى إحراز نقاط انتخابية انطلاقاً مما يجري في لامبيدوزا.
إقرأوا أيضاً:
في لقاء إذاعي عبر Europe1، انتقد نيكولا دوبون إينيون، رئيس حزب “إنهضي فرنسا”، رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني اليمينية المتطرفة، لمهادنتها المؤسسات الأوروبية، ما جعلها أسيرة نموذج أوروبي يحفّز على الهجرة.
طرح إينيون رؤيته لمعالجة أزمة المهاجرين، لا سيما استعادة الحكومات الوطنية سيادتها على النقاط الحدودية. خطوة كهذه تعني أن الاتحاد الأوروبي لن يعود فضاءً مفتوحاً، ما يردع وصول المهاجرين الذين يبلغون جنوب القارة (إيطاليا، اليونان وإسبانيا)، قبل الانتقال إلى شمالها (ألمانيا وفرنسا).
إينيون صرح أيضاً بأنه لا يريد ميلوني ثانية في فرنسا. عبارة تصوب على الأحزاب اليمينية المتطرفة المعتدلة في خطابها الإعلامي، كحزب التجمع الوطني، ما يشير إلى منافسة انتخابية داخل المعسكر اليميني المتطرف بين الأكثر والأقل تشدداَ.
تغريد خارج السرب؟
في المقابل، ألمحت سيسل كورنوديه عبر صحيفة Les Echos، إلى إمكان تعزيز أنصار الرئيس إيمانويل ماكرون حظوظهم الانتخابية عبر التشديد على استحالة التغريد خارج سرب الاتحاد الأوروبي. فرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عادت إلى البراغماتية بعد فشلها في إدارة ملف الهجرة بمعزل عن الاتحاد الأوروبي ومؤسساته.
لم ينكر برتونسيني إمكان تحقيق الأحزاب الأوروبية الهوى مكاسب انتخابية من أزمة لامبيدوزا، لكن الأمر مرهون بتحقيق إنجاز ملموس كإقرار ميثاق الهجرة واللجوء الذي لا يزال قيد النقاش والدراسة في أروقة بروكسيل منذ ثلاث سنوات. بحسب برتونسيني، أعطت المؤسسات الأوروبية انطباعاً بعجزها عن ضبط الحدود، ما شرعن خطاب اليمين المتطرف الداعي إلى تعزيز صلاحيات المؤسسات الوطنية على حساب المؤسسات والتشريعات الإقليمية. بالتالي، من دون إحراز خرق عملي، سيكون صعباً على اللوائح الداعمة للشراكة الأوروبية تعزيز موقعها الانتخابي.
كذلك، أشار برتونسيني إلى وجود تحديات وملفات أخرى ستشغل بدورها حيزاً من المعركة الانتخابية: “إلى جانب الهجرة، نجد التهديدات الجيوسياسية (الحرب في أوكرانيا) والبيئية والاقتصادية. فإذا كان خطاب اليمين المتطرف يلقى صدى في الشارع الفرنسي، فالسبب أن ملف الهجرة هو حديث الساعة”.
تابع برتونسيني حديثه لـ “درج”، بأن للأحزاب الموالية للشراكة الأوروبية نقاط قوة يمكن تجييرها انتخابياً، و”بما أننا على مسافة تسعة أشهر من يوم الاقتراع، لسنا بمعزل عن تحولات قد لا تصب بالضرورة في صالح اليمين المتطرف”. وضرب برتونسيني مثالاً، حدوث تحول دراماتيكي على الساحة الأوكرانية، ما يدفع بهذا الملف إلى الواجهة على حساب الهجرة. ونظراً الى ميول الرأي العام الفرنسي الى المعسكر الأوكراني، سيصعب على أحزاب اليمين المتطرف، الروسية الهوى، المزايدة على اللوائح المنافسة.
إقرأوا أيضاً: