fbpx

لبنان: مهرجان بكركي إذ لم يُعجب الانتفاضة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

السلطة في لبنان شديدة المرونة، ولديها قدرات هائلة على المناورة، لذا، على الانتفاضة، مجاراتها بخطاب ديناميكي يلحظ التفاوتات ويلعب عليها لمراكمة مكاسب، تقترب من الطموح القيمي…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كشف النقد الموجه لمبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حول “الحياد” و”التدويل”، من داخل القوى الرافضة للطبقة السياسية في لبنان، عن جذرية لدى هذه القوى. والأرجح أن النقد، المعطوف على حساسية حيال تدخل رجال الدين في السياسة، يستند إلى خلل في سردية انتفاضة تشرين، التي خلقت مساواة بين كل القوى السياسية، فجعلت “حزب الله” بما يملك من ترسانة سلاحية مثل أي سياسي هامشي سبق أن شارك في السلطة. فرز مكونات السلطة والتميز بينها ليست غايته تحميل طرف مسؤولية أكثر من آخر، بل الغاية، بناء استراتيجية للمواجهة، تلحظ اختلاف مكونات الخصم، وما يملك كل مكون من عناصر القوة، فمن يملك ميليشيات مسلحة، ليس مثل الفاسد، ومواجهة الأول ليست مثل مواجهة الثاني.

الانتفاضة بنت خطابها على مواجهة السلطة ككل، لا أجزاء تفرعت عنها جماهير، تم استدخالها في شبكات زبائنية طائفية صلبة، بمعنى أن كل عنصر في السلطة له حامله الشعبي، وبناء استراتيجية لمواجهة هذا العنصر، وجب أن تلحظ إغراء شارعه بالانضمام للانتفاضة، التي من المرجح عودتها في أي لحظة.

والإغراء هنا، لن يكون مفيداً، إذا تجنب طرح الإشكاليات، وقفز فوق تركيبة المجتمع الطائفية. هروب الانتفاضة من مسألة سلاح “حزب الله” وتأجيل طرحها من أجل عدم استفزاز جمهور “المقاومة” لم يكن مجدياً، ربما، كان الأفضل تقديم طرح للشيعة يضمن موقعهم في النظام بمعزل عن السلاح. بدهي أن ذلك قد يستفز طوائف أخرى لديها جمهور في الانتفاضة، ولديها حساسية من تغيير طبيعة النظام، لكنه في الوقت عينه، يثير حيوية نقاشية داخل الانتفاضة، تتجاوز الخطاب الجامد الطامح للتغيير على قاعدة المواطنة وترك الهويات الطائفية.

صحيح أن، هذا الخطاب (التغيير والمواطنة) يمثل شريحة واسعة من جمهور الانتفاضة من الذين غادروا طوائفهم ويريدون وطناً يعرّفهم بدلالة فرديتهم وحقوقهم، لكنه يغفل أيضاً عن وجود جمهور ناقم على الطبقة السياسية وتظاهر ضدها من دون أن يترك موقعه الطائفي بشكل نهائي، فهو يتأرجح بين الانتماء، والسعي إلى تغيير الأوضاع المتردية. وقد يكون من المفيد أن تلحظ الانتفاضة هذا التأرجح وتبني عليه، فتخلص خطابها من المشروطية، التي تحدد المنتفض بخروجه النهائي من طائفته وتبنيه قيم المواطنة. ليس معنى ذلك أن تتخلى الانتفاضة عن قيمها، بل أن تضع استراتيجية لتحقيق هذه القيم، استراتيجية، تتنبه لتمايز مكونات السلطة، وتخلق خطاباً تدريجياً في كسب الناس، من دون تعليبهم في تصور محدد لصفة منتفض. 

الانتفاضة بنت خطابها على مواجهة السلطة ككل، لا أجزاء تفرعت عنها جماهير، تم استدخالها في شبكات زبائنية طائفية صلبة.

من هنا، فإن الذين شاركوا في مهرجان بكركي من المسيحيين، لهم مصلحة في تغيير الأوضاع، من زاوية تحييد البلد عن الصراعات وتخفيف توغل “حزب الله”، وإضعاف التيار العوني، هذه المطالب يمكن أن تتقاطع معها الانتفاضة، من دون أن يكون التقاطع كلياً وشاملاً. بمعنى البناء على جزئية ما وتطويرها كي لا تكون عرضة للاستثمار السياسي. طروحات الراعي، قابلة لأن تدخل في بازار الصراعات بين الأحزاب، لكن الانتفاضة يمكن أن تدفعها نحو حسابات أخرى تتعلق بإضعاف أحد عناصر السلطة، لا بل العنصر الأكثر شراسة فيها، أي “حزب الله”. وذلك، باعتماد استراتيجية تدريجية، لا تتنازل عن موضعة بكركي كجزء من النظام السياسي، وتدافع أحياناً عن فساد أركانه انطلاقاً من حماية مواقع الموارنة في الدولة، لكنها تبني تقاطعات معها، أي أن البعد القيمي المتعلق ببناء بلد جديد يقوم على المواطنة يجب أن يبقى في صلب أجندة الانتفاضة، لكن يجب ألا يتحول إلى عائق يمنع بناء ديناميكات، لإضعاف أركان في السلطة، ومدّ الجسور نحو جماهيرها.

 السلطة في لبنان شديدة المرونة، ولديها قدرات هائلة على المناورة، لذا، على الانتفاضة، مجاراتها بخطاب ديناميكي يلحظ التفاوتات ويلعب عليها لمراكمة مكاسب، تقترب من الطموح القيمي. وربما يكون مفيداً في هذا السياق، الدرس السوري، حيث كان من المحرمات التواصل مع شخصيات شاركت في النظام، وكذلك، مخاطبة الموالين، وتقديم عروض سياسية لهم. الآن أقصى طموح السوريين، مجلس عسكري يشارك فيه ضباط موالون، ويقوده آخر كان حليفاً ومقرباً من النظام. 

إقرأوا أيضاً:

01.03.2021
زمن القراءة: 3 minutes

السلطة في لبنان شديدة المرونة، ولديها قدرات هائلة على المناورة، لذا، على الانتفاضة، مجاراتها بخطاب ديناميكي يلحظ التفاوتات ويلعب عليها لمراكمة مكاسب، تقترب من الطموح القيمي…

كشف النقد الموجه لمبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، حول “الحياد” و”التدويل”، من داخل القوى الرافضة للطبقة السياسية في لبنان، عن جذرية لدى هذه القوى. والأرجح أن النقد، المعطوف على حساسية حيال تدخل رجال الدين في السياسة، يستند إلى خلل في سردية انتفاضة تشرين، التي خلقت مساواة بين كل القوى السياسية، فجعلت “حزب الله” بما يملك من ترسانة سلاحية مثل أي سياسي هامشي سبق أن شارك في السلطة. فرز مكونات السلطة والتميز بينها ليست غايته تحميل طرف مسؤولية أكثر من آخر، بل الغاية، بناء استراتيجية للمواجهة، تلحظ اختلاف مكونات الخصم، وما يملك كل مكون من عناصر القوة، فمن يملك ميليشيات مسلحة، ليس مثل الفاسد، ومواجهة الأول ليست مثل مواجهة الثاني.

الانتفاضة بنت خطابها على مواجهة السلطة ككل، لا أجزاء تفرعت عنها جماهير، تم استدخالها في شبكات زبائنية طائفية صلبة، بمعنى أن كل عنصر في السلطة له حامله الشعبي، وبناء استراتيجية لمواجهة هذا العنصر، وجب أن تلحظ إغراء شارعه بالانضمام للانتفاضة، التي من المرجح عودتها في أي لحظة.

والإغراء هنا، لن يكون مفيداً، إذا تجنب طرح الإشكاليات، وقفز فوق تركيبة المجتمع الطائفية. هروب الانتفاضة من مسألة سلاح “حزب الله” وتأجيل طرحها من أجل عدم استفزاز جمهور “المقاومة” لم يكن مجدياً، ربما، كان الأفضل تقديم طرح للشيعة يضمن موقعهم في النظام بمعزل عن السلاح. بدهي أن ذلك قد يستفز طوائف أخرى لديها جمهور في الانتفاضة، ولديها حساسية من تغيير طبيعة النظام، لكنه في الوقت عينه، يثير حيوية نقاشية داخل الانتفاضة، تتجاوز الخطاب الجامد الطامح للتغيير على قاعدة المواطنة وترك الهويات الطائفية.

صحيح أن، هذا الخطاب (التغيير والمواطنة) يمثل شريحة واسعة من جمهور الانتفاضة من الذين غادروا طوائفهم ويريدون وطناً يعرّفهم بدلالة فرديتهم وحقوقهم، لكنه يغفل أيضاً عن وجود جمهور ناقم على الطبقة السياسية وتظاهر ضدها من دون أن يترك موقعه الطائفي بشكل نهائي، فهو يتأرجح بين الانتماء، والسعي إلى تغيير الأوضاع المتردية. وقد يكون من المفيد أن تلحظ الانتفاضة هذا التأرجح وتبني عليه، فتخلص خطابها من المشروطية، التي تحدد المنتفض بخروجه النهائي من طائفته وتبنيه قيم المواطنة. ليس معنى ذلك أن تتخلى الانتفاضة عن قيمها، بل أن تضع استراتيجية لتحقيق هذه القيم، استراتيجية، تتنبه لتمايز مكونات السلطة، وتخلق خطاباً تدريجياً في كسب الناس، من دون تعليبهم في تصور محدد لصفة منتفض. 

الانتفاضة بنت خطابها على مواجهة السلطة ككل، لا أجزاء تفرعت عنها جماهير، تم استدخالها في شبكات زبائنية طائفية صلبة.

من هنا، فإن الذين شاركوا في مهرجان بكركي من المسيحيين، لهم مصلحة في تغيير الأوضاع، من زاوية تحييد البلد عن الصراعات وتخفيف توغل “حزب الله”، وإضعاف التيار العوني، هذه المطالب يمكن أن تتقاطع معها الانتفاضة، من دون أن يكون التقاطع كلياً وشاملاً. بمعنى البناء على جزئية ما وتطويرها كي لا تكون عرضة للاستثمار السياسي. طروحات الراعي، قابلة لأن تدخل في بازار الصراعات بين الأحزاب، لكن الانتفاضة يمكن أن تدفعها نحو حسابات أخرى تتعلق بإضعاف أحد عناصر السلطة، لا بل العنصر الأكثر شراسة فيها، أي “حزب الله”. وذلك، باعتماد استراتيجية تدريجية، لا تتنازل عن موضعة بكركي كجزء من النظام السياسي، وتدافع أحياناً عن فساد أركانه انطلاقاً من حماية مواقع الموارنة في الدولة، لكنها تبني تقاطعات معها، أي أن البعد القيمي المتعلق ببناء بلد جديد يقوم على المواطنة يجب أن يبقى في صلب أجندة الانتفاضة، لكن يجب ألا يتحول إلى عائق يمنع بناء ديناميكات، لإضعاف أركان في السلطة، ومدّ الجسور نحو جماهيرها.

 السلطة في لبنان شديدة المرونة، ولديها قدرات هائلة على المناورة، لذا، على الانتفاضة، مجاراتها بخطاب ديناميكي يلحظ التفاوتات ويلعب عليها لمراكمة مكاسب، تقترب من الطموح القيمي. وربما يكون مفيداً في هذا السياق، الدرس السوري، حيث كان من المحرمات التواصل مع شخصيات شاركت في النظام، وكذلك، مخاطبة الموالين، وتقديم عروض سياسية لهم. الآن أقصى طموح السوريين، مجلس عسكري يشارك فيه ضباط موالون، ويقوده آخر كان حليفاً ومقرباً من النظام. 

إقرأوا أيضاً: