fbpx

لماذا يتحرش الرجال بالنساء جنسياً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم وجود حالات في حركة #MeToo كانت فيها المرأة هي من ارتكبت فعل التحرش، فإن الغالبية العظمى من الجناة كانوا من الرجال. وجدتُ نفسي أتساءل؛ ما الأمر الذي يتعلق بالرجال، ويُمكن أن يُفسر هذا التفاوت الجنسي الشديد؟ وهل هذا الأمر يرتبط بالرجال أنفسهم؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا أستطيع أن أتخيل نفسي في فترة المراهقة – أنا أو أي فتاة أخرى أعرفها – يحصل لي أي شيء مما حكت كريستين بليزي فورد أنه حصل لها من الأولاد المراهقين. ادعت فورد أنها عندما كانت في المدرسة الثانوية مع بريت كافانو، قام مرشح المحكمة العُليا وهو مخمور بتقييدها على سريرٍ وحاول تمزيق ملابسها، وغطى فمها كي لا تصرخ. ووفقاً للجمهوريين في مجلس الشيوخ، لم يُثبت التحقيق السري الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) روايتها. بينما يقول الديمقراطيون إن التحقيق لم يكن دقيقاً بما يكفي، وقال عددٌ من الأشخاص الذين أدلوا بمعرفتهم بالادعاءات ضد كافانو، لصحيفة The    New Yorker، إنهم شعروا بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن مهتماً برواياتهم لما حدث.

لنقل إن فورد كانت مخطئة وأن صبياً آخر هو من اعتدى عليها. في كلتا الحالتين، يذهلني أن يشعر بأي صبي في سن المراهقة في مقدوره فعل شيء كهذا.

فورد و كافانو

في المدرسة الثانوية، كان لدي قائمة بكل الأولاد الذين أعجبت بهم. صديقتي الحقودة (والجميع لديه واحدة) أخبرت بعض الأولاد في القائمة. شعرت بحرج شديد، ليس فقط لأنهم لم يبادلوني الشعور ذاته (فهذا بديهي)، ولكن لأنني شعرتُ أيضاً بأنني  أخضعتُ هؤلاء الأولاد إلى إعجابي. فقد كانوا يهتمون بشؤونهم الخاصة؛ يحاولون العيش، ثم إذا بي أثقل كاهلهم بإعجابي لهم. بدا الأمر وكأنه تطفل جسيم، أن تجبر شخصاً ما على التعامل مع عاطفةٍ لم يكن مستعداً لتلقيها.

لم أكن بالضبط طفلة خجولة أو انطوائية. لكنني فقط تعلمتُ -أو ربما استخلصتُ هذه المعلومة- أن الأولاد سيدعونكِ تعرفين إذا كانوا يرغبون في مواعدتك، وأن دوركِ هو أن تجلسي بصبر منتظرةً أن يتم إعلامك. لم يكن أحدٌ يتحدى هذا العرف إلا في يومٍ واحد من السنة، في نسختنا الخاصة من حفل سادي هوكينز، التي تُعد مناسبة خاصة ومثيرة لمجرد أنه كان اليوم الذي يُسمح فيه للفتيات بإخبار الأولاد بما يردن.

في الحقيقة، كانت معظم هذه التقاليد معروفة على المستوى المحلي فقط: فقد نشأتُ في الضواحي الجنوبية العميقة، حيث كان الكثير من الأطفال الرائعين في مدرستي يدخرون أنفسهم من أجل الزواج. ولم يكن أحدٌ من أصدقائي المقربين يشرب الخمر، وبالنسبة إلي كانت أول مرة أتذوق فيها الخمر، أثناء تناولي العشاء مع والديّ في الليلة التي تخرجت فيها.

لقد كرهتُ قواعد المواعدة القائمة على نوع الجنس، واعتقدت أنها غير فعالة إلى أقصى حد. ولكن مع ذلك، كان تسريب قائمة تفضيلاتي الخاصة بالأولاد أشبه بطلب زيادة في الأجر في اليوم الأول من العمل في وظيفة جديدة – شيء متسرع ومتلهف للغاية، وأكثر مما ينبغي، فقد كان حدوث ذلك مثل فعل شيء يضمن لك الحصول على نتائج عكسية لما كنت تأمل في تحقيقه.

أدركت العام الماضي حقيقة مهمة، وهي أن الرجال- على ما يبدو- لا يؤنبهم ضميرهم تأنيباً شديداً على هذا النحو المماثل. ولقد شعرت بهذا الارتباك ذاته في كل مرة أقرأ فيها عن ادعاء آخر لحركة #MeToo. لم يخطر لي أبداً أن أثبت زراً أسفل مكتبي لغلق الباب لأوقع بضحاياي. ولم يخطر ببالي أبداً أن أحاول ممارسة العادة السرية أمام أشخاص بالكاد أعرفهم. بل إنه من غير المعقول أن أطلب من شخص غريب أن يشاهدني وأنا أستحم.

لا يسعني إلا التفكير بأن الفارق بيني وأنا في سن المراهقة، وبين ما يُزعم أن كافانو فعله وهو في سن المراهقة، وفي الحقيقة، التفكير أيضاً بأن الفارق بيني وبين الجناة الآخرين ممن أشارت إليهم حركة #MeToo، يتلخص في الكيفية التي تتفاعل بها أجناسنا المختلفة عند الاقتراب من أي شيء ذا طبيعة جنسية.

على رغم وجود حالات في حركة #MeToo كانت فيها المرأة هي من ارتكبت فعل التحرش، فإن الغالبية العظمى من الجناة كانوا من الرجال. وجدتُ نفسي أتساءل؛ ما الأمر الذي يتعلق بالرجال، ويُمكن أن يُفسر هذا التفاوت الجنسي الشديد؟ وهل هذا الأمر يرتبط بالرجال أنفسهم؟

عزا البعض ذلك إلى افتراضات غير محسوبة عن الطبيعة الأساسية للرجال: وهي أنهم أشخاص بذيئون، وقاسون، ولا يسيطرون على انفعالاتهم. الصبية سيظلون صبية، وأفضل ما يمكننا فعله هو احتواء رغباتهم الصبيانية. لكن من أين أتت فكرة أن ذلك هو ما عليه الرجال؟

تشكلت لدي إحدى النظريات، وبخاصة في ما يتعلق بجرائم التحرش الجنسي ذات المستويات الأدنى، وهي أن النساء ببساطة يتجنبن المجازفة. إذ إنهن لا يجرأون على وضع أيديهن على ركبتي زميل في العمل أثناء جلوسهم في الحانات، لأنهن يعرفن أنهن قد يتعرضن للرفض، أو أن هذا الزميل قد لا يعجبه ذلك، أو أنه ليس فكرة جيدة أن تفعل ذلك مع شخص سيجلس إلى جانبك في اجتماع يوم الخميس الخاص بالتخطيط لحدثٍ ما. النساء على ما أعتقد يفضلن أن يتوخين الحذر أكثر.

لقد أظهرت التحليلات بالفعل أن الرجال يغلب عليهم أن يجازفوا بالإقدام على فعل أنواع مختلفة من المخاطرات أكثر من النساء. وأظهرت بعض الدراسات أيضاً أن الرجال  يستمتعون بالبحث عن التشويق، إذا كان تعريض نفسك لامرأة من دون إذن منها، يُعتبر تشويقاً (فقد وصف بحث قديم المجازفة بأنها جزء أصيل من “علم النفس الذكوري”). وقد يزيد  الضغط الذي يتعرض إليه الأشخاص في العمل، من تفاقم هذه الاختلافات، إذ بإمكان الرجال تحمل المزيد من المخاطر على رغم تعرضهم للضغوط أكثر مما تفعل النساء.

بيد أنه ثمة دراسات أخرى عقدت هذه الرواية. من ناحية، يبدو أن المرأة حريصة على تحمل أنواع معينة من المخاطرات، مثل الاختلاف مع أصدقائهن في مسألةٍ ما أو محاولة بيع نص سينمائي. كل ما هنالك أن استطلاعات الرأي عندما تقيس درجة المجازفة في أمور مثل ممارسة الجنس أو ركوب الدراجات النارية بطريقة غير آمنة، تميل النساء إلى الإحجام عن فعل تلك الأشياء، إذ إن هذه الأنواع من الأنشطة، إما أنها أكثر خطورة بالنسبة للنساء (في حالة الجنس غير الآمن) أو أنهن لسن على دراية كافية بكيفية القيام بذلك (في حالة ركوب الدراجات النارية).

في الواقع، عندما قام الباحثون بقياس درجة المجازفة في السلوكيات الأنثوية النمطية، مثل تحضير وجبة مثيرة للإعجاب، لكنها صعبة في الطهي لحفلة عشاء، تبين أن النساء على استعداد لتحمل درجة المجازفة ذاتها، وإن لم يكن أكثر، مثلما يفعل الرجال. وكما كتبت كورديليا فين، الأستاذة في جامعة ملبورن، في مقال نُشر في مجلة نوتيلوس العلمية، قالت فيه “ربما لا يوجد ما هو مميزٌ في إقدام الذكور على تحمل المخاطر في النهاية”.

يرى الكثير من علماء النفس البارزين وجود اختلافات نفسية قليلة بالفعل بين الرجال والنساء. الرجال على ما يبدو من المريخ، والنساء كذلك من المريخ، إلا أنهن في حيرة حول ما يجعل زملاءنا الرجال يختارون فعل الأشياء بطريقتهم هذه. الاختلافات الرئيسية بين الجنسين هي أن الرجال أكثر عدوانية، ويمكنهم من الناحية الجسدية أن يقذفوا الأشياء لمسافات أبعد، ويمارسوا العادة السرية أكثر، ويرتاحوا أكثر في العلاقات العابرة غير الملزِمة. يمكن لهذه الاختلافات أن تساعد في تفسير التفاوت في سلوك التحرش الجنسي.

تقول جانيت شبيلي هايد، وهي أخصائية نفسية بجامعة ويسكونسن، أجرت الكثير من الدراسات حول هذا الموضوع: “خلاصة القول هي أن الرجال والنساء يمتلكون نفسية متشابهة إلى حدٍ كبير ولكنها مختلفة عندما يتعلق الأمر بالجنس والعدوانية”.

هناك أدلة أيضاً على أن الرجال والأولاد الصغار أقل تعاطفاً من النساء. فالرجال يشكلون الغالبية العظمى من المسجونين، ويرتكبون 99 في المئة من حالات الاغتصاب و89 في المئة من جرائم القتل، ويتسببون في حوادث سياراتٍ أسوأ. بينما نسبة الرجال الذين تقدموا بشكاوى تحرش جنسي للجنة تكافؤ فرص العمل لم يمثلوا إلا 16 في المئة فقط.

يتربى الأولاد على فكرة أن الرجال عليهم أن يكونوا هم المبادرين في العلاقات الجنسية، وكما توضح هايد، فهم ينشأون أيضاً على أن يكونوا أكثر عدوانية. الجمع بين الأمرين معاً يمكن أن يكون قاتلاً. تقول هايد: “الاختلافات بين الجنسين من حيث التعاطف ليست كبيرة، ولكنها موجودة”، وتضيف: “إذا كنت ستؤذي أحداً، فالأمر يتطلب نوعاً من الافتقار إلى التعاطف” (على رغم أن بعض الدراسات تعزي ارتفاع مستوى العدوانية عند الرجال إلى زيادة نسبة هرمون التستوستيرون لديهم، وتضيف هايد “البشر يخضعون لهرموناتهم ويستجيبون لها بشكل أقل من أي نوع آخر”).

قد يكمن التفسير عندئذٍ في الأعراف الاجتماعية، أو في ما يخبر به المجتمع الأولاد وهم يكبرون ويتحولون إلى رجال. يُقال للرجال إنه يُفترض بهم أن يتصرفوا بعدوانية أكثر، ولذلك يفعلون. ووفقاً للأبحاث، يتبع الأشخاص الأقوياء ذوو النفوذ قواعد مجتمعية تختلف عن تلك التي يتبعها الأشخاص الأضعف، وعدد الرجال من ذوي القوة والنفوذ يفوق عدد النساء. هناك خوف سائد بين الرجال من ذوي المناصب ذات النفوذ- خوفٌ غير موجود بين النساء- أن يراهم الناس ضعفاء، ويرتبط هذا الخوف بميل للتحرش الجنسي بالآخرين. يغلب على الأشخاص ذوي  النفوذ أن يتصورا -خاطئين- أن مرؤوسيهم معجبون بهم جنسياً.

قال لي بيتر غليك، أستاذ علم النفس بجامعة لورانس: “القوة تُمكّن المرء وتمنحه سُلطةً، ومعروفٌ أنها تقلل العاطفة”، وأضاف، “إنها تجعل الناس تتصرف بتهور”. ويقول غليك إن هذا هو السبب في كون المتعرضات للتحرش هن نساء واثقات، أو يحاولن إثبات ذاتهن، أو يتصرفن بطريقة ذكورية، أو يتحدين سلطة الرجال. هؤلاء النسوة تتم إعادتهن إلى أماكنهن.

يستمتع الأشخاص ذوي النفوذ بقواعد أكثر “مرونة” من غيرهم، وفقاً للطبيبة النفسية ميشيل جيلفاند، من جامعة ماريلاند، ومؤلف كتابRule Breakers. والبيئات “المرنة” هي تلك التي تكون فيها القواعد أقل صرامةً ويفلت المرء بالانتهاكات العرفية من دون عقاب؛ أما البيئات “الصارمة” فهي نقيض ذلك. تقول جيلفاند: “يميل ذوو النفوذ إلى العيش في عوالم أكثر مرونة؛ وفي بعض الأحيان لا يكتفون بخرق الأعراف المجتمعية فحسب، بل يوشكون أيضاً على ارتكاب سلوكيات غير لائقة إطلاقاً”. وفي كتابها، تشير إلى Uber كمثال على شركةٍ سارت فيها المرونة المفرطة على نحو خاطئ، تضيف: “وصف كثر من الموظفين السابقين بيئة العمل شديدة المرونة بأنها أشبه “بمنزل أخوية” يعج بالسلوكيات غير المهنية بل والمتجاوزة في بعض الأحيان”.

في دراسة أجريت عام 2010، ألمحت جيلفاند وهانا رايلي بولز إلى السبب في إفلات المتحرشين جنسياً واستمرارهم بسلوكهم لفترة طويلة. وجدتا أن الأشخاص الذين يرون أنفسهم ذوي “مكانة مرموقة” كانوا أكثر ميلاً إلى معاقبة مرؤوسيهم عندما يخالفون القواعد، لا معاقبة قرنائهم من ذوي المكانة المرموقة أيضاً. الرجال البيض -وليس النساء- كُنَّ أكثر تساهلاً مع الرجال الآخرين عند مخالفة القواعد. ويقولون إن التسلسل الهرمي الاجتماعي يُدعَّم، لأن الأشخاص ذوي المكانة المرموقة يتلقون معاملة أكثر تساهلاً.

كما يؤكد غليك قدرة البيئة المتساهلة التي تميز الأولاد على تحويل متحرش مُحتمل إلى متحرش فعلي، يقول: “هناك تلك التفاحات السيئة، ولكن هناك أيضاً بيئات تسمح بوجودها”، مردفاً: “إذا صُدقت تلك الادعاءات المتعلقة بالفتية الذين كان كافانو يرافقهم، فقد كان هناك الكثير من المفاخرة بإنجازاتهم الجنسية”. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الأخويات، وما يرافقها من ثقافة الشرب الثقيل والمنافسات الذكورية، وطقوس الانضمام إليها، مرتبطة عادةً بمعدلات في الاعتداءات الجنسية أعلى من بقية الجامعة.

عندما يُنظر إلى النساء على أنهن مجرد قطع تذكارية تُجمع للدلالة على وضع اجتماعي، يمكن أن تنحدر العدوانية الطبيعية عند الذكور إلى هوة مظلمة. الرسائل الخفية داخل الأوساط الاجتماعية قد تلمح إلى أن النساء -حرفياً في بعض الأحيان- متاحات للجميع. يقول جون برايور، أستاذ علم النفس في جامعة ولاية إلينوي، إن الرجال الذين يرغبون في التحرش جنسياً بأحدٍ ما “لن يفعلوا على الأرجح، إذا كانوا في وسط اجتماعي يجبرهم على الالتزام بالأعراف التي تمنع القيام بذلك”.

ربما المشكلة إذاً ليست في “علم النفس الذكوري”، ولكن في البيئات التي تسمح للرجال ذوي الضمير القليل بالتصرف وفق دوافعهم الأكثر قبحاً. لم تكن المعايير التي نشأت عليها مثالية بالنسبة إلى النساء. ولكن ربما كانت معايير مدرسة جورج تاون الإعدادية، حيث ذهب كافانو إلى المدرسة الثانوية، أسوأ.

 

هذا الموضوع مترجم عن موقع theatlantic.com ولقراءة المادة الاصلية زوروا الموقع التالي.