عندما انضمت ليا هولرويد ذات الـ31 سنة إلى موقع مواعدة على الإنترنت قبل 5 سنوات مضت، لاحظت أن كثيرين من الرجال أوردوا رواية جاتسبي العظيم باعتبارها كتابهم المفضل. قالت: “لذا كان علي أن أكون استفزازية قليلاً، فذكرت في صفحتي أن الرواية تلقى تقييماً مبالغاً فيه وتحديت أن يستطيع أحد إقناعي بأنها عظيمة”. أرسل لها طالب دراسات عليا في الأدب الإنكليزي رسالة قالت إنها “تشبه النقد الأدبي قليلاً”. وبدأ الإثنان يتبادلان الرسائل ويناقشان كتبهما المفضلة. وجدته هولرويد لطيفاً بما يكفي، لكنها كانت تبحث عن علاقة عاطفية وليس مجرد صداقة، وكل ما تحدث عنه معها كان متعلقاً بالكتاب.
بعد أسابيع، قال لها محب الكتب إنه سيزور لندن حيث تقطن هولرويد التي تعمل في إنشاء مسابقات تعليم على الانترنت. قالت: “سألني إن كنت أود احتساء القهوة والسير بمحاذاة النهر”. واقترح عليها تبادل أرقام هواتفهما لتسهيل الترتيبات. تقول: “وبعدها مباشرة، أرسل لي صوراً قريبة لعضوه الذكري”.
تجربة هولرويد شائعة لدرجة تثير القلق. توصل استطلاع للرأي أجرته YouGov عام 2018 إلى نتيجة صادمة مفادها أن 4 من كل 10 نساء ما بين الـ18 و36 من العمر أُرسلت لهن صور عضو ذكري من دون أن يطلبنها (وهي الصور التي تسمى بالعامية dick pic أي صورة القضيب غير المرغوب فيها). ولم يعترف سوى 5 في المئة من الرجال في الفئة العمرية نفسها بأنهم أرسلوا مثل هذه الصور. لا يحدث هذا فقط من خلال المواعدة على الانترنت. فقد استخدم بعض الرجال خاصية AirDrop على أجهزة Apple والتي تسمح للمستخدمين بمشاركة الملفات مع أجهزة Apple الأخرى القريبة، لإرسال صور غير مرغوب فيها للنساء. أي شخص مهما كان عمره، إن ترك خاصية AirDrop مفتوحة بإعدادات خصوصية غير مشددة، عرضة لأن يحمل هاتفه ليرى صوراً إباحية أرسلت له من قبل شخص مجهول في مطعم أو دار سينما أو عربة قطار. أصبحت المشكلة شائعة إلى درجة دفعت نواباً ونشطاء للدعوة إلى فرض قانون يستهدف “المتعرين الإلكترونيين”.
قالت لورا تومبسون باحثة في جامعة سيتي بلندن والتي يركز عملها على التحرش في مواقع وتطبيقات المواعدة، إن المشكلة تم التقليل من شأنها. “البحث في هذه المساحة محدود للغاية. أظن أن هذه النقطة العمياء تخبرنا شيئاً عن الكيفية التي يميل بها المجتمع والقانون للنظر إلى هذه المشكلة، فهم يعتبرون صور العضو الذكري ظاهرة مزعجة على الإنترنت على خلاف التعري الحقيقي. لم يصبح مصطلح “تعري الإنترنت” شائع الاستخدام إلا قبل سنة تقريباً. يعكس البحث العالم الذي نحيا فيه، ولا أظن أن المشكلة لاقت اهتماماً جاداً إلا منذ وقت قريب نسبياً”.
ومع ذلك فإن السؤال الذي ظل يراودني بعد سماعي قصة هولرويد هو: لماذا؟ ما الذي دار في ذهن ذلك الرجل بين الحديث عن الكتب ودعوة امرأة لاحتساء القوة والمشي ثم إرسال صورة لعضوه الذكري لها؟ لم أصل حدّ طرح السؤال بشكل شخصي على الرجال إن كانوا قد أرسلوا صوراً غير مرغوب فيها لأعضائهم. لذا أنشأت حساباً على موقع Reddit الذي يستطيع المستخدمون فيه كتابة منشورات مجهولة الهوية في منتديات عن مواضيع شتى، وطرحت السؤال مجدداً. بعدها بفترة قصيرة ذهبت إلى السينما. عندما تفحصت الموقع بعدها بساعات قليلة، وجدت أكثر من 500 تعليق وأغلق المنظمون إمكان إضافة تعليق على الحوار.
كانت التعليقات مذهلة. أهم ما تعلمته أن إرسال صور للأعضاء التناسلية له معان مختلفة بالنسبة إلى رجال مختلفين، ومعان مختلفة بالنسبة إلى الرجل ذاته في مراحل مختلفة من حياته. يقول ستيفن بلومنتال استشاري طب نفسي سريري ومحلل نفسي في عيادة Portman وهي عيادة تقدم علاجاً نفسياً متخصصاً طويل الأمد للمرضى الذين يعانون من سلوك جنسي مضطرب “هناك ميل دائماً لتأطير مثل هذه المشكلات في إطار واحد؛ تفسير واحد يناسب جميع الحالات. لكن في الحقيقة هناك الكثير من الدوافع المتنوعة لدى الناس بعضها أكثر ازعاجاً واضطراباً من غيرها”.
بعض من شاركوا تجاربهم من دون الإفصاح عن هويتهم كتبوا عن انعدام شعورهم بالثقة تجاه أجسادهم، ورغبتهم في الحصول على مديح. أخبرني أحد مستخدمي Reddit يسمى جاك قائلاً: “فعلتها مرات عدة في الماضي. وأعتقد أن الأمر يدور في أغلبه حول الرغبة في نيل القبول. نحن لا نشعر بالثقة تجاه أجسادنا خصوصاً أعضائنا التناسلية، حتى لو لم يعترف معظم الرجال بذلك. لذا نرغب بشكل لا واعٍ في أن يقول لنا أحدهم أننا جميلون أو أننا جذابون. حسناً، إرسال صور غير مرغوب فيها للعضو الذكري ليست الطريقة المناسبة لذلك، لكنني أظن أن هذا هو الدافع. نحن نتوق لأن يخبرنا أحد بأننا مناسبون. ليس شرطاً أن نكون مثيرين أو وسيمين للغاية، نريد أن نكون مقبولين فقط”.
يصف آخرون رغبتهم في إضفاء إثارة جنسية على محادثة أحسوا أنها تؤول إلى الموت. كتب مستخدم آخر باسم ديف قائلاً: “إذا كانت المحادثة تحمل في طياتها إمكان الاستمرار لكنها تتباطئ أو تصبح أكثر مللاً، أرسل في بعض الأحيان صوراً للعضو الذكري. لأنها إما أن تتوقف عن مراسلتي أو أن نمارس الجنس”، ويضيف قائلاً “إن صور العضو الذكري ترسل الآن فقط إذا طلبت من قبل النساء”.
بالنسبة إلى آخرين هي لعبة أرقام. مقابل كل تلك الصور المنفرة التي تعرضت للتجاهل أو الرفض، كانت هناك امرأة ما ردت بلطف، وإن آتت صورة واحدة ثمارها فالأمر يستحق. كتب جاك: “عندما تلقى الصور استقبالاً حسناً، أشعر بشعور جيد حيال الأمر، بسبب القبول والدفعة المعنوية وثقتي في نفسي، وأيضاً بسبب الفرصة التي تفتحها. فقد كان مناسباً بالنسبة إليهن أن يجبن بلطف أو يحولن المحادثة إلى مسارات جنسية”.
وقدر مستخدم آخر يسمى جون عدد الصور غير المرغوبة التي أرسلها في غرف الدردشة عبر السنوات بـ100 صورة، كان يرسلها بعد أن يصبح مثاراً. يقول “أرى الناس يدردشون حول مواضيع مختلفة. إذا كانت تقرب للجنس ولو من بعيد، كنت أعدها نقطة دخولي لإرسال صورة”. وفي حين يحتفظ ببعض “أفضل صوره” على هاتفه يقول “تكمن المتعة في أخذ صورة في تلك اللحظة وإرسالها … أعتقد أن الأمر متعلق بخلق نوع من الاتصال الجنسي أو تخيله في تلك اللحظة بالذات. شعور بالإثارة أثناء ترقب إجابة”.
وصف جون أربعة أنواع من الردود عادة ما يتلقاها قائلاً: يؤدي إرسال صورة عضو ذكري في حالات نادرة إلى محادثة جنسية صريحة في نافذة الدردشة، حيث يمكن تبادل المزيد من الصور؛ أو قد يتلقى رسالة إطراء؛ أو قد يتلقى رداً سلبياً غاضباً. ولكن، في معظم الأحيان، لا يتلقى أي رد.
جون الآن في الستينات من عمره ولم يرسل صوراً كهذه منذ أكثر من عقد من الزمان. كتب يقول “مع تقدمي في السن، وبصراحة، يبدو الأمر مجرد مزيج من الوقاحة والتفاهة والفراغ. لقد تعلمت أن هذا أمر سيء وتطفل غير مرغوب فيه، حتى لو كان يحصل على الانترنت وبهوية مجهولة. الأمر يعتبر انتهاكاً حتى لو تم في عالم افتراضي، في رأيي لا يختلف الأمر عن المتعرين النمطيين في الشارع. في الحقيقة، الأشخاص الذين يرسلون هذه الصور غير المرغوب فيها يقفون في ركن من أركان الشارع الافتراضي ويتعرون أمام نساء لا يعرفونهن ليشبعوا رغباتهم الجنسية الخاصة”.
أذهلني تنديد جون، لذا سألته إن كان يشمل نفسه ضمن هؤلاء المتعرين على الإنترنت. أجاب قائلاً “نعم، إخفاء الهوية التي يتيحها الإنترنت يسهل القيام بأمور لم تتصور قط القيام بها في العالم الحقيقي، لذا أعتقد أن هذا يساعد الرجال على فصل أنفسهم عن أي عواقب محتملة أو تأثيرات يتحمل الشخص الذي يتلقى الصورة تبعاتها”.
تبدو هذه النظرية معقولة جداً بالنسبة إلى بلومنتال. إذ يقول “لقد جلب الإنترنت معه كل أنواع الميول الجنسية غير المعتادة والمرتبطة بنسخ سابقة وربما تكون لها الديناميات نفسها”. يعتقد بلومنتال أن هناك حبكة مخفية خلف هذه القصص التي عايشها مع مرضاه الذين ارتكبوا جريمة خدش الحياء العام. يقول: “هناك من يحاول إبهار الشخص الذي أمامه، في حين يحاول آخرون الاقتحام والتطفل، وهذا الجانب الاقتحامي التطفلي مهم للغاية”.
أضاف قائلاً “الرجل في القطار الذي استخدم AirDrop يقوم بالتعري في عصر رقمي. يبحث المتعري عن شيء محدد جداً، هو مهتم برد الفعل، ويركز على وجوه هؤلاء النسوة، يريد أن يرى الصدمة والمفاجأة ونوعاً من العجز في الشخص الذي يتعرى أمامه”.
يقول إنه تقريباً في كل حالة من حالات خدش الحياء في الواقع، سيكون الجاني قد تعرض لصدمة في مرحلة الطفولة، جعلته يشعر بأنه لا يستطيع السيطرة على ما يحصل. هذه هي نظرية تعريف المعتدي: مصمم على ألا يكون ضحية مرة أخرى. وفي مرحلة البلوغ فإنه يقوم بهذا العمل من دون وعي منه “إنه الآن يسيطر على الأمور، ويراقب رد فعل الأشخاص الذين يزعجهم، ويدخلهم في حالة من الصدمة، والمفاجأة، ويشعرهم بالاضطراب”.
يقول جون إنه لم يسمع قط عن نساء عانوا من مشكلة تلقي صور من شخص ما يتحدث إليهن على الإنترنت، واصفاً الأمر بأنه مجرد ازعاج بسيط. ربما تشعر بعض النساء بذلك، لكن أخريات يجدنه أكثر إزعاجاً.عندما تلقت هولرويد صوراً خادشة للحياء من الرجل الذي وافقت على الخروج معه لشرب القهوة والمشي قالت لي “شعرت بصدمة شديدة. لا شيء في المحادثة جعلني أفكر أنه سيفعل ذلك. شعرت بالقلق حقاً لأن الأمر بدا وكأنه كذبة، كنت مرتبكة، ولم أكن أعرف ما الذي كان يسعى إليه حقاً، ولم أشعر بالأمان”.
عندما ردت على هذا الرجل لتخبره بعدم رغبتها في مقابلته، قالت إنه “غضب جداً وأصبح عدوانياً. وقال إنني حتماً مريضة عقلياً لأنني غيرت رأيي بسرعة. وأردف “إذا كان بإمكانك تغيير رأيك هكذا من دون سبب، فأنت تعانين من خطب ما. وأخبرني أنني يجب أن أحصل على مساعدة طبية. لقد ألقى باللوم علي. أشعرني أنني ظلمته”.
أثناء تعبيره عن غضبه تجاه هولرويد، كان يصف الشعور الذي جعل هولرويد تشعر به تجاهه: لقد كان سلوكه غير مستقر، لا يمكن التنبؤ به، كان مضطرباً ومزعجاً. لقد وجه مشاعره مباشرة إليها.
لاقى سؤالي الذي وضعته على موقع Reddit، الكثير من الأجوبة الرصينة والتي تدفعك للتفكير. ولكن رداً على الكثير من الرجال الذين يصرون على أن بعض النساء يحببن تلقي تلك الصور، أجابت إحداهن “إذا كانت المرأة تريد رؤية صور عضوك، فيسهل عليها طلبها. ويسهل على الرجل أيضاً سؤال امرأة إذا كانت ترغب في أن تراها. إرسال صور غير مرغوب فيها يشبه إخراج قضيبك أمام شخص ما – وبالطبع، هناك الكثير من الأشخاص الذين يرغبون رؤية ذلك، لكنك تحتاج إلى التأكد من ذلك قبل أن تقدم عليه، لا تكن غير مبال وتقول “أوه، بعض النساء يحببن الأمر”.
قال بعض الرجال إنهم توقفوا عن إرسال صور خادشة للحياء بعد تلقي ردود سلبية. كتب مستخدم يدعى جيرمي على Reddit، عن مرة أرسل فيها صورة لفتاة كان يحدثها على تطبيق Tinder “لقد ردت قائلة مقرف، وحظرتني. لم أكرر فعلتي هذه منذ ذلك الحين”.
ورد آخرون بأن تحميل النساء مسؤولية تعليم الرجال ما هو مقبول عن طريق الاستجابة السلبية قد يعرضهن للخطر.
يقول بلومنثال إنه من المهم التمييز بين الجرائم التي لا تقوم على الاتصال، والتي لا يمس فيها الجاني ضحيته، والجريمة التي يتم فيها الاتصال- وأن الصلة بين أولئك الذين يرتكبون جريمة خدش حياء والذين يقومون بالاعتداء الجنسي على ضحاياهم ضعيفة. ومع ذلك، فإن مصطلح “جريمة من دون اتصال” في هذا السياق، أمر مثير للاهتمام – و يكاد يكون غير دقيق، فإرسال صورة غير مرغوب فيها لا يتضمن اتصالاً جسدياً، لكنه أشبه ما يكون باعتداء أو هجوم.
تمكن مقاضاة الشخص الذي يرسل صوراً خادشة للحياء بموجب عدد من القوانين المختلفة، والتي يعاقب مرتكبها بالسجن لمدة قد تصل إلى عامين. ولكن هناك مشكلات في هذه القوانين، كما تقول المحامية كيت باركر، مديرة مشروع Consent Project في بريطانيا، وهي مؤسسة خيرية أسستها لتثقيف الشباب حول القبول والاعتداء الجنسي. على الضحية أن تثبت أن هدف المرسل كان التسبب في حزنها أو قلقها، أو أن الصورة كانت “مهينة بشكل صارخ أو ذات طابع بذيء أو فاحش أو ذات طابع تهديدي”.
تقول باركر: “في عصر أصبح فيه إرسال صور خادشة للحياء أمراً طبيعياً. هناك حقيقة محبطة هي صعوبة إثبات نية المرسل. يعتقد بعض الرجال أن إرسال تلك الصور هو أنسب طريقة لبدء محادثة، أو نقل المحادثة إلى مستوى أكثر “رومانسية”. وعندما يتعلق الأمر بمفهوم خدش الحياء، فنظرة المجتمع لها تتغير باستمرار “فقد أصبح عالمنا على الإنترنت وعالمنا الواقعي مملوء بالصور الجنسية، وبالتالي بدأ التصور الجماعي للمجتمع عن الصور الجنسية في التحول. تؤيد باركر وضع قانون جديد – “يتضمن دراسة أخذ استجابة المستلم – الذي عادة ما يكون امرأة – لرسائل كهذه كمحدد للمسؤولية الجنائية”.
يمكننا تحسين القانون، وتجريم هذا الفعل، ولكن إذا لم نحاول فهم الدوافع وراءه، لن يكون لدينا أي أمل في إيقافه. عندما كنت تلميذة، تحرش بي رجل بينما كنت عائدة من الحديقة إلى البيت – ركض أمامي ثم وقف وبدأ يستمني، واضعاً قميصه على وجهه. عندما كنت في السابعة عشرة من عمري، كنت أقضي العطلة مع صديقتي المفضلة في باريس، ألقى رجل بصورة لقضيب مشوه في وجوهنا. عندما كنت في العشرين، أرسل رجل كنت أخوض معه محادثة غرامية صورة غير متوقعة لقضيب مشوه عبر رسالة نصية. كانت كل هذه التجارب، ذات الأشكال المتغيرة والطبيعة الواحدة مروعة وغير سارة. لكن الجانب المشرق في الأمر، يسعدني أن أبلغكم أنه في خضم قيامي بالبحث من أجل كتابة هذا المقال، لم أتلق أي صورة.
هذا المقال مترجم عن theguardian.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي.