fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

مراسيم العفو في سوريا…لا حرية لمن عارض النظام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن العفو صُمم لإطلاق سراح متعاطي المخدرات والفارين من خدمة العلم والعسكريين ومرتكبي الجنح والمخالفات بشكل خاص. العفو استثنى كافة المعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الرأي والنزاع المسلح، ولذلك يبقى بلا جدوى

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تراقب شادية العواد (اسم مستعار لزوجة معتقل) صفحات التواصل الاجتماعي على الهاتف المحمول بحثاً عن اسم زوجها، بينما تترصد بناتها صفحات الأخبار السوريّة بحثاً عن خبرٍ عن  والدهم قد يُنشر بعد صدور العفو الرئاسي عن المعتقلين.

منذ ثمانية سنوات ونصف ومع كل مرسوم عفو عن المعتقلين صادر عن بشار الأسد، ترتسم ملامح الأمل على وجوه أفراد أسرة شادية حالمين بخروج والدهم من السجن وخلاصه من محنته الطويلة.   

اعتقلت عناصر فرع المخابرات العسكرية في دمشق زوج شادية ، بعد مشاركته بمظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن قتل السوريين والمضي بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الخاصة بسوريا، وبحكم عمله في مدارس دمشق ألقت عناصر المخابرات العسكرية على أحد الحواجز القبض عليه، بحسب ما أخبر زوجته على الهاتف بعد خمسة سنوات من الاختفاء.

عاشت الأسرة خلال سنوات الانتظار تهجيراً قسرياً باتجاه مخيمات النازحين شمالي غرب سوريا، لكن بقي الأمل بلقاء رب الأسرة تحت سقف الخيمة القماشي. 

العفو العام كأداة ضغط بيد النظام 

منذ العام 2015 حتى اليوم أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، أكثر من خمسة عشر مرسوم عفو عن المعتقلين، كان آخرها المرسوم رقم       36الصادر بتاريخ 16تشرين الثاني\نوفمبر 2023 عن جميع الجرائم المرتكبة قبل 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

شمل المرسوم الفارين من الخدمة في قوات النظام شرط تسليم أنفسهم، وإسقاط الحكم المؤبد أو المؤقت عن المصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء، وكذلك عن الأحكام المبرمة بحق من بلغ سبعين عاماً، إضافة إلى إسقاط كامل العقوبة للجنح والمخالفات، وعن تدابير الإصلاح والأحكام المؤقتة. 

كما شمل إسقاط العقوبة عن جرم الخطف في حال “بادر الخاطف إلى تحرير المخطوف بشكل آمن ومن دون أي مقابل، أو قام بتسليمه إلى أي جهة مختصة خلال عشرة أيام من تاريخ نفاذ هذا المرسوم التشريعي”.

هذه الجزئية يرى عدد من الحقوقيين أنها سبب صدور هذه المراسيم، فـ”اقتصاد الخطف” في سوريا تديره فئات متنفّذة وميلشيات رديفة بهدف دفع فديّة من أهل المخطوف، الجريمة التي تحولت إلى نموذج اقتصادي يشابه نموذج الحواجز. 

المرصد السوري لحقوق الإنسان وثّق عام 2002 حوالي 2500 حالة خطف/ اعتقال، ويأتي المرسوم هنا حسب الحقوقيين لتبرئة الخاطفين في حال تم تقديم شكاوى ضدهم أو ثبت تورطهم بإحدى العمليات.

سليمان هلال الأسد

أقرباء الأسد يكتبون القانون

أكثر من  8000 دولار أمريكي دفعها ،شاهر الحصو، بعد أن باع قسما كبيرا من أرضه الزراعية، في سبيل معرفة خبر عن ابنه المعتقل منذ العام 2011 من قبل مخابرات النظام في  مدينة جسر الشغور إبان سيطرتها على المدينة حينها، ولم يكتفي شاهر باستدانة المال ودفعه لوسطاء ومقربين من ضباط وشخصيات نافذة في قوات النظام على مدى السنوات الماضية، بل خاطر بنفسه للسؤال عن أخيه على أبواب الأفرع والسجون المختلفة من مدينة حماة حتى مدينة دمشق، ودائما ما كان يتعرض للإهانة والضرب من قبل العناصر، وكل ذلك ليسمع خبر واحد عن شقيقه المغيب منذ أكثر من 12 عام ولم يشمله أي مرسوم عفو رئاسي .

يستغرب شاهر تفصيل مراسيم العفو على مقاس مجرمين بعينهم لتخليصهم من السجن لما لهم من أو لأقاربهم من نفاذ في السلطة، في حين يقبع عشرات الآلاف من المدنيين بدون ذنب في سجون ومعتقلات النظام، للمساومة عليهم دولياً في أي مؤتمر أو اجتماع أو قرار دولي.

خرج سليمان هلال الأسد ابن عم بشار الأسد، من السجن بعد خمس سنوات من صدور حكم بسجنه عشرين عام على خلفية ارتكابه جريمة القتل العمد لعقيد في قوات النظام يدعى حسان الشيخ في العام 2015. 

عاد سليمان الأسد الظهور في العام 2020 وسط مرافقته في سياراته الفارهة في مدينة اللاذقية، فيما شكك ناشطون حينها أن يكون سليمان الأسد دخل السجن أصلا حيث غاب عن الظهور فقط خلال السنوات الخمس فقط.

أجرينا مقابلات مع سوريين داخل سورية وسؤالهم عن رأيهم في مرسوم العفو، كانت الإجابات من 38 شخصا بينهم 11 شخصا لديهم أقرباء في سجون النظام، بأن مراسيم العفو المتتابعة من نظام الأسد سنويا تأتي لذر الرماد بالعيون، ولا يخرج بموجبها إلا “المخالفين في السير وقيادة السيارات، ومتعاطي المخدرات والجنح الناتجة عن مشاكل شخصية، وبعض مربي الحمام وأقارب ضباط في قوات النظام ومتنفذين في ميليشياته”.

لا عفو عن المتظاهرين… والأطفال والمسنين

يقول عارف السلوم، إن قوات النظام اعتقلت شقيقه من مدينة حمص في العام 2017 بتهمة “المشاركة بأعمال تخريبية ضد الدولة”، وذلك  بعد مشاركته بالحراك المدني السلمي المطالب بتغيير النظام، وأصدرت بحقه حكم سجن ثمانية أعوام من محكمة الإرهاب في دمشق، على أن يقضي فترة الاعتقال في السجن المركزي في صيدنايا بعد أن أمضى ثلاثة سنوات في معتقلات أفرع المخابرات. 

يؤكد السلوم في حديثه لـ”درج”، أنه بالرغم من توكيله عدة محامين لشقيقه ودفع رشاوي لشخصيات متنفذة في قوات النظام، إلا أن طلبات إخلاء السبيل كلها باءت بالفشل، ولم يكن استثناء شقيقه من العفو مفاجئة، لا سيما أن النظام أصدر عددا من المراسيم المشابهة خلال السنوات الماضية ولم تشمل قضايا محكمة الإرهاب أو الموقوفين في الأفرع الأمنية.

استثنى مرسوم العفو الرئاسي عن السجناء في سجون نظام الأسد، و الصادر في 16 تشرين الثاني\نوفمبر 2023، المعتقلين السياسيين والمتهمين بجرائم الإرهاب من منظور النظام، حيث استثنى جرائم الإرهاب المنصوص عنها بالقانون 19 لسنة 2012 وهو القانون الذي طُبِق على كافة معتقلي الرأي والسياسيين المعتقلين بعد اندلاع الثورة السورية.

هذا يعني أن الإعفاء لا يشمل المعتقلين على خلفية الثورة منذ سنة 2011 حتى اليوم بحسب المحامي والخبير القانوني عبد الناصر حوشان.

قصة بهية

فارقت بهية الصطيف البالغة من العمر 62عاماً الحياة قبل نحو شهرين في محافظة إدلب، وكانت أمنيتها الوحيدة رؤية ابنها البالغ من العمر 19 عاما عند اعتقاله  منذ أربعة سنوات في معتقلات النظام أثناء دراسته الجامعية في جامعة حلب. 

لم يكن ابنها اشترك في أي مظاهرات أو أعمال عسكرية أو سياسية ضد النظام بحسب شقيقه صبحي، والذي يرجح سبب الاعتقال لمكان ولادة شقيقه في محافظة ادلب، وبناء على النزعة والشكوك المناطقية تم اعتقال شقيقه من المدينة الجامعية وتغييبه بالسجن الذي شكل مرضاً متواصلاً لوالدته انتهى بوفاتها دون رؤية ابنها.

يلفت صبحي أن والدته كانت تنتظر حلول رأس السنة والأعياد التي تصادف صدور مراسيم العفو خلال السنوات الأربع الماضية، ودائما ما كانت حالتها الصحية تسوء بعد صدور العفو واستمرار غياب ولدها في معتقلات النظام وعدم الإفراج عنه، لتموت قبل أن تشاهد العفو الأخير والذي لا يفرق عن المراسيم السابقة.

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أحد تقاريرها إن مرسوم العفو الرئاسي الأخير لم  يستثني ما لا يقل عن  3696 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى 20تشرين الثاني/نوفمبر 2023. 

بحسب التقرير فالنظام السوري انتهك كافة معايير محاكمة الأحداث المنصوص عليها في التشريعات المحلية، إذ لا يجوز محاكمة حدث إلا أمام محكمته. ويمنع قانون الأحداث عرض الأطفال الأحداث سواء المتهمين بقضايا جنائية أم سياسية حتى ولو كانت المحكمة تختص بالنظر بهذه الجرائم مثل المحاكم الاستثنائية، وقد أخضع النظام السوري الأطفال للمحاكم الاستثنائية كمحكمة الميدان العسكرية الملغاة ومحكمة قضايا الإرهاب، دون تخصيص قاضي أو محكمة أحداث خاص بهم باستثناء حالات قليلة معدودة، وصدرت بحقهم العديد من الأحكام القاسية بالسجن لأعوام طويلة وحتى الإعدام.

أوضح التقرير أنَّ ما لا يقل عن 86 معتقلاً ومختفٍ قسرياً لدى النظام السوري ممن كان عمرهم سبعين عاماً حين اعتقالهم، وما لا يقل عن 58 ممن تجاوزوا أو أتموا السبعين من العمر بعد تاريخ اعتقالهم خلال السنوات الماضية، جميعهم لم يفرج النظام السوري عنهم، على الرغم من تضمين هذه المادة في العديد من مراسيم العفو السابقة.

مراوغة لقطع الطريق أمام العدالة

يقول الناشط الحقوقي، ورد العلي، أن مرسوم العفو صدر بعد أيام  قليلة من اصدار  قرار محكمة العدل الدوليّة، والذي قضى بفرض تدابير مؤقتة لحماية المعتقلين والمحتجزين من التعذيب وسوء المعاملة وتحسين ظروف الاحتجاز في السجون السورية التي تقع تحت سلطة الأسد. 

هذا يقتضي من المحكمة إحالة هذا القرار الى الأمين العام للأمم المتحدة لإحالته إلى مجلس الأمن، لفرض التدابير اللازمة لإجبار النظام السوري  على تنفيذه، مما يدلّ على أنّ الهدف البعيد من ورائه هو قطع الطريق المحكمة و مجلس الأمن الدولي، لفرض التدابير المؤقتة عبر قرار من مجلس الأمن، وكأنّه يريد إرسال رسالة بأنّ محل التدابير لم يعد موجوداً بسبب إطلاق سراحهم بالعفو عنهم.

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن العفو صُمم لإطلاق سراح متعاطي المخدرات والفارين من خدمة العلم والعسكريين ومرتكبي الجنح والمخالفات بشكل خاص. العفو استثنى كافة المعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الرأي والنزاع المسلح، ولذلك يبقى بلا جدوى أو انعكاس حقيقي على عمليات الإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري.

استنتجت الشبكة أيضاً أن كثافة وتكرار المراسيم التي يصدرها النظام السوري والتي لا تستهدف المعتقلين السياسيين، تسببت في الضرر في السياسة العقابية التي تنتهجها الدولة في مكافحة الجريمة عبر إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم، كما أدت عمليات إصدار المراسيم بهذه الوتيرة إلى خلل في عمل إجراءات المحاكم بمختلف اختصاصاتها، وساهمت في اعتياد القضاة على تأجيل إصدار الأحكام في طيف واسع من القضايا التي ينظرون بها.

الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت صوتت مسودة قرار أدان استمرار ارتكاب النظام السوري للانتهاكات الجسيمة المنهجية والواسعة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وأكد القرار أن حصيلة المعتقلين تعسفياً في سوريا في ارتفاع مستمر، وأنها بلغت أكثر من 135،000 معتقل، وكذلك ارتفاع حصيلة الضحايا الأطفال الذين قتلوا إلى 3034 بينهم 198 قتلوا تحت التعذيب. القرار أكد مسؤولية النظام السوري عن الاستخدام المنهجي للاختفاء القسري، وأنه يشكل جريمة ضد الإنسانية، وأدان عمليات القتل خارج نطاق القانون التي يمارسها النظام السوري.

29.11.2023
زمن القراءة: 7 minutes

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن العفو صُمم لإطلاق سراح متعاطي المخدرات والفارين من خدمة العلم والعسكريين ومرتكبي الجنح والمخالفات بشكل خاص. العفو استثنى كافة المعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الرأي والنزاع المسلح، ولذلك يبقى بلا جدوى


تراقب شادية العواد (اسم مستعار لزوجة معتقل) صفحات التواصل الاجتماعي على الهاتف المحمول بحثاً عن اسم زوجها، بينما تترصد بناتها صفحات الأخبار السوريّة بحثاً عن خبرٍ عن  والدهم قد يُنشر بعد صدور العفو الرئاسي عن المعتقلين.

منذ ثمانية سنوات ونصف ومع كل مرسوم عفو عن المعتقلين صادر عن بشار الأسد، ترتسم ملامح الأمل على وجوه أفراد أسرة شادية حالمين بخروج والدهم من السجن وخلاصه من محنته الطويلة.   

اعتقلت عناصر فرع المخابرات العسكرية في دمشق زوج شادية ، بعد مشاركته بمظاهرات تطالب بمحاسبة المسؤولين عن قتل السوريين والمضي بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الخاصة بسوريا، وبحكم عمله في مدارس دمشق ألقت عناصر المخابرات العسكرية على أحد الحواجز القبض عليه، بحسب ما أخبر زوجته على الهاتف بعد خمسة سنوات من الاختفاء.

عاشت الأسرة خلال سنوات الانتظار تهجيراً قسرياً باتجاه مخيمات النازحين شمالي غرب سوريا، لكن بقي الأمل بلقاء رب الأسرة تحت سقف الخيمة القماشي. 

العفو العام كأداة ضغط بيد النظام 

منذ العام 2015 حتى اليوم أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، أكثر من خمسة عشر مرسوم عفو عن المعتقلين، كان آخرها المرسوم رقم       36الصادر بتاريخ 16تشرين الثاني\نوفمبر 2023 عن جميع الجرائم المرتكبة قبل 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

شمل المرسوم الفارين من الخدمة في قوات النظام شرط تسليم أنفسهم، وإسقاط الحكم المؤبد أو المؤقت عن المصاب بمرض عضال غير قابل للشفاء، وكذلك عن الأحكام المبرمة بحق من بلغ سبعين عاماً، إضافة إلى إسقاط كامل العقوبة للجنح والمخالفات، وعن تدابير الإصلاح والأحكام المؤقتة. 

كما شمل إسقاط العقوبة عن جرم الخطف في حال “بادر الخاطف إلى تحرير المخطوف بشكل آمن ومن دون أي مقابل، أو قام بتسليمه إلى أي جهة مختصة خلال عشرة أيام من تاريخ نفاذ هذا المرسوم التشريعي”.

هذه الجزئية يرى عدد من الحقوقيين أنها سبب صدور هذه المراسيم، فـ”اقتصاد الخطف” في سوريا تديره فئات متنفّذة وميلشيات رديفة بهدف دفع فديّة من أهل المخطوف، الجريمة التي تحولت إلى نموذج اقتصادي يشابه نموذج الحواجز. 

المرصد السوري لحقوق الإنسان وثّق عام 2002 حوالي 2500 حالة خطف/ اعتقال، ويأتي المرسوم هنا حسب الحقوقيين لتبرئة الخاطفين في حال تم تقديم شكاوى ضدهم أو ثبت تورطهم بإحدى العمليات.

سليمان هلال الأسد

أقرباء الأسد يكتبون القانون

أكثر من  8000 دولار أمريكي دفعها ،شاهر الحصو، بعد أن باع قسما كبيرا من أرضه الزراعية، في سبيل معرفة خبر عن ابنه المعتقل منذ العام 2011 من قبل مخابرات النظام في  مدينة جسر الشغور إبان سيطرتها على المدينة حينها، ولم يكتفي شاهر باستدانة المال ودفعه لوسطاء ومقربين من ضباط وشخصيات نافذة في قوات النظام على مدى السنوات الماضية، بل خاطر بنفسه للسؤال عن أخيه على أبواب الأفرع والسجون المختلفة من مدينة حماة حتى مدينة دمشق، ودائما ما كان يتعرض للإهانة والضرب من قبل العناصر، وكل ذلك ليسمع خبر واحد عن شقيقه المغيب منذ أكثر من 12 عام ولم يشمله أي مرسوم عفو رئاسي .

يستغرب شاهر تفصيل مراسيم العفو على مقاس مجرمين بعينهم لتخليصهم من السجن لما لهم من أو لأقاربهم من نفاذ في السلطة، في حين يقبع عشرات الآلاف من المدنيين بدون ذنب في سجون ومعتقلات النظام، للمساومة عليهم دولياً في أي مؤتمر أو اجتماع أو قرار دولي.

خرج سليمان هلال الأسد ابن عم بشار الأسد، من السجن بعد خمس سنوات من صدور حكم بسجنه عشرين عام على خلفية ارتكابه جريمة القتل العمد لعقيد في قوات النظام يدعى حسان الشيخ في العام 2015. 

عاد سليمان الأسد الظهور في العام 2020 وسط مرافقته في سياراته الفارهة في مدينة اللاذقية، فيما شكك ناشطون حينها أن يكون سليمان الأسد دخل السجن أصلا حيث غاب عن الظهور فقط خلال السنوات الخمس فقط.

أجرينا مقابلات مع سوريين داخل سورية وسؤالهم عن رأيهم في مرسوم العفو، كانت الإجابات من 38 شخصا بينهم 11 شخصا لديهم أقرباء في سجون النظام، بأن مراسيم العفو المتتابعة من نظام الأسد سنويا تأتي لذر الرماد بالعيون، ولا يخرج بموجبها إلا “المخالفين في السير وقيادة السيارات، ومتعاطي المخدرات والجنح الناتجة عن مشاكل شخصية، وبعض مربي الحمام وأقارب ضباط في قوات النظام ومتنفذين في ميليشياته”.

لا عفو عن المتظاهرين… والأطفال والمسنين

يقول عارف السلوم، إن قوات النظام اعتقلت شقيقه من مدينة حمص في العام 2017 بتهمة “المشاركة بأعمال تخريبية ضد الدولة”، وذلك  بعد مشاركته بالحراك المدني السلمي المطالب بتغيير النظام، وأصدرت بحقه حكم سجن ثمانية أعوام من محكمة الإرهاب في دمشق، على أن يقضي فترة الاعتقال في السجن المركزي في صيدنايا بعد أن أمضى ثلاثة سنوات في معتقلات أفرع المخابرات. 

يؤكد السلوم في حديثه لـ”درج”، أنه بالرغم من توكيله عدة محامين لشقيقه ودفع رشاوي لشخصيات متنفذة في قوات النظام، إلا أن طلبات إخلاء السبيل كلها باءت بالفشل، ولم يكن استثناء شقيقه من العفو مفاجئة، لا سيما أن النظام أصدر عددا من المراسيم المشابهة خلال السنوات الماضية ولم تشمل قضايا محكمة الإرهاب أو الموقوفين في الأفرع الأمنية.

استثنى مرسوم العفو الرئاسي عن السجناء في سجون نظام الأسد، و الصادر في 16 تشرين الثاني\نوفمبر 2023، المعتقلين السياسيين والمتهمين بجرائم الإرهاب من منظور النظام، حيث استثنى جرائم الإرهاب المنصوص عنها بالقانون 19 لسنة 2012 وهو القانون الذي طُبِق على كافة معتقلي الرأي والسياسيين المعتقلين بعد اندلاع الثورة السورية.

هذا يعني أن الإعفاء لا يشمل المعتقلين على خلفية الثورة منذ سنة 2011 حتى اليوم بحسب المحامي والخبير القانوني عبد الناصر حوشان.

قصة بهية

فارقت بهية الصطيف البالغة من العمر 62عاماً الحياة قبل نحو شهرين في محافظة إدلب، وكانت أمنيتها الوحيدة رؤية ابنها البالغ من العمر 19 عاما عند اعتقاله  منذ أربعة سنوات في معتقلات النظام أثناء دراسته الجامعية في جامعة حلب. 

لم يكن ابنها اشترك في أي مظاهرات أو أعمال عسكرية أو سياسية ضد النظام بحسب شقيقه صبحي، والذي يرجح سبب الاعتقال لمكان ولادة شقيقه في محافظة ادلب، وبناء على النزعة والشكوك المناطقية تم اعتقال شقيقه من المدينة الجامعية وتغييبه بالسجن الذي شكل مرضاً متواصلاً لوالدته انتهى بوفاتها دون رؤية ابنها.

يلفت صبحي أن والدته كانت تنتظر حلول رأس السنة والأعياد التي تصادف صدور مراسيم العفو خلال السنوات الأربع الماضية، ودائما ما كانت حالتها الصحية تسوء بعد صدور العفو واستمرار غياب ولدها في معتقلات النظام وعدم الإفراج عنه، لتموت قبل أن تشاهد العفو الأخير والذي لا يفرق عن المراسيم السابقة.

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان في أحد تقاريرها إن مرسوم العفو الرئاسي الأخير لم  يستثني ما لا يقل عن  3696 طفلاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري لدى قوات النظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى 20تشرين الثاني/نوفمبر 2023. 

بحسب التقرير فالنظام السوري انتهك كافة معايير محاكمة الأحداث المنصوص عليها في التشريعات المحلية، إذ لا يجوز محاكمة حدث إلا أمام محكمته. ويمنع قانون الأحداث عرض الأطفال الأحداث سواء المتهمين بقضايا جنائية أم سياسية حتى ولو كانت المحكمة تختص بالنظر بهذه الجرائم مثل المحاكم الاستثنائية، وقد أخضع النظام السوري الأطفال للمحاكم الاستثنائية كمحكمة الميدان العسكرية الملغاة ومحكمة قضايا الإرهاب، دون تخصيص قاضي أو محكمة أحداث خاص بهم باستثناء حالات قليلة معدودة، وصدرت بحقهم العديد من الأحكام القاسية بالسجن لأعوام طويلة وحتى الإعدام.

أوضح التقرير أنَّ ما لا يقل عن 86 معتقلاً ومختفٍ قسرياً لدى النظام السوري ممن كان عمرهم سبعين عاماً حين اعتقالهم، وما لا يقل عن 58 ممن تجاوزوا أو أتموا السبعين من العمر بعد تاريخ اعتقالهم خلال السنوات الماضية، جميعهم لم يفرج النظام السوري عنهم، على الرغم من تضمين هذه المادة في العديد من مراسيم العفو السابقة.

مراوغة لقطع الطريق أمام العدالة

يقول الناشط الحقوقي، ورد العلي، أن مرسوم العفو صدر بعد أيام  قليلة من اصدار  قرار محكمة العدل الدوليّة، والذي قضى بفرض تدابير مؤقتة لحماية المعتقلين والمحتجزين من التعذيب وسوء المعاملة وتحسين ظروف الاحتجاز في السجون السورية التي تقع تحت سلطة الأسد. 

هذا يقتضي من المحكمة إحالة هذا القرار الى الأمين العام للأمم المتحدة لإحالته إلى مجلس الأمن، لفرض التدابير اللازمة لإجبار النظام السوري  على تنفيذه، مما يدلّ على أنّ الهدف البعيد من ورائه هو قطع الطريق المحكمة و مجلس الأمن الدولي، لفرض التدابير المؤقتة عبر قرار من مجلس الأمن، وكأنّه يريد إرسال رسالة بأنّ محل التدابير لم يعد موجوداً بسبب إطلاق سراحهم بالعفو عنهم.

تقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن العفو صُمم لإطلاق سراح متعاطي المخدرات والفارين من خدمة العلم والعسكريين ومرتكبي الجنح والمخالفات بشكل خاص. العفو استثنى كافة المعتقلين السياسيين والمعتقلين على خلفية الرأي والنزاع المسلح، ولذلك يبقى بلا جدوى أو انعكاس حقيقي على عمليات الإفراج عن المعتقلين والمختفين قسرياً في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري.

استنتجت الشبكة أيضاً أن كثافة وتكرار المراسيم التي يصدرها النظام السوري والتي لا تستهدف المعتقلين السياسيين، تسببت في الضرر في السياسة العقابية التي تنتهجها الدولة في مكافحة الجريمة عبر إطلاق سراح الآلاف من مرتكبي الجرائم، كما أدت عمليات إصدار المراسيم بهذه الوتيرة إلى خلل في عمل إجراءات المحاكم بمختلف اختصاصاتها، وساهمت في اعتياد القضاة على تأجيل إصدار الأحكام في طيف واسع من القضايا التي ينظرون بها.

الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت صوتت مسودة قرار أدان استمرار ارتكاب النظام السوري للانتهاكات الجسيمة المنهجية والواسعة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وأكد القرار أن حصيلة المعتقلين تعسفياً في سوريا في ارتفاع مستمر، وأنها بلغت أكثر من 135،000 معتقل، وكذلك ارتفاع حصيلة الضحايا الأطفال الذين قتلوا إلى 3034 بينهم 198 قتلوا تحت التعذيب. القرار أكد مسؤولية النظام السوري عن الاستخدام المنهجي للاختفاء القسري، وأنه يشكل جريمة ضد الإنسانية، وأدان عمليات القتل خارج نطاق القانون التي يمارسها النظام السوري.