fbpx

مضيق هرمز خاصرة واشنطن الرخوة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

الأرجح أن الخليج على فوهة بركان هذه الأيام. الإيرانيون ذاهبون بالمواجهة إلى ما قبل اشتعال الحرب بخطوة صغيرة، فمن يضمن أن لا تقع الحرب؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الأرجح أن الخليج على فوهة بركان هذه الأيام. الإيرانيون ذاهبون بالمواجهة إلى ما قبل اشتعال الحرب بخطوة صغيرة، فمن يضمن أن لا تقع الحرب؟ اللعب على حافة الهاوية ينطوي على مخاطرة أن تفلت الخيوط من أيدي اللاعبين. لكن يبدو أن لا خيار أمام طهران سوى مزيد من التصعيد. العقوبات بدأت تخنق النظام، وعلامات انهيار الاقتصاد الإيراني كثيرة، وليس تراجع قيمة العملة مظهره الوحيد. كما أن تبعات هذا الانهيار لن تقتصر على ارتداداته الداخلية على النظام. فإفقار طهران يعني إفقار أذرعها الإقليمية أيضاً. حزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والميليشيات الشيعية في سوريا، ويبدو أن عملاً جارياً للحد من علاقات الاستتباع الاقتصادي القائمة مع العراق.

إذاً لا خيار سوى المواجهة. ويبدو أن طهران حسمت وجهتها. مع إسرائيل لن تفضي الجبهات إلى كسر الحصار. لا بل ربما تضاعف منه. لبنان بلد هامشي وورقة ضعيفة في سياق مساعي طهران لكسر الحصار الأميركي. سوريا أيضاً لن يضيف التلويح بحرب على حدودها مع إسرائيل شيئاً. الخليج هو خاصرة العالم الرخوة. هناك بدأت طهران رقصتها مع واشنطن. لهذه الوجهة أكلافها طبعاً، لكنها الخيار الوحيد المتاح أمام النظام المحاصر.

العالم لا يريد حرباً في الخليج. ردود الأفعال على خطوات طهران التصعيدية في مضيق هرمز وفي اليمن تؤكد ذلك. فالبحرية الإيرانية باشرت خطوات تصعيدية في مقابل لغة تهدئة واضحة من قبل الجهات المستهدفة. احتجاز ناقلة النفط البريطانية قوبل بإعلان لندن عجزها عن حماية تجارتها عبر البحار. وفي هذا الوقت بثت طهران شريطاً مصوراً يُظهر فرقة الكوماندوس التي نفذت انزالاً على متن ناقلة النفط، بما يشبه إعلاناً من قبلها عن تصميمها على المضي بالمواجهة.

العالم لا يريد حرباً في الخليج. ردود الأفعال على خطوات طهران التصعيدية في مضيق هرمز وفي اليمن تؤكد ذلك.

يدرك النظام الإيراني أنه سيخسر في أي مواجهة مع العالم في الخليج، لكنه يدرك أيضاً أن العالم غير راغب على الإطلاق بهذه المواجهة، وغير مستعدٍ لدفع أكلافها. فنحن هنا نتحدث عن أكثر من ٢٠ في المئة من نفط العالم، ونسبة مماثلة من اقتصاده. ونحن نتحدث أيضاً عن إمارات الخليج الضعيفة وعن ممالكه المحمية بقواعد عسكرية أميركية. الحرب سينجم عنها في ظل الركود الاقتصادي تداعيات لن تقتصر على الدول المشاطئة لمضيق هرمز.

لكننا ما زلنا في المرحلة الأولى من زمن الاختناق. فصحيح أن واشنطن لم تبادر إلى خطوات ميدانية عسكرية في مواجهة الاستفزازات الإيرانية، إلا أنها راحت تضاعف من حزم العقوبات. هذه الخطوات ستضاعف من التصميم الإيراني على لعب ورقة الخليج، فهي لا تملك غيرها في هذه الأيام. والقول بأن التصعيد يهدف إلى الضغط للمفاوضة قد يكون صحيحاً، إلا أن الوقائع لا تجري في هذا الاتجاه. فنحن اليوم حيال مزيد من الاستفزازات الإيرانية التي يقابلها مزيد من العقوبات، وهذه مبارزة غير مضمونة النتائج. خطأ صغير في الحسابات، كأن تقتل البحرية الإيرانية حراساً أميركيين أو بريطانيين للناقلات فتفلت خيوط اللعبة من أصحابها. حاملات الطائرات والغواصات موجودة على مسافة أبعد قليلاً من المضيق، ولن يقوى دونالد ترامب في السنة الأخيرة من ولايته على ضبط النفس على نحو ما فعل أكثر من مرة.

تدرك طهران أن في يدها ورقة ضغط كبرى لن تتردد في استخدامها، وإذا كانت العقوبات مهددة لمستقبل النظام فهي ستذهب في هذا الاستخدام إلى أقصاه.

وإذا كانت الرياض وأبو ظبي من المتحمسين لسلطة الردع الأميركية في مواجهة طموحات التمدد الإيراني، فانهما مترددتان في الدفع نحو مواجهة فعلية، ذاك أن الدفعة الأولى من الصواريخ التي ستنطلق، تلك التي ستسبق موجات الردع الأميركية اللاحقة، ستصيب النظام الهش للدولتين، وهما إذ تمارسان انكفاء ميدانياً حيال الاستفزازات الإيرانية على شواطئ الخليج، تعبران في هذا الانكفاء عن عجز عن المواجهة المباشرة. وفي هذا الوقت يلوح محور خليج ثالث تمثله الكويت وسلطنة عمان وربما قطر لاحقاً، بدأ يشق طريقاً مختلفاً في هذه المواجهة. وربما شكل هذا المحور قناة المفاوضة التي ستعقب هذا الاحتقان.

تدرك طهران أن في يدها ورقة ضغط كبرى لن تتردد في استخدامها، وإذا كانت العقوبات مهددة لمستقبل النظام فهي ستذهب في هذا الاستخدام إلى أقصاه. ثم أن استثماراتها الأمنية الكبرى في المشرق لن تبقى بمنأى عن الاستخدام، ذاك أنها ساعة الحقيقة إذا ما كانت نية الإدارة الأميركية تصديع النظام، والأخير لن يدخر استثماراً أقدم عليه، سواء كان هذا الاستثمار حزب الله اللبناني، أم حزمة الحشود الشعبية في العراق.

بالأمس قال وزير المال العراقي فؤاد حسين “إن اقفال مضيق هرمز سيشكل كارثة بالنسبة للعراق”. العراق الذي يملك منافذ برية لنفطه عبر تركيا وسوريا، سيمثل إقفال المضيق كارثة له. والكارثة ستكون مضاعفة لدول أخرى. في يد طهران هذه الورقة لتحمي نظامها من الانهيار. دونالد ترامب في المرحلة الأخيرة من ولايته الأولى. تريزا ماي مستقيلة وتمضي أيامها الأخيرة في الحكومة، وبنيامين نتانياهو حل الكنيست بعد أن عجز عن تشكيل حكومة في تل أبيب. هذا مشهد يقرأه الإيرانيون، ويعولون عليه في مساعيهم لكسر الحصار وفي رفع سقف الاستفزازات.

واشنطن – طهران : الاحتقان الذي يسبق التفاوض