fbpx

من الإعدام على الملأ إلى القتل في غرف مغلقة: سلب الحياة في إيران

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إنّ عمليات الإعدام أمام الملأ مقزّزة للغاية، لدرجة أنّ نصوص حقوق الإنسان، وكذلك الكتّاب والناشطين في مجال حقوق الإنسان لم يسمحوا لأنفسهم بالسكوت إزاءها. في التاريخ الاجتماعي الإيراني كان هناك دائماً عمليات الإعدام أمام الملأ في الساحات والميادين والشوارع، مع حضور الإعلام الرسمي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
والدة أحد الذين أُعدموا علناً عام 2007 تبكي ولدها

كانت المعايير في جميع المجتمعات القديمة تبدي سهولة في سلب الحياة من أفراد المجتمع، وكانت غالبية هذه الأشكال تأتي من طريق أخذ الحقّ باليد من قبل الشخص، أو ما يُعرف بالقصاص.

لا تزال الفلسفة الوجودية لقانون القصاص التي تعدّ قديمة، تحمل رسائل مرّة، تبيح لكلّ مسلم سلب حقّ الحياة من أحدهم من دون محاكمة عادلة، إضافة إلى مصطلحات مرعبة ومخيفة مثل (هدر الدم) و(حقّ القتل)، تزامناً مع توجّه الإنسان في القرن العشرين ونزوعه إلى العفو انتصاراً لحقّ الحياة الذي يحترمه جزء من العالم.

الفقه الإسلامي يحمل مثل هكذا رسائل، والقانون الأساسي للبلاد يعتمد على الموازين الشرعية الإسلامية كمصدر للتشريع، وفي هذه الحال يستند القاضي إلى افتراض أنّ الجاني (المقتَصّ) لم يرِق دماء فاسدة ولم يرتكب جرماً، بل وعلى العكس من ذلك فإنّه طهّر الأرض.

في هذه المقالة سنركّز على حقّ الحياة وتأدية القوانين الإسلامية في الجمهورية الإسلامية، من حيث حقّ الحياة ومدى الالتزام به. إضافة إلى سلسلة الملاحظات الأخرى في هذا الإطار.

هنا بعض الأمثلة على الطرق التي تتمّ بها حماية حقّ الحياة، والتي يقوم الناشطون في مجال حقوق الإنسان بنيّة إيجاد موانع في سلب حق الحياة، ينفّذون ويجرّبون تلك الأمثلة، حيث تم فحص تأثيرات الطرق المقترحة.

أنموذج عن المصداقية

إنّ عمليات الإعدام أمام الملأ مقزّزة للغاية، لدرجة أنّ نصوص حقوق الإنسان، وكذلك الكتّاب والناشطين في مجال حقوق الإنسان لم يسمحوا لأنفسهم بالسكوت إزاءها. في التاريخ الاجتماعي الإيراني كان هناك دائماً عمليات الإعدام أمام الملأ في الساحات والميادين والشوارع، مع حضور الإعلام الرسمي بدعوى الخوف على حياة أولئك الذين يموتون دون أن يمتلكوا روحاً سليمة، والذين من الممكن أن يرتكبوا جرماً وجناية إن بقوا على قيد الحياة.

حتى الآن من المؤكّد أنّه تم انتقاد عمليات الإعدام على الملأ بشدة، لكن كيف لهذه القساوة أن تكون علنية ويُسكَت عليها؟ منذ تاريخ ما قبل الثورة وعلى أساس دراسة ذلك في العقود الأربعة الماضية، فإنّ اللّقاءات والاستماع في قضية الحفاظ على حقّ الحياة حكاية أخرى، وذلك تحت وطأة سلطة المجتمعات المستبدّة مع المفاهيم المتناقضة، التي تضعنا في مواجهتها، لذا ينبغي علينا التفكير بنتائجها.

“ألا تنبغي قراءة موضوع الحفاظ على الحياة مرّة أخرى؟”

أحياناً تظهر مفاهيم متناقضة، إذ نفكر في الطرق التي نحمي بها الحقّ في الحياة، ربما ضاعت الكثير من فرص الناس لممارسة الضغط على الحكومة للحدّ من عمليات الإعدام. لسنوات عدة رأينا كيف أنّ جثثاً معلّقة بالرافعات تم شنق أصحابها وأجسادهم وأقدامهم متدلّية نحو الأسفل، والجلّاد معصوب العينين بعصابة سوداء، مراعياً آداب الإعدام.

كما رأينا الناس متجمهرين حول واقعة الإعدام، يرون اللحظات الأخيرة من مفارقة الحياة بأم أعينهم وفي اللحظات الأخيرة غالباً يبكون بشدّة. لقد أظهرت وكالات الدعاية والبروباغاندا في الجمهورية الإيرانية على الدوام متفرّجين على عمليات الإعدام الجماعية أمام الملأ، وتقوم بإجراء مقابلات مع العامة، وهو ما تفضّله هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية IRIB وذلك رداً على احتجاجات منظمات حقوق الإنسان العالمية، فتذكّرهم من خلال هذه المقابلات بأنّ الناس ترغب في إعدام هؤلاء البلطجية والأوباش الذين يهدّدون حياتهم.

لكن، وفي نهاية المطاف ومع استمرار الجهود التي تبذلها المؤسّسات والأفراد في مجال حقوق الإنسان، قلّلت الجمهورية الإسلامية تدريجياً من عمليات الإعدام العلنية، وبالطبع فإنّ هذا التغيير غير مرضٍ، بخاصة أنّ الدول الأعضاء الأخرى في مجلس حقوق الإنسان قد أصرّت على عقد اجتماعات للمجلس.

سؤال إضافي

هذا السؤال الآن قابل للطرح في مجموعات حقوق الإنسان. الفيلم السينمائي (عصبانى نيستم/ أنا لست غاضباً)* منح هذا السؤال صورة واضحة ودقيقة. والسؤال هو:

ألا تؤثر هذه الإعدامات العلنية في المتفرّجين وقسم من المجتمع المدرِك والواعي، للضغط على الحكومة لاحترام حقّ الحياة والاعتراف بأنّ الناس أكثر حساسية وتساؤلاً، إزاء تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل تعسّفي، وما إن كانوا يرغبون به؟

وعلاوة على ذلك، فإنّ زيادة الإحصاءات الرسمية لعمليات الإعدام التي تتم في سجون مغلقة والزيادة في عمليات الإعدام التي تنفّذ من دون توجيه تُهم ومن دون الإعلان عن الأسماء، تسمح لنا بعدم الرضا عن نتيجة العمل من قبل العاملين في الشأن العام، ونعتقد أنه من الممكن في سياق أنشطتنا أن نواجه مفارقات وتناقضات تتطلب أبحاثاً واسعة وشاملة.

في فيلم (أنا لست غاضباً!) يبدو أنّهم يعدمون شاباً، وكان تم منعه من دراسته الجامعية وصار (ممنوعاً من الدراسة/ ستاره دار)** بسبب نقده السياسة الرسمية في البلاد، فترك التحصيل العلمي خلفه، وكان محاصراً بأنواع الضغوط والمشكلات، لقد استغرق بضع سنوات من الاستقرار الوظيفي المستمر، وخسر حياته المهنية بسبب الفساد من قبل العملاء، وكان يحبّ زميلة له في الجامعة، وفي نهاية المطاف أصابته الكآبة والقلق واضطر إلى مواجهة والد حبيبته، وأعدم في النهاية أمام الملأ علانية لأسباب سياسية.

إنّ الأحكام والتفسيرات الصادرة من الأشخاص الذين ينظرون إلى تنفيذ حكم الإعدام ضدّ شابّ عاشق وممنوع من إكمال الدراسة الجامعية –في الفيلم- هي غالباً معارضة لهذا الحكم، وكذلك الأمهات اللاتي ينظرن إلى تنفيذ حكم الإعدام ويصرخن مفجوعات يخبرنك عن مأساة كونك أماً.

الشباب والعاطلون من العمل الذين يرون مصير إعدام شاب، يتصوّرون مصيراً مشابهاً، إن هم أقدموا على أفعال مشابهة. كثيرون من المتفرّجين على الإعدام العلني أمام الملأ بدوا فضوليين وقد قرأوا قصة الشاب المحكوم بالإعدام في صفحات الحوادث في الصحف، فكثيرة هي الصحف التي نقلت في أعمدتها تفاصيل حياته القصيرة، وكثيرون من وجدوا في نهايته مصائرهم أو مصائر أبنائهم وبني قومهم.

وتمثل عمليات الإعدام أمام الملأ فرصة لنقد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالظروف السياسية والمعتقدات المتعلقة بضرورة التغيير، وإدانة عمليات الإعدام وسلب حقّ الحياة حتى في حال ارتكاب القتل.

التناقض

ومع ذلك، فإنّ فرصة قيام الناس بالضغط على المدافعين عن عقوبة الإعدام مستبعدة، والنظام القضائي والأمني للبلاد يقوم بسلب الحياة من أي مواطن ولأي سبب كان، من دون خوف من مساءلة الشعب، وفي الأماكن المغلقة.

وفي الأماكن المغلقة، لا ترى أشخاصاً في المشهد، لا أحد يبكي بسبب تنفيذ حكم الإعدام، لا أحد ينتقد ويغضب بسبب تنفيذ حكم الإعدام، وتنفّذ أحكام الإعدام واحداً تلو الآخر، بشكل رسمي وغير رسمي في هذه الأماكن المغلقة.

ألا يجب علينا كسر هذا التناقض، ألا تنبغي قراءة موضوع الحفاظ على الحياة مرة أخرى؟ هذا هو السؤال.

 

مهرانكير كار

ترجمة – عباس علي موسى

تمّت ترجمة هذا الموضوع ولقراءة المقال الأصلي زوروا هذا الرابط موقع راديو زمانه

هوامش

* (عصابنى نيستم/ أنا لستُ غاضباً!) فيلم من إخراج رضا درميشيان، وهو من إنتاج عام 2013 في إيران، خضع للرقابة، وحذفت مشاهد كاملة منه، حيث يلعب فيه نافيد محمد زاده دور “نافيد” الطالب المفصول والملاحق، والذي يسعى لئلا يفقد فتاته “ستاره” والتي تؤدي دورها باران كوثري، ويُعدم نافيد أمام الملأ في نهاية الفيلم.

** ستاره دار، وهي كلمة وتعبير مجازي في إيران عن طالب لم يتم اعتماده في اختصاصه العام من قبل مجلس اختيار الطلاب وتوقف عن الدراسة لفترة محدّدة، وهذا القانون وافق عليه المجلس الأعلى لثقافة الثورة في 2001، ومعظم هؤلاء الطلاب “ستاره دار” لديهم تاريخ من النشاط السياسي في الجامعة. أظهر استطلاع للرأي أنه في السنوات الـ8 لحكومة أحمدي نجاد، تم توقيف 768 طالباً. وحلّت قضية الطلاب في عهد روحاني إذ كانت أحد شعاراته في حملته الانتخابية.

إقرأ أيضاً:
في إيران يُجبر معتقلو الرأي وأهلهم على الندم تلفزيونياً
عن إعدام الصوفي الإيراني محمد ثلاث: هل كان بريئاً؟
السعودية في طريقها للوصول لأعلى معدلات الإعدام في العقدين الماضيين