هل تتحول صورة الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يصافح بقبضة وابتسامة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في افتتاح قمة جدة للأمن والتنمية، إلى عنوان المرحلة المقبلة؟
الصورة حملت تناقضاً بين ما كان بايدن قد سبق وأعلنه من جعل دول “تنتهك حقوق الإنسان” دولاً “منبوذة”، وما انتهى إليه من تبدية المصالح الأميركية على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، في تكريس للممارسات القمعية والأساليب الملتوية كمبدأ عام لكمّ الأفواه المعارضة في الخليج العربي.
بدت مصافحة بايدن لبن سلمان كضربة قاضية لحقوق الإنسان وتشريع غير مُعلن لسياسة القمع. إذ عمد بايدن، الذي رسم لنفسه صورة المدافع الشرس عن حقوق الإنسان منذ توليه سدة الرئاسة، إلى تمرير الحديث عن جريمة مقتل خاشقجي الذي قُتل على أيدي سعوديين في قنصلية بلاده في اسطنبول كرسالة سريعة في لقائه مع بن سلمان. إذ قال بايدن إن “ما حدث لخاشقجي كان أمراً فظيعاً… قلتُ بوضوح إنّه إذا حدث أمر مماثل مجدّداً، سيكون هناك ردّ وأكثر من ذلك”.
اكتفى بايدن بهذا القدر معتبراً أن صفحة الجريمة قد طُويت، والمحاسبة ستكون في حال تكرّرت الحادثة… الاحتمالات إذاً مفتوحة لجريمةٍ مشابهة. فيما اعتبر وليّ العهد السعودي أن “مثل هذه الحادثة تحدث في أيّ مكان من العالم”، مذكّراً بأنّ “واشنطن ارتكبت عدداً من الأخطاء كحادثة سجن أبو غريب” في العراق، في إشارة إلى إقدام جنود أميركيين على تعذيب سجناء في سجن عراقي، أثناء الإحتلال الأميركي لبغداد.
من جهةٍ أخرى، اعتبر وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، في مقابلة مع شبكة “بي بي سي“، أن السعودية تعتقد أنه تم التعامل مع القضية بشكل كافٍ، قائلاً: “حققنا وعاقبنا واتخذنا إجراءات لضمان عدم تكرار ذلك. هذا ما تفعله الدول في مثل هذه المواقف”، في إشارة إلى صدور حكم بسجن 8 أشخاص لمدة تتراوح بين 7 و20 عاماً على خلفية الجريمة، علماً أن المحاكمة لم تُفتح أمام الإعلام وبقيت وقائعها سرية. وأضاف الجبير: “ما تعتبرونه معارضة، هو عمل إرهابي من وجهة نظرنا”. وفي قول الجبير هذا، تأكيد إضافي على أن الأبواب لا تزال مفتوحة على ارتكاب الجرائم، طالما أن هناك معارضة ومعارضين.
تزامن زيارة بايدن إلى جدة، مع اعتقال محامي خاشقجي السابق عاصم غفور في طريقه من أميركا إلى اسطنبول، بعد أن اقتاده عناصر أمن إماراتيون بثياب مدنية، وأرسلوه إلى مركز احتجاز في أبوظبي قبل أن يتمكن من تغيير الطائرات.
الخطوة التي جرت بالتنسيق مع الأميركيين، وبتهم تتعلق بـ”التهرب الضريبي وغسل الأموال”، بدت شديدة الدلالة على تخلّي إدارة بايدن عن قضية خاشقجي، والإمعان في تقديم تنازلات إلى الجانب السعودي.
على الرغم من أن شبكة “سي أن أن” الإخبارية قد نقلت عن مسؤول في الإدارة الأميركية قوله إنه “لا يوجد مؤشر على أن الأمر له علاقة بخاشقجي أو أي شيء آخر”، إلا أن استدراج غفور بهذا الأسلوب الترهيبي وإدانته بهذا التوقيت، بالتزامن مع زيارة بايدن، يشي باستهداف النظام الإماراتي للمحامي المذكور. لا سيما أن غفور ليس مدافعاً عن خاشقجي فقط، إنما تولى أيضاً قضايا حقوقية لشخصيات معارضة لأنظمة الخليج، أبرزها رجلا الدين سلمان العودة وسفر الحوالي.
التضحية بالمبادئ التي لطالما تغنّى بها بايدن أتت شبه مجانية، إذ يُفترض أن الأخير قدّم تنازلاته مقابل مصالح مع النظام السعودي، على رأسها النفط. علماً أنه حتى الساعة لا ضمانات لمدّ أميركا بالنفط السعودي.
التنازلات أتت نظراً لحاجة بايدن إلى إنتاجٍ أكثر غزارة للنفط من أجل خفض أسعار الوقود المرتفعة، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، التي قد تؤثر على وضع حزبه الديموقراطي في الانتخابات التشريعية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر. ولكن بعيداً عن ذلك، فإن مقايضة بايدن للقيم الحقوقية بالنفط، ستحمل تداعيات وخيمة على قضية حقوق الإنسان دولياً، وقد تكون إدانة عاصم غفور خطوة استهلالية لسلسلة اعتقالات. لقد بعث الرئيس الأميركي رسالة إلى الحكام الدكتاتوريين في العالم، عن قصدٍ أو من دون قصد، مفادها أن واشنطن لا تتمسك بالمبادئ الحقوقية، وأنها قد تتخلى عنها لتلبية مصالحها.
إقرأوا أيضاً: