في غضون أسبوع واحد فقط، شهد مطار بغداد الدولي حريقين، وضعا تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة حول الأسباب التي تقف خلفهما، أو فيما إذا كان هناك أيد خفية متورطة، إما افتعالاً أو اهمالاً، وجهات مستفيدة وأخرى متضررة من ذلك. وكنتيجة طبيعية لأحد الحريقين الذي وقع في صالات المطار الكبرى وامتد إلى أجزاء كبرى داخل المطار، توقفت الرحلات الجوية مؤقتًا، وألغيت رحلات كان مخطط لها بصورة مسبقة، فيما أشارت سلطات الدفاع المدني العراقية إلى أن الحادث لم يؤد إلى خسائر بشرية، وإنما خسائر مادية فقط.
وقد أصدر رئيس الوزراء العراقي (الذي تولى الرئاسة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي) قرارًا بإعفاء كل من مدير عام سلطة الطيران المدني، ومدير مطار بغداد الدولي، ومدير أمن المطار، من مناصبهم الرسمية بسبب حادثة الحريقين الذين حصلا في غضون 48 ساعة فقط.
لم تهدأ الأوضاع السياسية والأمنية في العراق منذ أن تولى السوداني السلطة.
بعد الحادث، شكلّت السلطات العراقية لجنة تحقيق للوقوف على تفاصيله ومعرفة الأسباب وتقديم المعلومات الدقيقة إلى الجهات المعنية والرأي العام، لكن وبحسب رأي المحلل السياسي العراقي رعد هاشم، فإن “لجان التحقيق أثبتت عبر الزمن أنها وسيلة للتسويف، ولا يُعول عليها كثيرًا بكشف الحقائق، كما أنه غالباً ما يتم اللجوء إلى التسوية أو الحل بالرشاوى والتدخلات السياسية. في حكومة مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء الأسبق، غرقنا باللجان التحقيقية البائسة التي لم تحقق المبتغى المطلوب للكشف عن الحقيقة والجرائم التي حصلت في العراق منذ سنين”.
يعتقد هاشم أن حدوث الحريق لمرتين خلال أسبوع واحد، أمر يبعث على الشك، سيما أن البيئة السياسية غير مستقرة و متصارعة و ينتابها صراعات وخلافات معمقة، وقد يكون الصراع للحصول على مكاسب سياسية أو صفقات تجارية هي سبب الحريقين الذين حصلا، سيما أن دافع الانتقام والأذية للآخرين موجودة لدى الكيانات السياسية الحالية التي لا توجد لديها روادع أخلاقية.
ويضيف هاشم: “بعض الأحزاب السياسية وفصائلها مستعدة لحرق العراق كله عندما تتضرر مصالحها، فهي تريد ان تحصد الغنائم، ولا تسمح لأي اعتبار أن يقف في طريقها، وهذا منطق مافيات الفساد والسرقة والعقود والامتيازات، وموسم لتوزيع المناصب بين الأحزاب. كما قد يكون في قضية الحرائق إهمال متعمد أو إهمال متراكم، وهذا أيضاً تصب مسؤوليته لدى الأحزاب الحاكمة التي ليس لديها أي حرص على ممتلكات الدولة”.
لم تهدأ الأوضاع السياسية والأمنية في العراق منذ أن تولى السوداني السلطة، حيث قتل مواطن أميركي يعيش في بغداد بالرصاص، فيما شنت إيران هجمات صاروخية على مناطق إقليم كردستان العراق بحجة استهداف مجموعات المعارضة الكردية-الإيرانية، ناهيك عن الصراعات الداخلية بين الكتل والأحزاب الحاكمة والمعارضين لها داخل قبة البرلمان، حيث يتولى عدد من النواب العراقيين جبهة المعارضة داخل البرلمان، رافضين آلية تشكيل الحكومة وفقًا لنظام المحاصصة الذي أوصلت البلاد لما هو عليه.
بالنسبة إلى هاشم، فإن “قضايا الفساد تقتضي حزمًا صارما وقوياً”. ويستشهد برئيس الوزراء السوداني ويستعيد له تصريحاً يؤكد فيه إنه يجب أن يكون هناك اتفاق سياسي على معالجة الخروقات الأمنية، “والذي ينتظر توافقاً سياسياً، هل نتوقع منه أن يكشف لنا الحقيقة ويكشف الجُنات؟”.
“مكافحة الفساد” كان عنوانًا بارزًا في الاحتجاجات العراقية الغاضبة التي انطلقت في تشرين أول/ أكتوبر من العام 2019، والتي كانت مناهضة للسلطة والفساد وسوء الخدمات. سقط في تلك التظاهرات مئات القتلى برصاص الاجهزة الأمنية والميليشيات وأصيب بجروح آلاف المواطنين الرافضين للفساد والبطالة ونقص الخدمات، نتيجة قمع الجيش والشرطة وفصائل مسلحة قريبة من إيران. وقد فشلت اللجان التحقيقية في الكشف عن المتورطين بقتل المتظاهرين.
النائب عدنان الجحيشي يقول لـ “درج” قال إن “الفساد نخر جسد العراق، وان الحريق الذي نشب في مطار بغداد الدولي يعدّ سابقة خطيرة لأن المطار واجهة العراق أمام كل الوافدين من دول العالم إلى بلادنا، والحريق يعطي صورة سلبية عن أداء الحكومة وخاصة الجهة المشرفة على المطار، على أنها غير مهنية ولم تأخذ الاحتياطات والتحوطات الأمنية والإدارية لأي طارئ يحدث”.
ويضيف الجحيشي: “ننتظر من سلطة الدفاع المدني والمختصين أن يعطوا تقريراً مفصلاً وموثقاً وصادقاً عن أسباب الحريق من دون أي ضغوطات سياسية أو إدارية وبشفافية كاملة. وعلى رئيس الوزراء السوداني أن يتحمل مسؤولياته ويعالج الفوضى في المطار وشبهات الفساد والاهمال التي تطال موظفين كبار، وإعطاء القرار المناسب والصائب واطلاع الشعب على كل التفاصيل”.
ويضيف الجحيشي: “الفساد في مطار بغداد متفشي وخدمة للمسافرين متراجعة وهناك أخطاء كثيرة تحدث تتعلق بمواقيت ومواعيد إقلاع الطائرات”.
ليس غريباً هذا الكلام عن وضع المطار، ففي تقرير رسمي لمنظمة الشفافية الدولية، يحتل العراق رتبة متأخرة في مؤشر الفساد لعام 2021، وهو مؤشر خطير في تراجع مستوى الشفافية في مختلف قطاعات الدولة، فيما يأمل العراقيون أن يحصلوا على حكومة تمنحهم الحقوق التي حرموا منها في بلدِهم النفطي والسياحي الذي ينعم بالخيرات، فيما تلتهم نيران الفساد والإهمال والميليشيات مقدّراته ومؤسساته.
إقرأوا أيضاً: