fbpx

هل يستطيع عمران خان أن يصلح باكستان حقاً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إذا غيّر عمران خان باكستان حقاً بالطرائق التي وعد بها، ستصبح معجزةً أعظم من أي معجزة حققها في ملاعب الكريكيت.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

حاول عمران خان، نجم لعبة الكريكيت الدولي السابق ونادي لوثاريو الليلي اللندني، ونجم الطبقة السياسية الباكستانية، امتطاء موجة الربيع العربي لتحقيق آمال الطبقة الوسطى المدنية في سياسةٍ أنظف وحكومةٍ أفضل. وإذا تولًى خان السلطة، وهو أحد المشاهير ذوي الدخل المستقل، يغلب الظن أنه ربما سيزيل المحسوبية الأسرية والفساد الذي أعاق تقدم باكستان منذ الاستقلال في 1947، وربما سيضعف قبضة الجيش على البلاد. حضر مئات الآلاف من الشباب المتحمسين والمتعلمين مسيراته في مدن مثل لاهور، العاصمة الثقافية للبلاد. أشعل خان حماستهم من خلال الحديث عن ثورةٍ آتية في السياسة الباكستانية، ثورةٍ سوف تحدّث الحكم وتهاجم اللامساواة، وترفع مستوى الساحة الاقتصادي من خلال حكم القانون المحايد.

توسّع حزب خان السياسي الصغير “تحريك وإنصاف”، الذي يعرف اختصاراً بـ P.T.I، بشكلٍ سريع، وتقدم بشدةٍ في الانتخابات الوطنية والإقليمية، ليقود في النهاية حكومةً إقليميةً لسنواتٍ عدة ذات مراجعاتٍ متباينة. لكن خان أخفق في الفوز بمنصبٍ وطنيٍ عالٍ. وفي السنوات الأخيرة، لعب دوراً ضخماً كمحرض المعارضة الاستفزازي. والآن يبدو أنه اقترب من تحقيق طموحه لتولي منصب رئيس الوزراء.

خان، كرّر وعوده بمواجهة الفساد ورفع مستوى معيشة الدولة الفقيرة. ومنذ اعتزاله لعبة الكريكيت في 1992، بعد أن قاد باكستان إلى فوزٍ مذهلٍ بكأس العالم في أستراليا، خاض خان الذي بلغ الآن عامه الخامس والستين تجربة إعادة ارتباطٍ معقدة مع الدين. ففي خطاباته، أشار إلى تأسيس النبي محمد في القرن السابع الميلادي المدينة المنورة، في ما يعرف الآن بالمملكة العربية السعودية، كنموذج لرؤيته للدولة الجديدة ذات الرفاهية المحلية. وعلى حد تعبيره “حيث نتحمل مسؤولية طبقاتنا الأضعف، سوف تصبح مؤسسات الدولة قويةً لدرجة أنها ستنهي الفساد”.

وأضاف: “سوف تبدأ المساءلة بي، ثم وزراء بلدي، ومن ثمّ ستنطلق من هناك. سوف نرسي مثالاً على كيفية تطبيق القانون على الجميع. إذا كان الغرب متقدماً عنا اليوم، فذلك لأن قوانينه ليست تمييزية. سيكون هذا أكبر مبادئنا الحاكمة.”

التحدي الذي يواجهه خان بالنسبة إلى كثيرين من الباكستانيين هو أن التفاؤل الذي رافق صعود أسهمه منذ البداية قد أدى إلى إثارة الحيرة، إن لم يكن أثار سخريةً صريحةً. ويرى منتقدوه أنه انتهازي مستعد لاستغلال السلطة الآن، لأنه قبِل دعماً خفياً من جيش البلاد القوي. وخلال السنوات القليلة الماضية، وجّه الجيش وحلفاؤه اتهاماتٍ بالفساد لتهميش “حزب الرابطة الإسلامية” الباكستاني، الذي يقوده رئيس الوزراء لثلاث ولايات نواز شريف، والذي سُجن أخيراً بعد عودته من منفاه الأخير. وبينما ينفي خان التواطؤ مع الجيش، ويصرّح بأنه سيكون رجلاً مستقلاً، لكن هناك شك في أن الجيش خطّط لآخر فشل للسلطة أثناء حكم شريف، وأن خان استفاد منه.

وأيضاً من الممكن أن يكون هناك شكٌ في أن منصب رئيس وزراء باكستان سيبقى ثاني أقوى منصبٍ في البلاد، بعد رئيس أركان الجيش، الذي يتولاه حالياً الجنرال قمر جاويد باجوا. ويمارس باجوا وكبار جنرالاته سلطةً تتجاوز دورهم الدستوري، ويؤثرون في وسائل الإعلام والسياسة والقضاء. وقد ترسّخت قوتهم في السنوات الأخيرة فقط، كدليل على الحملات القمعية التي تفرضها القوات العسكرية على المنابر الإعلامية التي تنتقد “المؤسسة” (كما يُعرف الجيش بشكلٍ مجازي في باكستان)، ونشطاء حقوق الإنسان، وقطاعاتٍ أخرى من المجتمع المدني. على رغم ذلك، وعلى مدار أكثر من عقد، وجد الجيش أنه من الأفضل أن يحكم باكستان بطريقةٍ غير مباشرةٍ، مع التركيز على الأمن القومي والسياسة الخارجية، وترك المشكلات الفوضوية والمستعصية المرتبطة بالفقر وعجز الطاقة والتنمية إلى رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. يعدّ عمران خان أحدث سلسلة من الشركاء الصغار الذين يتوقع الجيش منهم أن يركزوا على الاقتصاد والمسائل الداخلية الأخرى، لكنهم يعبرون بخفةٍ على الشؤون الخارجية.

ويتناول خطاب خان السياسة الداخلية بشكل رئيسي، لكنه يتحدّث عن أفغانستان، حيث لا تزال الولايات المتحدة غارقة في حربٍ شاملة دامت سبعة عشر عاماً، وعن العلاقات مع واشنطن. وقد وصف أفغانستان أنها “أكثر بلد عانى بسبب الحرب على الإرهاب”.

وفي الوقت الذي تقوم فيه إدارة ترامب بتجديد الجهود لإيجاد حل تفاوضي للحرب يمكنه أن يسمح للولايات المتحدة بأن تقلّل، أو حتى تنهي وجودها العسكري في باكستان، أعرب خان عن دعمه هذه الإستراتيجية بقوله “الشعب الأفغاني يحتاج للسلام. ونحن نريد السلام هناك. فإذا وُجِد سلام في أفغانستان سيتحقق السلام في باكستان”.

تغيّر موقف خان تجاه طالبان على مرّ السنين، لكن نظرته الحالية تبدو متوافقةً مع نظرة الجيش. وبينما تغادر فصائل طالبان باكستان، وتسعى إلى أن يتم استيعابها في السياسة الأفغانية، فإن خان  متعاطفٌ، أو على الأقل متسامحٌ في ما يتعلق بشرعية الحركة. (منذ ظهور حركة طالبان الأفغانية عام 1994، فإن الجيش الباكستاني وخدمة استخباراته الرئيسية، وكالة الاستخبارات الباكستانية المعروفة باسم  I.S.I، سعت إلى أن تستخدم الحركة كمصدر نفوذٍ في أفغانستان، وأيضاً إلى التحقق من طموح الهند في البلاد.) وصف خان باكستان أيضاً بأنها ضحية الحرب التي قادتها أميركا في أفغانستان. وأدان هجمات طائرات الدرون (طائرات من دون طيار) الأميركية داخل باكستان، ورفض سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية في المنطقة. “لم أعتقد أبداً أن تشكّل طالبان تهديداً لباكستان”، كما أخبرني خان في 2012 عندما أجريت معه لقاءً في جريدة “النيويوركر”. على رغم ذلك، كان من الصعب دائماً الاعتقاد بأن خان معادٍ للغرب، حيث أنه تلقّى تعليمه في أفضل مدرسة إعدادية في باكستان مستوحاة من النظام البريطاني، والتحق بجامعة أكسفورد، ثم تزوج امرأة بريطانية (الأولى بين ثلاث زوجات)، ونجح كأحد أول النجوم الرياضيين العالميين الناطقين باللغة الإنكليزية في عصر التلفزيون الفضائي. لذا فغربيته كانت دائماً جزءاً من هويته، وحتى جزءاً من جاذبيته السياسية داخل باكستان.

علاوةً على ذلك، لم يرفض خان في خطابه تسوية الخلافات مع إدارة ترامب، التي أوقفت المساعدات التي تقدمها إلى الدولة، وحاولت الضغط على الجيش لاعتقال أعضاء من طالبان وغيرهم من القادة المقاتلين المختبئين في أراضيها، وحاولت دعم عملية سلامٍ جادة سعياً وراء استقرار أفغانستان. وعن الولايات المتحدة، قال خان: “نحن نريد أن تكون لدينا علاقة متبادلة المنفعة، فحتى الآن كانت هذه العلاقة ذات اتجاه واحد. والولايات المتحدة تعتقد أنها تعطينا مساعدات لنخوض حربها”. وأضاف، “نحن نريد علاقة متوازنة”.

سوف يرث خان اقتصاداً في أزمةٍ، إلى جانب ارتفاع الديون وتقلّص الاحتياطي الأجنبي، ومن المتوقع أن يخوض جولةً أخرى من مفاوضات الإنقاذ المالية مع صندوق النقد الدولي. فالاقتصاد ينمو، ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي نحو ستة في المئة هذا العام، لكن الفساد والعنف الإرهابي المستمر وعقود الحكم السيئ أثقلت الدولة بقائمةٍ تكاد لا تنتهي من المشكلات الهيكلية، مثل الأميّة والطائفية وأزمات الصحة العامة. لا عجب في أن الجيش لا يتمنى أن يحكم باكستان بشكل مباشر هذه الفترة. فمن الأفضل أن تترك الساحة للسياسيين المدنيين الطموحين أمثال خان ليأخذوا على عاتقهم هذه المشكلات المستعصية، بينما يعتني الجنرالات بأنفسهم في الكواليس. وإذا غيّر خان باكستان حقاً بالطرائق التي وعد بها، ستصبح معجزةً أعظم من أي معجزة حققها في ملاعب الكريكيت.

هذا المقال مترجم عن موقع newyorker.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي