fbpx
ساهموا في دعم الإعلام المستقل و الجريء!
ادعموا درج

هنا لبنان… المحكمة الدوليّة خذلتنا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نفكّر بانفجار مرفأ بيروت، هل نذهب به إلى محكمة دولية وننتظر 15 عاماً، ليقف قاضٍ ما أمامنا ويقول لنا إنّ موظّفاً صغيراً في حزب ما مسؤول عن النكبة ودمار المدينة؟ هل نسلّم رأسنا إلى القضاء اللبناني الذي جرّبناه في ألف قضية ولم نعد نثق بمعظمه؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نحن لم نكن نريد العدالة كما تفهمها لاهاي. كنا ربما نريد العدالة التي توزّع القهر ما بيننا. كنا نريد أن يتقاسم القتلة السجن معنا لمرة واحدة.

لا الاغتيالات السياسية أنقذتنا، ولا تفجير بيروت أنقذنا، ولا المحكمة الدولية أنقذتنا، ولا الثورة أغاثتنا، ولا القضاء اللبناني أنصفنا. كل شيء خذلنا.

كنا نريد أن ترمّمنا المحكمة وتعيد إلينا شيئاً من الأمل، لكنها ككل الأحداث التي عرفها هذا البلد خذلتنا وزادتنا هزيمة. حتى أنّ كل واحد عاد مساءً إلى غرفته ووضع المحكمة في أكواريوم الهزائم الكبير، نظر ملياً في الأكواريوم وتفرّج مرّة أخرى على هزائمه. إنها لا تنقص أبداً!

ربما قامت لاهاي بعملها لجهة محاسبة الأشخاص لا المنظمات أو الدول، لكننا في هذا البلد محاصرون وخائبون، لدرجة أننا كنا نأمل أن تنصفنا المحكمة، لا في موضوع اغتيال رفيق الحريري فقط، بل في كل شيء. كنا نريدها أن تحرّرنا من سطوة ولاية الفقيه والحزب المسلّح ومن فساد دولتنا وفساد نظامها الأمنيّ. ربما مشكلتنا أننا علّقنا آمالاً كبيرة على المحكمة، كنا نريدها أن تقاصص “حزب الله”، وتقول له: أنت الفاعل أنت المذنب!

كنا نريد عدالة شاملة، تطاول كل الجرائم التي وقعت بحقنا وبحق كرامتنا وأمننا وأمن أطفالنا، كنّا نريد ما هو أبعد بكثير من عدالة محدّدة في جريمة واحدة، كنا نعرف مرتكبها منذ اللحظة الأولى. مشكلتنا مع تلك المحكمة أنها لم تقل ما كنا نرغب في سماعه، ولم تمنحنا ما نحن بحاجة إليه.

لكنّ عدالة لاهاي التي لا تشبه تمنياتنا ولا تكفي لمداواة جراحنا، اكتفت بتوجيه الاتهام إلى رجل واحد في هذا الحزب الكبير الذي يمتد إلى سوريا والعراق واليمن، وله أفرع في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أيضاً. اسم الرجل سليم عيّاش وهو لا يعني لنا الكثير، لا تعرفه ذاكرتنا ولم يفعل لنا أي شيء، معاقبة سليم عياش لا تشفي غليلنا للانتقام من النظام الفاشل المُسيطر عليه والأسماء التي عشنا على الرعب من ذكرها… سليم عياش اسم لا يرعبنا، لا يثير فينا رغائب الانتقام. نعم كنا في قرارة أنفسنا نفكّر بالمحكمة كمسألة شخصية، كنا نريدها أداة لتنفيذ الحكم الذي أصدرناه منذ زمن طويل، حتى قبل اغتيال الحريري. وكنا دوماً خائفين من أن يتم اغتيالنا بتلك البرودة التي قتل بها رفيق الحريري منذ 15 عاماً، ومن بعده قافلة غير قليلة من الصحافيين والسياسيين الذين كانوا في صفوف معارضي الوصاية السورية وسلاح “حزب الله”.

كنّا نريد أن تمنحنا تلك المحكمة ما فشل في تحقيقه قياديو 14 آذار، لأنهم انشغلوا بالمحاصصة وتقاسم الجبنة وتشكيل الحكومات مع “حزب الله” وسواه من دون مراعاة المبادئ التي كانوا يطالبون بها “حريّة سيادة استقلال”. كانت خيبتنا بقياديي 14 آذار أكبر الخيبات.

لا أحد طبعاً يمكن أن يصدّق أن سليم عيّاش استيقظ في 14 شباط/ فبراير 2005 وكان في مزاج قتل رفيق الحريري، فنزل إلى البقّال تحت بيته، اشترى 2.5 طن من المتفجرات من جيبه الخاص، وفجّر الحريري ومعه العشرات من القتلى والجرحى. كلنا نعرف أن سليم عياش ليس الرأس المدبر لهذه الجريمة ولا لغيرها. لكن يبدو أن هذا سقف عدالة لاهاي. نحن كنا نريد عدالة شاملة، تطاول كل الجرائم التي وقعت بحقنا وبحق كرامتنا وأمننا وأمن أطفالنا، كنّا نريد ما هو أبعد بكثير من عدالة محدّدة في جريمة واحدة، كنا نعرف مرتكبها منذ اللحظة الأولى. مشكلتنا مع تلك المحكمة أنها لم تقل ما كنا نرغب في سماعه، ولم تمنحنا ما نحن بحاجة إليه.

الآن نفكّر بانفجار مرفأ بيروت، ماذا سنفعل به؟ هل نذهب به إلى محكمة دولية وننتظر 15 عاماً، ليقف قاضٍ ما أمامنا ويقول لنا إنّ موظّفاً صغيراً في حزب ما أو مؤسسة ما، استخدم الهاتف الأصفر وهو مسؤول عن النكبة ودمار المدينة؟ أو هل نسلّم رأسنا إلى القضاء اللبناني الذي جرّبناه في ألف قضية ولم نعد نثق بمعظمه؟

ليست اللاعدالة أمراً جديداً علينا، ربما ما كان علينا أن نشعر بشيء حيال حكم المحكمة، إنه على الأقل شيء من العدالة. نحن نعيش في اللاعدالة قبل اغتيال 2005 وفيه وبعده، لا عدالة في التوظيفات، لا عدالة في فرص العمل والتعليم والسكن، لا عدالة في الدخل، لا عدالة في الخدمات، لا عدالة في الغذاء، لا عدالة حتى في أفضلية المرور!

ذهبنا إلى لاهاي بحثاً عن عدالة عميقة، لكننا عدنا بعدالة هزيلة هشّة، أو هكذا رأيناها.

عمّار المأمون - فراس دالاتي | 15.02.2025

“هيئة تحرير الشام” بعيون المخابرات السوريّة: “التوك توك” الذي تحوّل إلى حوّامة!

التنوع في التقارير و"المصادر" الاستخباراتيّة يكشف أن أعداء النظام السوري كثر، ماسونيون، إرهابيون، شتّامو الأسد، لكن نظرياً أبرز "الأعداء" هم " هيئة تحرير الشام" ، التي أحاطت بها من وجهة نظر المخابرات الكثير من الفرضيات التي يصل بعضها إلى مستوى نظريات المؤامرة !
19.08.2020
زمن القراءة: 3 minutes

نفكّر بانفجار مرفأ بيروت، هل نذهب به إلى محكمة دولية وننتظر 15 عاماً، ليقف قاضٍ ما أمامنا ويقول لنا إنّ موظّفاً صغيراً في حزب ما مسؤول عن النكبة ودمار المدينة؟ هل نسلّم رأسنا إلى القضاء اللبناني الذي جرّبناه في ألف قضية ولم نعد نثق بمعظمه؟

نحن لم نكن نريد العدالة كما تفهمها لاهاي. كنا ربما نريد العدالة التي توزّع القهر ما بيننا. كنا نريد أن يتقاسم القتلة السجن معنا لمرة واحدة.

لا الاغتيالات السياسية أنقذتنا، ولا تفجير بيروت أنقذنا، ولا المحكمة الدولية أنقذتنا، ولا الثورة أغاثتنا، ولا القضاء اللبناني أنصفنا. كل شيء خذلنا.

كنا نريد أن ترمّمنا المحكمة وتعيد إلينا شيئاً من الأمل، لكنها ككل الأحداث التي عرفها هذا البلد خذلتنا وزادتنا هزيمة. حتى أنّ كل واحد عاد مساءً إلى غرفته ووضع المحكمة في أكواريوم الهزائم الكبير، نظر ملياً في الأكواريوم وتفرّج مرّة أخرى على هزائمه. إنها لا تنقص أبداً!

ربما قامت لاهاي بعملها لجهة محاسبة الأشخاص لا المنظمات أو الدول، لكننا في هذا البلد محاصرون وخائبون، لدرجة أننا كنا نأمل أن تنصفنا المحكمة، لا في موضوع اغتيال رفيق الحريري فقط، بل في كل شيء. كنا نريدها أن تحرّرنا من سطوة ولاية الفقيه والحزب المسلّح ومن فساد دولتنا وفساد نظامها الأمنيّ. ربما مشكلتنا أننا علّقنا آمالاً كبيرة على المحكمة، كنا نريدها أن تقاصص “حزب الله”، وتقول له: أنت الفاعل أنت المذنب!

كنا نريد عدالة شاملة، تطاول كل الجرائم التي وقعت بحقنا وبحق كرامتنا وأمننا وأمن أطفالنا، كنّا نريد ما هو أبعد بكثير من عدالة محدّدة في جريمة واحدة، كنا نعرف مرتكبها منذ اللحظة الأولى. مشكلتنا مع تلك المحكمة أنها لم تقل ما كنا نرغب في سماعه، ولم تمنحنا ما نحن بحاجة إليه.

لكنّ عدالة لاهاي التي لا تشبه تمنياتنا ولا تكفي لمداواة جراحنا، اكتفت بتوجيه الاتهام إلى رجل واحد في هذا الحزب الكبير الذي يمتد إلى سوريا والعراق واليمن، وله أفرع في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أيضاً. اسم الرجل سليم عيّاش وهو لا يعني لنا الكثير، لا تعرفه ذاكرتنا ولم يفعل لنا أي شيء، معاقبة سليم عياش لا تشفي غليلنا للانتقام من النظام الفاشل المُسيطر عليه والأسماء التي عشنا على الرعب من ذكرها… سليم عياش اسم لا يرعبنا، لا يثير فينا رغائب الانتقام. نعم كنا في قرارة أنفسنا نفكّر بالمحكمة كمسألة شخصية، كنا نريدها أداة لتنفيذ الحكم الذي أصدرناه منذ زمن طويل، حتى قبل اغتيال الحريري. وكنا دوماً خائفين من أن يتم اغتيالنا بتلك البرودة التي قتل بها رفيق الحريري منذ 15 عاماً، ومن بعده قافلة غير قليلة من الصحافيين والسياسيين الذين كانوا في صفوف معارضي الوصاية السورية وسلاح “حزب الله”.

كنّا نريد أن تمنحنا تلك المحكمة ما فشل في تحقيقه قياديو 14 آذار، لأنهم انشغلوا بالمحاصصة وتقاسم الجبنة وتشكيل الحكومات مع “حزب الله” وسواه من دون مراعاة المبادئ التي كانوا يطالبون بها “حريّة سيادة استقلال”. كانت خيبتنا بقياديي 14 آذار أكبر الخيبات.

لا أحد طبعاً يمكن أن يصدّق أن سليم عيّاش استيقظ في 14 شباط/ فبراير 2005 وكان في مزاج قتل رفيق الحريري، فنزل إلى البقّال تحت بيته، اشترى 2.5 طن من المتفجرات من جيبه الخاص، وفجّر الحريري ومعه العشرات من القتلى والجرحى. كلنا نعرف أن سليم عياش ليس الرأس المدبر لهذه الجريمة ولا لغيرها. لكن يبدو أن هذا سقف عدالة لاهاي. نحن كنا نريد عدالة شاملة، تطاول كل الجرائم التي وقعت بحقنا وبحق كرامتنا وأمننا وأمن أطفالنا، كنّا نريد ما هو أبعد بكثير من عدالة محدّدة في جريمة واحدة، كنا نعرف مرتكبها منذ اللحظة الأولى. مشكلتنا مع تلك المحكمة أنها لم تقل ما كنا نرغب في سماعه، ولم تمنحنا ما نحن بحاجة إليه.

الآن نفكّر بانفجار مرفأ بيروت، ماذا سنفعل به؟ هل نذهب به إلى محكمة دولية وننتظر 15 عاماً، ليقف قاضٍ ما أمامنا ويقول لنا إنّ موظّفاً صغيراً في حزب ما أو مؤسسة ما، استخدم الهاتف الأصفر وهو مسؤول عن النكبة ودمار المدينة؟ أو هل نسلّم رأسنا إلى القضاء اللبناني الذي جرّبناه في ألف قضية ولم نعد نثق بمعظمه؟

ليست اللاعدالة أمراً جديداً علينا، ربما ما كان علينا أن نشعر بشيء حيال حكم المحكمة، إنه على الأقل شيء من العدالة. نحن نعيش في اللاعدالة قبل اغتيال 2005 وفيه وبعده، لا عدالة في التوظيفات، لا عدالة في فرص العمل والتعليم والسكن، لا عدالة في الدخل، لا عدالة في الخدمات، لا عدالة في الغذاء، لا عدالة حتى في أفضلية المرور!

ذهبنا إلى لاهاي بحثاً عن عدالة عميقة، لكننا عدنا بعدالة هزيلة هشّة، أو هكذا رأيناها.