fbpx

وثائق “أوبر”
مسؤول في الشركة: “لسنا سوى خارجين عن القانون”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
ICIJ

تكشف الوثائق كيف دفعت الشركة مبالغ طائلة لكسب رضا سياسيين وهيئات تنظيمية وقادة حول العالم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بقلم سيدني ب. فريدبرغ، نيكول صادق، بريندا مِدينا، أوغستين أرمنداريز، كاري كيهو

أحدث سائقو سيارات الأجرة حالة من الفوضى والصخب في أرجاء مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في فرنسا.

قلبوا السيارات وأحرقوا الإطارات وسدوا طريق الوصول إلى المطار ومحطة القطار احتجاجاً على شركة أوبر، الكائن مقرها بسان فرانسيسكو، إذ قالوا إنها تنتهك القوانين وتهدد موارد رزقهم.

بعد نشوب سلسلة من الاشتباكات المتكررة، في 20 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015، أصدر مسؤول الشرطة الوطنية البارز في المنطقة قراراً بإيقاف خدمة أوبر الشهيرة في أجزاء رئيسية من المدينة.

احتاجت شركة أوبر إلى صديق في الحكومة لتهدئة الأمور فلجأت لمستثمرٍ بنكيٍ سابق ونجمٍ سياسيٍ صاعد: إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد الفرنسي آنذاك.

أرسل ماكرون رسالة نصية قبل شروق الشمس بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول إلى رئيس جماعة الضغط الأوروبية في أوبر مفادها: “سأبحث في هذا الأمر شخصياً، لنبقى هادئين في هذه المرحلة”.

مساء ذلك اليوم، قالت السلطات المحلية إنها ستراجع الأمر، ما اعتبرته شركة “أوبر” انتصاراً لها.

راسل عضو جماعة الضغط، مارك مكغان، ماكرون قائلاً: “تعاون جيد، شكراً لك على دعمك”.

ووفقاً للسجلات الداخلية المسربة حديثاً، كانت هذه المراسلات واحدة من بين أكثر من عشرة اتصالات لم يُفصَح عنها، وتشمل على الأقل 4 اجتماعات  بين ممثلي شركة أوبر وماكرون، إذ خضعت الشركة للتحقيق في عملياتها في فرنسا وسعت للحفاظ على مكانها هناك.

حصلت صحيفة الغارديان على السجلات ووثائق أوبر، وشاركتها مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” و42 شريكا  إعلاميا آخر. 

تحتوي ذاكرة التخزين المؤقت على رسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية، وعروض تقديميّة للشركة ووثائق أخرى تعود للفترة من 2013 إلى 2017. 

توضح الوثائق كيف كانت أوبر تدخل المدن دون اعتبار للقوانين واللوائح المحلية مع التهرب من الضرائب والسعي لإخضاع قطاع سيارات الأجرة، بشكل بارز، بالإضافة إلى نشطاء الحركة العمالية.

أصبحت فضائح أوبر وعثراتها في الولايات المتحدة، من تجسسها على مسؤولين حكوميين إلى تسريباتها لسوء سلوك موظفين تنفيذيين، موضوعاً للكتب والمسلسلات التلفزيونية والتحقيقات الصحفية.

تكشف وثائق “أوبر” القصة الخفيّة لكيفية اقتحام المسؤولين التنفيذيين في الشركة لأسواقٍ جديدة، ونجاحهم في التغلب على التداعيات، ما أدى إلى تحول أوبر من شركة ناشئة في منطقة وادي السيليكون (Silicon Valley) إلى شركة عالمية عملاقة.

على الرغم من أن “أوبر” روجّت لنفسها على أنها قائدة للثورة الرقمية إلا أنها قدمت جدول أعمالها بالطريقة القديمة إذ تبين السجلات ما يلي: إنفاق مبالغ نقدية كبيرة على آلية تأثير عالمية تم وضعها لكسب رضا السياسيين والهيئات التنظيمية والقادة الآخرين، الذين غالباً ما كانوا حريصين على تقديم يد العون.

​​قال رئيس وزراء هولندا، مارك روته، لمؤسس أوبر، ترافيس كالانيك، عام 2016، وفقاً لمذكرات الاجتماع: “يُنظَر لكم حالياً على أنكم شركة ذات سلوك عدواني”. ونصحه روته من خلال التأكيد على الإيجابيات قائلاً: “غيروا الطريقة التي ينظر بها الناس إلى شركتكم، فهذا سيجعلكم محبوبين”.

هذه “العدوانية”، أي الدخول إلى أسواق دون الموافقات الحكومية، جعلت سائقي أوبر هدفًا لغضب سائقي سيارات الأجرة التقليديين. رأى سائقو سيارات الأجرة أن أعمالهم مهددة من قبل المنافسين الذين لم يضطروا إلى اللعب بنفس القواعد. في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، نظم سائقو سيارات الأجرة احتجاجات، وضايقوا عملاء أوبر، وضربوا سائقي أوبر، وأشعلوا النار في سياراتهم.

سعى بعض المديرين التنفيذيين في أوبر إلى نشر العنف لصالحهم. وناقشوا تسريب تفاصيل حادثة طعن شبه مميتة وهجمات وحشية أخرى لوسائل الإعلام على أمل لفت الانتباه السلبي إلى سوق سيارات الأجرة التقليدي، بحسب ما أظهرته الوثائق.

تُثبِت الوثائق أن المسؤولين التنفيذيين في أوبر سعوا أيضاً إلى صرف الانتباه عن الأسئلة المزعجة بشأن استراتيجيات الشركة في التهرب من الضرائب عبر التطوع لمساعدة البلدان المضيفة في تحصيل ضرائب الدخل المستحقة على السائقين.

تتضمن السجلات تفاصيل المراسلات واللقاءات الخاصة: سفير أميركي يتحدث مع مستثمر في أوبر في ساونا فنلندية؛ أوليغارشية روسية تسلي المسؤولين التنفيذيين للشركة مع فرقة قوقازية؛ محامي شركة يوزع “دليل المداهمات المباغتة” يوضح للموظفين ما يتوجب عليهم فعله إذا داهم ضباط إنفاذ القانون مكاتب أوبر لحيازة أدلة محتملة على وجود سلوك غير قانوني.

وتسلط الضوء على المناقشات الداخلية بين المسؤولين التنفيذيين الذين يكافحون تداعيات استراتيجية أوبر العالمية المضطربة.

ووفقاً للوثائق، وصف ماكغان نهج “أوبر” للدخول لأسواق جديدة بأنه “هراء تام”.

أرسل نايري هورداجيان، رئيس الاتصالات العالمية في أوبر آنذاك، إلى زميل له وسط الجهود الحكومية المبذولة لإغلاق خدمة نقل الركاب في تايلاند والهند: “لسنا سوى خارجين عن القانون”.

تُظهر ملفات أوبر أيضاً أن استخدام الشركة لتقنية التخفي لعرقلة التحقيقات التي تجريها الحكومة كان أكثر توسعاً مما ذُكر سابقاً. اضطلع المسؤولون التنفيذيون في الشركة بتفعيل ما يُسمَّى بخاصية “مفتاح الإغلاق | kill switch” لمنع الوصول إلى خوادم الشركة ومنع السلطات من حيازة أدلة خلال مداهماتهم لمكاتب أوبر في ست دول على الأقل وهونغ كونغ، حسب ما ذُكر في الوثائق والسجلات العامة المُسرَّبة.

أظهرت السجلات أيضاً أن كالانيك أمر شخصياً باستخدام تلك الخاصية عندما كانت الشرطة تتجه إلى مقره الرئيسي في أمستردام قائلاً: “يُرجى تشغيل “مفتاح الإغلاق” في أسرع وقت ممكن، يجب حجب إمكانية الوصول في أمستردام”.

تُثبِت المراسلات النصية أنه جرى إبلاغ ديفيد بلوف، الذي تولى إدارة حملة باراك أوباما الرئاسية الناجحة عام 2008، وبيير ديميتري غور كوتي، المسؤول الآن عن “أوبر إيتس”، أن الشركة وضعت “مفتاح الإغلاق” لعرقلة المحققين.

لنشر رسالتها، قامت أوبر وشركة استشارية بتجميع قوائم تضم أكثر من 1850 “أصحاب مصلحة”; مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون، ومراكز أبحاث وجماعات مواطنين; كانت تأمل في التأثير في 29 دولة بالإضافة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما تظهر الوثائق.

كما جندت أوبر كتيبة من المسؤولين الحكوميين السابقين، بما في ذلك الكثير من المساعدين السابقين للرئيس باراك أوباما. وناشدوا المسؤولين الحكوميين بإسقاط التحقيقات، وتغيير السياسات المتعلقة بحقوق العمال، وصياغة قوانين جديدة لسيارات الأجرة، وتخفيف عمليات التحقق من خلفية السائقين.

تُظهر السجلات أن المسؤولين التنفيذيين في أوبر اجتمعوا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء الأيرلندي آنذاك إندا كيني، ورئيس إستونيا آنذاك توماس هندريك إلفيس، من بين قادة العالم الآخرين.

في عام 2016، طلب نائب الرئيس الأميركي آنذاك، جو بايدن، عقد اجتماع مع كالانيك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا.

تظهر الرسائل أن كالانيك نفد صبره عندما تأخر بايدن. أرسل رجل الأعمال البالغ من العمر 39 عامًا رسالة نصية إلى أحد زملائه: “لقد أخبرت فريقي أنه في كل دقيقة يتأخر فيها، تكون أقل من دقيقة واحدة سيحصل عليها معي”.

بمجرد وصول بايدن إلى الجناح الفندقي ذي الخمس نجوم الذي اتفقوا على الاجتماع فيه، قدم كالانيك عرضه التقديمي الذي تدرّب عليه جيدًا: قال إن شركة النقل تعمل على تغيير المدن والطريقة التي يعمل بها الناس، كل ذلك للأفضل.

أظهرت السجلات أن بايدن كان منبهراً للغاية لدرجة أنه قام بتعديل خطابه الرئيسي، الذي ألقاه في وقت لاحق من ذلك اليوم، للترويج للتأثير العالمي للشركة.

تُظهر وثائق “أوبر” عقد نحو 100 اجتماع على الأقل بين مسؤولين تنفيذيين في الشركة ومسؤولين حكوميين من 2014 إلى 2016، ومن بينها 12 مع ممثّلين عن المفوضية الأوروبية لم يُفصَح عنهم علناً.

كما حاول التنفيذيون في أوبر التودد إلى القلة المرتبطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال مسؤولين سابقين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأبرموا صفقات خاصة معهم . ومنذ ذلك الحين، فرضت الحكومات الغربية عقوبات على هؤلاء الأوليغارشية على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.

في كلّ سوق، كانت الادعاءات بأن أوبر تُحدِث تحولاً في القوى العاملة ذات أهمية محورية في دعاية الشركة. لكن أفاد بعض السائقين أنهم تعرضوا للتضليل، وأن أوبر جذبتهم إلى منصتها بحوافز مالية لم تدم مع زيادة عمولتها بشكل كبير على كل رحلة. هذا يعني أن السائقين مثل عبد الرزاق هادي البالغ من العمر 44 عاماً المقيم في لندن اضطروا إلى العمل لساعات أطول للحفاظ على أجورهم.

بدأ عبد الرزاق هادي القيادة مع أوبر عام 2014 ووجد أنها “ممتعة” في البداية. لكنه قال لصحيفة الغارديان: “استمرت المتعة لفترة قصيرة للغاية”.

سرعان ما خفضت أوبر عمولة السائقين وزادت عمولتها، وذلك يعني جني عبد الرزاق مالاً أقل. جنى الأب الصومالي لثلاثة أطفال حوالي 23,000 دولار العام الماضي بعد أن أمضى ما بين 40 إلى 50 ساعة أسبوعيًا في على تطبيق أوبر – تم إنفاق معظمها في إكمال الرحلات.

أقرّت جيل هازلباكر، المتحدثة الرسمية باسم أوبر، بوجود “أخطاء” و”عثرات” بلغت ذروتها قبل خمس سنوات في “واحدة من أسوأ الإحصاءات في تاريخ الشركات الأميركية”.

أفادت أن أوبر غيرت تماماً طريقة عملها في عام 2017 بعد مواجهة دعاوى قضائية وتحقيقات حكومية بارزة أدت إلى عزل كالانيك وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين.

أفادت هازلباكر في بيان مكتوب: “عندما نقول إن أوبر شركة مختلفة في وقتنا الحاضر، فإننا نعني ذلك حرفياً: انضم 90 بالمئة من موظفي أوبر الحاليين بعد أن تقلد دارا [خسروشاهي] منصب الرئيس التنفيذي عام 2017. لم ولن نختلق أعذاراً لسلوك سابق من الواضح أنه لا يتماشى مع قيمنا الحالية”.

أعلنت هازلباكر أن أوبر لم تستخدم خاصية “مفتاح الإغلاق” لإحباط الإجراءات التنظيمية منذ عام 2017 وأنّ أوبر تلتزم بجميع قوانين الضرائب وأنه “لم يكن أحد في أوبر راضياً عن العنف المُمارس ضد السائقين”.

رفضت الشركة أي تلميح بأنها تلقت معاملة خاصة من ماكرون أو حكومته وأكدت أنه لا أحد في أوبر حالياً متورط في إقامة علاقات مع الأوليغارشية الروسية.

استقال كالانيك نتيجة للضغط عام 2017 إذ أعرب المستثمرون عن قلقهم إزاء ثقافة مكان العمل في أوبر، لا سيما مزاعم التحرش الجنسي والتمييز العنصري والتنمر. وظل مديرا حتى نهاية عام 2019.

بعد حوالي أسبوع من لقاء كالانيك مع بايدن، أرسل له أحد الزملاء رسالة نصية للتحذير من احتمالية نشوب أعمال عنف أثناء احتجاجات سائقي سيارات الأجرة في باريس واحتمالية حدوث “تمرد مدني فعال” في المقابل. كتب ماكغان: “سننظر في عصيان مدني فعال وفي نفس الوقت نحافظ على سلامة الناس”.

أجاب كالانيك: “أعتقد أن الأمر يستحق ذلك”. “العنف يضمن النجاح. وهؤلاء الرجال يجب أن يقاوموا ، أليس كذلك؟

قالت ديفون سبورجون، المتحدثة باسم كالانيك، إن الرئيس التنفيذي السابق لم يقترح أبدًا أن تستغل أوبر العنف على حساب سلامة السائق أو تفويض “أي إجراءات أو برامج من شأنها أن تعرقل العدالة في أي بلد”.

وقالت إن أوبر، مثلها مثل الشركات الأخرى العاملة خارج الولايات المتحدة، استخدمت بروتوكولات التكنولوجيا لحماية الملكية الفكرية وخصوصية الركاب والسائقين ولضمان احترام الإجراءات القانونية الواجبة في حالة وقوع مداهمة، مضيفة: ” لا تحذف البروتوكولات أي بيانات أو معلومات، وجميع القرارات المتعلقة باستخدامها متضمنة، وتم فحصها من قبل الإدارات القانونية والتنظيمية في أوبر والموافقة عليها “.

قالت سبورجون إن كالانيك لم ينشئ أو يوجه أو يشرف على هذه الأنظمة التي أنشأتها الإدارات القانونية والامتثال.

وأضافت: “بالضغط على أجندته الخاطئة بأن كالانيك وجه سلوكا غير قانوني أو غير لائق، يدعي الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن لديه وثائق كان كالانيك يعمل عليها أو حتى قام بتأليفها، وبعضها عمره ما يقرب من عقد من الزمن”. وأضافت، “بصراحة، رفض الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بشكل قاطع طلبات مراجعة أي من هذه الوثائق، مما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن صحة العديد من المستندات”.

لم يرد غور كوتي ولا بلوف على الأسئلة الخاصة باستخدام تلك الخاصية.

أبدى غور كوتي، أحد أعضاء فريق أوبر القدماء، عن ندمه في رسالة إلكترونية على بعض أساليب شركة أوبر قائلاً: “انضممت إلى أوبر في بداية مسيرتي المهنية منذ عشر سنوات تقريباً، كنت صغيراً ولم يكن لدي خبرة، وغالباً ما كنت أتلقى التوجيهات من الرؤساء المشكوك في سلوكهم”.

أقر بلوف، الذي عمل في أوبر في الفترة من عام 2014 إلى 2017، بوجود “نقاش عام وعالمي للغاية، وأحياناً يصبح النقاش حاداً ” حول لوائح طلب حجز السيارات خلال الفترة التي عمل بها. وأفاد بلوف في بيان من ثلاث فقرات: “كانت تلك المناقشات والمفاوضات واضحة ومباشرة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى اتسمت بمزيد من التحدي والصعوبات، وفي بعض المرات أراد أشخاص داخل الشركة تجاوز الحدود كثيراً. لقد بذلت قصارى جهدي للاعتراض عندما رأيت أنه سيتم تجاوز الحدود – كانت جهودي تُكلّل بالنجاح أحياناً، وتفشل في أحيان أخرى”.

ذكر محامو كالانيك أن الرئيس التنفيذي السابق لم يأذن أو يشارك في أي جهود تسعى لخداع أو عرقلة الشرطة أو السلطات الحكومية الأخرى.

صرحوا أن شركة أوبر، مثلها مثل الشركات الأخرى التي تعمل خارج الولايات المتحدة، تستخدم بروتوكولات التكنولوجيا لحماية الملكية الفكرية والحفاظ على خصوصية الراكبين والسائقين وضمان مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة في حالة حدوث مداهمة.

وأفاد المحامون أن البروتوكولات لا تؤدي إلى حذف أي معلومات، مضيفين أن جميع القرارات المتعلقة باستخدامها جرى فحصها واعتمادها من جانب الإدارات القانونية والتنظيمية في أوبر.

سعياً لنشر رسالتها، جمعت أوبر وشركة استشارية قوائم تضم أكثر من 1850 “من الأطراف المعنية” -مسؤولين حكوميين سابقين ومراكز أبحاث وتفكير وفئات من المواطنين- وكانت تسعى إلى التأثير في 29 دولة والاتحاد الأوروبي، وفقاً لما ورد في الوثائق.

“هرم من الهراء التام”

بحلول عام 2014، أصبحت أوبر تهيمن على سوق سيارات الأجرة في الولايات المتحدة وتهدف إلى فرض سطوتها في سائر أنحاء العالم.

استطاعت الشركة البالغة من العمر 5 سنوات الدخول إلى 31 دولة عام 2014 وحده بفضل التدفقات النقدية التي حصلت عليها من مستثمرين مثل جيف بيزوس وجولدمان ساكس.

لقد تسبّبت في أزمات تنظيمية أينما ذهبت.

بدلاً من المرور بعملية الترخيص التقليدية أو العمل على تغيير القوانين واللوائح التي تحكم سيارات الأجرة والخدمات المماثلة، مضت أوبر قدماً، متحدية أسعار منافسيها بتوفير خصومات كبيرة.

تظهر الاتصالات المسربة أن بعض المسؤولين التنفيذيين في أوبر تبنوا نهج التمرد باعتباره ببساطة الطريقة التي تعمل بها الشركة.

أفادت هازلباكر من أوبر: “اتسم نهجنا الأولي في بعض الأوقات بالتهور الشديد”.

صرّح بارتيك كوياتكووسكي، الخبير الاستشاري لأوبر آنذاك، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أنه عندما سعت أوبر لدخول بولندا، على سبيل المثال، أجرى الفريق “مناقشات مستفيضة” حول كيفية التعامل مع القانون البولندي غير المؤهل لتنظيم خدمة نقل الركاب التي تدعم الهواتف الذكية.

تشير الوثائق المسربة أنه في عام 2014 طلب كوياتكووسكي إرشادات حول الإطلاق البولندي. أجاب ماكغان، أحد أعضاء جماعة الضغط في أوبر: “بارتيك، لا توجد دراسات حالة في حد ذاتها. ببساطة يتم إطلاق أوبر، ومن ثم تأتي عاصفة تنظيمية وقانونية هوجاء”.

أنتجت استراتيجية حرب العصابات مجموعة متزايدة من التحديات التي وصفها المسؤولون التنفيذيون في عرض تقديمي بأنها “هرم من الهراء التام”. شكلت “دعاوى السائقين” و”التحقيقاتُ التنظيمية” و”الإجراءاتُ الإدارية” و”التقاضي المباشرُ” ذلك الهرمَ.

لتجاوز العقبات، اضطلعت أوبر بتشكيل قوة ذات نفوذ هائل لممارسة الضغط والأنشطة ذات الصلة، بميزانية عالمية مقترحة تبلغ 90 مليون دولار في عام 2016 وحده، وجاء ذلك وفقاً لما ذُكر في الوثائق المُسربّة.
استعانت الشركة بالاستراتيجيات التي حدّدتها في الولايات المتحدة.

عندما كانت أوبر تحتاج إلى قوة سياسية للانتقال إلى مدينة، كانت تستعين بمسؤولين حكوميين سابقين للضغط على شركائهم القدامى. وحين كانت الشركة تُتّهم بخرق القواعد، كانت تطلب من عملائها أن يمارسوا دور جماعات الضغط على مستوى القاعدة والتوقيع على التماسات “إنقاذ أوبر”. وعندما بدَت أجندتها في حاجة إلى أساس ودعم علمي، دفعت الأكاديميين الموالين لها لإنتاج أبحاث في صالحها.

تبنت أوبر سياسة المانترا، كما صرح اثنان من الشخصيات المؤثرة في أوبر؛ وهي تعني أن من الأفضل طلب الصفح بدلاً من التوسل لطلب الإذن.

تماماً كما فعلت أوبر في الولايات المتحدة، جذبت أيضاً السائقين في المدن الأوروبية إلى منصتها من خلال تقديم مكافآت وحوافز أخرى. ثم خفضت الإعانات، وحرمت العمال من الدخل الذي كانوا يعتمدون عليه.

تحولت الشركة إلى مجموعة “مستثمرين استراتيجيين”، وهم أشخاص لديهم موارد مالية وفيرة وعلاقات سياسية نافذة، للتأثير على سن القوانين في الخارج. كما شجعهم المسؤولون التنفيذيون في الشركة على الاستثمار في تطبيق طلب سيارات الأجرة بعد أن أكدوا أن لديهم ما يكفي من “الاستثمارات على أرض الواقع” لمساعدة الشركة في التغلب على العقبات التنظيمية في بلدانهم؛ فاستثمر قطب الاتصالات الفرنسي كزافييه نيل 10 ملايين دولار، ووضعت شركة النشر الألمانية أكسل شبرينغر 5 ملايين دولار، كما فعل قطب الأزياء الفرنسي برنارد أرنو.

وكتب ماكغان -أحد أعضاء جماعات الضغط- في رسالة إلكترونية، مشيراً إلى أرنو: “نحن لا نحتاج أموالهم لذاتها، لكن لأنهم يمكن أن يكونوا حلفاء مفيدين لنجاحنا في فرنسا”.

أنشأت أوبر أيضاً قائمة ضخمة من أعضاء جماعات الضغط.

بصفته أول عضو ضغط داخلي، عينت أوبر في عام 2014 بريان ورث، المساعد السابق للزعيم الجمهوري في مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي من كاليفورنيا. ومن بين الوثائق المسربة مذكرته المكونة من خمس صفحات التي تحدد استراتيجية التوسع العالمي، بعنوان: “الاستفادة من حكومة الولايات المتحدة لدعم الأعمال الدولية لأوبر”.

عُرضت على بعض أعضاء جماعات الضغط والمستشارين في أوبر حصصٌ في الشركة ومكافآت النجاح في تحقيق نتائج إيجابية، وفقاً لما تظهره الوثائق. وقد قدم المؤثرون المستأجَرون للمسؤولين الحكوميين حسومات على رحلات أوبر، ووجبات غداء “فاخرة”، ونصائح حول الوظائف، وحملات سياسية مجانية، ومساهمات في الحملات، وهدايا وامتيازات أخرى.

وسعت أوبر أيضاً إلى الاستفادة من المسؤولين الحكوميين السابقين، مثل نيلي كروس وزيرة النقل الهولندية السابقة التي شغلت منصب نائب رئيس المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي.

بعد نحو سنة من مغادرتها اللجنة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014، طلبت كروس السماح لها بالانضمام إلى مجلس استشاريي أوبر مدفوع الأجر، رغم ما يسمى بفترة التهدئة لمدة 18 شهراً في مدونة قواعد سلوك المفوضية، التي تمنع المفوضين السابقين من الضغط على زملائهم السابقين؛ إلا أن المفوضية رفضت طلبها ورفضت أي استئناف له.

وتُظهِر الوثائق المسربة أن كروس ضغطت، خلال فترة التهدئة، على وزير هولندي وأعضاء آخرين في الحكومة “لإجبار المشرع القانوني والشرطة على التراجع” عن تحقيق في مكتب أوبر في أمستردام.

وفي مايو/أيار 2016 -قرب انتهاء فترة التهدئة- أخبرت أحد المسؤولين التنفيذيين في أوبر أنها كانت تعمل على ترتيب لقاء بين أوبر وأحد العاملين في المفوضية الأوروبية.

ومع أن مدونة الأخلاقيات لا تتحدث إلا عن الضغط على المفوضية نفسها، فإنها تتطلب أيضاً من المفوضين “التصرف بطريقة تتماشى مع نزاهة وواجبات مناصبهم، أثناء فترة ولايتهم وبعدها”، وتتطلب منهم “التصرف بنزاهة ورشد … حتى بعد 18 شهراً بعيداً عن المنصب”.

بعد انتهاء فترة التهدئة، انضمت كروس إلى المجلس الاستشاري لشركة أوبر. وتظهر السجلات أن أوبر عرضت عليها 200 ألف دولار لترأس مجلس الإدارة.

وذكّر ماكغان زملاءَه في رسالة إلكترونية في مارس/آذار 2015 -بعد أربعة أشهر من استقالة كروس من المفوضية- قائلاً: “إن علاقتنا مع كروس سرية للغاية؛ ولذا يجب ألا يظهر اسمها مطلقاً في أي مستند”.

وناقش المسؤولون التنفيذيون في الشركة مخاطر أن تصبح كروس هي “رمز النقاشات حول ’رأسمالية الباب الدوار أو رأسمالية المحاسيب في مجال التكنولوجيا‘”.

في بيان مكتوب إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قالت كروس: “تماشياً مع واجباتي الأخلاقية كإحدى العاملات سابقاً في المفوضية الأوروبية، لم يكن لي أي دور رسمي أو غير رسمي في أوبر” قبل نهاية فترة التهدئة. وأضافت أنها خلال هذه الفترة اضطلعت بمنصب غير مدفوع الأجر مع منظمة هولندية لدعم الشركات الناشئة، وهو منصب تطلب منها “التفاعل مع مجموعة واسعة من المؤسسات التجارية والحكومية وغير الحكومية”. وقالت إنها فعلت ذلك بناء على طلب الحكومة الهولندية وبموافقة المفوضية الأوروبية.

ومن بين المجندين الآخرين في سياسة الباب الدوار حشدٌ من مساعدي أوباما السابقين، سعوا للتواصل مع وزراء الإدارة الأميركية والمسؤولين التجاريين والسفراء والقادة الأجانب.

أصبح جيم ميسينا -نائب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما- مستشاراً سياسياً في عام 2013، حيث بدأ تعاونه مع أوبر باعتباره عميلاً. وتظهِر السجلات أنه وجد نفسه في بعض الأحيان في أدوار مزدوجة؛ فقد سأل ميسينا مثلا أحد أعضاء جماعة الضغط في أوبر عما إذا كان ينبغي عليه مناقشة المشاكل التنظيمية للشركة في إسبانيا مع رئيس الوزراء آنذاك ماريانو راخوي في أثناء التعامل مع حملة راخوي السياسية، كما تُظهِر الوثائق.

ساعد ميسينا أيضاً في ربط المديرين التنفيذيين في أوبر بالدبلوماسيين الأميركيين، بما في ذلك جون إيمرسون -سفير الولايات المتحدة في ألمانيا خلال إدارة أوباما- وأحد أسلاف إيمرسون في منصبه؛ روبرت كيميت، الذي كان مستشاراً أولَ في شركة ويلمرهيل للمحاماة. وقد كانت شركة المحاماة تبحث عن إجراءات لمساعدة أوبر في التغلب على العقبات القانونية في ألمانيا.

وتلقي الوثائق المسربة الضوءَ على علاقات ماكغان وميسينا بجين هارتلي، سفيرة الولايات المتحدة في فرنسا من عام 2014 حتى عام 2017. وقد حصلت هارتلي على منصبها الدبلوماسي المرموق بعد أن جمعت مبالغ كبيرة من الأموال لحملة أوباما.

ومع مواجهة الشركة عقبات تنظيمية في فرنسا، طلب ماكغان لقاء السفيرة. وقد أرسل رسالة نصية إلى ميسينا قبل يوم من الموعد، يسأل عما إذا كان لديه أي رسائل يحملها لهارتلي، ورد ميسينا: “أخبرها أنني أحبها؛ لقد أعطيناها فرنسا”.

وتتضمن الرسالة مزحة تشير بوضوح للأعمال الفنية في مقر إقامة السفيرة الفخم في باريس.

قال أدريان دوربين -المتحدث باسم ميسينا- إن ميسينا لم يضغط من أجل أوبر أبداً، ولم يتحدث إلى أي رئيس دولة نيابة عن أوبر؛ وأضاف: “لقد تضمن عمل السيد ميسينا مع أوبر مساعدتهم على فهم المشهد السياسي في بعض البلدان الأوروبية حيث كانت الشركة تسعى لتنمية أعمالها”.

لم يعلق دوربين على أسئلة المتابعة حول المحادثات الخاصة التي -حسب ما تُظهِر وثائق أوبر- قال ميسينا للمديرين التنفيذيين في أوبر إنه كان يجريها مع رؤساء الدول.

انضم بلوف -مساعد أوباما السابق- إلى أوبر كرئيس للعلامات التجارية العالمية والاتصالات والسياسة في عام 2014. وكان مهندس حملة أوباما الرئاسية لعام 2008، التي تعهدت -من بين إصلاحات أخرى- بالحد من الضغط عبر سياسة الباب الدوار. وتُظهر الوثائق أنه اضطلع بدور أكبر في الضغط وقيادة معارك أوبر التنظيمية الدولية أكثر مما كان معروفاً في السابق.

فقد عقد بلوف اجتماعات غير معلنة مع العديد من المسؤولين الأميركيين، منهم وزير العمل آنذاك توم بيريز والسفيرة هارتلي.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن هارتلي، السفير الأمريكي الحالي لدى المملكة المتحدة، لم يتذكر أي مناقشات مع بلوف أو ميسينا بشأن أوبر. ولم يرد بيريز على الطلبات المتكررة للتعليق.

بلوف التقى أيضاً بمسؤولين في دول كانت أوبر تخوض فيها معارك تنظيمية، ومنها الهند؛ حيث طُلِب من موظفي أوبر توقع اضطرابات من المنافسين والمشرعين عندما أطلقت الشركة عمليات نقل الركاب. وقال الرئيس التنفيذي للشركة في آسيا في رسالة “عليكم احتواء الفوضى”.

وقالت جوان كوبّا -المتخصصة في السياسة العامة في أوبر- في رسالة إلكترونية في الوثائق المسربة، إن الشركة لجأت إلى بلوف من أجل “تحسين صورة أوبر” في الإمارات العربية المتحدة.

وأخبرت كوبّا الواشنطن بوست، شريكة “الاتحادَ الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، في بيان أن “اجتماعات ديفيد لم تمنع أو تؤخر أي شيء، لقد عملت ببساطة على إظهار أن لدينا قادة مسؤولين وناضجين في الشركة سيكونون نظراء للمسؤولين الحكوميين على قدر كبير من الاحترافية”.

إقرأوا أيضاً:

عمل بلوف في أوبر من 2014 حتى يناير/كانون الثاني 2017. وقبل استقالته بقليل، دفع 7.6 مليون دولار مقابل منزل مساحته 6000 قدم مربع في سان فرانسيسكو.

في الشهر التالي، فرض مجلس شيكاغو للأخلاقيات غرامة قدرها 90 ألف دولار على بلوف بسبب الضغط غير القانوني على عمدة شيكاغو آنذاك رام إيمانويل، الذي كان قد شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في إدارة أوباما.

في بيان ، أقر بلوف بوجود “نقاش عام للغاية وعالمي وأحيانًا عنيف” حول أنظمة النقل أثناء وجوده في الشركة.

قال بلوف في بيان من ثلاث فقرات: “في بعض الأحيان كانت تلك المناقشات والمفاوضات مباشرة، وفي بعض الأحيان كانت أكثر صعوبة، وفي أحيان أخرى كان هناك أشخاص داخل الشركة يريدون الذهاب بعيداً”. “لقد بذلت قصارى جهدي للاعتراض عندما اعتقدت أنه سيتم تجاوز الخطوط – أحيانًا بنجاح، وأحيانًا لا.”

قال بلوف: “دعني أخبرك” ، “تدخل الغرفة مع وزير النقل، لا يهمني المكان، عاصمة الولاية، مجلس المدينة، العاصمة الأوروبية، البلد الأفريقي، فهم لا يهتمون بما أنا أو أي شخص آخر فعل بالسابق”. وأضاف أن المفاوضات “كانت تميل إلى أن تكون محددة للغاية بشأن مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بمشاركة النقل”.

ولم تعلق أوبر على جهود ضغط محددة، لكنها قالت إنه مع “نضوج” الشركة، عززت الإشراف على جماعات الضغط ووضعت مبادئ توجيهية جديدة للضغط في أوروبا.

فيما قالت هازلباكر: “تفي أوبر بالتزاماتها بالإفصاح عن أنشطتها عندما يُطلب منها ذلك. في المقابل، تقع على عاتق المسؤولين المنتخَبين مسؤولية الإفصاح عن الاجتماعات عندما يُطلب منهم ذلك”.

مفتاح الإغلاق  Kill Switch

بعد ظهر أحد أيام الإثنين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2014، استقبل مكتب أوبر في باريس الواقع في مجمع تجاري مليء بالأشجار زواراً غير متوقعين؛ ألا وهم المفتشون الفرنسيون.

أرسل محامي أوبر زاخاري دي كييف رسالة إلكترونية لزملائه يقول فيها: “من فضلكم فعّلوا زر قطع الوصول الآن”.

كان دي كييف يشير إلى ما يسمى بمفتاح الإغلاق (kill switch) الذي يؤدي تفعليه إلى فصل أجهزة الكمبيوتر عن خوادم الشركة؛ وهذا من شأنه أن يمنع السلطات من مصادرة وثائق الشركة الحساسة.

على مدار عام تقريباً -مع توسع أوبر في أنحاء العالم- استخدمت الشركة مفتاح الإغلاق لمنع الشرطة من الوصول إلى أنظمتها أثناء مداهمات المكاتب في فرنسا، وكذلك رومانيا، هولندا وبلجيكا والهند والمجر.

وتكشف وثائق أوبر أن بلوف -رئيس سياسات أوبر- شارك في مناقشات حول اثنتين على الأقل من المداهمات في أثناء حدوثهما؛ ففي مارس/آذار 2015، طلب معلومات فور أن داهمت الشرطة مكتب باريس للمرة الثانية على الأقل.

وفي رسالة إلكترونية أعيد توجيهها إلى بلوف، قال ماكغان، الذي كان يعمل في حملات الضغط آنذاك، “ما زالت الشرطة هناك في قوّة كبيرة (من حوالي 25 فرداً)”.

وأجاب بلوف “حسناً! أرجو أن توافيني بالأخبار أوّلاً بأوّل”.

وأخبر ماكغان بلوف أن “إمكانية الوصول إلى الأدوات التقنية قد انقطعت على الفور، ولذلك لن تستطيع الشرطة فعل الكثير إن حاولت”.

ولكن في حملة أخرى في باريس، في تموز/يوليو 2015، أخبر ماكغان مديرَ شركة أوبر في فرنسا، ثيبود سيمفال، في رسالةٍ نصية أن عليه “استخدام دليل ’زخاري دي كيفيت‘ (Zachary De Kievit)”.

وأضاف قائلاً، “جرّب مع عدد قليل من الحواسيب، ولْتبدوا دهشةً حين لا تستطيعون الوصول، وقل إن الفريق التقني في سان فرانسيسكو، وغطُّوا في النوم؛ وعلى أيّ حال، فهذا كله تتحكم في شركة أوبر [بمقرّها الهولندي]، وبالتالي عليهم التواصل مع الشركة وتقديم طلبهم إليها”.

فأجاب سيمفال، “نعم، استخدمنا هذا الدليل عدة مرات إلى الآن، ولكن الجانب الأصعب هو الإبقاء على عنصر الاندهاش”!

لم يكن مفتاح الإغلاق هو السلاح التقني الوحيد الذي وظفته شركة أوبر لمراوغة الشرطة واللوائح. فقد حدّدت الشركة أيضاً بعضَ عناصر الشرطة أو المسؤولين الحكوميين الذين اعتقدَت أنهم أعطوا أوامر لسيارات أوبر بجمع الأدلّة. ويمكنها الآن أن تريهم نسخة زائفة من التطبيق مع سيارات وهمية لم تصل أبداً. وقد فعلت هذا في هولندا وبلجيكا وروسيا وبلغاريا والدنمارك وإسبانيا وبلدان أخرى.

وقد ناقش الفريق إنشاء “أسوار تعتيم جغرافية” حول مخافر الشرطة في الدنمارك؛ بحيث لا يمكن لمَن بداخلها استخدام التطبيق بنجاح إلّا إذا أزال التعتيم عنه أحد موظّفي شركة أوبر.

وفي بروكسل استأجرت السلطات المحليّة شركاتٍ لتجنيد عملاء وهميين، أو “متسوّقين غامضين”، للمشاركة في الحملة ضد أوبر. وهؤلاء سيطلبون السيارات لتتمكّن السلطات من اتخاذ إجراء ضد السائقين عند وصولهم. وقد تناوَلت شركة أوبر مسألة إخبار الموظّفين أن يقوموا بالتسجيل كمتسوّقين بأسماء زائفة أملاً في أن يتم تنبيههم عند محاولة الشرطة التجنيد لأي حملات قادمة.


في 2014 كتب غور كوتي، المدير الإقليمي لأوبر في أوروبا الغربية، إلى فريق العمل أن تكتيكات “مكافحة الإنفاذ” قد جُمعت “في دليل جيد جداً”.

لم يُجب غور كوتي، أحد أقدم العاملين في فريق أوبر، على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” عن دليل تكتيكات مكافحة إنفاذ القانون. 

في بيان عبر البريد الإلكتروني ، أعرب غور كوتي عن ندمه على بعض تكتيكات أوبر. قال: “انضممت إلى أوبر منذ ما يقرب من عشر سنوات، في بداية مسيرتي المهنية”. “كنت صغيرًا وعديم الخبرة وكنت كثيرًا ما أتلقى التوجيهات من الرؤساء ذوي الأخلاق المشكوك فيها”. 

لم يرد غور كوتي ولا بلوف على الأسئلة حول مفتاح القفل.

وقال سيمفال، مدير أوبر فرنسا آنذاك ورئيس قسم الاستدامة بالشركة على المستوى العالمي، إن جميع تفاعلاته مع السلطات العامة كانت تتم بحسن نية.

وفي تصريحٍ مكتوب، قال ماكغان: “في كلّ مناسبة كنتُ فيها مسؤولاً شخصياً عن أنشطة تتعلّق بـ’مفتاح الإغلاق‘، كنت أتصرّف بناءً على الأوامر الصريحة من إدارتي في سان فرانسيسكو”.

لم يرد دي كييفيت على طلبات للتعليق.

والآن قالت أوبر إنها تتعاون اليوم مع أجهزة إنفاذ القانون، ولم تعد تستخدم التقنية لإعاقتها. وقالت هازلباكر، المتحدّثة باسم الشركة، “ليس لدى أوبر ’مفتاح إغلاق‘ مصمَّم لإعاقة الاستفسارات التنظيمية في أيّ مكان حول العالَم، ولم يكن لديها منذ تولّى دارا خوسروشاهي منصب المدير التنفيذي في العام 2017. ومع أن كل شركة لديها برامج تعمل على حماية أجهزتها المؤسسية (في حال فقَد أحد موظّفيها حاسوبَه، مثلاً)، لا يجب استخدام هذه البرامج في إعاقة الإجراءات التنظيمية المشروعة”.

وبعد أن أطلقت أوبر أولى جهودها الدولية، في باريس في العام 2011، واجهَت الشركة آليةً صارمة لإنفاذ القانون من قِبَل السلطات الفرنسية ومعارضةً شرسة من الجهات العتيدة في تقديم خدمات التاكسي. وقد اتجهت مظاهرات سائقي التاكسي المناهضة لأوبر إلى العنف، وفي العام 2014 مرّرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانوناً داعماً للتاكسي يضع لوائح وتنظيمات لعمل أوبر.

بدأت السلطات الفرنسية التحقيق مع أوبر حول انتهاكات محتمَلة، ومنها مخالفة قوانين الضرائب وتشغيل خدمات التاكسي دون تصريح. وركّزت “المديرية العامة لسياسات المنافسة وشؤون المستهلك ومكافحة الاحتيال” -وهي هيئة حماية المستهلك في فرنسا وتتمتع بنفوذ كبير في البلاد- على مسألة ما إذا كانت خدمة أوبر بوب (UberPOP) قانونية أم لا، وهي خدمة منخفضة التكلفة وغير مرخَّصة.

وكانت أوبر تستعد لهذا النوع تحديداً من الصراعات.

وتُظهِر التسريبات أن شركة أوبر قامت بالتعاون مع شركة استشارية بعمل قائمة من “المُسهِمين”، في أنحاء أوروبا في الغالب. وحددت الشركة في فرنسا أكثر من 250 حليفاً وخصماً وغير ذلك، بما في ذلك حوالي 180 سياسياً ومسؤولاً عاماً.

وبعد أن أصبح إيمانويل ماكرون، السياسي الوسطي الصاعد بسرعة، وزيراً للاقتصاد في أغسطس/آب 2014، وجدت أوبر أن لديها حليفاً رفيعَ المستوى. فقد كان ماكرون، في سن 36 حينها، معروفاً بأنه تكنوقراط يميل إلى الأنشطة التجارية، وقد عمل فترةً في بنك روتشيلد وشركاه الاستثماري. وبصفته وزيراً للاقتصاد، فقد أشرَف على هيئة حماية المستهلِك.

ووثّقت صحيفة لوموند، وهي من شركاء “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، أكثر من عشر اتصالات في وثائق أوبر (Uber Files)، من رسائل إلكترونية ورسائل نصيّة واتصالات ولقاءات، بين ماكرون أو مساعديه وبين أوبر في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2014 وفبراير/شباط 2016.

وتُظهِر الوثائق أن ماكرون عقَد، بُعَيد تولّيه وزارة الاقتصاد، لقاءً مع كالانيك. ووصَف ماكغان اللقاء بأنه مذهل؛ فقد أخبر ماكرون واضعي اللوائح ألّا يكون “محافظين للغاية”، في التزامٍ أساسي بتفسير قوانين التاكسي بطرق أكثر ملاءمةً لأوبر، كما قال ماكغان  في رسالة إلكترونية.

وأضاف ماكغان في تلك الرسالة أن ماكرون “استضاف أوبر في أجواء دافئة وودودة وبنّاءة على نحوٍ ملحوظ”، وهذا ينمّ عن “رغبة واضحة لديه في الالتفاف على التشريعات”.

وفي رسالة أخرى جاءت في شهر يوليو/تموز 2015، سأل كالانيك ماكرون إن كان وزير الداخلية برنار كازانوف أهلاً للثقة. وكان رد ماكرون أنه التقى مع كازانوف ومع رئيس الوزراء آنذاك مانويل فالس قبل حديثه مع كالانيك بيوم واحد، وأن كازانوف قد وافق على عقد “صفقة”. وقال ماكرون إن كازانوف سيقبل تعديل القانون، فعلَّقت الشركة لاحقاً، في مساء ذلك اليوم، خدمات أوبر بوب في فرنسا.

وقال كازانوف لصحيفة لوموند، إنه لم يسمع أبداً عن صفقةٍ بين الحكومة الفرنسية وشركة أوبر. وأضاف أن ماكرون لم يخبره شيئاً عن ذلك.

وقالت هازلباكر إن الشركة أغلقَت أوبر بوب استجابةً لمستويات عالية من العنف ضد السائقين والركّاب. ونفت إبرام اتفاق مع ماكرون أو السلطات الفرنسية لتخفيف القواعد. وأضافت أن “تعليق خدمات أوبر بوب لم يَعقبه بأي صورة من الصور سنّ لوائح أكثر توافقاً وملائمة [مع الشركة]”.

وفي ردّ على أسئلة طرحها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قال مكتب ماكرون إن قطاع الخدمات الفرنسي كان في حالة اضطراب في ذلك الوقت بسبب صعود منصّات من قبيل أوبر، وهي منصّات واجهت عقبات إدارية وتحديات تنظيمية. ولم يُجب المكتب على أسئلة عن علاقة ماكرون بأوبر.

وبعد البناء لعدّة أشهر، تفاقمت الأزمة في مارسيليا بعد أن منع سائقو التاكسي مديراً تنفيذياً في أوبر من الحديث في معرض للأعمال يضمّ بعض روّاد الأعمال. وبالحديث عن “صدامات وتجاوزات تخلّ بالنظام العام”، قام الفرع المحلي للشرطة الوطنية بتعليق خدمات أوبر إكس (UberX)، وهي أكثر خدمات أوبر شعبيةً، في أحياء وسط المدينة وحول المطار ومحطة القطارات.

وقد كتب ماكغان “مُروَّعاً” إلى ماكرون في اليوم التالي، وجاء ردّ الوزير ماكرون بعد 11 ساعة، وقال فيه “سأنظر في هذا الأمر شخصياً. دعني أحصل على جميع الحقائق، وسنقرّر هذا المساء. لكن لنحافظ على الهدوء في هذه المرحلة”.

في ذلك المساء بدأ رئيس الفرع المحلي للشرطة الوطنية بتغيير المسار، واعداً بتوضيح الأمر [الذي أصدره]. بعد اثني عشر يومًا ، أصدرت السلطات أمرًا جديدًا ينص على أن الحظر ينطبق على سائقي أوبر غير المرخصين وغير المنظمين في الولاية القضائية بأكملها. نفت السلطات الفرنسية تلقيها أي ضغوط من وزارة ماكرون.. 

وقد احتفَت أوبر بالنتائج باعتبارها مكسباً لها، وجاء في الإصدار الأسبوعي الداخلي للشركة: “لقد تمّ نقض قرار الحظر بعد ضغوط مكثّفة من أوبر”.

لعبة عالية المخاطر

نزَل عشرة مسؤولين تنفيذيين من أوبر في منتجع دافوس السويسري، الشهير برياضة التزلُّج، للسياحة والحديث وإقامة حفلات وعقد صفقات مع قادة العالم والأوليغارشيين في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016.

في الاجتماع الذي استمر أربعة أيام للمدعوِّين فقط، نالت الشركة إعجاب جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، بالتزام الشركة تجاه العاملين فيها.

كان من موضوعات المنتدى في العام 2016 الثورة الرقمية ومستقبل العمل. ويكشف كتاب إحاطة لشركة أوبر، يتكوّن من 98 صفحة، عن أن المدير التنفيذي للشركة آنذاك كالانيك ومرؤوسيه كانت لديهم مواعيد مع أربع رؤساء وزراء ونائبَين لرئيس المفوّضية الأوروبية ومع الوزير الفرنسي ماكرون، وحفنة من القادة الآخرين. وكان من المقرَّر أيضاً حضور حفلة في وقت متأخر من الليل استضافها رجل التمويل البريطاني نات روتشيلد وأوليغ دِريباسكا وهو من أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي رسالة إلكترونية بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول من منتدى دافوس، أرسلتها راشيل ويتستون، كبيرة مسؤولي الاتصالات بشركة أوبر في ذلك الوقت، إلى رئيسها، قالت “إذن اليوم نلتقي نائبَ رئيس واحداً ورئيسَي وزراء”. وقالت إن جدولَه شمل أيضاً حفلات شراب وعشاء مع المتبرّعة ورائدة الأعمال الخيرية مليندا غيتس، ومحادثة أمام المدفأة مع مؤسِّسة موقع هافينغتون بوست آريانا هافينغتون، واجتماع جانبي مع الملياردير الروسي هيرمان غريف، رئيس سبيربنك، المفروضة عليه عقوبات الآن، وذلك خلال حفل استقبال استضافه البنك الروسي. وأخيراً، “حفل طوعي تماماً لتناول مشروب روحي” في غراند أوتيل بلفيدير، وهي قلعة شاهقة على منتزه دافوس.

وخلف الكواليس، تحدّث كالانيك مع قادة العالم ومسؤولين حكوميين بارزين في بلاد كانت أوبر تحاول التوسّع فيها.

كشفت الوثائق أنه التقَى كزافييه بيتل، رئيس وزراء لوكسمبرغ، وتوفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي آنذاك. وقد كتب الربيعة لاحقاً “كان [اللقاء] من دواعي سروري. ونأمل أن نقدّم لكم الدعم للحصول على التراخيص الرسمية قريباً”.

فيما أبدَى نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، صراحةً دعمَه لشركة أوبر بُعَيد لقائه مع كالانيك.

ووَفقاً لملاحظات دُوِّنت خلال اللقاء، قال نتنياهو، “سنكسر المقاومة. دعونا نعمل بالتوازي”.

وامتنع نتنياهو عن التعليق من خلال متحدث.

ولم يستجب توفيق الربيعة لطلبات متكررة للتعليق.

وقالت متحدثة باسم بيتيل إن كالانيك ورئيس الوزراء ناقشا توسع أوبر المحتمل في الدولة الأوروبية الصغيرة.

فيما أبدَت أوبر عنايةً خاصة بالحفاظ على تفاصيل لقاء كالانيك مع بايدن سرية، “حتى مع الفرَق الداخليّة [بالشركة]”. وقد جاء ترتيب الجلسة الحوارية عبر سلسلة من العاملين في إدارة أوباما سابقاً.

برفقة عميل سابق في الخدمة السرية، التقى كالانيك بالرئيس بايدن في جناحه بفندق إنتركونتيننتال، وهو فندق يُدعى “البيضة الذهبية” نظراً لشكله البيضاوي. ركز نقاشهم على ادعاءات أوبر بأنها كانت تخلق الكثير من فرص العمل وتوفر الوظائف التي منحت الناس طريقة مرنة لكسب المال. وقد حققت تلك الدعاوى التأثير المطلوب من ورائها، فقد غيّر بايدن ملاحظاته المعدة في المنتدى ليشير إلى أوبر، وفقاً لرسالة بعث بها أحد مساعدي بايدن إلى أحد موظفي أوبر.

قال بايدن في خطابه الافتتاحي: “التقيت اليوم بالرئيس التنفيذي لإحدى تلك الشركات”، في إشارة إلى كالانيك وأوبر، وقد استعمل عبارة كالانيك التي وصف بها تأثير شركات سيارات الأجرة على اقتصادات العالم. “إنه [يقول] إنه سيضيف مليوني وظيفة جديدة هذا العام، مما سيتيح للناس حرية العمل لساعات عديدة كما يحلو لهم، وإدارة حياتهم كما يريدون”.

رداً على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” الشهر الماضي، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض إن بايدن “ملتزم بمكافحة سوء تصنيف الموظفين الذي يحرم العمال من الحماية والمزايا الهامة، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور، ويجبرهم على العمل الإضافي، ويحرمهم من الإجازة العائلية والطبية”.

كانت توقعات الوظائف في دافوس مفرطة في التفاؤل؛ فقد كان الكثير من سائقي أوبر متعاقدين  بدوام جزئي، أو من يعملون بشكل مستقل- غير مؤهلين للحصول على المزايا الرئيسية مثل الرعاية الصحية. وفي العديد من البلدان التي توسعت فيها أوبر بسرعة، كان سائقوها يتعرضون للتهديد والهجوم من قبل الراكبين واللصوص وسائقي سيارات الأجرة التقليدية.

في جنوب إفريقيا، سمحت أوبر للسائقين بالبدء في قبول الدفع النقدي في مايو/أيار 2016 كجزء من محاولة لزيادة عدد الركاب، بينما اندفع أعضاء العصابات لطلب سيارات أوبر عن طريق التطبيق فقط من أجل سرقة السائقين. وقد أفاد ممثلو الادعاء في أغسطس/آب 2019، أن اثنين من البلطجية هاجموا سائق أوبر وهشموا رأسه بالحجارة حتى مات.

قال سائقون في كيب تاون بجنوب إفريقيا لصحيفة واشنطن بوست، وهي شريك إعلامي “للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، إن العديد من السائقين أُحرقوا أحياء في سياراتهم.

في مقابلة مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قالت فايزة هابت -البالغة من العمر 61 سنة- “لا أستطيع تخيل نفسي أجتذب الزبائن عبر التطبيق بعد الآن؛ أنا خائفة للغاية”. بدأت فايزة قيادة سيارتها لصالح أوبر في كيب تاون عام 2014، على أمل أن تصبح سيدة أعمال مستقلة. في البداية، كان العمل ممكناً، ثم بدأت أوبر في أخذ عمولة أعلى، بينما بقيت الأسعار كما هي.

ثم استقالت في عام 2016، بعد أن هاجمها عميل غاضب من المقعد الخلفي وشد شعرها وضربها؛ قالت فايزة: “لقد فقدت السيطرة وظننت أنني سأصدم السيارة؛ بالنسبة لامرأة تقود سيارة أجرة، فهذا مخيف للغاية”.

من عام 2014 إلى عام 2015، خفضت أوبر بشكل كبير رواتب السائقين في كيب تاون من خلال خفض مكافأة كل رحلة من 4 دولارات إلى ما يقرب من الصفر، وفقاً للوثائق المسربة. ومن ثم أصبحت كيب تاون واحدة من أكثر أسواق أوبر ربحية.

قال فرانس هيمسترا، مدير شركة أوبر جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، إن مثل هذه الحوافز شائعة في أي شركة متنامية. وأضاف المتحدث باسم أوبر جوس جلوفر أنه مع نضوج الأسواق، تقوم الشركة بتعديل تلك الحوافز.

قالت أوبر إنها ركزت في السنوات الخمس الماضية على “إعادة توجيه ثقافة أوبر بأكملها – من الأعلى إلى الأسفل – حول السلامة”، واستثمرت بكثافة في التقنيات الجديدة وميزات الأمان الأخرى للحفاظ على سلامة الركاب والسائقين.

قالت هازلباكر “هناك الكثير مما قاله الرئيس التنفيذي السابق منذ ما يقرب من عقد من الزمن وهو أننا بالتأكيد لن نتغاضى عن هذه الظاهرة بعد اليوم؛ وهناك شيء واحد نعرفه ونشعر به بشدة وهو أنه لم يكن أحد في أوبر سعيداً على الإطلاق بالعنف ضد السائق”.

ومع ذلك، تُظهر الوثائق المسربة أن كالانيك وبعض المديرين التنفيذيين الآخرين في أوبر اعتبروا العنف والهجمات على السائقين فرصاً استراتيجية لحشد الدعم لقضيتهم. فهم لم يتحملوا أي مسؤولية عن العنف، على الرغم من أن اقتحام أوبر أسواقاً جديدة -الذي كان في كثير من الأحيان مصحوباً بانتهاك للقوانين المحلية- كان سبباً في حدوثه.

بعد أسبوع واحد فقط من اجتماع كالانيك مع بايدن – حيث كان سائقي سيارات الأجرة الفرنسيين يخططون لاحتجاجات من شأنها أن تتحول إلى أعمال عنف ضد سائقي أوبر – أرسل الرئيس التنفيذي كالانيك نصًا إلى زملائه يعلن فيه الجانب الإيجابي المحتمل للفوضى: “العنف يضمن النجاح. وهؤلاء الرجال يجب أن يقاوموا، أليس كذلك؟ “

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي حاول فيها مديرو أوبر التفيذيّون استغلال العنف ضد سائقيها لصالحها. ففي عام 2015، نظم سائقو سيارات الأجرة في بروكسل حملة مضايقة ضد أوبر، وألقوا البيض على سيارات أوبر وحطموا مرايا الرؤية الجانبية وأخذوا مفاتيح سائقي أوبر، حتى أن بعضهم هددهم بـ “قتلهم دون محاكمة”.

قال المدير العام للشركة في بلجيكا: “تقدم أحد السائقين بالفعل للتحدث للصحافة، لقد أُلقي بكيس دقيق كامل عليه وعلى الركاب عن طريق سيارة أجرة. لقد كال له الاتهامات، وكان سائق سيارة الأجرة سيقضي ليلة في السجن؛ يالها من قصة جيدة!”

بعد استبدال كالانيك في عام 2017، قاد دارا خسروشاهي شركة أوبر وقد تزامنت بداية ولايته مع اضطراب أسهم أوبر في السوق، وتراجع عدد الركاب بسبب الجائحة، وإصلاح الممارسات التجارية؛ وتقول هازلباكر “أعاد دارا كتابة قيم الشركة، وجدد فريق القيادة، وجعل السلامة أولوية قصوى للشركة، ونفذ أفضل حوكمة مؤسسية ممكنة، وعين مجلس إدارة مستقل، ووضع ضوابط الصرامة والامتثال الضروريين للعمل كشركة عامة. لقد انتقلنا من عصر المواجهة إلى عصر التعاون، مما يدل على استعدادنا للجلوس على الطاولة وإيجاد أرضية مشتركة مع المعارضين السابقين، بما في ذلك النقابات العمالية وشركات سيارات الأجرة”. 

أقرت هازلباكر بأن الشركة لم تعامل السائقين دائماً بقدر كاف من العناية والاحترام، لكنها أدخلت تحسينات على هذا الأسلوب منذ عام 2017. وقالت إن أرباح السائقين على مستوى العالم في أعلى مستوياتها على الإطلاق أو قريبة منها، وتدعو أوبر الآن “على الصعيد العالمي لمزيد من المزايا والحماية”.

ودافعت عن نموذج مقاول السائق المستقل لشركة أوبر باعتباره محركًا لخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي.

قالت سبورجون المتحدثة باسم كالانيك: “عندما شارك السيد كالانيك في تأسيس أوبر في عام 2009، كان هو وبقية فريق أوبر رواد صناعة أصبحت الآن فعلًا. يتطلب القيام بذلك تغيير الوضع الراهن، حيث أصبحت أوبر منافسًا جادًا في صناعة كانت المنافسة فيها محظورة تاريخيًا. كنتيجة طبيعية ومتوقعة، قاتلت مصالح الصناعة الراسخة في جميع أنحاء العالم لمنع التطور الذي تشتد الحاجة إليه في صناعة النقل. وكما يعلم الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين والعالم  فقد ثابرت أوبر”.

ومع ذلك، لا تزال أوبر تتعامل مع تداعيات ظهورها المضطرب على الصعيد الدولي.

فلا يزال بعض سائقي أوبر -خاصة في البلدان النامية مثل جنوب إفريقيا- يشكون من ساعات العمل المرهقة وضعف الأجور. وقد دخل الكثيرون في صفقات تأجير عالية التكلفة لسياراتهم المسجلة في أوبر؛ وخلال الوباء، لم يتمكن بعضهم من تغطية نفقاته الأساسية لأنهم كافحوا لتسديد مدفوعات السيارات.

في الهند، يدفع السائقون لأوبر من 20٪ إلى 30٪ من أجورهم في شكل عمولات، وهو ضعف المبلغ الذي تقاضته أوبر عندما انطلقت من أكبر ديمقراطية في العالم، وذلك حسب ما بينته مجموعة Fairwork India المدافعة عن اقتصاد العمال المؤقتين.

في المملكة المتحدة وهولندا، قضت المحاكم بأن سائقي أوبر مشمولون بقوانين العمل.

وفي أماكن أخرى، صدرت أحكام ضد السائقين الذين يبحثون عن التوظيف. ففي الولايات المتحدة، أعلن المجلس الوطني لعلاقات العمل أن سائقي أوبر هم عمال مستقلون ليس لديهم الحق في تشكيل نقابات أو التفاوض بشكل جماعي.

وبعد تكبد خسائر بقيمة 23 مليار دولار على مدار (يحدد العدد لاحقاً) سنوات، سجلت أوبر أول أرباح تشغيلية لها في عام 2021، وفقاً لتقريرها السنوي الأخير.

في مايو/أيار، صوّت مساهمو أوبر ضد اقتراح كان من شأنه أن يتطلب من الشركة الكشف الكامل عن أنشطة الضغط والإنفاق.

رداً على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، رفضت أوبر الكشف عن المبلغ الذي أنفقته من أجل الضغط وإلى من ذهبت هذه الأموال.

المُساهِمون: سيلا أليكسي، دين ستاركمان، دلفين رويتر، بن هولمان، جيلينا كوزيك، فيرغوس شيل، مايك هدسون، إميليا دياز ستروك، ميغيل فياندور، ريتشارد إتش بي. سيا، هاميش بولاند-رودر، إسراء موستوفا، بيير روميرا، جيرارد رايل، أنطونيو كوتشو جامبوا، جو هيلهاوس، توم ستيتس، ويتني أواناياه، مارجوت ويليامز، سولين ليدزيرت، برونو توماس، كارولين ديسبرات، ماكسيم فانزا لوتاوندا، داميان ليلوب ، أدريان سينكات ، إيلودي غيجوين ، فيليسيتي لورانس ، روب ديفيز ، جينيفر رانكين ، آرون ديفيس ، روبن عامر ، جوزيف مين ، دوغلاس ماكميلان ، ريك نواك ، ليندا فان دير بول ، أوري بلاو ، ديرك واترفال ، كارلين كويجبيرز.

إقرأوا أيضاً:

11.07.2022
زمن القراءة: 30 minutes

تكشف الوثائق كيف دفعت الشركة مبالغ طائلة لكسب رضا سياسيين وهيئات تنظيمية وقادة حول العالم.

بقلم سيدني ب. فريدبرغ، نيكول صادق، بريندا مِدينا، أوغستين أرمنداريز، كاري كيهو

أحدث سائقو سيارات الأجرة حالة من الفوضى والصخب في أرجاء مرسيليا، ثاني أكبر مدينة في فرنسا.

قلبوا السيارات وأحرقوا الإطارات وسدوا طريق الوصول إلى المطار ومحطة القطار احتجاجاً على شركة أوبر، الكائن مقرها بسان فرانسيسكو، إذ قالوا إنها تنتهك القوانين وتهدد موارد رزقهم.

بعد نشوب سلسلة من الاشتباكات المتكررة، في 20 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015، أصدر مسؤول الشرطة الوطنية البارز في المنطقة قراراً بإيقاف خدمة أوبر الشهيرة في أجزاء رئيسية من المدينة.

احتاجت شركة أوبر إلى صديق في الحكومة لتهدئة الأمور فلجأت لمستثمرٍ بنكيٍ سابق ونجمٍ سياسيٍ صاعد: إيمانويل ماكرون، وزير الاقتصاد الفرنسي آنذاك.

أرسل ماكرون رسالة نصية قبل شروق الشمس بتاريخ 22 أكتوبر/تشرين الأول إلى رئيس جماعة الضغط الأوروبية في أوبر مفادها: “سأبحث في هذا الأمر شخصياً، لنبقى هادئين في هذه المرحلة”.

مساء ذلك اليوم، قالت السلطات المحلية إنها ستراجع الأمر، ما اعتبرته شركة “أوبر” انتصاراً لها.

راسل عضو جماعة الضغط، مارك مكغان، ماكرون قائلاً: “تعاون جيد، شكراً لك على دعمك”.

ووفقاً للسجلات الداخلية المسربة حديثاً، كانت هذه المراسلات واحدة من بين أكثر من عشرة اتصالات لم يُفصَح عنها، وتشمل على الأقل 4 اجتماعات  بين ممثلي شركة أوبر وماكرون، إذ خضعت الشركة للتحقيق في عملياتها في فرنسا وسعت للحفاظ على مكانها هناك.

حصلت صحيفة الغارديان على السجلات ووثائق أوبر، وشاركتها مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” و42 شريكا  إعلاميا آخر. 

تحتوي ذاكرة التخزين المؤقت على رسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية، وعروض تقديميّة للشركة ووثائق أخرى تعود للفترة من 2013 إلى 2017. 

توضح الوثائق كيف كانت أوبر تدخل المدن دون اعتبار للقوانين واللوائح المحلية مع التهرب من الضرائب والسعي لإخضاع قطاع سيارات الأجرة، بشكل بارز، بالإضافة إلى نشطاء الحركة العمالية.

أصبحت فضائح أوبر وعثراتها في الولايات المتحدة، من تجسسها على مسؤولين حكوميين إلى تسريباتها لسوء سلوك موظفين تنفيذيين، موضوعاً للكتب والمسلسلات التلفزيونية والتحقيقات الصحفية.

تكشف وثائق “أوبر” القصة الخفيّة لكيفية اقتحام المسؤولين التنفيذيين في الشركة لأسواقٍ جديدة، ونجاحهم في التغلب على التداعيات، ما أدى إلى تحول أوبر من شركة ناشئة في منطقة وادي السيليكون (Silicon Valley) إلى شركة عالمية عملاقة.

على الرغم من أن “أوبر” روجّت لنفسها على أنها قائدة للثورة الرقمية إلا أنها قدمت جدول أعمالها بالطريقة القديمة إذ تبين السجلات ما يلي: إنفاق مبالغ نقدية كبيرة على آلية تأثير عالمية تم وضعها لكسب رضا السياسيين والهيئات التنظيمية والقادة الآخرين، الذين غالباً ما كانوا حريصين على تقديم يد العون.

​​قال رئيس وزراء هولندا، مارك روته، لمؤسس أوبر، ترافيس كالانيك، عام 2016، وفقاً لمذكرات الاجتماع: “يُنظَر لكم حالياً على أنكم شركة ذات سلوك عدواني”. ونصحه روته من خلال التأكيد على الإيجابيات قائلاً: “غيروا الطريقة التي ينظر بها الناس إلى شركتكم، فهذا سيجعلكم محبوبين”.

هذه “العدوانية”، أي الدخول إلى أسواق دون الموافقات الحكومية، جعلت سائقي أوبر هدفًا لغضب سائقي سيارات الأجرة التقليديين. رأى سائقو سيارات الأجرة أن أعمالهم مهددة من قبل المنافسين الذين لم يضطروا إلى اللعب بنفس القواعد. في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية، نظم سائقو سيارات الأجرة احتجاجات، وضايقوا عملاء أوبر، وضربوا سائقي أوبر، وأشعلوا النار في سياراتهم.

سعى بعض المديرين التنفيذيين في أوبر إلى نشر العنف لصالحهم. وناقشوا تسريب تفاصيل حادثة طعن شبه مميتة وهجمات وحشية أخرى لوسائل الإعلام على أمل لفت الانتباه السلبي إلى سوق سيارات الأجرة التقليدي، بحسب ما أظهرته الوثائق.

تُثبِت الوثائق أن المسؤولين التنفيذيين في أوبر سعوا أيضاً إلى صرف الانتباه عن الأسئلة المزعجة بشأن استراتيجيات الشركة في التهرب من الضرائب عبر التطوع لمساعدة البلدان المضيفة في تحصيل ضرائب الدخل المستحقة على السائقين.

تتضمن السجلات تفاصيل المراسلات واللقاءات الخاصة: سفير أميركي يتحدث مع مستثمر في أوبر في ساونا فنلندية؛ أوليغارشية روسية تسلي المسؤولين التنفيذيين للشركة مع فرقة قوقازية؛ محامي شركة يوزع “دليل المداهمات المباغتة” يوضح للموظفين ما يتوجب عليهم فعله إذا داهم ضباط إنفاذ القانون مكاتب أوبر لحيازة أدلة محتملة على وجود سلوك غير قانوني.

وتسلط الضوء على المناقشات الداخلية بين المسؤولين التنفيذيين الذين يكافحون تداعيات استراتيجية أوبر العالمية المضطربة.

ووفقاً للوثائق، وصف ماكغان نهج “أوبر” للدخول لأسواق جديدة بأنه “هراء تام”.

أرسل نايري هورداجيان، رئيس الاتصالات العالمية في أوبر آنذاك، إلى زميل له وسط الجهود الحكومية المبذولة لإغلاق خدمة نقل الركاب في تايلاند والهند: “لسنا سوى خارجين عن القانون”.

تُظهر ملفات أوبر أيضاً أن استخدام الشركة لتقنية التخفي لعرقلة التحقيقات التي تجريها الحكومة كان أكثر توسعاً مما ذُكر سابقاً. اضطلع المسؤولون التنفيذيون في الشركة بتفعيل ما يُسمَّى بخاصية “مفتاح الإغلاق | kill switch” لمنع الوصول إلى خوادم الشركة ومنع السلطات من حيازة أدلة خلال مداهماتهم لمكاتب أوبر في ست دول على الأقل وهونغ كونغ، حسب ما ذُكر في الوثائق والسجلات العامة المُسرَّبة.

أظهرت السجلات أيضاً أن كالانيك أمر شخصياً باستخدام تلك الخاصية عندما كانت الشرطة تتجه إلى مقره الرئيسي في أمستردام قائلاً: “يُرجى تشغيل “مفتاح الإغلاق” في أسرع وقت ممكن، يجب حجب إمكانية الوصول في أمستردام”.

تُثبِت المراسلات النصية أنه جرى إبلاغ ديفيد بلوف، الذي تولى إدارة حملة باراك أوباما الرئاسية الناجحة عام 2008، وبيير ديميتري غور كوتي، المسؤول الآن عن “أوبر إيتس”، أن الشركة وضعت “مفتاح الإغلاق” لعرقلة المحققين.

لنشر رسالتها، قامت أوبر وشركة استشارية بتجميع قوائم تضم أكثر من 1850 “أصحاب مصلحة”; مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون، ومراكز أبحاث وجماعات مواطنين; كانت تأمل في التأثير في 29 دولة بالإضافة إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما تظهر الوثائق.

كما جندت أوبر كتيبة من المسؤولين الحكوميين السابقين، بما في ذلك الكثير من المساعدين السابقين للرئيس باراك أوباما. وناشدوا المسؤولين الحكوميين بإسقاط التحقيقات، وتغيير السياسات المتعلقة بحقوق العمال، وصياغة قوانين جديدة لسيارات الأجرة، وتخفيف عمليات التحقق من خلفية السائقين.

تُظهر السجلات أن المسؤولين التنفيذيين في أوبر اجتمعوا مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء الأيرلندي آنذاك إندا كيني، ورئيس إستونيا آنذاك توماس هندريك إلفيس، من بين قادة العالم الآخرين.

في عام 2016، طلب نائب الرئيس الأميركي آنذاك، جو بايدن، عقد اجتماع مع كالانيك في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، سويسرا.

تظهر الرسائل أن كالانيك نفد صبره عندما تأخر بايدن. أرسل رجل الأعمال البالغ من العمر 39 عامًا رسالة نصية إلى أحد زملائه: “لقد أخبرت فريقي أنه في كل دقيقة يتأخر فيها، تكون أقل من دقيقة واحدة سيحصل عليها معي”.

بمجرد وصول بايدن إلى الجناح الفندقي ذي الخمس نجوم الذي اتفقوا على الاجتماع فيه، قدم كالانيك عرضه التقديمي الذي تدرّب عليه جيدًا: قال إن شركة النقل تعمل على تغيير المدن والطريقة التي يعمل بها الناس، كل ذلك للأفضل.

أظهرت السجلات أن بايدن كان منبهراً للغاية لدرجة أنه قام بتعديل خطابه الرئيسي، الذي ألقاه في وقت لاحق من ذلك اليوم، للترويج للتأثير العالمي للشركة.

تُظهر وثائق “أوبر” عقد نحو 100 اجتماع على الأقل بين مسؤولين تنفيذيين في الشركة ومسؤولين حكوميين من 2014 إلى 2016، ومن بينها 12 مع ممثّلين عن المفوضية الأوروبية لم يُفصَح عنهم علناً.

كما حاول التنفيذيون في أوبر التودد إلى القلة المرتبطين بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال مسؤولين سابقين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأبرموا صفقات خاصة معهم . ومنذ ذلك الحين، فرضت الحكومات الغربية عقوبات على هؤلاء الأوليغارشية على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا.

في كلّ سوق، كانت الادعاءات بأن أوبر تُحدِث تحولاً في القوى العاملة ذات أهمية محورية في دعاية الشركة. لكن أفاد بعض السائقين أنهم تعرضوا للتضليل، وأن أوبر جذبتهم إلى منصتها بحوافز مالية لم تدم مع زيادة عمولتها بشكل كبير على كل رحلة. هذا يعني أن السائقين مثل عبد الرزاق هادي البالغ من العمر 44 عاماً المقيم في لندن اضطروا إلى العمل لساعات أطول للحفاظ على أجورهم.

بدأ عبد الرزاق هادي القيادة مع أوبر عام 2014 ووجد أنها “ممتعة” في البداية. لكنه قال لصحيفة الغارديان: “استمرت المتعة لفترة قصيرة للغاية”.

سرعان ما خفضت أوبر عمولة السائقين وزادت عمولتها، وذلك يعني جني عبد الرزاق مالاً أقل. جنى الأب الصومالي لثلاثة أطفال حوالي 23,000 دولار العام الماضي بعد أن أمضى ما بين 40 إلى 50 ساعة أسبوعيًا في على تطبيق أوبر – تم إنفاق معظمها في إكمال الرحلات.

أقرّت جيل هازلباكر، المتحدثة الرسمية باسم أوبر، بوجود “أخطاء” و”عثرات” بلغت ذروتها قبل خمس سنوات في “واحدة من أسوأ الإحصاءات في تاريخ الشركات الأميركية”.

أفادت أن أوبر غيرت تماماً طريقة عملها في عام 2017 بعد مواجهة دعاوى قضائية وتحقيقات حكومية بارزة أدت إلى عزل كالانيك وكبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين.

أفادت هازلباكر في بيان مكتوب: “عندما نقول إن أوبر شركة مختلفة في وقتنا الحاضر، فإننا نعني ذلك حرفياً: انضم 90 بالمئة من موظفي أوبر الحاليين بعد أن تقلد دارا [خسروشاهي] منصب الرئيس التنفيذي عام 2017. لم ولن نختلق أعذاراً لسلوك سابق من الواضح أنه لا يتماشى مع قيمنا الحالية”.

أعلنت هازلباكر أن أوبر لم تستخدم خاصية “مفتاح الإغلاق” لإحباط الإجراءات التنظيمية منذ عام 2017 وأنّ أوبر تلتزم بجميع قوانين الضرائب وأنه “لم يكن أحد في أوبر راضياً عن العنف المُمارس ضد السائقين”.

رفضت الشركة أي تلميح بأنها تلقت معاملة خاصة من ماكرون أو حكومته وأكدت أنه لا أحد في أوبر حالياً متورط في إقامة علاقات مع الأوليغارشية الروسية.

استقال كالانيك نتيجة للضغط عام 2017 إذ أعرب المستثمرون عن قلقهم إزاء ثقافة مكان العمل في أوبر، لا سيما مزاعم التحرش الجنسي والتمييز العنصري والتنمر. وظل مديرا حتى نهاية عام 2019.

بعد حوالي أسبوع من لقاء كالانيك مع بايدن، أرسل له أحد الزملاء رسالة نصية للتحذير من احتمالية نشوب أعمال عنف أثناء احتجاجات سائقي سيارات الأجرة في باريس واحتمالية حدوث “تمرد مدني فعال” في المقابل. كتب ماكغان: “سننظر في عصيان مدني فعال وفي نفس الوقت نحافظ على سلامة الناس”.

أجاب كالانيك: “أعتقد أن الأمر يستحق ذلك”. “العنف يضمن النجاح. وهؤلاء الرجال يجب أن يقاوموا ، أليس كذلك؟

قالت ديفون سبورجون، المتحدثة باسم كالانيك، إن الرئيس التنفيذي السابق لم يقترح أبدًا أن تستغل أوبر العنف على حساب سلامة السائق أو تفويض “أي إجراءات أو برامج من شأنها أن تعرقل العدالة في أي بلد”.

وقالت إن أوبر، مثلها مثل الشركات الأخرى العاملة خارج الولايات المتحدة، استخدمت بروتوكولات التكنولوجيا لحماية الملكية الفكرية وخصوصية الركاب والسائقين ولضمان احترام الإجراءات القانونية الواجبة في حالة وقوع مداهمة، مضيفة: ” لا تحذف البروتوكولات أي بيانات أو معلومات، وجميع القرارات المتعلقة باستخدامها متضمنة، وتم فحصها من قبل الإدارات القانونية والتنظيمية في أوبر والموافقة عليها “.

قالت سبورجون إن كالانيك لم ينشئ أو يوجه أو يشرف على هذه الأنظمة التي أنشأتها الإدارات القانونية والامتثال.

وأضافت: “بالضغط على أجندته الخاطئة بأن كالانيك وجه سلوكا غير قانوني أو غير لائق، يدعي الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن لديه وثائق كان كالانيك يعمل عليها أو حتى قام بتأليفها، وبعضها عمره ما يقرب من عقد من الزمن”. وأضافت، “بصراحة، رفض الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين بشكل قاطع طلبات مراجعة أي من هذه الوثائق، مما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن صحة العديد من المستندات”.

لم يرد غور كوتي ولا بلوف على الأسئلة الخاصة باستخدام تلك الخاصية.

أبدى غور كوتي، أحد أعضاء فريق أوبر القدماء، عن ندمه في رسالة إلكترونية على بعض أساليب شركة أوبر قائلاً: “انضممت إلى أوبر في بداية مسيرتي المهنية منذ عشر سنوات تقريباً، كنت صغيراً ولم يكن لدي خبرة، وغالباً ما كنت أتلقى التوجيهات من الرؤساء المشكوك في سلوكهم”.

أقر بلوف، الذي عمل في أوبر في الفترة من عام 2014 إلى 2017، بوجود “نقاش عام وعالمي للغاية، وأحياناً يصبح النقاش حاداً ” حول لوائح طلب حجز السيارات خلال الفترة التي عمل بها. وأفاد بلوف في بيان من ثلاث فقرات: “كانت تلك المناقشات والمفاوضات واضحة ومباشرة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى اتسمت بمزيد من التحدي والصعوبات، وفي بعض المرات أراد أشخاص داخل الشركة تجاوز الحدود كثيراً. لقد بذلت قصارى جهدي للاعتراض عندما رأيت أنه سيتم تجاوز الحدود – كانت جهودي تُكلّل بالنجاح أحياناً، وتفشل في أحيان أخرى”.

ذكر محامو كالانيك أن الرئيس التنفيذي السابق لم يأذن أو يشارك في أي جهود تسعى لخداع أو عرقلة الشرطة أو السلطات الحكومية الأخرى.

صرحوا أن شركة أوبر، مثلها مثل الشركات الأخرى التي تعمل خارج الولايات المتحدة، تستخدم بروتوكولات التكنولوجيا لحماية الملكية الفكرية والحفاظ على خصوصية الراكبين والسائقين وضمان مراعاة الإجراءات القانونية الواجبة في حالة حدوث مداهمة.

وأفاد المحامون أن البروتوكولات لا تؤدي إلى حذف أي معلومات، مضيفين أن جميع القرارات المتعلقة باستخدامها جرى فحصها واعتمادها من جانب الإدارات القانونية والتنظيمية في أوبر.

سعياً لنشر رسالتها، جمعت أوبر وشركة استشارية قوائم تضم أكثر من 1850 “من الأطراف المعنية” -مسؤولين حكوميين سابقين ومراكز أبحاث وتفكير وفئات من المواطنين- وكانت تسعى إلى التأثير في 29 دولة والاتحاد الأوروبي، وفقاً لما ورد في الوثائق.

“هرم من الهراء التام”

بحلول عام 2014، أصبحت أوبر تهيمن على سوق سيارات الأجرة في الولايات المتحدة وتهدف إلى فرض سطوتها في سائر أنحاء العالم.

استطاعت الشركة البالغة من العمر 5 سنوات الدخول إلى 31 دولة عام 2014 وحده بفضل التدفقات النقدية التي حصلت عليها من مستثمرين مثل جيف بيزوس وجولدمان ساكس.

لقد تسبّبت في أزمات تنظيمية أينما ذهبت.

بدلاً من المرور بعملية الترخيص التقليدية أو العمل على تغيير القوانين واللوائح التي تحكم سيارات الأجرة والخدمات المماثلة، مضت أوبر قدماً، متحدية أسعار منافسيها بتوفير خصومات كبيرة.

تظهر الاتصالات المسربة أن بعض المسؤولين التنفيذيين في أوبر تبنوا نهج التمرد باعتباره ببساطة الطريقة التي تعمل بها الشركة.

أفادت هازلباكر من أوبر: “اتسم نهجنا الأولي في بعض الأوقات بالتهور الشديد”.

صرّح بارتيك كوياتكووسكي، الخبير الاستشاري لأوبر آنذاك، للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أنه عندما سعت أوبر لدخول بولندا، على سبيل المثال، أجرى الفريق “مناقشات مستفيضة” حول كيفية التعامل مع القانون البولندي غير المؤهل لتنظيم خدمة نقل الركاب التي تدعم الهواتف الذكية.

تشير الوثائق المسربة أنه في عام 2014 طلب كوياتكووسكي إرشادات حول الإطلاق البولندي. أجاب ماكغان، أحد أعضاء جماعة الضغط في أوبر: “بارتيك، لا توجد دراسات حالة في حد ذاتها. ببساطة يتم إطلاق أوبر، ومن ثم تأتي عاصفة تنظيمية وقانونية هوجاء”.

أنتجت استراتيجية حرب العصابات مجموعة متزايدة من التحديات التي وصفها المسؤولون التنفيذيون في عرض تقديمي بأنها “هرم من الهراء التام”. شكلت “دعاوى السائقين” و”التحقيقاتُ التنظيمية” و”الإجراءاتُ الإدارية” و”التقاضي المباشرُ” ذلك الهرمَ.

لتجاوز العقبات، اضطلعت أوبر بتشكيل قوة ذات نفوذ هائل لممارسة الضغط والأنشطة ذات الصلة، بميزانية عالمية مقترحة تبلغ 90 مليون دولار في عام 2016 وحده، وجاء ذلك وفقاً لما ذُكر في الوثائق المُسربّة.
استعانت الشركة بالاستراتيجيات التي حدّدتها في الولايات المتحدة.

عندما كانت أوبر تحتاج إلى قوة سياسية للانتقال إلى مدينة، كانت تستعين بمسؤولين حكوميين سابقين للضغط على شركائهم القدامى. وحين كانت الشركة تُتّهم بخرق القواعد، كانت تطلب من عملائها أن يمارسوا دور جماعات الضغط على مستوى القاعدة والتوقيع على التماسات “إنقاذ أوبر”. وعندما بدَت أجندتها في حاجة إلى أساس ودعم علمي، دفعت الأكاديميين الموالين لها لإنتاج أبحاث في صالحها.

تبنت أوبر سياسة المانترا، كما صرح اثنان من الشخصيات المؤثرة في أوبر؛ وهي تعني أن من الأفضل طلب الصفح بدلاً من التوسل لطلب الإذن.

تماماً كما فعلت أوبر في الولايات المتحدة، جذبت أيضاً السائقين في المدن الأوروبية إلى منصتها من خلال تقديم مكافآت وحوافز أخرى. ثم خفضت الإعانات، وحرمت العمال من الدخل الذي كانوا يعتمدون عليه.

تحولت الشركة إلى مجموعة “مستثمرين استراتيجيين”، وهم أشخاص لديهم موارد مالية وفيرة وعلاقات سياسية نافذة، للتأثير على سن القوانين في الخارج. كما شجعهم المسؤولون التنفيذيون في الشركة على الاستثمار في تطبيق طلب سيارات الأجرة بعد أن أكدوا أن لديهم ما يكفي من “الاستثمارات على أرض الواقع” لمساعدة الشركة في التغلب على العقبات التنظيمية في بلدانهم؛ فاستثمر قطب الاتصالات الفرنسي كزافييه نيل 10 ملايين دولار، ووضعت شركة النشر الألمانية أكسل شبرينغر 5 ملايين دولار، كما فعل قطب الأزياء الفرنسي برنارد أرنو.

وكتب ماكغان -أحد أعضاء جماعات الضغط- في رسالة إلكترونية، مشيراً إلى أرنو: “نحن لا نحتاج أموالهم لذاتها، لكن لأنهم يمكن أن يكونوا حلفاء مفيدين لنجاحنا في فرنسا”.

أنشأت أوبر أيضاً قائمة ضخمة من أعضاء جماعات الضغط.

بصفته أول عضو ضغط داخلي، عينت أوبر في عام 2014 بريان ورث، المساعد السابق للزعيم الجمهوري في مجلس النواب الأميركي كيفين مكارثي من كاليفورنيا. ومن بين الوثائق المسربة مذكرته المكونة من خمس صفحات التي تحدد استراتيجية التوسع العالمي، بعنوان: “الاستفادة من حكومة الولايات المتحدة لدعم الأعمال الدولية لأوبر”.

عُرضت على بعض أعضاء جماعات الضغط والمستشارين في أوبر حصصٌ في الشركة ومكافآت النجاح في تحقيق نتائج إيجابية، وفقاً لما تظهره الوثائق. وقد قدم المؤثرون المستأجَرون للمسؤولين الحكوميين حسومات على رحلات أوبر، ووجبات غداء “فاخرة”، ونصائح حول الوظائف، وحملات سياسية مجانية، ومساهمات في الحملات، وهدايا وامتيازات أخرى.

وسعت أوبر أيضاً إلى الاستفادة من المسؤولين الحكوميين السابقين، مثل نيلي كروس وزيرة النقل الهولندية السابقة التي شغلت منصب نائب رئيس المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي.

بعد نحو سنة من مغادرتها اللجنة في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014، طلبت كروس السماح لها بالانضمام إلى مجلس استشاريي أوبر مدفوع الأجر، رغم ما يسمى بفترة التهدئة لمدة 18 شهراً في مدونة قواعد سلوك المفوضية، التي تمنع المفوضين السابقين من الضغط على زملائهم السابقين؛ إلا أن المفوضية رفضت طلبها ورفضت أي استئناف له.

وتُظهِر الوثائق المسربة أن كروس ضغطت، خلال فترة التهدئة، على وزير هولندي وأعضاء آخرين في الحكومة “لإجبار المشرع القانوني والشرطة على التراجع” عن تحقيق في مكتب أوبر في أمستردام.

وفي مايو/أيار 2016 -قرب انتهاء فترة التهدئة- أخبرت أحد المسؤولين التنفيذيين في أوبر أنها كانت تعمل على ترتيب لقاء بين أوبر وأحد العاملين في المفوضية الأوروبية.

ومع أن مدونة الأخلاقيات لا تتحدث إلا عن الضغط على المفوضية نفسها، فإنها تتطلب أيضاً من المفوضين “التصرف بطريقة تتماشى مع نزاهة وواجبات مناصبهم، أثناء فترة ولايتهم وبعدها”، وتتطلب منهم “التصرف بنزاهة ورشد … حتى بعد 18 شهراً بعيداً عن المنصب”.

بعد انتهاء فترة التهدئة، انضمت كروس إلى المجلس الاستشاري لشركة أوبر. وتظهر السجلات أن أوبر عرضت عليها 200 ألف دولار لترأس مجلس الإدارة.

وذكّر ماكغان زملاءَه في رسالة إلكترونية في مارس/آذار 2015 -بعد أربعة أشهر من استقالة كروس من المفوضية- قائلاً: “إن علاقتنا مع كروس سرية للغاية؛ ولذا يجب ألا يظهر اسمها مطلقاً في أي مستند”.

وناقش المسؤولون التنفيذيون في الشركة مخاطر أن تصبح كروس هي “رمز النقاشات حول ’رأسمالية الباب الدوار أو رأسمالية المحاسيب في مجال التكنولوجيا‘”.

في بيان مكتوب إلى “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قالت كروس: “تماشياً مع واجباتي الأخلاقية كإحدى العاملات سابقاً في المفوضية الأوروبية، لم يكن لي أي دور رسمي أو غير رسمي في أوبر” قبل نهاية فترة التهدئة. وأضافت أنها خلال هذه الفترة اضطلعت بمنصب غير مدفوع الأجر مع منظمة هولندية لدعم الشركات الناشئة، وهو منصب تطلب منها “التفاعل مع مجموعة واسعة من المؤسسات التجارية والحكومية وغير الحكومية”. وقالت إنها فعلت ذلك بناء على طلب الحكومة الهولندية وبموافقة المفوضية الأوروبية.

ومن بين المجندين الآخرين في سياسة الباب الدوار حشدٌ من مساعدي أوباما السابقين، سعوا للتواصل مع وزراء الإدارة الأميركية والمسؤولين التجاريين والسفراء والقادة الأجانب.

أصبح جيم ميسينا -نائب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد أوباما- مستشاراً سياسياً في عام 2013، حيث بدأ تعاونه مع أوبر باعتباره عميلاً. وتظهِر السجلات أنه وجد نفسه في بعض الأحيان في أدوار مزدوجة؛ فقد سأل ميسينا مثلا أحد أعضاء جماعة الضغط في أوبر عما إذا كان ينبغي عليه مناقشة المشاكل التنظيمية للشركة في إسبانيا مع رئيس الوزراء آنذاك ماريانو راخوي في أثناء التعامل مع حملة راخوي السياسية، كما تُظهِر الوثائق.

ساعد ميسينا أيضاً في ربط المديرين التنفيذيين في أوبر بالدبلوماسيين الأميركيين، بما في ذلك جون إيمرسون -سفير الولايات المتحدة في ألمانيا خلال إدارة أوباما- وأحد أسلاف إيمرسون في منصبه؛ روبرت كيميت، الذي كان مستشاراً أولَ في شركة ويلمرهيل للمحاماة. وقد كانت شركة المحاماة تبحث عن إجراءات لمساعدة أوبر في التغلب على العقبات القانونية في ألمانيا.

وتلقي الوثائق المسربة الضوءَ على علاقات ماكغان وميسينا بجين هارتلي، سفيرة الولايات المتحدة في فرنسا من عام 2014 حتى عام 2017. وقد حصلت هارتلي على منصبها الدبلوماسي المرموق بعد أن جمعت مبالغ كبيرة من الأموال لحملة أوباما.

ومع مواجهة الشركة عقبات تنظيمية في فرنسا، طلب ماكغان لقاء السفيرة. وقد أرسل رسالة نصية إلى ميسينا قبل يوم من الموعد، يسأل عما إذا كان لديه أي رسائل يحملها لهارتلي، ورد ميسينا: “أخبرها أنني أحبها؛ لقد أعطيناها فرنسا”.

وتتضمن الرسالة مزحة تشير بوضوح للأعمال الفنية في مقر إقامة السفيرة الفخم في باريس.

قال أدريان دوربين -المتحدث باسم ميسينا- إن ميسينا لم يضغط من أجل أوبر أبداً، ولم يتحدث إلى أي رئيس دولة نيابة عن أوبر؛ وأضاف: “لقد تضمن عمل السيد ميسينا مع أوبر مساعدتهم على فهم المشهد السياسي في بعض البلدان الأوروبية حيث كانت الشركة تسعى لتنمية أعمالها”.

لم يعلق دوربين على أسئلة المتابعة حول المحادثات الخاصة التي -حسب ما تُظهِر وثائق أوبر- قال ميسينا للمديرين التنفيذيين في أوبر إنه كان يجريها مع رؤساء الدول.

انضم بلوف -مساعد أوباما السابق- إلى أوبر كرئيس للعلامات التجارية العالمية والاتصالات والسياسة في عام 2014. وكان مهندس حملة أوباما الرئاسية لعام 2008، التي تعهدت -من بين إصلاحات أخرى- بالحد من الضغط عبر سياسة الباب الدوار. وتُظهر الوثائق أنه اضطلع بدور أكبر في الضغط وقيادة معارك أوبر التنظيمية الدولية أكثر مما كان معروفاً في السابق.

فقد عقد بلوف اجتماعات غير معلنة مع العديد من المسؤولين الأميركيين، منهم وزير العمل آنذاك توم بيريز والسفيرة هارتلي.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية إن هارتلي، السفير الأمريكي الحالي لدى المملكة المتحدة، لم يتذكر أي مناقشات مع بلوف أو ميسينا بشأن أوبر. ولم يرد بيريز على الطلبات المتكررة للتعليق.

بلوف التقى أيضاً بمسؤولين في دول كانت أوبر تخوض فيها معارك تنظيمية، ومنها الهند؛ حيث طُلِب من موظفي أوبر توقع اضطرابات من المنافسين والمشرعين عندما أطلقت الشركة عمليات نقل الركاب. وقال الرئيس التنفيذي للشركة في آسيا في رسالة “عليكم احتواء الفوضى”.

وقالت جوان كوبّا -المتخصصة في السياسة العامة في أوبر- في رسالة إلكترونية في الوثائق المسربة، إن الشركة لجأت إلى بلوف من أجل “تحسين صورة أوبر” في الإمارات العربية المتحدة.

وأخبرت كوبّا الواشنطن بوست، شريكة “الاتحادَ الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، في بيان أن “اجتماعات ديفيد لم تمنع أو تؤخر أي شيء، لقد عملت ببساطة على إظهار أن لدينا قادة مسؤولين وناضجين في الشركة سيكونون نظراء للمسؤولين الحكوميين على قدر كبير من الاحترافية”.

إقرأوا أيضاً:

عمل بلوف في أوبر من 2014 حتى يناير/كانون الثاني 2017. وقبل استقالته بقليل، دفع 7.6 مليون دولار مقابل منزل مساحته 6000 قدم مربع في سان فرانسيسكو.

في الشهر التالي، فرض مجلس شيكاغو للأخلاقيات غرامة قدرها 90 ألف دولار على بلوف بسبب الضغط غير القانوني على عمدة شيكاغو آنذاك رام إيمانويل، الذي كان قد شغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في إدارة أوباما.

في بيان ، أقر بلوف بوجود “نقاش عام للغاية وعالمي وأحيانًا عنيف” حول أنظمة النقل أثناء وجوده في الشركة.

قال بلوف في بيان من ثلاث فقرات: “في بعض الأحيان كانت تلك المناقشات والمفاوضات مباشرة، وفي بعض الأحيان كانت أكثر صعوبة، وفي أحيان أخرى كان هناك أشخاص داخل الشركة يريدون الذهاب بعيداً”. “لقد بذلت قصارى جهدي للاعتراض عندما اعتقدت أنه سيتم تجاوز الخطوط – أحيانًا بنجاح، وأحيانًا لا.”

قال بلوف: “دعني أخبرك” ، “تدخل الغرفة مع وزير النقل، لا يهمني المكان، عاصمة الولاية، مجلس المدينة، العاصمة الأوروبية، البلد الأفريقي، فهم لا يهتمون بما أنا أو أي شخص آخر فعل بالسابق”. وأضاف أن المفاوضات “كانت تميل إلى أن تكون محددة للغاية بشأن مجموعة كاملة من القضايا المتعلقة بمشاركة النقل”.

ولم تعلق أوبر على جهود ضغط محددة، لكنها قالت إنه مع “نضوج” الشركة، عززت الإشراف على جماعات الضغط ووضعت مبادئ توجيهية جديدة للضغط في أوروبا.

فيما قالت هازلباكر: “تفي أوبر بالتزاماتها بالإفصاح عن أنشطتها عندما يُطلب منها ذلك. في المقابل، تقع على عاتق المسؤولين المنتخَبين مسؤولية الإفصاح عن الاجتماعات عندما يُطلب منهم ذلك”.

مفتاح الإغلاق  Kill Switch

بعد ظهر أحد أيام الإثنين من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2014، استقبل مكتب أوبر في باريس الواقع في مجمع تجاري مليء بالأشجار زواراً غير متوقعين؛ ألا وهم المفتشون الفرنسيون.

أرسل محامي أوبر زاخاري دي كييف رسالة إلكترونية لزملائه يقول فيها: “من فضلكم فعّلوا زر قطع الوصول الآن”.

كان دي كييف يشير إلى ما يسمى بمفتاح الإغلاق (kill switch) الذي يؤدي تفعليه إلى فصل أجهزة الكمبيوتر عن خوادم الشركة؛ وهذا من شأنه أن يمنع السلطات من مصادرة وثائق الشركة الحساسة.

على مدار عام تقريباً -مع توسع أوبر في أنحاء العالم- استخدمت الشركة مفتاح الإغلاق لمنع الشرطة من الوصول إلى أنظمتها أثناء مداهمات المكاتب في فرنسا، وكذلك رومانيا، هولندا وبلجيكا والهند والمجر.

وتكشف وثائق أوبر أن بلوف -رئيس سياسات أوبر- شارك في مناقشات حول اثنتين على الأقل من المداهمات في أثناء حدوثهما؛ ففي مارس/آذار 2015، طلب معلومات فور أن داهمت الشرطة مكتب باريس للمرة الثانية على الأقل.

وفي رسالة إلكترونية أعيد توجيهها إلى بلوف، قال ماكغان، الذي كان يعمل في حملات الضغط آنذاك، “ما زالت الشرطة هناك في قوّة كبيرة (من حوالي 25 فرداً)”.

وأجاب بلوف “حسناً! أرجو أن توافيني بالأخبار أوّلاً بأوّل”.

وأخبر ماكغان بلوف أن “إمكانية الوصول إلى الأدوات التقنية قد انقطعت على الفور، ولذلك لن تستطيع الشرطة فعل الكثير إن حاولت”.

ولكن في حملة أخرى في باريس، في تموز/يوليو 2015، أخبر ماكغان مديرَ شركة أوبر في فرنسا، ثيبود سيمفال، في رسالةٍ نصية أن عليه “استخدام دليل ’زخاري دي كيفيت‘ (Zachary De Kievit)”.

وأضاف قائلاً، “جرّب مع عدد قليل من الحواسيب، ولْتبدوا دهشةً حين لا تستطيعون الوصول، وقل إن الفريق التقني في سان فرانسيسكو، وغطُّوا في النوم؛ وعلى أيّ حال، فهذا كله تتحكم في شركة أوبر [بمقرّها الهولندي]، وبالتالي عليهم التواصل مع الشركة وتقديم طلبهم إليها”.

فأجاب سيمفال، “نعم، استخدمنا هذا الدليل عدة مرات إلى الآن، ولكن الجانب الأصعب هو الإبقاء على عنصر الاندهاش”!

لم يكن مفتاح الإغلاق هو السلاح التقني الوحيد الذي وظفته شركة أوبر لمراوغة الشرطة واللوائح. فقد حدّدت الشركة أيضاً بعضَ عناصر الشرطة أو المسؤولين الحكوميين الذين اعتقدَت أنهم أعطوا أوامر لسيارات أوبر بجمع الأدلّة. ويمكنها الآن أن تريهم نسخة زائفة من التطبيق مع سيارات وهمية لم تصل أبداً. وقد فعلت هذا في هولندا وبلجيكا وروسيا وبلغاريا والدنمارك وإسبانيا وبلدان أخرى.

وقد ناقش الفريق إنشاء “أسوار تعتيم جغرافية” حول مخافر الشرطة في الدنمارك؛ بحيث لا يمكن لمَن بداخلها استخدام التطبيق بنجاح إلّا إذا أزال التعتيم عنه أحد موظّفي شركة أوبر.

وفي بروكسل استأجرت السلطات المحليّة شركاتٍ لتجنيد عملاء وهميين، أو “متسوّقين غامضين”، للمشاركة في الحملة ضد أوبر. وهؤلاء سيطلبون السيارات لتتمكّن السلطات من اتخاذ إجراء ضد السائقين عند وصولهم. وقد تناوَلت شركة أوبر مسألة إخبار الموظّفين أن يقوموا بالتسجيل كمتسوّقين بأسماء زائفة أملاً في أن يتم تنبيههم عند محاولة الشرطة التجنيد لأي حملات قادمة.


في 2014 كتب غور كوتي، المدير الإقليمي لأوبر في أوروبا الغربية، إلى فريق العمل أن تكتيكات “مكافحة الإنفاذ” قد جُمعت “في دليل جيد جداً”.

لم يُجب غور كوتي، أحد أقدم العاملين في فريق أوبر، على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” عن دليل تكتيكات مكافحة إنفاذ القانون. 

في بيان عبر البريد الإلكتروني ، أعرب غور كوتي عن ندمه على بعض تكتيكات أوبر. قال: “انضممت إلى أوبر منذ ما يقرب من عشر سنوات، في بداية مسيرتي المهنية”. “كنت صغيرًا وعديم الخبرة وكنت كثيرًا ما أتلقى التوجيهات من الرؤساء ذوي الأخلاق المشكوك فيها”. 

لم يرد غور كوتي ولا بلوف على الأسئلة حول مفتاح القفل.

وقال سيمفال، مدير أوبر فرنسا آنذاك ورئيس قسم الاستدامة بالشركة على المستوى العالمي، إن جميع تفاعلاته مع السلطات العامة كانت تتم بحسن نية.

وفي تصريحٍ مكتوب، قال ماكغان: “في كلّ مناسبة كنتُ فيها مسؤولاً شخصياً عن أنشطة تتعلّق بـ’مفتاح الإغلاق‘، كنت أتصرّف بناءً على الأوامر الصريحة من إدارتي في سان فرانسيسكو”.

لم يرد دي كييفيت على طلبات للتعليق.

والآن قالت أوبر إنها تتعاون اليوم مع أجهزة إنفاذ القانون، ولم تعد تستخدم التقنية لإعاقتها. وقالت هازلباكر، المتحدّثة باسم الشركة، “ليس لدى أوبر ’مفتاح إغلاق‘ مصمَّم لإعاقة الاستفسارات التنظيمية في أيّ مكان حول العالَم، ولم يكن لديها منذ تولّى دارا خوسروشاهي منصب المدير التنفيذي في العام 2017. ومع أن كل شركة لديها برامج تعمل على حماية أجهزتها المؤسسية (في حال فقَد أحد موظّفيها حاسوبَه، مثلاً)، لا يجب استخدام هذه البرامج في إعاقة الإجراءات التنظيمية المشروعة”.

وبعد أن أطلقت أوبر أولى جهودها الدولية، في باريس في العام 2011، واجهَت الشركة آليةً صارمة لإنفاذ القانون من قِبَل السلطات الفرنسية ومعارضةً شرسة من الجهات العتيدة في تقديم خدمات التاكسي. وقد اتجهت مظاهرات سائقي التاكسي المناهضة لأوبر إلى العنف، وفي العام 2014 مرّرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانوناً داعماً للتاكسي يضع لوائح وتنظيمات لعمل أوبر.

بدأت السلطات الفرنسية التحقيق مع أوبر حول انتهاكات محتمَلة، ومنها مخالفة قوانين الضرائب وتشغيل خدمات التاكسي دون تصريح. وركّزت “المديرية العامة لسياسات المنافسة وشؤون المستهلك ومكافحة الاحتيال” -وهي هيئة حماية المستهلك في فرنسا وتتمتع بنفوذ كبير في البلاد- على مسألة ما إذا كانت خدمة أوبر بوب (UberPOP) قانونية أم لا، وهي خدمة منخفضة التكلفة وغير مرخَّصة.

وكانت أوبر تستعد لهذا النوع تحديداً من الصراعات.

وتُظهِر التسريبات أن شركة أوبر قامت بالتعاون مع شركة استشارية بعمل قائمة من “المُسهِمين”، في أنحاء أوروبا في الغالب. وحددت الشركة في فرنسا أكثر من 250 حليفاً وخصماً وغير ذلك، بما في ذلك حوالي 180 سياسياً ومسؤولاً عاماً.

وبعد أن أصبح إيمانويل ماكرون، السياسي الوسطي الصاعد بسرعة، وزيراً للاقتصاد في أغسطس/آب 2014، وجدت أوبر أن لديها حليفاً رفيعَ المستوى. فقد كان ماكرون، في سن 36 حينها، معروفاً بأنه تكنوقراط يميل إلى الأنشطة التجارية، وقد عمل فترةً في بنك روتشيلد وشركاه الاستثماري. وبصفته وزيراً للاقتصاد، فقد أشرَف على هيئة حماية المستهلِك.

ووثّقت صحيفة لوموند، وهي من شركاء “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، أكثر من عشر اتصالات في وثائق أوبر (Uber Files)، من رسائل إلكترونية ورسائل نصيّة واتصالات ولقاءات، بين ماكرون أو مساعديه وبين أوبر في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2014 وفبراير/شباط 2016.

وتُظهِر الوثائق أن ماكرون عقَد، بُعَيد تولّيه وزارة الاقتصاد، لقاءً مع كالانيك. ووصَف ماكغان اللقاء بأنه مذهل؛ فقد أخبر ماكرون واضعي اللوائح ألّا يكون “محافظين للغاية”، في التزامٍ أساسي بتفسير قوانين التاكسي بطرق أكثر ملاءمةً لأوبر، كما قال ماكغان  في رسالة إلكترونية.

وأضاف ماكغان في تلك الرسالة أن ماكرون “استضاف أوبر في أجواء دافئة وودودة وبنّاءة على نحوٍ ملحوظ”، وهذا ينمّ عن “رغبة واضحة لديه في الالتفاف على التشريعات”.

وفي رسالة أخرى جاءت في شهر يوليو/تموز 2015، سأل كالانيك ماكرون إن كان وزير الداخلية برنار كازانوف أهلاً للثقة. وكان رد ماكرون أنه التقى مع كازانوف ومع رئيس الوزراء آنذاك مانويل فالس قبل حديثه مع كالانيك بيوم واحد، وأن كازانوف قد وافق على عقد “صفقة”. وقال ماكرون إن كازانوف سيقبل تعديل القانون، فعلَّقت الشركة لاحقاً، في مساء ذلك اليوم، خدمات أوبر بوب في فرنسا.

وقال كازانوف لصحيفة لوموند، إنه لم يسمع أبداً عن صفقةٍ بين الحكومة الفرنسية وشركة أوبر. وأضاف أن ماكرون لم يخبره شيئاً عن ذلك.

وقالت هازلباكر إن الشركة أغلقَت أوبر بوب استجابةً لمستويات عالية من العنف ضد السائقين والركّاب. ونفت إبرام اتفاق مع ماكرون أو السلطات الفرنسية لتخفيف القواعد. وأضافت أن “تعليق خدمات أوبر بوب لم يَعقبه بأي صورة من الصور سنّ لوائح أكثر توافقاً وملائمة [مع الشركة]”.

وفي ردّ على أسئلة طرحها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قال مكتب ماكرون إن قطاع الخدمات الفرنسي كان في حالة اضطراب في ذلك الوقت بسبب صعود منصّات من قبيل أوبر، وهي منصّات واجهت عقبات إدارية وتحديات تنظيمية. ولم يُجب المكتب على أسئلة عن علاقة ماكرون بأوبر.

وبعد البناء لعدّة أشهر، تفاقمت الأزمة في مارسيليا بعد أن منع سائقو التاكسي مديراً تنفيذياً في أوبر من الحديث في معرض للأعمال يضمّ بعض روّاد الأعمال. وبالحديث عن “صدامات وتجاوزات تخلّ بالنظام العام”، قام الفرع المحلي للشرطة الوطنية بتعليق خدمات أوبر إكس (UberX)، وهي أكثر خدمات أوبر شعبيةً، في أحياء وسط المدينة وحول المطار ومحطة القطارات.

وقد كتب ماكغان “مُروَّعاً” إلى ماكرون في اليوم التالي، وجاء ردّ الوزير ماكرون بعد 11 ساعة، وقال فيه “سأنظر في هذا الأمر شخصياً. دعني أحصل على جميع الحقائق، وسنقرّر هذا المساء. لكن لنحافظ على الهدوء في هذه المرحلة”.

في ذلك المساء بدأ رئيس الفرع المحلي للشرطة الوطنية بتغيير المسار، واعداً بتوضيح الأمر [الذي أصدره]. بعد اثني عشر يومًا ، أصدرت السلطات أمرًا جديدًا ينص على أن الحظر ينطبق على سائقي أوبر غير المرخصين وغير المنظمين في الولاية القضائية بأكملها. نفت السلطات الفرنسية تلقيها أي ضغوط من وزارة ماكرون.. 

وقد احتفَت أوبر بالنتائج باعتبارها مكسباً لها، وجاء في الإصدار الأسبوعي الداخلي للشركة: “لقد تمّ نقض قرار الحظر بعد ضغوط مكثّفة من أوبر”.

لعبة عالية المخاطر

نزَل عشرة مسؤولين تنفيذيين من أوبر في منتجع دافوس السويسري، الشهير برياضة التزلُّج، للسياحة والحديث وإقامة حفلات وعقد صفقات مع قادة العالم والأوليغارشيين في المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2016.

في الاجتماع الذي استمر أربعة أيام للمدعوِّين فقط، نالت الشركة إعجاب جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، بالتزام الشركة تجاه العاملين فيها.

كان من موضوعات المنتدى في العام 2016 الثورة الرقمية ومستقبل العمل. ويكشف كتاب إحاطة لشركة أوبر، يتكوّن من 98 صفحة، عن أن المدير التنفيذي للشركة آنذاك كالانيك ومرؤوسيه كانت لديهم مواعيد مع أربع رؤساء وزراء ونائبَين لرئيس المفوّضية الأوروبية ومع الوزير الفرنسي ماكرون، وحفنة من القادة الآخرين. وكان من المقرَّر أيضاً حضور حفلة في وقت متأخر من الليل استضافها رجل التمويل البريطاني نات روتشيلد وأوليغ دِريباسكا وهو من أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي رسالة إلكترونية بتاريخ 20 يناير/كانون الثاني، اليوم الأول من منتدى دافوس، أرسلتها راشيل ويتستون، كبيرة مسؤولي الاتصالات بشركة أوبر في ذلك الوقت، إلى رئيسها، قالت “إذن اليوم نلتقي نائبَ رئيس واحداً ورئيسَي وزراء”. وقالت إن جدولَه شمل أيضاً حفلات شراب وعشاء مع المتبرّعة ورائدة الأعمال الخيرية مليندا غيتس، ومحادثة أمام المدفأة مع مؤسِّسة موقع هافينغتون بوست آريانا هافينغتون، واجتماع جانبي مع الملياردير الروسي هيرمان غريف، رئيس سبيربنك، المفروضة عليه عقوبات الآن، وذلك خلال حفل استقبال استضافه البنك الروسي. وأخيراً، “حفل طوعي تماماً لتناول مشروب روحي” في غراند أوتيل بلفيدير، وهي قلعة شاهقة على منتزه دافوس.

وخلف الكواليس، تحدّث كالانيك مع قادة العالم ومسؤولين حكوميين بارزين في بلاد كانت أوبر تحاول التوسّع فيها.

كشفت الوثائق أنه التقَى كزافييه بيتل، رئيس وزراء لوكسمبرغ، وتوفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي آنذاك. وقد كتب الربيعة لاحقاً “كان [اللقاء] من دواعي سروري. ونأمل أن نقدّم لكم الدعم للحصول على التراخيص الرسمية قريباً”.

فيما أبدَى نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، صراحةً دعمَه لشركة أوبر بُعَيد لقائه مع كالانيك.

ووَفقاً لملاحظات دُوِّنت خلال اللقاء، قال نتنياهو، “سنكسر المقاومة. دعونا نعمل بالتوازي”.

وامتنع نتنياهو عن التعليق من خلال متحدث.

ولم يستجب توفيق الربيعة لطلبات متكررة للتعليق.

وقالت متحدثة باسم بيتيل إن كالانيك ورئيس الوزراء ناقشا توسع أوبر المحتمل في الدولة الأوروبية الصغيرة.

فيما أبدَت أوبر عنايةً خاصة بالحفاظ على تفاصيل لقاء كالانيك مع بايدن سرية، “حتى مع الفرَق الداخليّة [بالشركة]”. وقد جاء ترتيب الجلسة الحوارية عبر سلسلة من العاملين في إدارة أوباما سابقاً.

برفقة عميل سابق في الخدمة السرية، التقى كالانيك بالرئيس بايدن في جناحه بفندق إنتركونتيننتال، وهو فندق يُدعى “البيضة الذهبية” نظراً لشكله البيضاوي. ركز نقاشهم على ادعاءات أوبر بأنها كانت تخلق الكثير من فرص العمل وتوفر الوظائف التي منحت الناس طريقة مرنة لكسب المال. وقد حققت تلك الدعاوى التأثير المطلوب من ورائها، فقد غيّر بايدن ملاحظاته المعدة في المنتدى ليشير إلى أوبر، وفقاً لرسالة بعث بها أحد مساعدي بايدن إلى أحد موظفي أوبر.

قال بايدن في خطابه الافتتاحي: “التقيت اليوم بالرئيس التنفيذي لإحدى تلك الشركات”، في إشارة إلى كالانيك وأوبر، وقد استعمل عبارة كالانيك التي وصف بها تأثير شركات سيارات الأجرة على اقتصادات العالم. “إنه [يقول] إنه سيضيف مليوني وظيفة جديدة هذا العام، مما سيتيح للناس حرية العمل لساعات عديدة كما يحلو لهم، وإدارة حياتهم كما يريدون”.

رداً على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” الشهر الماضي، قالت متحدثة باسم البيت الأبيض إن بايدن “ملتزم بمكافحة سوء تصنيف الموظفين الذي يحرم العمال من الحماية والمزايا الهامة، بما في ذلك الحد الأدنى للأجور، ويجبرهم على العمل الإضافي، ويحرمهم من الإجازة العائلية والطبية”.

كانت توقعات الوظائف في دافوس مفرطة في التفاؤل؛ فقد كان الكثير من سائقي أوبر متعاقدين  بدوام جزئي، أو من يعملون بشكل مستقل- غير مؤهلين للحصول على المزايا الرئيسية مثل الرعاية الصحية. وفي العديد من البلدان التي توسعت فيها أوبر بسرعة، كان سائقوها يتعرضون للتهديد والهجوم من قبل الراكبين واللصوص وسائقي سيارات الأجرة التقليدية.

في جنوب إفريقيا، سمحت أوبر للسائقين بالبدء في قبول الدفع النقدي في مايو/أيار 2016 كجزء من محاولة لزيادة عدد الركاب، بينما اندفع أعضاء العصابات لطلب سيارات أوبر عن طريق التطبيق فقط من أجل سرقة السائقين. وقد أفاد ممثلو الادعاء في أغسطس/آب 2019، أن اثنين من البلطجية هاجموا سائق أوبر وهشموا رأسه بالحجارة حتى مات.

قال سائقون في كيب تاون بجنوب إفريقيا لصحيفة واشنطن بوست، وهي شريك إعلامي “للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، إن العديد من السائقين أُحرقوا أحياء في سياراتهم.

في مقابلة مع “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، قالت فايزة هابت -البالغة من العمر 61 سنة- “لا أستطيع تخيل نفسي أجتذب الزبائن عبر التطبيق بعد الآن؛ أنا خائفة للغاية”. بدأت فايزة قيادة سيارتها لصالح أوبر في كيب تاون عام 2014، على أمل أن تصبح سيدة أعمال مستقلة. في البداية، كان العمل ممكناً، ثم بدأت أوبر في أخذ عمولة أعلى، بينما بقيت الأسعار كما هي.

ثم استقالت في عام 2016، بعد أن هاجمها عميل غاضب من المقعد الخلفي وشد شعرها وضربها؛ قالت فايزة: “لقد فقدت السيطرة وظننت أنني سأصدم السيارة؛ بالنسبة لامرأة تقود سيارة أجرة، فهذا مخيف للغاية”.

من عام 2014 إلى عام 2015، خفضت أوبر بشكل كبير رواتب السائقين في كيب تاون من خلال خفض مكافأة كل رحلة من 4 دولارات إلى ما يقرب من الصفر، وفقاً للوثائق المسربة. ومن ثم أصبحت كيب تاون واحدة من أكثر أسواق أوبر ربحية.

قال فرانس هيمسترا، مدير شركة أوبر جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، إن مثل هذه الحوافز شائعة في أي شركة متنامية. وأضاف المتحدث باسم أوبر جوس جلوفر أنه مع نضوج الأسواق، تقوم الشركة بتعديل تلك الحوافز.

قالت أوبر إنها ركزت في السنوات الخمس الماضية على “إعادة توجيه ثقافة أوبر بأكملها – من الأعلى إلى الأسفل – حول السلامة”، واستثمرت بكثافة في التقنيات الجديدة وميزات الأمان الأخرى للحفاظ على سلامة الركاب والسائقين.

قالت هازلباكر “هناك الكثير مما قاله الرئيس التنفيذي السابق منذ ما يقرب من عقد من الزمن وهو أننا بالتأكيد لن نتغاضى عن هذه الظاهرة بعد اليوم؛ وهناك شيء واحد نعرفه ونشعر به بشدة وهو أنه لم يكن أحد في أوبر سعيداً على الإطلاق بالعنف ضد السائق”.

ومع ذلك، تُظهر الوثائق المسربة أن كالانيك وبعض المديرين التنفيذيين الآخرين في أوبر اعتبروا العنف والهجمات على السائقين فرصاً استراتيجية لحشد الدعم لقضيتهم. فهم لم يتحملوا أي مسؤولية عن العنف، على الرغم من أن اقتحام أوبر أسواقاً جديدة -الذي كان في كثير من الأحيان مصحوباً بانتهاك للقوانين المحلية- كان سبباً في حدوثه.

بعد أسبوع واحد فقط من اجتماع كالانيك مع بايدن – حيث كان سائقي سيارات الأجرة الفرنسيين يخططون لاحتجاجات من شأنها أن تتحول إلى أعمال عنف ضد سائقي أوبر – أرسل الرئيس التنفيذي كالانيك نصًا إلى زملائه يعلن فيه الجانب الإيجابي المحتمل للفوضى: “العنف يضمن النجاح. وهؤلاء الرجال يجب أن يقاوموا، أليس كذلك؟ “

لم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي حاول فيها مديرو أوبر التفيذيّون استغلال العنف ضد سائقيها لصالحها. ففي عام 2015، نظم سائقو سيارات الأجرة في بروكسل حملة مضايقة ضد أوبر، وألقوا البيض على سيارات أوبر وحطموا مرايا الرؤية الجانبية وأخذوا مفاتيح سائقي أوبر، حتى أن بعضهم هددهم بـ “قتلهم دون محاكمة”.

قال المدير العام للشركة في بلجيكا: “تقدم أحد السائقين بالفعل للتحدث للصحافة، لقد أُلقي بكيس دقيق كامل عليه وعلى الركاب عن طريق سيارة أجرة. لقد كال له الاتهامات، وكان سائق سيارة الأجرة سيقضي ليلة في السجن؛ يالها من قصة جيدة!”

بعد استبدال كالانيك في عام 2017، قاد دارا خسروشاهي شركة أوبر وقد تزامنت بداية ولايته مع اضطراب أسهم أوبر في السوق، وتراجع عدد الركاب بسبب الجائحة، وإصلاح الممارسات التجارية؛ وتقول هازلباكر “أعاد دارا كتابة قيم الشركة، وجدد فريق القيادة، وجعل السلامة أولوية قصوى للشركة، ونفذ أفضل حوكمة مؤسسية ممكنة، وعين مجلس إدارة مستقل، ووضع ضوابط الصرامة والامتثال الضروريين للعمل كشركة عامة. لقد انتقلنا من عصر المواجهة إلى عصر التعاون، مما يدل على استعدادنا للجلوس على الطاولة وإيجاد أرضية مشتركة مع المعارضين السابقين، بما في ذلك النقابات العمالية وشركات سيارات الأجرة”. 

أقرت هازلباكر بأن الشركة لم تعامل السائقين دائماً بقدر كاف من العناية والاحترام، لكنها أدخلت تحسينات على هذا الأسلوب منذ عام 2017. وقالت إن أرباح السائقين على مستوى العالم في أعلى مستوياتها على الإطلاق أو قريبة منها، وتدعو أوبر الآن “على الصعيد العالمي لمزيد من المزايا والحماية”.

ودافعت عن نموذج مقاول السائق المستقل لشركة أوبر باعتباره محركًا لخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي.

قالت سبورجون المتحدثة باسم كالانيك: “عندما شارك السيد كالانيك في تأسيس أوبر في عام 2009، كان هو وبقية فريق أوبر رواد صناعة أصبحت الآن فعلًا. يتطلب القيام بذلك تغيير الوضع الراهن، حيث أصبحت أوبر منافسًا جادًا في صناعة كانت المنافسة فيها محظورة تاريخيًا. كنتيجة طبيعية ومتوقعة، قاتلت مصالح الصناعة الراسخة في جميع أنحاء العالم لمنع التطور الذي تشتد الحاجة إليه في صناعة النقل. وكما يعلم الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين والعالم  فقد ثابرت أوبر”.

ومع ذلك، لا تزال أوبر تتعامل مع تداعيات ظهورها المضطرب على الصعيد الدولي.

فلا يزال بعض سائقي أوبر -خاصة في البلدان النامية مثل جنوب إفريقيا- يشكون من ساعات العمل المرهقة وضعف الأجور. وقد دخل الكثيرون في صفقات تأجير عالية التكلفة لسياراتهم المسجلة في أوبر؛ وخلال الوباء، لم يتمكن بعضهم من تغطية نفقاته الأساسية لأنهم كافحوا لتسديد مدفوعات السيارات.

في الهند، يدفع السائقون لأوبر من 20٪ إلى 30٪ من أجورهم في شكل عمولات، وهو ضعف المبلغ الذي تقاضته أوبر عندما انطلقت من أكبر ديمقراطية في العالم، وذلك حسب ما بينته مجموعة Fairwork India المدافعة عن اقتصاد العمال المؤقتين.

في المملكة المتحدة وهولندا، قضت المحاكم بأن سائقي أوبر مشمولون بقوانين العمل.

وفي أماكن أخرى، صدرت أحكام ضد السائقين الذين يبحثون عن التوظيف. ففي الولايات المتحدة، أعلن المجلس الوطني لعلاقات العمل أن سائقي أوبر هم عمال مستقلون ليس لديهم الحق في تشكيل نقابات أو التفاوض بشكل جماعي.

وبعد تكبد خسائر بقيمة 23 مليار دولار على مدار (يحدد العدد لاحقاً) سنوات، سجلت أوبر أول أرباح تشغيلية لها في عام 2021، وفقاً لتقريرها السنوي الأخير.

في مايو/أيار، صوّت مساهمو أوبر ضد اقتراح كان من شأنه أن يتطلب من الشركة الكشف الكامل عن أنشطة الضغط والإنفاق.

رداً على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، رفضت أوبر الكشف عن المبلغ الذي أنفقته من أجل الضغط وإلى من ذهبت هذه الأموال.

المُساهِمون: سيلا أليكسي، دين ستاركمان، دلفين رويتر، بن هولمان، جيلينا كوزيك، فيرغوس شيل، مايك هدسون، إميليا دياز ستروك، ميغيل فياندور، ريتشارد إتش بي. سيا، هاميش بولاند-رودر، إسراء موستوفا، بيير روميرا، جيرارد رايل، أنطونيو كوتشو جامبوا، جو هيلهاوس، توم ستيتس، ويتني أواناياه، مارجوت ويليامز، سولين ليدزيرت، برونو توماس، كارولين ديسبرات، ماكسيم فانزا لوتاوندا، داميان ليلوب ، أدريان سينكات ، إيلودي غيجوين ، فيليسيتي لورانس ، روب ديفيز ، جينيفر رانكين ، آرون ديفيس ، روبن عامر ، جوزيف مين ، دوغلاس ماكميلان ، ريك نواك ، ليندا فان دير بول ، أوري بلاو ، ديرك واترفال ، كارلين كويجبيرز.

إقرأوا أيضاً: