صِف ما يجري في السعودية باستراتيجية الصدمة والترويع، أو ربما عملية تطهير، أو حتى حملة تنظيف. قد تختلف المسميات إلا أنه لا مجال للشك بأن عملية الاعتقال الجماعي لبعضٍ من كبار الأمراء والإداريين والمسؤولين في المملكة العربية السعودية والتي وقعت نهاية الأسبوع الماضي قد أدت إلى إضعاف هيكل النخبة السعودية وطريقة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. إنها ليست بالضبط ليلة السكاكين الطويلة، كما يسميها البعض، إذ أن فندق ريتز كارلتون الفاخر الذي يُحتجز فيه الأمراء لا يشبه بحالٍ من الأحوال كابوس غولاك السوفياتي أو معتقل سيبيريا. ولكن هذه الخطوة تُعد الحلقة الأخيرة في سلسلة من التدابير والإجراءات التي تهدف إلى تثبيت وتركيز السلطة في يد الملك سلمان وابنه ووريث عرشه محمد بن سلمان، ولي العهد البالغ من العمر 32 عاماً.
إذا كان محمد بن سلمان يتصرف مثل أي من أسلافه فسيكون الملك عبد العزيز بن سعود، الذي أسس الدولة السعودية الحديثة في عام 1932. فهو يضع نفسه موضع عبدالعزيز الجديد الذي سيخلق السعودية لعهد جديد واقتصادٍ جديد وقوي. ومن الواضح أنه يعتزم القيام بذلك عن طريق محو كل مراكز القوى في المملكة والبدء بعهد جديد تكون له وحده اليد القوية دون أية معارضة.
وتجري عمليات التطهير الحاصلة تحت عنوان مكافحة الفساد وهي على ما يبدو تلقى دعماً شعبياً كبيراً، ولا سيما بين الشباب. وينفذ الأمير في الوقت نفسه رؤيته لعام 2030، التي تشمل التركيز على السياحة المحلية والترفيه، والتغييرات الاجتماعية التي تُعتبر ضرورية لمواكبة الحداثة والتنويع الاقتصادي، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة مثل حقها في القيادة.
ما يحاول محمد بن سلمان القيام به هو عمل سياسي كبير شديد الخطورة، ولا يوجد حدٌ أقصى له. إنه يطمح لتحقيق أحلامه ورؤيته مهما كلفه الأمر، واضعاً نفسه ووالده كممثلين للمجتمع السعودي بطبقاته الفقيرة والمتوسطة، مزيلاً بذلك كل المستويات العليا القائمة خاصةً تلك التي لا تخضع لسيطرته المباشرة. بالتأكيد هي خُطوة جريئة وطموحة، ولكنها في ذات الوقت مقامرةً بالغة الخطورة. ومن المؤكد أنه لا توجد أية شخصية سياسية معاصرة يمكن أن تُجسد (جورج دانتون) على نحو أفضل مما يقوم به الأمير الشاب. إنها الجرأة، ثم المزيد من الجرأة حتى تُصبح منهج حياة. ولكن هذا يعني أن محمد بن سلمان قد أقحم نفسه بصورةٍ شخصيةٍ الآن في ثلاث محاور رئيسية مع الحكومة والمجتمع السعودي قد تحتمل النجاح أو الفشل، ولكن الفشل في أيٍ منها قد يؤدي إلى أزمةٍ خطيرةٍ للغاية.
المحور الأول هو توطيد السلطة السياسية. يمكن لكل ناظرٍ في حملة الاعتقالات الواسعة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي استنباط أمرٍ هام هو أنه لا توجد حالياً مراكز سلطة مستقلة في البلاد، أو على الأقل لن يُسمح بالوجود لأيٍ منها بدون إذن. ومع ذلك، من الممكن أن يكون ولي العهد ووالده قد تجاوزا حدودهما بتخليهما عن معايير تقاسم السلطة داخل العائلة المالكة ومراكز الدولة والتي تم العمل بها لعقود وهذا ما قد يشي بأن ثمة ردة فعل عنيفة قد تكشف عنها الأيام. علاوة على ذلك، من غير الواضح ماذا سيحدث للأمراء المعتقلين. هل سيتم تجريدهم من ثرواتهم؟ أم هل سيتم نفيهم؟ هل سيتم احتجازهم لأجل غير مسمى؟ هل سيتم العفو عنهم بحيث أن عملية الاعتقال لم تكن سوى لتخويفهم؟؟ مثل تلك الاحتمالات قد تنذر ب”مؤامرة” محتملة ضد النظام الجديد. من المؤكد أن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان لديه خُطة لذلك، ولكن من غير الواضح تماماً ماذا سيحدث في الأيام المقبلة.
وأخيراً، يمكن أن يكون اتساع نطاق الحملة التي وقعت الأسبوع الماضي مرتبطة بعملية انقلاب كانت محتملة. وبالرغم أنه لا يُوجد دليل على ذلك، إلا أن حادث مقتل ابن الأمير مقرن المخلوع في نهاية هذا الأسبوع في حادث تحطم مروحية بالقرب من الحدود مع اليمن يثير الشكوك. ولكن على الأرجح أن الحادث كان من قبيل المصادفة، وليس ترتيباً للتخلص من الأمير، ودمج السلطة في أيدي محمد بن سلمان، بيد أنها عملية يتم الترتيب لها الآن ومن المتوقع أن يتم تحقيقها بنجاح على المدى القصير.
الجزء الثاني من المشروع، هو عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمرٌ قد يطول تحقيقه ولكن لا يزال قابلاً للتنفيذ. ولدى المملكة العربية السعودية الموارد اللازمة لإدارة التحول الضروري على نحو متزايد بعيداً عن الاعتماد على النفط، خاصةً إذا بدأت الحكومة في معاملة شعبها كمورد رأس مال بشري بدلاً من معاملتهم على أنهم مجموعة من المُعالين. وقد أبدى الأمير محمد بن سلمان عزمه على قيادة هذا التحول من أعلى إلى أسفل، آخذاً في الاعتبار التغيرات الاجتماعية اللازمة، لا سيما فيما يتعلق بدور المرأة، الذي سيكون ضرورياً لمرحلة اقتصاد ما بعد النفط وصولاً إلى التنافسية العالمية. جديرٌ بالذكر أن محاولته لتشكيل تحالف مع عامة الناس، ولا سيما الشباب منهم، تبدو ناجحة نسبياً ويمكن أن تُشكل العنصر الأساسي للنجاح على المدى الطويل. وهناك دليل على نشوء ديناميكية جديدة في أجزاء من المجتمع السعودي.
أما الجبهة الثالثة التي من المرجح أن تكون أكثر تحدياً فهي التأكيد والدفاع عن المصالح السعودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بإيران التي تُعد أكثر قوةٍ من أي وقتٍ مضى. هذا وقد شهد نهاية الأسبوع الماضي أيضاً إسقاط صاروخٍ أطلقه الحوثيون اليمنيون تجاه مطار الرياض الدولي، ربما يكون قد حصلوا عليه من حلفائهم الإيرانيين. هذا بجانب استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وتُشكل كلاً من اليمن ولبنان أراضٍ لمعارك رئيسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. ويبدو أن تدخل اليمن، الذي كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمحمد بن سلمان، الذي كان يشغل منصب وزير للدفاع آنذاك، قد أصبح مستنقعاً غير مجدياً سياسياً أو عسكرياً للملكة. وهناك تقارير تفيد بأن محمد بن سلمان يبحث الآن عن مخرج من هذا المستنقع، ولكن الهجوم الصاروخي الأخير وصفه المسؤولون السعوديون أنه بمثابة “إعلان حرب” إيراني ضد المملكة.
ومن المرجح أن ترتبط استقالة الحريري بمكاسب كبيرة حققتها إيران وحليفها الرئيسي حزب الله اللبناني في تأمين مناطق رئيسية في شمال وغرب العراق مع حلفائها وعملائها العراقيين (في أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي والمعركة ضد داعش) وفي شرق سوريا. ويبدو أن إيران وحلفائها على وشك تحقيق هدفهم الذي طال انتظاره المتمثل في إنشاء “جسر بري” من طهران إلى بيروت والبحر الأبيض المتوسط. بالطبع تعُد كل هذه التطورات مفاتيح رئيسية قد تُغير من قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ويُعتقد أن رد السعودية، هو تعقب إيران وحزب الله في موقعهما المركزي والأصلي للسلطة في العالم العربي وهو لبنان.
ومع استقالة الحريري، الذي كانت تنظر إليه الرياض على أنه كان يستوعب حزب الله بصورة كبيرة، يبدو أن احتمال اندلاع حرب سياسية شاملة لزعزعة هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية أمرٌ محتوم.
يعتبر بعض النقاد أن كل مبادرات السياسة الخارجية الجديدة والجريئة في المملكة العربية السعودية، خصوصاً تلك التي اتخذها محمد بن سلمان، ما هي إلا سلسلة من الاخفاقات الكبيرة، بما في ذلك حملة الضغط على قطر لتغيير سياستها الخارجية والتخلي عن دعمها للجماعات الإسلامية.
وفي حين أن الحرب اليمنية لم تسر على ما يرام، فلا زالت نتائجها لم تتحدد بعد. هذا بجانب أن مشروع الضغط على قطر كان يُناقش دائماً على المدى الطويل ولم يُتوقع أبداً التوصل إلى أي حلٍ سريع، ولكن بالأخذ في الاعتبار الأحداث الجارية لا يظن أحد أن الدوحة من الممكن على المدى المتوسط أن تسعى إلى حلٍ من خلال قبول شروط الرياض .
إن حملة تقليل النفوذ الإيراني في العالم العربي أكثر تعقيداً بكثير مما يُعتقد، وتعتمد على عوامل كثيرة خارجة عن سيطرة الرياض، ليس أقلها دور الولايات المتحدة. وعلى هذا المنوال يمكن الاستنتاج أن محمد بن سلمان قد يكون عمل على تعزيز سلطته دون التحقق من الحد الأدنى للنتائج اللازمة المطلوبة. أو على أقل تقدير، سيكون هناك حاجة إلى الشعور بأن السعودية تطرح دفاعاً قوياً لمصالحها في مواجهة الهيمنة الإيرانية الزاحفة لتجنب تصور الفشل.
وبإعلان نفسه عاهلاً جديداً للملكة بيده زمام الأمور جميعاً، حتى وإن كان من خلال تأييد شعبي وتحالف مع الشباب والطبقة الوسطى، فإن محمد بن سلمان يغامر بكل شيء معتمداً على نجاح نسبي في كافة المحاور الثلاث: السلطة السياسية، والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات الخارجية. في حين يبدو أن معظم السعوديين مدركين للحاجة الملحة لتغيير جذري، بل ويدعم كثر من السعوديين التدابير التي يتخذها محمد بن سلمان حالياً، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في أن أي فشل على أي من هذه الجبهات يمكن أن يؤدي إلى أزمة كبرى في بيئة تقوم على سلطة الفرد الواحد. كما يمكن أن يقود الفشل الكثيرين إلى الشك والتساؤل عما إذا كانوا أفضل حالاً مع النظام القديم حيث اللامركزية النسبية، و الإقطاعيات الشخصية، وحتى الفساد.
من مصلحة كل فرد تقريباً أن تنجح برامج الإصلاح والتجديد التي يقوم بها ولي العهد السعودي، ولكن بالنظر إلى الطريقة التي اعتمدها والتي لم يجرؤ أن يفعلها أي زعيم سياسي معاصر آخر، من خلال وضع أوراقه كلها على الطاولة في آن واحد، فهو بالتالي إما أن يفوز وبالتأكيد تفوز المملكة العربية السعودية ككل أو أن يخسر كل شيء.
هذا المقال مترجم عن موقع The Atlantic
لقراءة المقال الاصلي الرابط التالي
[video_player link=””][/video_player]
ولي العهد السعودي خلط الأوراق كلها.. موقع The Atlantic يشرح كيف..
صِف ما يجري في السعودية باستراتيجية الصدمة والترويع، أو ربما عملية تطهير، أو حتى حملة تنظيف. قد تختلف المسميات إلا أنه لا مجال للشك بأن عملية الاعتقال الجماعي لبعضٍ من كبار الأمراء والإداريين والمسؤولين في المملكة العربية السعودية والتي وقعت نهاية الأسبوع الماضي قد أدت إلى إضعاف هيكل النخبة السعودية وطريقة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
هل ستهتم الحكومة المصرية بجلسة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟
الإمارات أنتجته والسعودية حذفته…حملة معلومات مضللة منسقة تهاجم “حياة الماعز”
“هالسيارة مش عم تمشي”… لكنها الحرب في ميس الجبل وليس في “ميس الريم”!
"درج"
صِف ما يجري في السعودية باستراتيجية الصدمة والترويع، أو ربما عملية تطهير، أو حتى حملة تنظيف. قد تختلف المسميات إلا أنه لا مجال للشك بأن عملية الاعتقال الجماعي لبعضٍ من كبار الأمراء والإداريين والمسؤولين في المملكة العربية السعودية والتي وقعت نهاية الأسبوع الماضي قد أدت إلى إضعاف هيكل النخبة السعودية وطريقة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد.
صِف ما يجري في السعودية باستراتيجية الصدمة والترويع، أو ربما عملية تطهير، أو حتى حملة تنظيف. قد تختلف المسميات إلا أنه لا مجال للشك بأن عملية الاعتقال الجماعي لبعضٍ من كبار الأمراء والإداريين والمسؤولين في المملكة العربية السعودية والتي وقعت نهاية الأسبوع الماضي قد أدت إلى إضعاف هيكل النخبة السعودية وطريقة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد. إنها ليست بالضبط ليلة السكاكين الطويلة، كما يسميها البعض، إذ أن فندق ريتز كارلتون الفاخر الذي يُحتجز فيه الأمراء لا يشبه بحالٍ من الأحوال كابوس غولاك السوفياتي أو معتقل سيبيريا. ولكن هذه الخطوة تُعد الحلقة الأخيرة في سلسلة من التدابير والإجراءات التي تهدف إلى تثبيت وتركيز السلطة في يد الملك سلمان وابنه ووريث عرشه محمد بن سلمان، ولي العهد البالغ من العمر 32 عاماً.
إذا كان محمد بن سلمان يتصرف مثل أي من أسلافه فسيكون الملك عبد العزيز بن سعود، الذي أسس الدولة السعودية الحديثة في عام 1932. فهو يضع نفسه موضع عبدالعزيز الجديد الذي سيخلق السعودية لعهد جديد واقتصادٍ جديد وقوي. ومن الواضح أنه يعتزم القيام بذلك عن طريق محو كل مراكز القوى في المملكة والبدء بعهد جديد تكون له وحده اليد القوية دون أية معارضة.
وتجري عمليات التطهير الحاصلة تحت عنوان مكافحة الفساد وهي على ما يبدو تلقى دعماً شعبياً كبيراً، ولا سيما بين الشباب. وينفذ الأمير في الوقت نفسه رؤيته لعام 2030، التي تشمل التركيز على السياحة المحلية والترفيه، والتغييرات الاجتماعية التي تُعتبر ضرورية لمواكبة الحداثة والتنويع الاقتصادي، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة مثل حقها في القيادة.
ما يحاول محمد بن سلمان القيام به هو عمل سياسي كبير شديد الخطورة، ولا يوجد حدٌ أقصى له. إنه يطمح لتحقيق أحلامه ورؤيته مهما كلفه الأمر، واضعاً نفسه ووالده كممثلين للمجتمع السعودي بطبقاته الفقيرة والمتوسطة، مزيلاً بذلك كل المستويات العليا القائمة خاصةً تلك التي لا تخضع لسيطرته المباشرة. بالتأكيد هي خُطوة جريئة وطموحة، ولكنها في ذات الوقت مقامرةً بالغة الخطورة. ومن المؤكد أنه لا توجد أية شخصية سياسية معاصرة يمكن أن تُجسد (جورج دانتون) على نحو أفضل مما يقوم به الأمير الشاب. إنها الجرأة، ثم المزيد من الجرأة حتى تُصبح منهج حياة. ولكن هذا يعني أن محمد بن سلمان قد أقحم نفسه بصورةٍ شخصيةٍ الآن في ثلاث محاور رئيسية مع الحكومة والمجتمع السعودي قد تحتمل النجاح أو الفشل، ولكن الفشل في أيٍ منها قد يؤدي إلى أزمةٍ خطيرةٍ للغاية.
المحور الأول هو توطيد السلطة السياسية. يمكن لكل ناظرٍ في حملة الاعتقالات الواسعة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي استنباط أمرٍ هام هو أنه لا توجد حالياً مراكز سلطة مستقلة في البلاد، أو على الأقل لن يُسمح بالوجود لأيٍ منها بدون إذن. ومع ذلك، من الممكن أن يكون ولي العهد ووالده قد تجاوزا حدودهما بتخليهما عن معايير تقاسم السلطة داخل العائلة المالكة ومراكز الدولة والتي تم العمل بها لعقود وهذا ما قد يشي بأن ثمة ردة فعل عنيفة قد تكشف عنها الأيام. علاوة على ذلك، من غير الواضح ماذا سيحدث للأمراء المعتقلين. هل سيتم تجريدهم من ثرواتهم؟ أم هل سيتم نفيهم؟ هل سيتم احتجازهم لأجل غير مسمى؟ هل سيتم العفو عنهم بحيث أن عملية الاعتقال لم تكن سوى لتخويفهم؟؟ مثل تلك الاحتمالات قد تنذر ب”مؤامرة” محتملة ضد النظام الجديد. من المؤكد أن ولي العهد الجديد، محمد بن سلمان لديه خُطة لذلك، ولكن من غير الواضح تماماً ماذا سيحدث في الأيام المقبلة.
وأخيراً، يمكن أن يكون اتساع نطاق الحملة التي وقعت الأسبوع الماضي مرتبطة بعملية انقلاب كانت محتملة. وبالرغم أنه لا يُوجد دليل على ذلك، إلا أن حادث مقتل ابن الأمير مقرن المخلوع في نهاية هذا الأسبوع في حادث تحطم مروحية بالقرب من الحدود مع اليمن يثير الشكوك. ولكن على الأرجح أن الحادث كان من قبيل المصادفة، وليس ترتيباً للتخلص من الأمير، ودمج السلطة في أيدي محمد بن سلمان، بيد أنها عملية يتم الترتيب لها الآن ومن المتوقع أن يتم تحقيقها بنجاح على المدى القصير.
الجزء الثاني من المشروع، هو عملية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمرٌ قد يطول تحقيقه ولكن لا يزال قابلاً للتنفيذ. ولدى المملكة العربية السعودية الموارد اللازمة لإدارة التحول الضروري على نحو متزايد بعيداً عن الاعتماد على النفط، خاصةً إذا بدأت الحكومة في معاملة شعبها كمورد رأس مال بشري بدلاً من معاملتهم على أنهم مجموعة من المُعالين. وقد أبدى الأمير محمد بن سلمان عزمه على قيادة هذا التحول من أعلى إلى أسفل، آخذاً في الاعتبار التغيرات الاجتماعية اللازمة، لا سيما فيما يتعلق بدور المرأة، الذي سيكون ضرورياً لمرحلة اقتصاد ما بعد النفط وصولاً إلى التنافسية العالمية. جديرٌ بالذكر أن محاولته لتشكيل تحالف مع عامة الناس، ولا سيما الشباب منهم، تبدو ناجحة نسبياً ويمكن أن تُشكل العنصر الأساسي للنجاح على المدى الطويل. وهناك دليل على نشوء ديناميكية جديدة في أجزاء من المجتمع السعودي.
أما الجبهة الثالثة التي من المرجح أن تكون أكثر تحدياً فهي التأكيد والدفاع عن المصالح السعودية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بإيران التي تُعد أكثر قوةٍ من أي وقتٍ مضى. هذا وقد شهد نهاية الأسبوع الماضي أيضاً إسقاط صاروخٍ أطلقه الحوثيون اليمنيون تجاه مطار الرياض الدولي، ربما يكون قد حصلوا عليه من حلفائهم الإيرانيين. هذا بجانب استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. وتُشكل كلاً من اليمن ولبنان أراضٍ لمعارك رئيسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. ويبدو أن تدخل اليمن، الذي كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمحمد بن سلمان، الذي كان يشغل منصب وزير للدفاع آنذاك، قد أصبح مستنقعاً غير مجدياً سياسياً أو عسكرياً للملكة. وهناك تقارير تفيد بأن محمد بن سلمان يبحث الآن عن مخرج من هذا المستنقع، ولكن الهجوم الصاروخي الأخير وصفه المسؤولون السعوديون أنه بمثابة “إعلان حرب” إيراني ضد المملكة.
ومن المرجح أن ترتبط استقالة الحريري بمكاسب كبيرة حققتها إيران وحليفها الرئيسي حزب الله اللبناني في تأمين مناطق رئيسية في شمال وغرب العراق مع حلفائها وعملائها العراقيين (في أعقاب استفتاء الاستقلال الكردي والمعركة ضد داعش) وفي شرق سوريا. ويبدو أن إيران وحلفائها على وشك تحقيق هدفهم الذي طال انتظاره المتمثل في إنشاء “جسر بري” من طهران إلى بيروت والبحر الأبيض المتوسط. بالطبع تعُد كل هذه التطورات مفاتيح رئيسية قد تُغير من قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ويُعتقد أن رد السعودية، هو تعقب إيران وحزب الله في موقعهما المركزي والأصلي للسلطة في العالم العربي وهو لبنان.
ومع استقالة الحريري، الذي كانت تنظر إليه الرياض على أنه كان يستوعب حزب الله بصورة كبيرة، يبدو أن احتمال اندلاع حرب سياسية شاملة لزعزعة هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية أمرٌ محتوم.
يعتبر بعض النقاد أن كل مبادرات السياسة الخارجية الجديدة والجريئة في المملكة العربية السعودية، خصوصاً تلك التي اتخذها محمد بن سلمان، ما هي إلا سلسلة من الاخفاقات الكبيرة، بما في ذلك حملة الضغط على قطر لتغيير سياستها الخارجية والتخلي عن دعمها للجماعات الإسلامية.
وفي حين أن الحرب اليمنية لم تسر على ما يرام، فلا زالت نتائجها لم تتحدد بعد. هذا بجانب أن مشروع الضغط على قطر كان يُناقش دائماً على المدى الطويل ولم يُتوقع أبداً التوصل إلى أي حلٍ سريع، ولكن بالأخذ في الاعتبار الأحداث الجارية لا يظن أحد أن الدوحة من الممكن على المدى المتوسط أن تسعى إلى حلٍ من خلال قبول شروط الرياض .
إن حملة تقليل النفوذ الإيراني في العالم العربي أكثر تعقيداً بكثير مما يُعتقد، وتعتمد على عوامل كثيرة خارجة عن سيطرة الرياض، ليس أقلها دور الولايات المتحدة. وعلى هذا المنوال يمكن الاستنتاج أن محمد بن سلمان قد يكون عمل على تعزيز سلطته دون التحقق من الحد الأدنى للنتائج اللازمة المطلوبة. أو على أقل تقدير، سيكون هناك حاجة إلى الشعور بأن السعودية تطرح دفاعاً قوياً لمصالحها في مواجهة الهيمنة الإيرانية الزاحفة لتجنب تصور الفشل.
وبإعلان نفسه عاهلاً جديداً للملكة بيده زمام الأمور جميعاً، حتى وإن كان من خلال تأييد شعبي وتحالف مع الشباب والطبقة الوسطى، فإن محمد بن سلمان يغامر بكل شيء معتمداً على نجاح نسبي في كافة المحاور الثلاث: السلطة السياسية، والإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات الخارجية. في حين يبدو أن معظم السعوديين مدركين للحاجة الملحة لتغيير جذري، بل ويدعم كثر من السعوديين التدابير التي يتخذها محمد بن سلمان حالياً، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في أن أي فشل على أي من هذه الجبهات يمكن أن يؤدي إلى أزمة كبرى في بيئة تقوم على سلطة الفرد الواحد. كما يمكن أن يقود الفشل الكثيرين إلى الشك والتساؤل عما إذا كانوا أفضل حالاً مع النظام القديم حيث اللامركزية النسبية، و الإقطاعيات الشخصية، وحتى الفساد.
من مصلحة كل فرد تقريباً أن تنجح برامج الإصلاح والتجديد التي يقوم بها ولي العهد السعودي، ولكن بالنظر إلى الطريقة التي اعتمدها والتي لم يجرؤ أن يفعلها أي زعيم سياسي معاصر آخر، من خلال وضع أوراقه كلها على الطاولة في آن واحد، فهو بالتالي إما أن يفوز وبالتأكيد تفوز المملكة العربية السعودية ككل أو أن يخسر كل شيء.
هذا المقال مترجم عن موقع The Atlantic
لقراءة المقال الاصلي الرابط التالي
[video_player link=””][/video_player]