“عند العاشرة من مساء يوم الأربعاء 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، وعند حدود ساحة “الحبوبي” في محافظة ذي قار، مدينة الناصرية، أكد أحد أفراد قوة الرد السريع إلى مجموعتنا أنهم يؤيدون تظاهرتنا، ويستحيل أن يضربوا أبناء جلدتهم، وأشار إلى أنه يخشى من احتمال إرسال قوات من بغداد لقمع تظاهرات الناصرية”…
حسين أحد المتظاهرين في ساحة الحبوبي، يروي ما حدث مساء يوم الأربعاء، وحتى فجر الخميس، حين قُتل شقيقهُ عبد الرحمن بالرصاص الحي الذي أُطلق عند الثالثة فجراً على ساحة الحبوبي. يقول حسين لـ”درج”، “وثقنا بوعود قوات الردّ السريع، بأنهم سيكونون سورنا الحامي، لهذا قررنا مُلازمة ساحة الاعتصام في الناصرية والمعروفة بـ”ساحة الحبوبي”، إلا أن ما فاجأنا هو هجوم على المتظاهرين في الساحة عند الثالثة فجراً، من الفروع المحيطة بالمكان، ولم يكن الهجوم طبيعياً، القوات التي هاجمت الساحة استخدمت “سيارات الشفل” التي حاولت دهس الشباب النائمين في الساحة، فواجهناها بالحجارة”.
40 قتيلاً في الناصرية
تسلم الفريق جميل الشمري مهمات قيادة خلية الأزمة في الناصرية وأصبح قائد عمليات تلك المدينة، منذ صباح يوم الأربعاء، وبعدها مباشرة أخذت الأحداث تتسارع هناك. يقول الإعلامي حيدر ناشي وهو متظاهر أيضاً في ساحة الحبوبي، “الشمري هو الذي تسبب بمجزرة الناصرية، وأنا شاهد على ما حصل وسأرويه بأدق التفاصيل”.
المدينة ذات طابع قبلي وتُعدّ “الكلمة” ميثاق شرف للرجل هناك، وقد أعلن أبناؤها عن غضبهم تجاه القوات الأمنية مجتمعةً، بخاصة بعدما وعدت متمثلة بقوة الرد السريع أنها ستحمي المتظاهرين ولن تتسبب بقمعهم. يقول ناشي لـ”درج”، “قوة الرد السريع غدرت بالمتظاهرين حين هاجمتهم، مع قوات أخرى جاءت داعمة من بغداد ومن مدينة العمارة، وقاموا بمهاجمة المتظاهرين في ساحة الحبوبي عند الثالثة فجراً، ما أثار حفيظة أبناء المدينة ضد القوات الأمنية ودفعهم إلى حرق مقر قوة الرد السريع صباح يوم الخميس. والسبب أن الجهات الأمنية غدرت بأبناء المدينة وتخلت عن كلمتها التي تعهدت بها بعدم الإضرار بأي فرد من المتظاهرين، نحن اليوم نُسيطر على الناصرية بأكملها، بعدما فقدنا أكثر من 40 شهيداً حتى مساء الخميس، وقد أُفرغت الناصرية من القوات العسكرية ولم يتبقَ سوى مقر قيادة شرطة ذي قار، وهو المعقل الأخير للقوات الأمنية وسنعمل على السيطرة عليه لأنهم تسببوا بقمعنا”.
مصير القتلة
بعد المجزرة التي أسفرت عن قائمة تتضمن 46 اسماً من الناصرية، أعلن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي عن سحب يد قائد عمليات ذي قار الفريق جميل الشمري، فرّ الأخير وكما ذكر مصدر في قيادة عمليات ذي قار رفض الكشف عن اسمه، “إلى محافظة البصرة، هرباً من عشائر ذي قار التي أعلنت عن هدر دمه، بينما دعت الحكومة الفريق سعد الحربية إلى تسلم منصب قيادة عمليات ذي قار، إلا أنه رفض هذه المهمة كونه ابن عشائر هذه المدينة، وهو ابن منطقة سوق الشيوخ في الناصرية، مُعلناً عدم رغبته بالمنصب، لأنه لا يستطيع تلطيخ يده بدماء الأبرياء من المتظاهرين أو قمعهم”.
حماية المرجعية وفخ القنصلية
حسنين وعلي وابو تراب، ثلاثة شهود من محافظة النجف الأشرف، أكدوا أنهم وصلوا إلى القنصلية مع جمعٍ من المتظاهرين الغاضبين في المحافظة، والذين استثيروا بخطاب رئيس الوزراء الأخير، كونه يخلو من أي إنجازٍ ملموس لتحقيق مطالب المتظاهرين، ووجدوا القنصلية وقد اشتعلت بالنيران، يقول حسنين “لم يُشعل المتظاهرون النار في القنصلية الإيرانية بالنجف، التظاهرات في النجف ومنذ 25 تشرين الأول/ أكتوبر كانت نموذجاً يُحتذى به للتعبير عن التظاهر السلمي، إلا أننا فوجئنا الآن بسلوكيات غريبة لم تصدر من المتظاهرين، لأن هذه السلوكيات ببساطة تفوق قدراتهم المادية والمعرفية”.
بعد المجزرة التي أسفرت عن قائمة تتضمن 46 اسماً من الناصرية، أعلن القائد العام للقوات المسلحة ورئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي عن سحب يد قائد عمليات ذي قار الفريق جميل الشمري.
في صباح يوم الأربعاء طافت في مدينة النجف سيارات من نوع “تريلة” وهي سيارات مختصة بحمل البضائع والاجسام الثقيلة. انتشرت في المحافظة محملة بإطارات ضخمة، ثم قامت بتوزيعها في شوارع المحافظة، ليأتي عند كل مجموعة إطارات قُرابة الـ4 أو 5 من الشباب الملثمين المجهولين الذين كانوا يقومون بحرق هذه الإطارات.
يقول الشيخ عبد الرضا معاش “الطريقة التي أحرقت بها هذه الإطارات الضخمة والتي وزعت بها طريقة مدروسة، وتُظهر تدخل جهات تفوق المتظاهرين قدرة مادية ومعرفية. نحن واثقون أن من قام بحرق الاطارات هم الذين قاموا بحرق القنصلية الإيرانية في النجف، فالقنصلية أفرغت من البعثة الإيرانية قبل أكثر من ربع ساعة من إحراقها، ومن ثم أشعلت النيران قبل وصول الشباب الغاضبين إليها”.
مكاتب المرجعية الدينية، والجوامع والحسينيات في محافظة النجف أعلنت تضامنها مع المتظاهرين. ويؤكد أحمد محمد الموسوي أحد الشهود في النجف أن “مكاتب المرجعية أصدرت بياناً يفيد بأن من يحاول إحراق الإطارات ومن أحرق القنصلية، ليسوا من المتظاهرين، وأن المتظاهرين لا يشكلون خطراً على المرجعية الدينية، والميليشيات والحكومة العراقية تحاول تصعيد الأوضاع لبث فكرة حماية المرجعية وهي وسيلة تعمل من خلالها الحكومة على تبرير بقائها. كما تحاول الميليشيات المسلحة الضغط على خطبة المرجعية يوم الجمعة، لكن المرجعية أعلنت بشكل صريح أن على الحكومة تنفيذ مطالب المتظاهرين وأن المتظاهرين هم الجبهة التي ستحمي المرجعية”.
عمليات القمع لم تتركز على محافظتي النجف وذي قار وحسب، بل شملت بغداد أيضاً، ويبدو أن المحافظات الثلاث تعرضت في وقتٍ واحد إلى أقسى أساليب القمع. يذكر علي زنكنة احد متظاهري بغداد، والذي اعتاد مُلازمة جسر الاحرار أنه “عند الثامنة من صباح يوم الاربعاء، وحين كنا نقف عند الحواجز الكونكريتية التي تفصل بيننا وبين قوات مكافحة الشغب عند جسر الاحرار جاءت مجموعة أشخاص يرتدون زيّاً مدنياً من خلف الحواجز الكونكريتية واتجهوا إلينا ثم أخرجوا أسلحة وبدأوا ضربنا بالرصاص الحي، لقد فوجئنا بما يحدث، سقط أكثر من 12 قتيلاً في ذلك الصباح”.
تستمر عمليات القتل في سبيل قمع تظاهرات تشرين الأول، إذ اتبعت الحكومة العراقية وسائل مختلفة لإنهاء هذا الاحتجاج وتخلّت عن وعودها الإصلاحية.
فجر يوم الخميس شهد جسر الأحرار عمليات قتل عشوائية أخرى، يروي زهير النوري متظاهر آخر من بغداد الذي دعم قوله بمقطع فيديو قام بتصويره، “عند فجر يوم الخميس قامت قوات مجهولة قد تُسمى بقوات مكافحة الشغب بقتل مجموعة من المتظاهرين عند جسر الأحرار، لم نكن نقوم بشيء سوى أن بعضنا كان نائماً فيما كان الآخرون يجلسون مسالمين تماماً عند الجسر، وفوجئنا برمينا برصاص حي أدى إلى استشهاد أكثر من 10 أشخاص”.
تستمر عمليات القتل في سبيل قمع تظاهرات تشرين الأول، إذ اتبعت الحكومة العراقية وسائل مختلفة لإنهاء هذا الاحتجاج وتخلّت عن وعودها الإصلاحية، ويؤكد النوري “نتوقع أن تزداد أساليب القمع وحشية خلال الأيام المقبلة”.