fbpx

بعد حملة نزع العمامات…
محتجو إيران يتحدون الحرس الثوري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يبدو أنّ الاحتجاجات لا تزال تتحدى بطش قوات الأمن، برغم حملة القمع الدامية التي بلغت درجاتها القصوى. مع الأخذ في الاعتبار أنّ النظام يقع تحت وطأة أزمات جمّة، تتصل بإيجاد آليات وبدائل لمواجهة التعبئة المجتمعية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

مشهد نزع أحد المحتجين عمامة رجل دين شيعي، في مدينة دزفول في محافظة خوزستان، شمال طهران، بينما صرخات وتصفيقات فتيات إحدى المدارس تتعالى من حوله، كان رمزياً إلى حد كبير. 

وبرغم تكرار ذلك المشهد في وقائع وحوادث مماثلة، إلا أن أي استهداف لعمامات رجال الدين من قبل محتجين، يحمل رمزية بالغة الدلالة ويمثل تحدياً جديداً للنظام. ففي هذه الاحتجاجات، كما في غيرها، تكررت ظاهرة استهداف رجال دين وحوزات بل وإحراق بعض المقار الخاصة بهم. 

الفتيات اللواتي ظهرن في مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وثق الواقعة، كنّ محجبات. وبغض النظر عما إذا كان هذا الحجاب من النوع الذي يتفق ورؤية النظام، أو قد يكون “الحجاب السيئ” الذي يسير بهن نحو مصير مهسا أميني، الفتاة الكردية، التي قضت على يد “دورية شرطة الأخلاق”، فإنّ الاستياء من رجال الدين يعد رسالة مباشرة برفض حكم “آيات الله”.

صعدّ الإيرانيون احتجاجاتهم، برغم تحذير قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، المتظاهرين بإنهاء حراكهم، قسراً، والذي وصفه بـ”أعمال شغب”. وقد عاود الجنرال في الحرس الثوري تأكيد أنّ هذه التظاهرات تم تدبيرها في “البيت الأبيض” و”إسرائيل”.

وقال سلامي: “لا تبِع شرفك لأميركا ولا تصفع وجه قوات الأمن التي تدافع عنك”. 

وفي كلمته أثناء مراسم تشييع قتلى الهجوم المسلح على المزار الديني في مدينة شيراز، والذي عمدت الحكومة إلى توظيفه ضد التظاهرات، واعتبرته حاضنة لتسلل العناصر “الإرهابية”، وفق تعبير مسؤولين إيرانيين، توجه سلامي بلهجة حادة وعنيفة ضد من وصفهم بـ”عدد محدود من الشبان المغرر بهم”. وطالبهم بضرورة “وقف الشغب”.

وتابع: “اليوم هو (يوم) نهاية أعمال الشغب، لا تنزلوا إلى الشوارع بعد الآن”. كما توجه إلى الطلاب طالباً “ألا يصبحوا بيادق بين يدي الأعداء”، لأنّ “أحداً لن يسمح بأن تثار أعمال شغب في إيران”.

مشهد نزع أحد المحتجين عمامة رجل دين شيعي، في مدينة دزفول في محافظة خوزستان، شمال طهران، بينما صرخات وتصفيقات فتيات إحدى المدارس تتعالى من حوله، كان رمزياً إلى حد كبير

وإثر تصريحات قائد الحرس الثوري، قال الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إنّ الأمن في إيران “خط أحمر”، مشدداً على أنّ “الأمن هو الخط الأحمر للجمهورية الإسلامية. ولن نسمح للعدو بتنفيذ مخططاته بأيّ شكل من الأشكال لتقويض هذه الثروة الوطنية القيمة”.

ويبدو أنّ الاحتجاجات لا تزال تتحدى بطش قوات الأمن، برغم حملة القمع الدامية التي بلغت درجاتها القصوى. مع الأخذ في الاعتبار أنّ النظام يقع تحت وطأة أزمات جمّة، تتصل بإيجاد آليات وبدائل لمواجهة التعبئة المجتمعية. 

وأسفرت المواجهات الأمنية العنيفة عن مقتل ما لا يقل عن 283 شخصاً، حتى الآن، منهم 44 طفلاً. فضلاً عن اعتقال 14 ألف شخص في 129 مدينة ونحو 115 جامعة، وفق ما أعلنت وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا).

كما أنّ وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، شبه الرسمية، قد أفادت ببدء محاكمات “علنية” وفي “محكمة ثورية” بحق ألف شخص على خلفية اتهامهم “بأعمال تخريبية في الأحداث الأخيرة، بما في ذلك الاعتداء على حراس الأمن أو قتلهم، وإضرام النار في الممتلكات العامة”.

وتؤشر التهديدات المتواترة على لسان مسؤولين في الحكومة إلى انعطافة النظام تجاه عدم التهدئة، ورفض الانفتاح على “الحوار” مع المتظاهرين، كما سبق أن حاولت بعض الأطراف القريبة من التيار الإصلاحي، فيما يبدو أنّ التشدد من النظام يتزامن وتحركات أممية لفرض عقوبات على طهران.

في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2022، قالت صحيفة “اعتماد” الإصلاحية إنّ النخبة الحاكمة لن تقبل بـ”التفاوض” مع المتظاهرين، مشيرة إلى القيود التي تعيق إمكانية تفعيل هذا المبدأ طالما النظام يضع شروطاً متشددة منها “عدم تأثر المحتجين بالإعلام الأجنبي (!)”.

ويكاد لا يختلف هذا الموقف عما صرح به رئيس مجلس النواب الأصولي، محمد باقر قاليباف، والذي بينه وبين الرئيس الإيراني، خلافات قديمة، تعود لانتخابات الرئاسة عام 2013. ولم تراوح التجاذبات مكانها بين الطرفين منذ انتخاب “رئيسي” لمنصبه. 

ومن أبرز محطات المنافسة المكتومة والمحتدمة بينهما، أزمة اختيار أعضاء الحكومة التي جاءت غالبيتها من “جبهة بايداري” (الصمود) المحسوبة على الرئيس الإيراني. وسبق لنواب محسوبين على رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قالبيقاف أن طالبوا بسحب الثقة من “رئيسي”، تحدثوا عن “عدم أهليته”. 

كما أنّ دعم قالبيقاف حقوق الإيرانيين في “المطالبة بالتغيير”، وقبلها انتقاداته للحكومة، يمكن تفسيره في نطاق هذا الصراع والتنافس المحموم، والذي لا يخرج عن كونه نوعاً من اللمز. إذ يعاود الاصطفاف مع الرؤية العامة للسلطة، بالابتعاد من “مثيري الشغب” لتحقيق المطالب. 

وثمّة مواقف متناقضة بين التيارين الإصلاحي والمتشدد حول الأحداث المحتدمة والمستمرة لنحو خمسين يوماً. وبينما عنونت الصحف الإصلاحية صفحاتها بدعوات إلى “الحوار الوطني”، فإنّ الصحف الراديكالية تعمي العيون عن المعطيات الجديدة والمآلات التي وصلت إليها الاحتجاجات. 

وقالت صحيفة “إيران” الحكومية إنّ القوات الأمنية “مظلومة”. وتابعت: “قوات الأمن الإيرانية فقدت 35 شخصاً من أفرادها. لكن لم يقتل أحد من الطرف الآخر (المتظاهرين) حتى الآن”. وذلك بخلاف الحقائق التي وثقتها منظمات حقوقية، محلية وأجنبية. فضلاً عن حوادث قتل اعترفت بها السلطات، كما هو الحال مع احتجاجات مدينة زاهدان، والتي أرغمت الحكومة على إقالة قائد الشرطة بالمدينة.

لكن صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية طالبت بأن تكون “الجامعات أفضل موقع للمفاوضات”. وتسأل صحيفة “جمهوري إسلامي” في افتتاحيتها: “لماذا نتخاصم بدلاً من أن نتفاهم؟”.

الصحف المقربة من الحرس الثوري والمرشد، ومنها صحيفة “جوان”، اتهمت الاحتجاجات بأنها “مهندسة” و”مخطط لها”. وقالت: “طبيعة الاحتجاجات الحالية شبيهة بما حدث من اضطرابات في بداية الثورة الإيرانية”. 

كما أيدت “كيهان” حملة القمع الدامية والاعتقالات بحق الصحافيين، بينما وصفتهم بأنّهم “متعاونون مع الاستخبارات الأميركية”. كما طاولت اتهاماتها التيار الإصلاحي على خلفية مطالباته بالتهدئة والإفراج عن الموقوفين. 

وعقّب النائب البرلماني الإصلاحي، مسعود بزشكيان، على موقف التيار الأصولي بالإصرار على التمادي في ممارساتهم دون الاعتراف بالمسؤولية أو الأخطاء، كما نقلت صحيفة “شرق”. وأردف: “هؤلاء نراهم الآن وبدلاً من الاعتراف بالأخطاء وتحمل المسؤوليات، يصفون المتظاهرين بأعداء الثورة، وهذه محاولة من هؤلاء للهروب من مسؤوليتهم. وكان عليهم أن يعترفوا ويقروا بأنهم كانوا يجهلون كيفية إدارة الأمور”.

يتزامن موقف النخبة الحاكمة مع إعلان الأمم المتحدة “قلقها المتزايد” بشأن التقارير الحقوقية التي وثقت زيادة أعداد القتلى في التظاهرات المستمرة لأكثر من شهر. وقد أدان ناطق بلسان المنظمة الدولية “جميع الحوادث التي أسفرت عن وقوع وفيات أو إصابات خطيرة للمتظاهرين”. فيما دعا المسؤول الأممي قوات الأمن بضرورة “تجنب جميع أشكال الاستخدام غير الضروري أو غير المتناسب للقوة ضد المتظاهرين السلميين”. وتابع: “تجب محاسبة المسؤولين عن ذلك”.

الاصطفافات الأممية، للضغط على طهران، تتمثل في محاولة فرض عقوبات جديدة على خروقات الملالي الحقوقية، وفق ما أعلنت وكالة “رويترز” للأنباء. ومن المزمع إجراء جلسة غير رسمية لمجلس الأمن الدولي. وهي الجلسة التي من المتوقع أن تتحدث فيها المحامية والحقوقية الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل، شيرين عبادي، والممثلة والناشطة الإيرانية نازانين بونيادي. 

ووفق المذكرة التي اطلعت عليها “رويترز”، فإنّ “الاجتماع سوف يسلط الضوء على القمع المستمر للنساء والفتيات وأفراد الأقليات الدينية والعرقية في إيران. وسيحدد فرص تشجيع إجراء تحقيقات موثوق بها ومستقلة في انتهاكات وتجاوزات الحكومة الإيرانية لحقوق الإنسان”.

وفي المقابل، وصفت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، في نيويورك، واشنطن وحلفاءها، بأنّها تستغل المنصات الدولية لجهة “تعزيز أجنداتها السياسية”.

وتابعت: “في ضوء نفاقها والكيل بمكيالين والتطبيق الانتقائي لحقوق الإنسان، نجد أن مزاعم الولايات المتحدة بدعم الإيرانيات خادعة وتفتقر إلى حسن النية”.

كما قال الناطق بلسان الحكومة الألمانية شتيفن هيبيشترايت: “ندين بشدة الاستخدام غير المناسب للقوة من قبل قوات الأمن الإيرانية ضد المتظاهرين هناك”. وأكد أنّ برلين تؤيد العقوبات الإضافية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على إيران. وختم: “تستخدم برلين إمكانياتها لدعم الناس الذين نزلوا إلى الشوارع في إيران من أجل حقوقهم”.