fbpx

“ليه بدي موت وأنا عم أمن مستقبلي”…
ماذا بعد انهيار سقف مدرسة في طرابلس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تواجه طرابلس حرماناً وتهميشاً مزمناً، يكاد يبدو ممنهجاً فهي المدينة التي تضم الأحياء الأكثر فقراً في لبنان، وقد زاد الانهيار الاقتصادي والمالي عام 2019 من أزمة المدينة وأبنائها وهو ما دفع بالمئات إلى الهروب منها بطرائق غير شرعية بقوارب الموت فيما ينتظر الآخرون موتهم بأساليب مختلفة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“ليه بدي موت وأنا عم أمن مستقبلي؟ ليه بدو يصير معي هيك؟ ليه بدي كون قاعد بالصف عم اتعلم وفكر انفجار بالصف اللي حدي اركض لاقي راس البنت تحت صخرة ؟ لأن أنا بلبنان. أنا بالبلد الخرا…”. 

يقولها الفتى في مقابلته، متعثراً بدموعه وغضبه وألمه بعد ساعات قليلة من نجاته من انهيار سقف مبنى مدرسة الأميركان في طرابلس الذي تسبب بمقتل التلميذة ماغي محمود وجرح زميلة لها، “لازم نشتغل ونحنا صغار ولازم ندرس ونصير عالم وانتو ما بدكن… كل مرة منقول الله يرحمها… الله يرحمه… خلينا نضل نقول هيك ليخلص لبنان”، يتابع الفتى من باحة المدرسة حيث تجمع التلاميذوهم تحت وطأة الصدمة والذهول. 

كارثة انهيار سقف المدرسة تسببت بمأساة، فهل تتكرر معهم المأساة مرة أخرى خصوصاً أنها ليست المرة الأولى.

“الي 13 سنة عم أدرس مشان أعمل شي منيح بحياتي ويقولوا هيدا لبناني مع انو بلد زبالة… ليه هيك بدو يصير معنا؟”.

الأسئلة التي يطرحها التلاميذ الناجون تبدو بدهية، فزميلتهم ماغي  محمود ابنة الـ16 عاماً لم تكمل يومها في مدرسة الأميركان الرسمية في جبل محسن في طرابلس. كانت داخل الصف حين انهار السقف فوق رأسها ورؤوس زملائها ونقلت إثر ذلك إلى مستشفى طرابلس الحكومي، ثم ما لبثت أن فارقت الحياة، فيما أصيبت زميلتها شذى درويش (16 سنة) بكسور في ظهرها وأصيب عشرات الطلاب بنوبات هلع وسرعان ما طلب إداريو المدرسة من الطلاب إخلاء المبنى فوراً.

“ليه بدي موت وأنا عم أمن مستقبلي؟ ليه بدو يصير معي هيك؟ ليه بدي كون قاعد بالصف عم اتعلم وفكر انفجار بالصف اللي حدي اركض لاقي راس البنت تحت صخرة ؟ لأن أنا بلبنان. أنا بالبلد الخرا…”. 

السقف في الصف كان متداعياً وقد تم تدعيمه بأخشاب على نحو لم يراعِ الحاجات الفعلية لسلامة التلاميذ، كما أخبرنا شهود من المنطقة.

الصدمة والحزن يرخيان بثقلهما في منزل الضحية ماغي التي كانت تطمح لاستكمال مستقبلها، في حين تعيش والدة التلميذة المصابة شذى لحظات قلق بانتظار الاطمئنان على سلامة الصغيرة التي لا تزال في المستشفى. 

يقول والد شذى، “تتحمل الإدارة ووزارة التربية مسؤولية ما حصل مع ابنتي التي كان يمكن أن تموت بدلاً من زميلتها. لم أنجب ابنتي لكي تموت. لقد انجبتها لكي أفتخر بها في المستقبل”.

رحلة البحث عن المسؤوليات في مأساة شائكة في بلد غارق في الفساد والإهمال مثل لبنان، ليست مهمّة صعبة. 

حاولنا الوصول إلى ادارة المدرسة لمعرفة كيف وصل الحال الى هنا فلم يكن ذلك متاحاً، لكن أفادت بعض المصادر بأن مديرة المدرسة في إجازة طويلة بعدما رفضت وزارة التربية استقالتها. 

حاولنا التواصل مع دائرة التربية في طرابلس والشمال ليأتي الجواب بأن المدرسة خاضعة للمديرية العامة للتعليم الثانوي في بيروت. 

مدير عام التربية بالتكليف عماد الأشقر أجاب: “لقد زرنا المدرسة في العام الماضي ووجدنا أنها لا تشكو من أي مشكلة”، فيما علق وزير التربية عباس الحلبي قائلاً:”هذا قدر ونحن بانتظار نتائج التحقيقات وكانت هناك لجنة تشرف على الأعمال”. 

 اللجنة الطلابية في لبنان استنكرت غياب الصيانة والمتابعة الدائمة للبنى التحتية للمباني التعليمية الرسمية جراء الموازنة شبه المعدومة المخصصة للقطاع التربوي، وطالبت وزير التربية بإقفال المدارس والثانويات الرسمية في اليوم التالي حداداً على روح الضحية ماغي محمود.

رئيس شبكة سلامة المباني المهندس يوسف فوزي كان وجه نداء إلى وزارة التربية عقب الحادثة ذكر فيه بأن الشبكة قد أشارت عام 2017 الى وجود اكثر من 100 مدرسة تحتاج إلى ترميم فوري وهي تنتشر على جميع الأراضي اللبنانية.

مدرسة الأميركان ليست الاولى

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها طرابلس كارثة كهذه فقد انهار مبنى مؤلف من 5 طبقات على رؤوس ساكنيه في منطقة ضهر المغر في آب/ أغسطس 2022، وأودى بحياة الطفلة جمانة ديكو.

مديرية الآثار كانت عام 2017 قد أعلنت عن إنشاء صندوق خاص لدعم الأبنية والقصور المتهالكة، على أن تخصص له البلدية ثلاثة مليارات ليرة (مليونيْ دولار وقتها)، وتتعهد المديرية بمدّه بأموال المتبرعين والمنح والمساعدات التي تستطيع الحصول عليها. وجال المجتمعون في طرابلس لمعاينة بعض الأبنية المتهالكة، إلا أن شيئاً من الاتفاق لم ينفذ.  

رئيس لجنة الهندسة في بلدية طرابلس جميل جبلاوي استغرب عبر “درج”، الإهمال الذي أصاب مبنى لمدرسة رسمية، مشيراً إلى أنه بالنسبة إلى الأبنية بشكل عام فقد وضعت البلدية دراسة مند سنوات ورفعتها للسلطة المركزية.

وعن سؤالنا عن أعداد الأبنية المتصدعة يضيف جبلاوي: “الأبنية المتصدعة عددها بالمئات في طرابلس ولا يمكن إحصاؤها بشكل دقيق إلا بمشروع يلزم لشركة متخصصة، فالمنطقة التاريخية في طرابلس تحتاج لوحدها 30 مليون دولار كمرحلة أولى بحسب الدراسة.

تواجه طرابلس حرماناً وتهميشاً مزمناً، يكاد يبدو ممنهجاً فهي المدينة التي تضم الأحياء الأكثر فقراً في لبنان، وقد زاد الانهيار الاقتصادي والمالي عام 2019 من أزمة المدينة وأبنائها وهو ما دفع بالمئات إلى الهروب منها بطرائق غير شرعية بقوارب الموت فيما ينتظر الآخرون موتهم بأساليب مختلفة.

تأتي مأساة انهيار سقف المدرسة بالتزامن مع بداية عام دراسي ينذر بأزمات تربوية كثيرة، فقد شهد لبنان 3 أعوام دراسية كارثية بسبب الأزمة الإقتصادية التي تشهدها البلاد منذ عام 2019، والتي انعكست على القطاعات الرسمية في البلاد بما فيها القطاع التربوي. وفي ظل هذه الأزمات المتلاحقة في المنطقة اللبنانية بات المشهد ينذر بأوضاع أكثر سوءاً بانتظار البلاد…