fbpx

لبنان: من يقف وراء ظاهرة “جنود الرب”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في لبنان وبينما يغيب الرادع القانوني، خصوصاً مع إضراب القضاة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، تظهر حملات ضد مجتمع الميم عين لتكرس نهجاً يعادي حريّات الأفراد الشخصية. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

برزت في الفترة الأخيرة مجموعة “جنود الرب” في تهديدات وتحركات في الشارع، شهد بعضها مظاهر مسلحة ورفعت في بعضها سيوف وصلبان، وقد انتشرت صور توثق ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي.  

هذه المجموعة التي ظهرت بشكل شبه رسمي عام 2020 تحمل شعارات دينية وتحاول فرض نموذجها بشكلٍ أو بآخر في منطقة الأشرفية في بيروت، علماً أن المجموعة لم تخف مزاجها السياسي، فقد تظاهر أفراد منها أمام منزل القاضية غادة عون المحسوبة على “التيار الوطني الحر”، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تجمعوا تحت منزلها وكالوا لها بالشتائم. 

في تجمع آخر احتشد “جنود الرب” أمام بنك SGBL في الاشرفية، حاملين سيوفاً وصلباناً في تحرك بدا لافتاً، خصوصاً مع تكرار أنباء على وقوف المصرفي أنطون الصحناوي صاحب بنك SGBL خلف تمويل هذه المجموعة، برغم أن مكتبه أنكر في تصريح رسمي ذلك. 

فكيف صعدت هذه المجموعة تحركاتها في الآونة الأخيرة؟

كان “جنود الرب” جزءاً من حملة الكراهية ضد مجتمع الميم/عين، إذ أعلنوا عن أنفسهم قبل نحو عامين، رافعين لواء حماية المجتمع المسيحي والتصدي للمثليين جنسياً.

لا مجسمات في الاشرفية

“وصلني خبر إنو يا بتشيليهن، يا منكسرلك ياهن”…

كانت الرسالة للفنانة التشكيلية ميرنا معلوف واضحة في نبرتها التهديدية التي تلقتها بعد أيام من عرضها مجسمات لتماثيل نسائية ملونة في ساحة ساسين في الأشرفية، لمناسبة اليوم العالمي لسرطان الثدي في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. 

“مجروحات” كان عنوان عمل معلوف الفني، وهو جزء من حملة توعوية تهدف إلى جمع التبرعات لمساعدة النساء غير القادرات على سداد تكاليف الصورة الشعاعية للثدي، لكن المجسمات بألوانها الزاهية أثارت حفيظة “جنود الرب”، بذريعة أنها تحمل ألوان قوس القزح، في إشارة إلى ألوان علم مجتمع الميم، الذي كان أفراده تعرضوا لحملة ملاحقة وتحريض وتضليل بشكل غير مسبوق في الأشهر الأخيرة في لبنان والمنطقة. 

وكان “جنود الرب” جزءاً من حملة الكراهية ضد مجتمع الميم/عين، إذ أعلنوا عن أنفسهم قبل نحو عامين، رافعين لواء حماية المجتمع المسيحي والتصدي للمثليين جنسياً. من هنا أخذ التهديد الذي تعرضت له ميرنا رسالة هوموفوبية واضحة. 

وبالفعل بعد يوم من عرضها، صادرت بلدية بيروت المجسمات التي وضعتها معلوف في منطقة الأشرفية بحجّة “العري”. فوجئت الفنانة التشكيلية بالأمر، علماً أنها كانت حصلت على موافقة محافظ بيروت مروان عبّود لإقامة المعرض. وعندما حاولت استيضاح السبب، جاءها الرد بأن “جهةً مجهولة أبلغت البلدية عن وجود نساء عاريات في ساحة ساسين”. شرحت معلوف للمحافظ الهدف من المعرض، ليعود ويسمح لها بالعرض من جديد. 

ليست هذه الحادثة التي انتهت بشكل سلمي بأن تمكنت معلوف من عرض مجسماتها سوى مؤشر للتدهور المستمر في لبنان لجهة تراجع حرية التعبير والفن من جهة، وتصاعد نفوذ قوى طائفية  متشددة تتولى الوصاية على الأخلاق، بدعم من نافذين. 

بحسب الدستور يحق لمعلوف الادّعاء على “جنود الرب”، بتهمة التهديد والمنع من ممارسة حقّها في التعبير في أماكن عامة، لا سيما أنها حاصلة على موافقة البلدية”، بحسب ما قاله المحامي أيمن رعد لـ”درج”. 

لكن للأسف الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان يرخي بظله على مسارات المحاسبة في لبنان. 

ليست المرة الأولى

لم يكن هذا التهديد هو الأول من نوعه، إذ انتشر في حزيران/ يونيو الماضي فيديو لـ”جنود الرب” وهم يقومون بتخريب لوحة من الأزهار بألوان قوس القزح في الأشرفية. حينها، ألقوا اللوم على محافظ بيروت الذي سمح بوضع ألوان “ضدّ الرب” بحسب فيديوات نشروها على السوشيال ميديا. 

بدا تهديد الجماعة جزءاً من حملة أوسع شهدها لبنان ودول عربية أخرى صعدت من لهجتها وإجراءاتها ضد مجتمع الميم/ عين.

وفي لبنان وبينما يغيب الرادع القانوني، خصوصاً مع إضراب القضاة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، تظهر حملات ضد مجتمع الميم عين لتكرس نهجاً يعادي حريّات الأفراد الشخصية. 

ينتقد رعد كيف تمكنت السلطة من تطويع جهات قضائية وفق اجنداتها ما يعرقل إمكانية المحاسبة العادلة، “النيابة العامة في لبنان هي حامية المنظومة، وجنود الرب بما يمثّلون من فكر طائفي متعصّب يخدمهم”. 

ويكمل رعد الذي كان أحد المحامين الأساسيين في الدفاع عن الموقوفين من متظاهري احتجاجات 17 تشرين، فينتقد التناقض بين استدعاء متظاهر للنيابة العامة لأنه حاول التعبير عن رأيه، وبين أن تفرض مجموعات هوموفوبية سيطرتها وهو أمر تغض السلطات اللبنانية النظر عنه. 

بحسبه قد تستدعي النيابة العامة معلوف على خلفية إقامة معرض “يروّج للمثلية”، بينما يبقى “جنود الرب” طليقين في الشارع، يثيرون القلق بتهديداتهم.

اعتكاف القانون في لبنان، وتجاهله هذه التحركات، يعطي الضوء الأخضر لمجموعات مشابهة، للتوسّع وفرض سيطرتها وأفكارها على الشارع. وهو ما يعيدنا بالذاكرة إلى حملة “مش طبيعي” في صيدا التي أطلقتها الجماعة الإسلامية ضدّ الحفل الذي كان يفترض إحياؤه في آب/أغسطس 2022، بذريعة “عدم ملاءمتها بيئة المدينة”. استهدفت الحملة المثليين، ودعمتها مراجع وخطابات دينية راجت آنذاك. 

 تلقى هذه الهجمات دعماً علنياً من تلك المراجع التي توظّف منابرها للتحريض على مجتمع الـ+LGBT.  وكان مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان صرح بأن دار الإفتاء لن تسمح بتشريع المثلية الجنسية ولا القانون المدني الذي تعتبره مخالفاً للدين الإسلامي. وهو ما تتفق عليه المراجع الدينية معتبرة أن القانون المدني مخالف للأحكام الدينية والدستورية. 

فلماذا تصاعد حضور مجموعة “جنود الرب” ومن يستفيد من مجموعة كهذه؟

يجيب الناشط الكويري ضومط القزي، “هي جماعة تخدم مصالح السلطة الفاسدة”، “الكثير من أصحاب السلطة، يتجاهلون هذه الجماعات في العلن أو ينكرون دعمهم إياها، إلا أنهم في حقيقة الأمر يساعدونها على البقاء، ويساهمون في تحرير أعضائها في حال القبض عليهم”. 

بحسب القزي فقد نجحت معلوف في بسط سيطرة الفن، وأوصلت رسالتها مصرّة على إبقاء جميع المجسمات، حتى المتضررة منها، معتبرةً أنها “باتت أقوى”.

تستمر سلسلة مضايقة مجتمع الميم/عين من دون أي أسس قانونية، في محاولة لتبرير القمع بـ”العادات والتقاليد” والحفاظ على “كينونة المجتمع”، وتصدر مراسيم اعتباطية تسمح بظهور المزيد من الجماعات الشبيهة بـ”جنود الرّب”.

“يجب التعامل مع هذه المجموعة بجدية، كما تجب إزالة الغطاء عن الجهة السياسية والدينية الراعية”، يقول قزي. 

ولكن كيف لسلطة، تشارك باستباحة الحريات، أن تتعامل مع “جنود الرب” إلا برحابة صدر؟ وهي تساعدها في التصدي لمجتمع المثليين، يسأل، يقول قزي، “مشكلة هؤلاء “ليست مع المثليين، إنما هم يعارضون أي عمل فني، وليسوا مستعدين لتقبّل أي تحرّك من خارج منظارهم”.

تطرح هذه القضية أسئلة، خصوصاً أن “جنود الرب” مجموعة شبيهة بالأحزاب اللبنانية  تحديداً “حزب الله”. بدءاً من اسمهم الذي يقحم الله ما يمنح المجموعة شيئاً من القدسية، وصولاً إلى السيطرة الطائفية التي يحاولون فرضها في مناطقهم، إضافةً إلى السلاح المتفلت الذي يمتلكونه. لكن ما هي أهدافهم التوسعية الحقيقية؟ وهل نحن أمام محاولة خلق “حزب الله” مسيحي؟ وهل حقاً تقف أحزاب مسيحية وجهات دينية خلف هؤلاء؟

حاول “درج” التواصل مع أحد أفراد المجموعة، إلاّ أنهم لم يتجاوبوا واكتفى أحدهم بالتعريف بأنهم “يتكلّمون باسم المسيح، دفاعاً عن الكتاب المقدّس وعن المسيحية”.