fbpx

جذور الحجاب القسري في جامعات ومدارس عراقية: من صدام حسين إلى التأثير الإيراني 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقوم المديرات والكوادر التعليمية في مدارس البنات بترهيب الآباء والأمهات عن طريق الادعاء ان  الحجاب من تعليمات وزارة التربية والتعليم لمنعهم من تقديم شكاوى على مديرات المدارس اللاتي يفرضن ارتداء الحجاب على بناتهم.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أُجبرت أفياء نعيم (16 عاماً) وهي تلميذة من محافظة البصرة جنوب العراق، على أن ترتدي الحجاب لدى ذهابها الى المدرسة. 

لم تكن عائلتها من أجبرها بل تقول إنها ارتدت الحجاب مضطرة  أثناء التسجيل  في المدرسة الثانوية لتوافق المديرة بالسماح لها بارتياد المدرسة.

 بعد قبولها وبعد الدوام في صف الأول متوسط بأسابيع توقفت عن ارتداء الحجاب وذهبت إلى المدرسة في أحد الأيام بدون الحجاب، الا ان المديرة قامت بضرب رأسها بالحائط وشدتها من شعرها مع شتمها وطردها من المدرسة.

“عند محاولة والدتي الدفاع عني أخبرت المديرة بأنها ستقدم شكوى ضدها في مديرية التربية إلا أن الأخيرة لم تهتم بسبب معارفها في المديرية ممن يمكن أن يعرقل الشكوى”، تقول أفياء. 

حالة أفياء ليست فريدة في مدينة مثل البصرة، التي تعتبر من أكثر مدن العراق محافظة وتشددا ضد النساء بحيث يغلب أن ترتدي النساء الحجاب او العباءة التقليدية وكثيرات يتعرضن للتعنيف أو التحرش إذا خرجن بملابس عادية من دون حجاب. 

مسألة الحجاب القسري يتم التداول بها مجدداً في العراق بعد تنامي الحديث عن قضية فرض الحجاب على تلميذات بعض المدارس. لهذا، أطلقت ناشطات نسويّات حملة احتجاج تطالب بإصدار قرار رسمي من وزارة التربية يمنع “فرض الحجاب كشرط للقبول الدراسي” ومعاقبة كل من يفرضه.

واستذكر ناشطون قضية وفاة الطفلة سماء، البالغة من العمر 11 عامًا في الثاني من شباط/ فبراير الماضي، بعد تعرّضها إلى نزيف بعد طردها من المدرسة لعدم ارتدائها الحجاب أثناء تأدية امتحانات نصف السنة.

“عند محاولة والدتي الدفاع عني أخبرت المديرة بأنها ستقدم شكوى ضدها في مديرية التربية إلا أن الأخيرة لم تهتم بسبب معارفها في المديرية ممن يمكن أن يعرقل الشكوى

الحجاب والحملة الايمانية

قضية الحجاب القسري أو تحجيب الفتيات رغما عنهن وعن ذويهم ليست وليدة اليوم، فالحجاب القسري في العراق اجتماعي سياسي وليس مؤسساتيا. الدستور العراقي لا يفرض الحجاب على النساء بنصوص قانونية أو شرعية إسلامية كما حصل في السعودية سابقاً ويحصل في إيران وأفغانستان حالياً.  

عمدت جامعات ومدارس العراقية في السنوات الأخيرة إلى فرض الحجاب أو تحديد ملابس الطالبات و تعنيفهنّ مع التهديد بالفصل والطرد إذا لم يلتزمن بتعليمات يحددها المزاج والتوجه الخاص للمدير أو رئيس المؤسسة التعليمية.

تخضع غالبية العوائل إلى سلوكيات المعلمين والمعلمات في بعض المدارس الحكومية عند تعرض بناتهم للتعنيف أو ارغامهن على ارتداء الحجاب وتضييق الخناق على ملابسهن  بذريعة أن المدرسة هي المربّي الآخر للطلاب والطالبات قبل التعليم حتى أن الإسم الرسمي للمؤسسة التعليمية هو المديرية العامة للتربية والتعليم”.

تقوم المديرات والكوادر التعليمية  في مدارس البنات بترهيب الآباء والأمهات عن طريق الادعاء ان  الحجاب من تعليمات وزارة التربية والتعليم لمنعهم من تقديم شكاوى على مديرات المدارس اللاتي يفرضن ارتداء الحجاب على بناتهم.

تاريخياً وفي عراق الخمسينيات وحتى السبعينيات وكمثل دول عربية عدة، لم تكن موجة التدين السياسي قد انتشرت وبالتالي كان عاديا خروج النساء في بغداد ومناطق عديدة من دون حجاب بل كان حضور المرأة في مجالات التعليم عاليا.

لكن بعد الحرب العراقية الايرانية وبعد حرب الخليج الأولى وتداعياتها على نظام صدام حسين بدأت تغيرات اجتماعية تظهر، فقد برز الحجاب القسري في العراق أيام الحملة الإيمانية التي خاضها صدام حسين مطلع التسعينيات بعد أن كان هدفه خلق مرجعية عراقية موازية لمرجعية ايران، الا انه حتى في ذلك الوقت لم يكن نظام صدام يفرض الحجاب القسري على الطالبات والموظفات في مؤسسات الدولة المختلفة، بل تم الترويج له عن طريق رجال الدين آنذاك من ضمنهم  محمد صادق الصدر، والد رجل الدين والسياسي الشيعي مقتدى الصدر، كما جرى حثّ الرجال على تحجيب النساء بعيداً عن فرضه قانونياً في مؤسسات الدولة الوظيفية والتعليمية. 

سادت في تلك الفترة ايضا حملات اعتداء واستهداف نساء بسبب مظهرهن وحياتهن فكان العامل الأمني ايضاً احد اسباب ارتداء الحجاب. وعلى الرغم من الدورات الايمانية التي قام بها حزب البعث آنذاك ورغم تصدّر شخصيات نسائية مهمة في ذلك الوقت وهي تضع الحجاب على رأسها مثل (منال الالوسي وهدى صالح عماش وساجدة خير الله طلفاح و رغد صدام حسين) لكن تُرك أمر ارتداء الحجاب للحرية الشخصية ظاهريا.

في هذا الصدد لاقى الترويج والحث على الحجاب في التسعينيات الترحيب والقبول في المجتمع العراقي لكونه مجتمع عشائري وسهل التأثير والانصياع للمد الديني الإسلامي.

لذا فجذور نظام الحجاب القسري الاجتماعي الموجودة الآن تمتد إلى الماضي حيث بدأ الرجال والنساء ممن أعجبهم الحجاب وآمنوا به بوصفه وسيلة لضبط الفتيات والنساء فرضه على على عوائلهم بصورة خاصة وتدريجياً بصورة عامة على النساء اللواتي يعتقدون أنهن يقعن تحت سلطتهم. فنقل هؤلاء الأشخاص أساليب فرض الحجاب القسري والتهديد والتعنيف التي يقومون بها في بيوتهم إلى المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة، اعتقاداً منهم أنهم على حق وأن أفعالهم هي الصواب وأن ما يفعلونه هو “تربية وتعليم”. 

الفارق بين الأمس واليوم

علياء محمد مدافعة نسوية من مدينة العمارة جنوب العراق تقول، “الفارق بين التسعينيات وما بعد عام 2003 هو أن الحجاب القسري كانت تفرضه المديرات في بعض المدارس الثانوية حيث  كان يتم إرغام الطالبات على ارتداء الحجاب في الصف الأول متوسط بعمر 13 أو 14 عاماً. أما بعد العام 2003 فتم فرض الحجاب في كثير من المدارس على الطالبات في المرحلة الابتدائية  بعمر التاسعة.  والأمر لم يتعد فرض الحجاب فقط بل فرض قيود عديدة لا تفسير لها سوى الكراهية والسيطرة”.

تؤكد علياء استمرارية  تعرض الطالبات إذا لم يلتزمن بارتداء الحجاب للتعنيف اللفظي  والجسدي ويصل الأمر في بعض الحالات بمديرة المدرسة إلى استدعاء ذوي الطالبات وتهديدهم بفصلهن أو نقلهم من المدارس وحرمانهن من مواصلة التعليم في حال عدم اتباعهن القوانين المدرسية بارتداء الحجاب. 

طبقًا لعدة مسؤولين في وزارة التربية العراقية، لا يوجد تعليمات أو نصوص  توجب الفصل من المدرسة أو النقل بسبب عدم ارتداء الحجاب ضمن الزي المدرسي.

كانت وزارة التربية العراقية، قد نفت في الثاني من شباط/فبراير الماضي إصدار أي تعميم رسمي يشدد على ارتداء الطالبات للحجاب في المدارس، وأكدت أن ذلك ليس من اختصاصها.

المتحدث الرسمي باسم الوزارة حيدر فاروق السعدون قال في تصريح صحفي، “الوزارة لم توجه أي تعاميم أو كتب رسمية إلى الإدارات المدرسية تتعلق بإجبار الطالبات على ارتداء الحجاب”. وقالت الوزارة إن “هذا الأمر يندرج ضمن الحرية الشخصية للطالبات وأهاليهم … إدارات المدارس تأخذ على عاتقها تحديد الزي المدرسي فقط، بشرط أن يكون مناسباً لذوق الطلبة وليس فرضه بالإكراه”، وختمت الوزارة في بيانها ان “فرض ارتداء الحجاب ليس من اختصاص وزارة التربية، ولا تملك الحق بإجبار الطالبات على ارتدائه أو خلعه … في حال وجهت إحدى المدارس بذلك فلا يعدو كونه توجيها داخليا”.

دكتاتورية الأنظمة التعليمية

في جنوب و غرب العراق الأمر مختلف قليلاً، إذ تنتقل السلطة الأبوية داخل اروقة الجامعات  و السكن الطلابي الى مراحل أشد صرامة حيث تقوم المسؤولات عن السكن الخاص بالطالبات القادمات من عدة محافظات بدور مسؤول السجن و بسلاح التهديد بالطرد وغلق الأبواب. حيث يُفرض على طالبات الجامعة ممن تضطررن للبقاء في سكن الجامعة إلى الخضوع لقوانين دينية و”عسكرية” تحددها العاملات هناك من أهمها الالتزام بالملابس المحتشمة، وهذا يعني ارتداء الحجاب وعباءة الرأس  احياناً. 

كما تُمنع الفتيات في السكن الطلابي من استخدام الهاتف ذو الكاميرا ومن الخروج خارج أسوار الجامعة والعودة إلى سكن الطالبات مع انتهاء أوقات الدوام المقررة فلا حياة للطالبات بعيداً من الجامعة . وفي حال أي سلوك مخالف لما تراه هذه الأنظمة تٌرغم الطالبات على الطرد و استدعاء ذويهم كما لو كن قاصرات أو غير مستحقات للاهلية لتقرير نمط حياتهن في حين يُستثنى الذكور في الجامعات والسكن الطلابي من هذا التمييز.

في المدارس تلاقي مديرات المدارس ممن يمارسن التعنيف على الفتيات الرافضات للتحجيب القسري الإشادة والتشجيع من قبل غالبية الأهالي ممن يؤمنون بفريضة الحجاب على المرأة وأحقية استخدام العنف من أجل فرض الحجاب وتقويم أخلاق وسلوك الطالبات، ما أدى إلى تمادي المديرات وممارستهم أقصى درجات القمع ضمن سلطتهم التي تفرضها على طالبات المدارس دون احترام لتوجهات ومعتقدات بقية الناس.

رنا (16 عاما -اسم مستعار) طالبة في مدرسة “المتميزات” في إحدى المحافظات الجنوبية  تقول، “المديرة لم تستطع رفض قبولي في المدرسة لكوني بلا حجاب، ربما لأن آلية القبول في مدارس المتميزات تختلف عن المدارس العادية إلا أن المديرة كانت تمارس التمييز لدرجة  تعرضي للضرب عدة مرات من قبلها من أجل إرغامي  على ارتداء الحجاب الا ان والدي حضر إلى المدرسة وحذر المديرة  من أنه سيشتكي عليها، لكنها لم ترتدع حتى تقدم بشكوى إلى مديرية التربية”. 

تقول الناشطة النسوية آلاء كريم لـ”درج”: “يستطيع الآباء والأمهات حماية بناتهم من التحجيب القسري بتقديم شكاوى إلى وزارة التربية و مديريات التربية في محافظاتهم واللجوء إلى القضاء إذا تطلب الأمر. حيث  يساهم الرفض الدائم للحجاب الإجباري الذي تفرضه المدارس بوقف الإساءة وهو الذي يخلق بيئة آمنة لتعليم وتربية الفتيات. أما السكوت والاستسلام والجهل بالتعاليم والقوانين والحقوق والحريات التي تكفل الدولة حمايتها يساهم  بفرض نظام الحجاب القسري ويزيد من أساليب تعنيف واضطهاد الطالبات”.

تتابع العراقيات ما يحصل من انتفاضة في إيران ضد الحجاب القسري وكيف تنشط الايرانيات في الدفاع عن حقهن في الاختيار، فمنذ أكثر من 40 سنة قاومت النساء في إيران الحجاب القسري الذي تفرضه الحكومة الاسلامية هناك على الإناث وتعرضت الكثير من النساء خلال سنوات المقاومة للقمع والضرب والاعتقال والسجن والقتل وحتى الإعدام بسبب عدم التزامهن به إلا أن الأمر عاد مجددًا بثورة تقودها النساء في إيران للوقوف بوجه الأنظمة القمعية الحاكمة. 

تقترح الناشطة النسوية علياء محمد إنشاء مجموعة أو اتحاداً للأهالي ممن هم ضد الحجاب القسري في العراق “لمساندة ومساعدة بعضهم لمواجهة أفعال أفراد المؤسسات التعليمية اللا أخلاقية واللا إنسانية ومنع العواقب وآثارها التي تنتظر الطالبة التي لا ترتدي الحجاب في المدرسة كالضرب و التعنيف النفسي و التميز، لكي يكونوا يدا واحدة لمجابهة وفضح بعض المديرات اللاتي يتجهن إلى العشائر  أو الأحزاب للحصول على الدعم للضغط على الأهل لسحب الشكوى أو عرقلة وصولها وتهديد مقدميها لحماية أنفسهن من المحاسبة القانونية”. تضيف محمد: “من الواجب تكثيف المطالبات بضرورة إصدار تعليمات صريحة من وزارة التربية والتعليم يمنع فرض الحجاب القسري في المدارس”.