fbpx

لبنان والقناصل الفخريون:
بوابة فساد وتبييض أموال تنخرُ البلد المنهار

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تم التعرف إلى ما لا يقل عن 500 من القناصل الفخريين الحاليين والسابقين حول العالم الذين اتُّهِموا علانية بارتكاب مخالفات أو كانوا مثار شبهات، ومجددا برز اسم لبنان عبر عدد من الذين تلاحقهم تهم جرمية وشبهات تبييض أموال أبرزهم مجموعة ارتبطت بـ”حزب الله”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“أنا رجل أعمال لبناني غادر وطنه في خضم الحرب اللبنانية للحصول على التعليم والسعي لتحقيق أحلامي. لقد بدأتُ من الصفر وصنعتُ قصة نجاح لأكون رجل العائلة الذي أنا عليه اليوم. على طول الطريق، ومثل كل الأشخاص الناجحين، عانيت من تقلبات…”.

يشرح القنصل الفخري علي خليل مرعي، الذي اختاره جنوب السودان عام 2019 لتمثيله، حكايته، من مراهق غادر لبنان عام 1984 ليبني نفسه في عالم الاغتراب وصولاً إلى تقلده منصب قنصل فخري في جنوب السودان. 

و”التقلبات” التي قصدها مرعي على الأرجح هي سيرته الحافلة بعلامات استفهام كبرى ما بين لبنان والباراغواي والسودان، حيث تلاحقه تهم جنائية وشكوك حول تمويل نشاطات مشبوهة، علاوةً على تربعه على عرش إمبراطورية تجارية مزدهرة تستفيد على الأرجح من علاقات مع منظومة فاسدة مستبدة في جنوب السودان.

من الباراغواي الى جنوب السودان

لعلي مرعي رحلة مثيرة من سجن باراغواي إلى جنوب السودان حيث أسس كياناً جديداً وأصبح من ضمن المقربين لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت الذي تطالب مؤسسات حقوقية دولية بفرض عقوبات دولية عليه، بسبب مسؤوليته عن جرائم حرب في البلاد.

مرعي كان يعيش في باراغواي عام 2000، حين اتهم بقرصنة أقراص مضغوطة وألعاب فيديو وبرمجيات. وقد اشتبهت السلطات في أنه كان يُحوِّل بعض العائدات إلى تنظيم “حزب الله”، وفقاً لما جاء في تقارير إعلامية في باراغواي.

أثناء احتجاز مرعي في باراغواي بتهمة قرصنة حقوق النشر، برزت شكوك بعلاقته بـ”حزب الله”، فبعد القبض عليه، قُبض على شقيقه مصطفى خليل مرعي في الأرجنتين، بتهم تتعلق بتفجير جمعية المعونة التبادلية اليهودية الأرجنتينية عام 1994. بعد ذلك بوقت قصير، قدمت الحكومة الأرجنتينية طلبين لاستجواب علي خليل مرعي فيما يتعلق بالتفجير.

قبيل إغلاق الملف في الأرجنتين، تمكن مرعي من مغادرة باراغواي، ثم ظهر في جنوب السودان، حيث أصبح رجل أعمال بارز في البلد الذي طالما عانى من الاضطرابات. وقد عقد مرعي شراكة في مجال التعدين مع ابنة الرئيس، وأرسل سلسلة من المدفوعات إلى جنرال عليه عقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مع آخرين لتورطهم في زعزعة استقرار البلاد، وفقاً لتقرير صدر عام 2021 عن منظمة “ذي سنتري” (The Sentry)، وهي مجموعة استقصائية ومهتمة بالسياسات تركز على العنف والفساد، ومقرها واشنطن.

اكتشف فريق “ذي سنتري” أن حكومة جنوب السودان كانت تتستر على مرعي منذ أكثر من عقد من الزمن، ومنحته الجنسية، وجعلته طرفاً في الكثير من العقود المربحة، حتى حصوله على لقب القنصل الفخري في لبنان وهي خطوة أثارت الكثير من الجدل حول كيف يمكن تعيين قنصل فخري متهم بجرائم دولية في منصب يفترض أن يكون شاغله سجله نظيفاً. 

أسس مرعي شركة مع ابنة الرئيس سلفا كير وقام بوضع ودائع كبيرة في الحساب المصرفي لجنرال يخضع الآن لعقوبات من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نظير ما ارتكبه من تهم تتعلق بالفساد وصلاته بانتهاكات حقوق الإنسان.

بحسب (The Sentry)، في  عام 2009، أصبحت “شركة سكاي لاين للمقاولات المحدودة” المملوكة لعلي مرعي في جنوب السودان، مستورداً معتمداً للأمم المتحدة، حيث قامت بتزويد قسم المشتريات التابع للأمم المتحدة “الصندوق الإنمائي”، بمبلغ 2.23 مليون دولار أميركي على مدى خمس سنوات.

وبين عامي 2012 و2014، دفعت شركة سكاي لاين للمقاولات مبالغ مالية في معاملات نقدية مشبوهة إلى الحساب المصرفي الشخصي للجنرال مالك روبن رياك، وهو مسؤول كبير في جنوب السودان يخضع حالياً لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة.

وفي أيار/ مايو 2014، أكمل مرعي بناء مشروعه الرئيسي في جنوب السودان، “فندق كراون” الذي يضم 120 غرفة، والذي افتتحه الرئيس سلفا كير شخصياً. 

لم يجب مرعي بوضوح عن كل الاسئلة المثارة حوله لكنه كتب رداً تحدث فيه عن علاقته برئيس السودان. 

يقول مرعي في رده عبر رسالة بالبريد الالكتروني على أسئلة ICIJ وشركائه:

في عام 2000، كان الوضع الاقتصادي في لبنان يتحسن، لذلك بقيت في بلدي وبنيت شركة إنشاءات ناجحة. رأيت فرصة لأعمال البناء الخاصة بي في عام 2008 في السودان (المعروف اليوم باسمجنوب السودان“). لقد بنيت من خلال عملي علاقات تجارية جيدة جداً مع الأمم المتحدة وحكومة جنوب السودان

اليوم، أنا صاحب واحدة من أكبر شركات المقاولات في جوبا ولدي الكثير من الاتفاقيات مع الجهات الحكومية وشبه الحكومية. علاقاتي هي مجرد علاقات مهنية، ولن أتجاوز الحدود مع أي من عملائي، بخاصة إذا كانوا منخرطين سياسياً لأنني ضد أي نوع من الفساد.

خلال وجودي في السودان، قمت بسد احتياجات أساسية لشعب جنوب السودان، بعضها كان مجانياً مثل الآبار والجسور والطعام والملابس والأدوية للمحتاجين، والبعض الآخر كان عن طريق العقد مثل المطار الأول والبنية التحتية العامة والفنادق، بناء المؤسسات الحكومية

لقد أخذ رئيس جنوب السودان كل تبرعاتي للمجتمع في الاعتبار، وقد تأثر بحسن نياتي. تكريماً لجهودي، تم تكريمي بجواز سفر خاص حتى قبل أن أتولى منصب القنصل الفخري”، يقول مرعي في رسالته الى ICIJ وشركائه.

وقال إنه اختير قنصلاً لجنوب السودان من قِبل رئيس البلاد، وأن علاقته بجميع عملائه “مهنية بحتة”. وأضاف “إنني فخورٌ بدوري اليوم ابناً وزوجاً وأباً ورجلَ أعمال وقنصلاً فخرياً”.

ليس واضحاً تماماً كيف انتقل مرعي من الباراغوي الى جنوب السودان وكيف تم تعيينه بشكل رسمي في لبنان كقنصل فخري، وهو تعيين أثار الكثير من الجدل وأرخى بمزيد من الشكوك حول تسوية ما، سمحت لتمرير اسمه بضغط من الثنائي “أمل” و”حزب الله” في لائحة الأسماء المعينة من قبل الخارجية والتي صدق عليها رئيس الجمهورية كما تقتضي الأصول. 

تعيين مرعي تم عام 2019 في ظل حضور وسيطرة لفريق التيار الوطني الحر من بعد تسلم جبران باسيل وزارة الخارجية ما بين عامي 2014 و2020.

في بلد انهار مالياً واقتصادياً بسبب فساد النخبة الحاكمة وفي بلد تمعن فيه الطائفية والمحاصصة، باتت تعيينات القناصل الفخريين جزء من تقاسم النفوذ، حيث يقدر عدد هؤلاء بحوالى 140 قنصلاً فخرياً

ديبلوماسية متدرجة عملت في وزارة الخارجية اللبنانية خلال تولي باسيل الوزارة قالت في مقابلة مع “درج”، إن حجم التدخلات السياسية والطائفية داخل وزارة الخارجية قد تضاعف مع وصول باسيل والتيار العوني الى السلطة،  “عام 2018 صدر مرسوم تعيين قناصل فخريين وتمت التعيينات في سياق محاصصة بنيت على خارطة توازن طائفي بحت”، بحسب الديبلوماسية. 

من هنا يمكن فهم التوترات السياسية بين الأحزاب الحاكمة، كما حصل بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل” على خلفية سلة تعيينات عام 2018. اللافت أن التعيينات كان يستمر تمريرها، وقد برز جدل إعلامي بعد تعيين علي خليل مرعي قنصلاً فخرياً، وهو سريعاً ما تم سحبه من التداول، لكن اسم مرعي برز مجدداًَ ضمن تحقيق دولي هو الأول من نوعه نظمه “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين” ICIJ بالتعاون مع “بروبوبليكا” (ProPublica) وشارك فيها نحو 160 صحافياً في 46 دولة وكان موقع “درج” ضمن الشركاء في هذا التحالف الصحافي العابر للحدود. 

في رسالته التي رد فيها على أسئلة “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” وشركائه اعترف مرعي بارتكابه انتهاكات، لكنه نفى أن تكون له علاقة بتفجيرات وأعمال مشبوهة:

تعلمت من خطئي ودفعت الثمن خلال سنوات شبابي. كما أنني لا أخجل من تجربتي السيئة ، ولا أتجاهلها ولا أخفيها. على العكس من ذلك ، لقد خدمت القانون. لقد بدأت من جديد وأنشأت عائلة جيدةخلال هذه السنوات الـ16، كنت أستورد الأقراص المدمجة من لبنان ومن الدول الآسيوية بكميات كبيرة وبأسعار منخفضة وحققت ربحاً كبيراًلم تكن لدي أي علاقة مع أي منظمة أو شخص إرهابي على الإطلاق. لم ارتبط أبداً بأي هجوم إرهابي.

لم تكن لدي أي معلومات على الإطلاق وليس لي أي علاقة على الإطلاق بأي هجوم إرهابي في بوينس آيرس ، الأرجنتين ولم يتم الاتصال بي أو الاتصال بي أو مطاردتي من قبل أي هيئة أو مدعي أو محكمة أو شرطة أرجنتينية

أسافر حول العالم في رحلات عمل وكذلك لقضاء إجازة مع عائلتي ولم يتم القبض علي أو استجوابي في أي بلدنشرت وسائل الإعلام معلومات خاطئة فقط لجذب الجمهور وخلق الدعاية.

في هذه المرحلة من حياتي، أنا فخور بالابن والزوج والأب ورجل الأعمال والقنصل الفخري الذي أنا عليه اليوم. ليس لدي ما أخفيه، لقد عملت بجد لبناء أسرة كريمة. لقد عملت بجد لتحقيق والوصول إلى المكان الذي أنا عليه الآن. في الواقع، شعاري هو وسيظل دائماً (السماء هي الحد). هذا الشعار مهم جداً لأولادي”.

ديبلوماسيو الظل حول العالم 

الى جانب علي خليل مرعي تمكن تحقيق “ديبلوماسيو الظل” من التعرف إلى ما لا يقل عن 500 من القناصل الفخريين الحاليين والسابقين حول العالم الذين اتُّهِموا علانية بارتكاب مخالفات أو كانوا مثار شبهات، وقد أُدين بعضهم بجرائم خطرة أو ضُبِطوا وهم يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية؛ بينما تلقى آخرون انتقادات حادة لدعمهم أنظمة استبدادية وشبكات إجرامية وإرهابية منظمة.

الأرجح أن رقم الـ500 الذي توصل إليه التحقيق هو أقل من الرقم الفعلي؛ إذ لا توجد وكالة دولية تتعقب القناصل الفخريين، وعشرات الحكومات لا تفصِح عن أسمائهم.

وقد وجدت منظمة “بروبوبليكا” و”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” وشركاؤهما، أن من بين من شغلوا منصب القنصل الفخري كان هناك تجار مخدرات مدانون وتجار أسلحة وقتلة مأجورون ومرتكبو جرائم جنسية ومحتالون. وبهذه الطريقة تمكنوا من مساعدة بعض أكثر الحكومات فساداً في العالم، بما في ذلك في كوريا الشمالية وسوريا وجنوب السودان وإيران.

ومن بين لوائح القناصل الفخريين الذين تم تحديدهم في هذا التحقيق برز اسم لبنان، حيث تكرر ذكر عدد من القناصل الفخريين الذين تلاحقهم تهم جرمية وشبهات فساد. 

استند التحقيق، الذي شمل قضايا لقناصل خضعوا للتدقيق بصورة فردية أو من خلال الشركات التي يتبعونها، إلى النتائج التي توصلت إليها جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والهيئات الرقابية المعنية بمكافحة الفساد والمنظمات الإعلامية. وتمكنت منظمة “بروبوبليكا”، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وشركائهم من تحديد 57 قنصلاً أدينوا جنائياً أثناء توليهم مناصبهم، ويظهر أيضاً مدى استغلالهم لمكانتهم على نطاق واسع.

يعمل القناصل من بلدانهم الأصلية، على عكس السفراء والمبعوثين المهنيين الآخرين، ويعتمدون على العلاقات والنفوذ لتعزيز مصالح الحكومات الأجنبية التي تُعيّنهم. في المقابل، يدخل القناصل إلى عالم الديبلوماسية، ويحصلون على بعض الحماية والامتيازات التي يحصل عليها الديبلوماسيون.

وبموجب المعاهدة الدولية التي ترعى العمل الديبلوماسي والقنصلي، لا تمكن مصادرة سجلات القناصل الفخريين أو مراسلاتهم.

لبنان والقناصل الفخريون

في لبنان وكما في دول عدة، لا يملك القناصل الفخريون أي امتيازات قانونية أو مادية، وليست لديهم حقيبة ديبلوماسية ولكن الحاجة إليهم برزت بسبب كثافة وتنوع الاغتراب اللبناني ومحدودية البعثات الديبلوماسية.

 ففي بلد ينتشر أضعاف عدد ابنائه في الاغتراب، برزت الحاجة لخدمات قنصلية، ونظراً إلى ضعف انتشار البعثات الديبلوماسية الرسمية بات القناصل الفخريون أساسيون لسدّ حاجات هؤلاء. 

لكن لبنان الذي ينخره الفساد بشكل هائل بالكاد ينجو قطاع فيه من استغلال أصحاب النفوذ له. والعلاقة بين المغتربين والقناصل الفخريين ورؤساء الجاليات اللبنانية في الاغتراب، تبدو واحدة من شبكات التواصل الاساسية بين المغتربين انفسهم وبينهم وبين لبنان. فكأي قطاع آخر في لبنان، تسعى السلطة الحاكمة أو جهات أساسية فيها الى ترسيخ المزيد من النفوذ عبر فرض أسماء وشخصيات موالية لها. 

هناك عدة حكومات فرضت عقوبات على نحو 30 من القناصل الفخريين، من بينهم 17 اكتُشف تورطهم وهم لا يزالون في مناصبهم.

وهناك تسعة من القناصل الفخريين الذين شملتهم تحقيقات “بروبوبليكا” و”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، استطاعت سلطات إنفاذ القانون كشف ارتباطهم بأنشطة مشبوهة. 

معظم هؤلاء التسعة تحوم حولهم تهم تتعلق بـ”بحزب الله”.

لكن ما هي الخواص التي تجمع بين هؤلاء؟

الصفة الغالبة على القناصل الفخريين هي أنهم رجال أعمال مهتمون بتثبيت موقعهم العام بحيث يصبح المنصب بمثابة مقايضة فيأخذ الشخص مركزاً اجتماعياً مقابل خدمات قنصلية. 

على غرار الدول التي تلحظ تعيين قناصل فخريين يغلب على القناصل الفخريين اللبنانيين الثراء والراحة المادية، “إنه ناد لرجال الأعمال والأثرياء ووظيفته الأساسية  التشبيك، إذ يتيح هذا المنصب لصاحبه الدخول في دوائر معينة ولقاء رؤساء دول وحضور احتفالات. أما كيفية استثمار هذه الشبكات من العلاقات في دائرة المصالح والنفوذ فهذا شأن آخر…”، يختم مصدر في وزارة الخارجية.

محمد ابراهيم بزي

في سياق هذا التحقيق العابر للحدود، جمعت “بروبوبليكا” و”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” وشركاؤهما، لائحة بقضايا ثبت تورط قناصل فخريين فيها بما في ذلك القناصل الذين وردت اسماؤهم في قضايا جنائية أو مدنية لم يُبلغ عنها علناً قط، إذ تمكن الفريق الصحافي العامل على هذه التحقيقات من الاطلاع على وثائق محاكم وملفات لم يسبق أن نشرت.

وقد التقى صحافيون من “بروبوبليكا” و”الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين” جاك كيلي الذي كان مشرفاً سابقاً في إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة وكان أمضى عقداً في تحقيقات مرتبطة بتنظيم “حزب الله” الى حين تقاعده عام 2016. 

في أواخر عام 2008، كان كيلي يعمل على ملف ومن ضمنه هاتف محمول تعقبته الحكومة الأميركية في سياق عملية تُعرف باسم “مشروع كاساندرا”، الذي أنشئ بهدف تعقب نشاطات”حزب الله”. 

درس كيلي جهات الاتصال على أحد الهواتف التي استخدمها الشخص المشتبه في أنه يساعد “حزب الله” وإيران في برامجهما العسكرية.

كان هذا الرقم لمحمد إبراهيم بزي.

اشتبه كيلي وآخرون في أن بزي هو أحد كبار ممولي “حزب الله” ويقوم بغسل الأموال غير المشروعة من خلال شركاته في لبنان وأفريقيا.

ومحمد ابراهيم بزي رجل أعمال لبناني برز له نشاطات تجارية واسعة في أفريقيا وتحديداً في غامبيا.

واسم بزي اقترن بقوة بالرئيس الغامبي يحيى جامع الذي وصل الى الحكم بانقلاب عام 1996 وبقي حتى عام 2017.

حكم يحيى جامع، وهو عقيد سابق في الجيش، غامبيا بنظام استبدادي حيث اختزل السلطات بنفسه فحظر الأحزاب السياسية وشن حملات اعتقالات وحين غادر السلطة اتهم بنهب نحو مليار دولار من خزائن الدولة. واتهمته لجنة حكومية في غامبيا بارتكاب جرائم الخطف والاغتصاب والقتل والتعذيب. 

وإذا كانت شبكة يحي جامع السياسية هي التي أبقته في السلطة، إلا أن روابطه بعالم الأعمال هي التي مكنته من الكثير من فساده، فقد سمح للشركات الأجنبية بتجاوز إجراءات المناقصات وتسليمها العقود الحكومية وفتح الخزانة العامة للبلاد للنهب وهنا يبرز اسم بزي، الذي كان قنصلا فخريا عينته غامبيا في عام 2005.

عام 2019 نشر “مشروع تتبع الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود” OCCRP تحقيقا حلل فيه آلاف الوثائق وكشف كيف قامت شبكة المحسوبية لجامع بتحويل الأموال العامة وإساءة استخدامها.

أظهرت السجلات أن جامع أعطى صفقات لرجال أعمال أجانب في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد تقريباً، وإلى حد بعيد كان رجل الأعمال الأكثر نفوذاً في الدائرة المقربة لجامع هو محمد ابراهيم بزي، الرئيس اللبناني لشركات الطاقة والبترول “غلوبال تريدنغ غروب” و”مجموعة يورو أفريكان”. 

بدا أن بزي هو مهندس صفقات حكومية مع القطاع الخاص، وفي مقابل هذا المنصب المتميز، فقد رتب بزي تحويل حوافز مالية للرئيس جامع بصيغة مدفوعات لحسابه المصرفي الشخصي. 

بسبب نفوذه المالي عين الرئيس جامع حينها بزي قنصلاً فخرياً لغامبيا في لبنان وبات من أقوى الشخصيات المحيطة به.

من غير الواضح حجم الأموال التي حولها بزي إلى جامع، لكنها على الأرجح تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات وفقاً لـOCCRP الذي استند إلى السجلات المصرفية والمراسلات السرية.

احتكر بزي قطاع الوقود في غامبيا لأكثر من عقد من الزمان في انتهاك لقوانين الشراء، ما تسبب بسقوط البلد أكثر في الديون. 

تشارك بزي في قطاع الوقود مع شخصية لبنانية ثرية هو علي شرارة الذي يعتقد أنه ممول آخر لـ”حزب الله”. يبدو أن الرجلين قد وضعا خطة لغسل الأموال من خلال المؤسسات الحكومية. وثائق OCCRP لا تحدد المبلغ الذي حصل عليه جامع أو بزي كحصة من هذه المعاملات، فقد قامت شركات بزي بتوجيه ما لا يقل عن 10 ملايين دولار إلى حسابات جامع المصرفية بين عامي 2011 و 2013، وفقاً لشهادة بزي أمام لجنة تحقيق تم تشكيلها في غامبيا عام 2017 بعد مغادرة جامع لمنصبه.

بزي خلال شهادته أمام اللجنة، قدم نفسه بوصفه قنصلاً فخرياً.

حينها خلصت السلطات بعد جلسات الاستماع في تقرير نهائي إلى أن بزي “لم يكن يحترم الغامبيين أو المؤسسات الغامبية. وفي سعيه لجني الثروة، ركز حصراً على الأرباح التي حصل عليها بشكل غير قانوني في الغالب”.

خسر بزي لقب القنصل الفخري، فسعى إلى تنصيب نجله قنصلاً بحسب تقرير الخزانة الأميركية. 

الاغتراب اللبناني في أفريقيا وشبهات الفساد

محمد بزي هو واحد من عشرات رجال الأعمال اللبنانيين المنتشرين في افريقيا حيث يوجد حضور لبناني قوي تاريخياً لكن غالباً ما تنعكس الانقسامات الطائفية والسياسية في لبنان على الجالية ونخبها المالية والاقتصادية في إفريقيا.

في سياق البحث عن سير القناصل الفخريين اللبنانيين الذين برزت اسماؤهم في تحقيقات “ديبلوماسيو الظل” التقينا برجل أعمال لبناني ينشط منذ سنوات ما بين لبنان الكونغو. 

يشير رجل الأعمال الى تقاطع كبير بين النخب السياسية في لبنان والمصالح الاقتصادية، وهذا التقاطع بين تلك الشخصيات والطبقة السياسية يعتبره رجل الأعمال هذا قد جلب شبهات على مغتربين لبنانيين في افريقيا، “نحن نمضي سنوات في العمل في أفريقيا. ستجدين البعض حقق نجاحاً وثروة قد تتراوح ما بين 10 الى 15 مليون دولار لكن حين نجد شخصيات جمعت ثروات بعشرات الملايين فهذا يعكس نمواً مالياً غير طبيعي. هذه أفريقيا وليست الخليج لذلك تعكس هذه الطفرات الكبيرة بالثروات نشاطاً مشبوهاً بالتأكيد”… 

بالنسبة إليه فهو يميز بين الجيل الأول من المغتربين إلى أفريقيا الذي لم تكن لهم علاقة مباشرة بالنفوذ والأحزاب السياسية، والجيل الجديد من المهاجرين، “جيل المهاجرين الجدد أكثر قرباً والتصاقاً بتلك الأحزاب”. 

صحيح أن القناصل الفخريين في أفريقيا هم من طوائف مختلفة ومنهم من يتماهى مع قوى سياسية لكن الأحزاب التي قصدها رجل الأعمال الذي التقيناه هي تحديداً “أمل” و”حزب الله”، إذ ينحدر قسم واسع من المغتربين اللبنانيين في أفريقيا من مناطق جنوب لبنان الخاضعة لنفوذهما. وهذا النفوذ إشكالي بالنسبة الى المغتربين الذين تربطهم علاقات وثيقة بذويهم الموجودين في لبنان وبالتالي العلاقة مع الحزبين الأقوى في لبنان أمر شبه حتمي.

بحسب رجل الأعمال نفسه، فهناك الكثير من الاسئلة حيال عدد من الشخصيات، ملمحاً إلى محمد ابراهيم بزي الذي يعرفه شخصياً ويعتقد أنه “يرتبط مباشرة بإيران وليس بحزب الله”، لافتاً الى أن بزي هو من سهل زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود احمدي نجاد الى غامبيا عام 2011 وأن بزي أقام في منزل نجاد حين زار إيران للدلالة على متانة العلاقة بينه وبين طهران.

قبيل فرض العقوبات عليه كان بزي يزور لبنان ويلتقي مسؤولين حين كان قنصلاً، فرغم ندرة ظهوره العام لكنه التقى مسؤولين كقائد الجيش وحضر حفلة تكريم الى جانب نواب “حزب الله” و”حركة أمل” في مسقط رأسه بنت جبيل. 

لم يحاكم بزي جنائياً قط في الولايات المتحدة، لكنه صُنف بوصفه ممولاً لـ “حزب الله” وفرضت عليه عقوبات عام 2018 ثم على ابنه بعد عام. 

عام 2019، رفع الرجلان دعوى قضائية منفصلة ضد الحكومة الأميركية، سعياً إلى إسقاط العقوبات الأميركية. وبحسب سجلات المحكمة وكما نشر ICIJ وشركاؤه فقد اعتبر بزي في دعواه في المحاكم الأميركية إن الحكومة الأميركية بالغت في تقدير المعاملات والأحداث التي وقعت قبل سنوات، ولم تستطع تقديم أدلة على أنه يمول “حزب الله”. وقال بزي للمحكمة في مراسلات الدعوى إن مهماته بصفته قنصلاً فخرياً تتمثل في “تعزيز علاقات الاستثمار الأجنبي بين لبنان وغامبيا”، موضحاً أنه أنهى علاقته مع الرئيس جامع عام 2016 بعد سلسلة من التهديدات. وقال أيضاً إنه وافق سابقاً على العمل كمخبر للحكومة الأميركية وقيل له إنه لن يخضع للعقوبات.

عام 2020، رفض قاضٍ فيدرالي الدعوى التي رفعها نجل بزي. وفي العام الماضي، قام بزي بتسوية دعواه القضائية مع الحكومة الأميركية. ولا يزال بزي ونجله يخضعان للعقوبات، وتعرض وزارة الخارجية مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن بزي. 

لم يستجب بزي ونجله لطلبات التعليق التي أرسلها ICIJ وشركاؤه.

بزي وشبكة تهريب نفط ايراني

مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية (OFAC) اسماء أعضاء في شبكة تهريب سهلت تجارة النفط وحققت إيرادات لـ”حزب الله” و”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإسلامي. تضم الشبكة الكثير من الأفراد الرئيسيين والعديد من الشركات والسفن المشاركة في مزج النفط لإخفاء الأصول الإيرانية للشحنات وتصديرها في جميع أنحاء العالم لدعم حزب الله وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

بحسب OFAC، استخدم الأوكراني فيكتور أرتيموف وأسماء أخرى وحدات تخزين في ميناء الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة ، وخلطت منتجات هندية المنشأ بالزيت الإيراني للتعتيم على الأصل الإيراني. ثم قامت الشركات بعد ذلك بتعديل أو إنشاء شهادات منشأ وجودة مزيفة للزيت المخلوط ، والتي تم نقلها بعد ذلك لبيعها في الخارج.

وقد ورد في البيان اسم محمد ابراهيم بزي بوصفه احد شركاء آرتيموف في بيع النفط للمشترين.

إعلام “حزب الله” نشر خبر الحزمة الجديدة من العقوبات بوصفها “ضغوطاً على البيئة الاجتماعية التي يتمتع حزب الله بنفوذ كبير فيها وذلك ضمن خطة لمحاصرة الحزب والضغط عليه للتنازل في ملفي الصراع مع إسرائيل وملف الانتخابات الرئاسية”.

قناصل فخريون … ومصارف

عام 2019، تقدمت شركة المحاماة الأميركية OCLLC بدعوى باسم عائلات أميركية من ذوي جنود أميركيين قتلوا أو جرحوا في العراق بين عامي 2004 و2011 ضد 11 مصرفاً لبنانياً، مدعين أنهم سهلوا أعمالا لـ”حزب الله”.

 وبحسب الدعوى، فإن القنصل الفخري السابق محمد إبراهيم بزي، كان لديه حسابات في اثنين من هذه المصارف. 

تتهم القضية التي لا يزال يُنظر فيها في المحكمة الفيدرالية في نيويورك 13 مصرفاً لبنانياً بانتهاك قوانين مكافحة الإرهاب من خلال إدارة ونقل الأموال عمداً لصالح تنظيم “حزب الله”

المصارف المعنية ارتكاب أي مخالفات، وأعربت في وثائق المحكمة إنها “غير مسؤولة قانونياً أو واقعياً عن الإصابات التي وقعت في ساحة المعركة للمدعين”. وأضافت المصارف أيضاً أن الدعوى لم تحدد معاملات أي شخص على علاقة بتنظيم “حزب الله”.

أظهرت السجلات أنه تم الاستحواذ على مصرف “فرنسبنك” في بيروت، وهو أحد المصارف المقرضة الذي ورد اسمه كمتهم في الدعوى، من قبل عدنان القصَّار وشقيقه عادل، الذي شغل منصب نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمصرف، وشغل منصب القنصل الفخري لدولة المجر في لبنان منذ عام 2002 على الأقل.

وبحسب الدعوى فقد كان بزي، القنصل الفخري السابق لغامبيا في لبنان، لديه حساب في مصرف “فرنسبنك” ومصرف لبناني آخر ورد اسمه في القضية.

لم يستجب عدنان القصَّار وشقيقه عادل، ومصرف “فرنسبنك” لطلبات التعليق التي أرسلها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين وشركاؤه.

كذلك لم تستجب الرابطة المحلية للقناصل الفخريين في لبنان، التي نشرت على الإنترنت قائمة بالقناصل ضمّت مرعي والقصّار مدير مصرف “فرنسبنك” للرد على الأسئلة.

قناصل فخريون وأسلحة 

مع تقدم “مشروع كاساندرا” الفيدرالي الأميركي المعني بتعقب أنشطة “حزب الله”، ظهر منصب القنصل الفخري مرة أخرى؛ ولكن هذه المرة خلال العملية التي أسفرت عن سقوط فوزي جابر، سمسار الأسلحة التابع لـ”حزب الله”، الذي التقى بالمشترين في الفندق في غانا عام 2012.

كان المشترون مخبرين تابعين لإدارة مكافحة المخدرات، يتظاهرون بأنهم ممثلون عن منظمة حرب عصابات وعصابة مخدرات معروفة دولياً في كولومبيا يسعون للإطاحة بالحكومة والهجوم على القوات الأميركية المتمركزة في البلاد.

وبحسب نص الحديث الذي حصلت عليه ونشرته “بروبوبليكا”، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، فقد أقر جابر بإمكانية توفير الأسلحة، ومن أجل الحماية، عرض جابر بيعهم صفة القناصل، قائلاً: “كل كبار الشخصيات، وكل الأثرياء، يحملون صفة القنصل”. وقال جابر، “الأفضل هو الدول الأفريقية”، مضيفاً “أن الكثير من الأشخاص الأوروبيين البيض يعملون قناصلَ” من بلدانهم الأصلية عندما لا تكون هناك سفارات قريبة.

وفي اجتماع ثان مع المشترين بعد ثلاثة أشهر، قال جابر، “نحن نذهب إلى أي بلد في أفريقيا. ونجعلك قنصلاً لغينيا الاستوائية [أو] غينيا بيساو … وفي المقابل تدفع 200 ألف دولار، وتصبح القنصل الرسمي للدولة. ويصير لديك جواز سفر آخر”.

وبحسب المعلومات التي جمعتها  “بروبوبليكا”، والاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ففي عام 2014، سافر كيلي إلى براغ، حيث كان من المقرر عقد اجتماع آخر، لضمان اعتقال جابر، ومساعده خالد المريبي، وكذلك الهدف الرئيسي لإدارة مكافحة المخدرات، وهو تاجر الأسلحة اللبناني الأصل علي فياض. 

ما يدعم هذه المعلومة، هو أن الحكومة التشيكية أطلقت سراح فياض والمريبي في وقت لاحق، مقابل خمسة مواطنين تشيكيين اختطفوا في لبنان عام 2015 في عملية غريبة وغير مفهومة، لكن لاحقاً تبين أنها في سياق تبادل بين حزب الله وتشيكيا.

سُلم جابر إلى الولايات المتحدة، واعترف عام 2017 بالتآمر وحكم عليه بالسجن.

وأثناء المحاكمة، طالب بحريته، قائلاً إنه كان تحت تأثير المخدرات في ذلك الوقت، وارتكب “خطأ لن يتكرر مجدداً طوال حياته”.

وفي مقابلة من السجن الفدرالي في ولاية فيرجينيا الغربية، اعترف جابر أنه عرض تقديم مناصب القناصل الفخرية، لكنه قال إن الحكومة الأميركية زورت نصوص الاجتماعات “للإيقاع به”. وأضاف أنه يعارض “حزب الله”.

وقال، “أنا أعلم كيف يعملون، وكيف يُمكن منح شخص هذا المنصب… أعرف الكثير من القناصل الفخريين الذين لا يتورعون عن ارتكاب أنواع الحماقات كافة”.

علي سعاد وابراهيم طاهر

تضم قائمة اسماء القناصل الفخريين الذين تم ربطهم بشبهات تبييض أموال رجل الأعمال علي سعادة وهو أحدَ أغنى رجال غينيا. سعادة (80 سنة) افتتح في غينيا عام 1992 شركة “سونيت” بعد العمل في تجارة والده في مجال الأقمشة. 

عام 2006، اختارت حكومة غينيا سعادة ليصبح قنصلها الفخري في لبنان. وفي بدايات هذا العام، زعمت الحكومة الأميركية أن سعادة ورجلَ أعمال بارزاً آخر في غينيا، يُدعَى إبراهيم طاهر، كانا من أكبر ممولي “حزب الله”. وأشارت الحكومة أيضاً إلى أن طاهر كان قنصلاً فخرياً للبنان في ساحل العاج، وأنه استخدم منصبه للسفر من غينيا وإليها.

تلاحق سعادة اتهامات ببدء تحويل الأموال من غينيا إلى تنظيم “حزب الله”، وتوفير “وصول غير مقيَّد” إلى أعلى المستويات في الحكومة الغينية لقاسم تاج الدين، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في عام 2009 بتهمة تمويل تنظيم “حزب الله”. 

تاج الدين سجن لاحقاً في ولاية ماريلاند لانتهاكه العقوبة، من خلال المساعدة في نقل أكثر من مليار دولار عبر النظام المالي الأميركي. وعام 2020 أُطلِق سراحه وأُعيد إلى لبنان في ما يعتقد أنها صفقة مقايضة تمت بين “حزب الله” والولايات المتحدة، وبموجبها أطلق سراح تاج الدين وأعيد الى لبنان في مقابل إفراج لبنان عن الأميركي اللبناني عامر فاخوري العميل الاسرائيلي، الذي أخرج من بيروت على متن مروحية نقلته من السفارة الأميركية. القضية أثارت لغطاً كبيراً في لبنان حينها.

في ما يتعلق بعلي سعادة وابراهيم طاهر، فقد زعمت الحكومة الأميركية أنهما وآخرين سافروا عام 2020 إلى لبنان في طائرة خاصة حاملين معهم “كمية هائلة من الأموال”، كانت قالت “مجموعة سونيت” التابعة لسعادة أنها كانت لأغراض إغاثية في مواجهة وباء كورونا، في حين تعتقد السلطات الأميركية أنها كانت غطاءً لنقل الأموال من غينيا “حزب الله”.

مطار بيروت وتمرير الأموال؟

رغم نفي سعادة أنه مرر أموالاً عبر مطار بيروت إلا أن أسئلة كبرى تحيط بآليات الضبط عبر مطار بيروت وعبر المرافئ الأخرى في لبنان الذي. 

التقى “درج” مدير عمليات في إحدى شركات تأجير الطائرات الخاصة العاملة في مطار بيروت (هناك 3 شركات طائرات خاصة في مطار بيروت). الموظف يعمل منذ نحو عشر سنوات وعلى تماس مع كيفية العمل، “النسبة الأكبر من موظفي المطار من عناصر أجهزة أمنية وموظفين وعمال هم في الغالب من المحسوبين على “حركة أمل” الحليف الأقوى لحزب الله”.

جغرافيا يقع المطار على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية ما يضعه في عقر دار حزب الله، وكذلك موقعه على الواجهة البحرية يحدّ من الطرقات المؤدية إليه والتي يمكن إغلاقها بسهولة. السيطرة الكاملة لحزب الله على مطار بيروت ظهرت بوضوح في أحداث 7 أيار/ مايو 2008، حين احتل “حزب الله” بيروت ووضع حواجز وطوق المطار. وكانت وثائق “ويكيليكس” نقلت عام 2011 عن السفارة الأميركية في بيروت عن أحداث 7 أيار: “خلال الأشهر القليلة الماضية حصلت حوادث محددة من الخروقات الأمنية في المطار، ضمنها استهداف وهمي للطائرات التجارية بواسطة أجهزة الليزر، إضافة إلى اكتشاف كاميرا موجهة صوب المدرج، على ما يبدو خاصة “بحزب الله”. وأدى اكتشاف هذه الكاميرا وقرار الحكومة اللبنانية إزالتها ونقل رئيس جهاز أمن المطار، إلى أعمال عنف في لبنان”.

كانت أحداث 7 أيار مفصلية لجهة حسم سقوط مطار بيروت أمنياً تحت نفوذ حزب الله ومع الصعود القوي للحزب ونفوذه داخل الإدارة العامة والبرلمان من خلال حلفائه مثل “حركة أمل” والتيار المسيحي الأقوى “التيار العوني”، فقد ضمن سلسلة تعيينات وتوظيفات في المطار لا تسائله بشأن أي تحركات يمكن أن يقدم عليها بعيداً عن الأنظار. 

بحسب مدير عمليات شركة الطيران الخاصة، “حركة أمل تسيطر على أمن المطار ولا أحد يصطدم معهم. معظم الموظفين تابعون لحركة أمل. الدرك والأمن العام هم في الغالب يتبعون سياسياً لحركة أمل”. 

من المعروف أيضاً أن أي بضاعة للمقاومة لا تخضع للجمارك سواء في المطار أو المرفأ. 

طبعا مسألة إعفاء بضاعة خاصة “بالمقاومة” من الجمارك أمر يحصل بشكل سري لأنه أمر غير قانوني فيتم التغاضي عن “بضائع” أو شحنات بذريعة أنها للمقاومة. تحت هذا العنوان لا رقابة لما يتم تهريبه عبر المرفأ وعبر مطار بيروت وتثبيت موظفين يدينون بالولاء لـ”حزب الله” أو لـ”حركة أمل”، كفيل بتمرير هذا الأمر في حين يشعر موظفون غير محسوبون على هذا الخط السياسي بالضعف والعجز وعدم القدرة على تحدي هذه الممارسة. 

يتحدث الموظف أن الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان زاد من مسألة استخدام المطار في تمرير مواد غير مراقبة “مع انهيار قيمة الليرة وتراجع قيمة المعاشات فأي شخص يمكن أن يرشي الكثير من الموظفين. معظمهم لا تتجاوز قيمة مرتبهم 50 دولاراً في الشهر فإذا أراد أحد استغلال الأمر، فربما يتجاوبون ويمكن تفادي التفتيش داخل المطار”.

“هناك رجال أعمال وشخصيات لبنانية وسورية ومن جنسيات أخرى يسافرون بطائرات خاصة وحتماً يتمكنون من تهريب أموال كاش وقد شهدت بعضاً من هذه الأمور بالمصادفة”.

لكن هل يستفيد بعض القناصل الفخريون من هذا الواقع؟

“نحن في لبنان نحب الدلع، فإذا في قنصل فخري لبناني يمكن أن ندلعه ونفتح له صالون الشرف بالمطار. في أفريقيا القناصل الفخريون مدلعون أيضاً، إذ هناك ميل لتمييز هؤلاء على عكس ما يحصل في أوروبا حيث هناك انضباط أكثر”. 

يقول مصدر في وزارة الخارجية اللبنانية لـ”درج” شارحاً الفارق بين ما تنص عليه القوانين والنظم التي ترعى عمل القناصل الفخريين وبين الواقع في بعض الأحيان. 

بحسب هذا المصدر، “القناصل الفخريون لا يتلقون حقائب ديبلوماسية ولا تربطهم أي علاقة مباشرة مع الدوائر الرسمية في بيروت بل هم يتبعون مباشرة للبعثات الديبلوماسية في الخارج… بحسب الأصول لا بد أن يخضعوا للتفتيش عند دخولهم المطارات وليس لديهم حصانة الحقائب الديبلوماسية، وكل ما لديهم هو لوحات سيارات خاصة تتيح لهم تجاوز بعض الحواجز الأمنية وموقف خاص للسيارة. كذلك جرى ابتكار فئة بسبورات “خاصة” وهي فئة أقل من ديبلوماسية لكنها امتياز تم اقتراحه لتمييز القناصل الفخريين لتسهيل التأشيرات لكن السؤال هو، هل يساء استخدام هذا الأمر بأن تفتح لهم صالونات الشرف مثلاً وتعفى أمتعتهم الشخصية من التفتيش؟ هذا شأن يجب أن نتابعه فردياً لأن الأصول الديبلوماسية والقوانين لا تفترض حصول ذلك…”. 

فُرضت عقوبات على كل من سعادة وطاهر في آذار/ مارس 2022.

وبعد العقوبات، جمّد المدعون العموميون في غينيا حساباتهما المصرفية ومُنِعا من السفر خارج البلاد، وبدأ تحقيق جنائي معهما.

سعادة وفي مقابلةٍ مع وسائل إعلام أفريقية صرح بأنه تصرف بصفته قنصلاً فخرياً حين وضع قاسم تاج الدين في تواصل مع الرئيس الغيني السابق.

وقال سعادة إنه لم يكن يعلم أن الولايات المتحدة كانت تضع عقوبات على تاج الدين. وأضاف في تصريح له أنه حمل معه 800 دولار فقط حين سافر إلى لبنان مع طاهر و8 آخرين عام 2020، “لم أعطِ أو أحوَّل دولاراً واحداً إلى حزب الله”.

ولم يستجِب طاهر- الذي يبلغ من العمر 59 عاماً- لطلبات ICIJ وشركائه للتعليق.

وفي تمّوز/ يوليو الماضي، أغلق قاضٍ في محكمة الاستئناف في غينيا التحقيق الجنائي مع طاهر وسعادة، قائلاً إنه لا دليل على قيامهما بتمويل الإرهاب. وأشار القاضي أيضاً إلى تحقيق أجرته الحكومة الغينية أظهَر أن طاهر لم يكن قنصلاً فخرياً. ووفقاً لسجلّات المحكمة، فقد استأنفَت السلطات الغينية حكم المحكمة في قضية سعادة وطاهر.

وقال سعادة إن الحكومة الغينية علّقت منصب القنصل الفخري الذي كان يشغله بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليه.

لم ترد الحكومة اللبنانية ولا “حزب الله” أو الرابطة المحلية للقناصل الفخريين في لبنان، على الاسئلة التي وجهها ICIJ وشركاؤه.