fbpx

قصة حب في اسطنبول التي فجّروها…

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يعرف مفجرو المدن، أنهم إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية، إنما يتطاولون على ذاكرتنا، على القصص التي ما زالنا نعيش لأنها وُجدت ذات مرة، لا يفهمون كم ما زلنا أحياء حتى ندافع عنها ونحرسها.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بدأ كل شيء في ليلتي الثانية في اسطنبول في حزيران/ يونيو الماضي، كانت الكأس الثالثة وكنتُ أستطيع لحظتها نقل العالم من اليمين إلى اليسار، من دون أي جهد… إنها القدرة التي تُمنح لمن وقعوا في الحبّ لتوّهم وهم على وشك الثمل… 

لا أعرف إن كان هناك ما يسمّى بالفعل “مزاج حب”، ولا أعرف إن كان وقوعنا بالحب يتعلق بمزاجنا في مكان وزمان ما. لكن على الأقل بإمكاني القول إن هذا ما حدث لي في اسطنبول، فيما كنتُ أحاول تنحية نفسي عن قططها الكثيرة محاولة التعامل مع “الفوبيا” اللعينة. قد تقع في الحب وأنت تشعر بالرعب، لا يأتي الحب دائماً من الطمأنينة.

يستطيع الحب أن يوقف عقل الواقعين فيه وأن يوجّههم إلى حيث يشاء، ذلك أن المرء قد يحب شخصاً يسكن في مدينة بعيدة، أو شخصاً لا يمكن أن يلتقيه في منتصف الطريق… أجمل قصص الحب هي تلك التي نملك يقين استحالتها، والتي لا نستطيع التقاطها بأيدينا، مهما بالغنا في المحاولة. إنها القصص التي تجعلنا نقاتل كثيراً وعبثاً، ونحلم ونبكي ليلاً وحين نشعر بأن قلوبنا صغيرة وعاجزة…

“حين تحبك امرأة ستذهب إلى باريس من أجلك”، (قرأت هذه الجملة في مكان ما لكنني لست متأكدة من اسم كاتبها، لذلك أقدّم عذراً استباقياً منه)، كان يمكن أن أفعل ذلك مع اختلاف اسم المدينة، لكنني عجزت عن المساومة يوم جاءت ساعة القرار، وشعرت بدناءة أنني كنت قد قلت بالفعل “سأفعل أي شيء لأكون معك” لحظة غادرت عائدة إلى بيروت… ثم لم نكن مستعدين لفعل شيء، وربما كنا على حق… 

تخيّل أن ينتشر في وسائل الإعلام خبر، مفاده أن انفجاراً استهدف أجمل قصة حب عشتها!

أنهينا كل شيء سريعاً، لأننا لم نكن نملك وسائل المقاومة المطلوبة من أجل قصة بهذا التعقيد، لكنّ أحداً لا يستطيع سرقة التجربة منا… كنا صغيرين وكانت قصة كبيرة.

كانت تلك أجمل قصة حب حتى الآن، أشعر بامتنان دائم لأنني عشتها حتى النهاية… كان كل شيء حراً وصاخباً، بارات، وأسواق، وضحك، وحب. وهناك في تلك النقطة تحديداً حصل انفجار اسطنبول يوم الأحد 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، بين عناقين… 

كنت في الطائرة لحظة وصلني الخبر، عائدة إلى بيروت من تونس، تخيّل أن ينتشر في وسائل الإعلام خبر، مفاده أن انفجاراً استهدف أجمل قصة حب عشتها!

توقف العالم قليلاً، استفاق شيء من اللهفة في قلبي، شعرت بأن عليّ تغيير الوجهة والذهاب إلى اسطنبول، هناك قصة حب تم استهدافها، وهي قصتي… علي احتضانها والاطمئنان إلى أنّ الشظايا لم تصل إليها وأنها استطاعت الصمود، من أجلي، من أجلنا…

لا يعرف مفجرو المدن، أنهم إضافة إلى الخسائر البشرية والمادية، إنما يتطاولون على ذاكرتنا، على القصص التي ما زالنا نعيش لأنها وُجدت ذات مرة، لا يفهمون كم ما زلنا أحياء حتى ندافع عنها ونحرسها.

قدرنا أن نحبّ مدناً مهددة، معرضة للاغتيال في أي ثانية، وهو اغتيال يستهدفنا أيضاً، يستهدف ضحكاتنا، أجسادنا حين ترتعد من أجل قبلة أو عناق طويل أو فنجان قهوة أو كأس… أو مشاعر تأتي بعد الكأس الثالثة عند الواحدة ليلاً… وأنت في طريقك إلى الفندق الذي لا يبيع الكحول.

حين انفجرت بيروت في 4 آب/ أغسطس، ابتلع البحر أماكن كانت تعني قصص حب وصداقة وذكريات، وهو الابتلاع ذاته، وإن اختلفت النسبة والامتداد، الذي مدّ يده الآن إلى ابتساماتنا في اسطنبول، من أجل خنقها…

كان مربكاً أن أتصل به للتأكد من أنه على ما يرام، إنه الارتباك الذي أشعر به دوماً حين يتعلّق الأمر به… بدأت المحادثة بسؤاله إذا ما كان راغباً بسماع نكتة، إنها طريقتي في مباشرة حوار صعب معه، أفضّل أن أبدأه ببعض الضحك و”البياخة”. أخبرني أنه بخير، وقلت له إن “الحياة كلها بياخة ببياخة”… كانت هذه طريقتي لإخفاء قلقي وغضبي على أقدار المدن التي نحبّها، والتي يستخدمها كثيرون لتوجيه رسائل سياسية، تعني الموت غالباً…

كانت هذه قصة حب عظيمة في اسطنبول التي فجّروها يوم أمس…