fbpx

الأرض الميتة… آلاف الأفدنة المفقودة
في مصر والعراق بفعل التغيرات المناخية والألغام

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا يوجد ماء ولا زرع ولا أي شيء، هذه المشاحيف (الزوارق) بقيَت على الأرض دون ماء، لا أحد يهتمّ بنا أو بعائلاتنا ونسائنا وأطفالنا، لقد متنا من العطش”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

وسط أرض جرداء يقف علي النوفلي (65 سنة) مستذكراً كيف كانت هذه الأرض بالأمس نهراً يغذّي أهوار الحويزة في البصرة، يُسمّى نهر «العز»، ويمثل مصدر رزق له ولعائلته وللدواب التي يعيش عليها، لا يشغل تفكير النوفلي اليوم سوى الهجرة خوفاً من هلاك عائلته وحيواناته بعدما نفدت الحلول إثر الجفاف وصمت الدولة.

النوفلي يعيش في قرية فقيرة تُسمّى نهر العز، عند هور الحويزة الواقع على الحدود الجنوبية للعراق مع جارته الشرقية إيران. اختفى النهر واختفت مساحات مائية واسعة من هور الحويزة أيضاً، وتحوّلت مستنقعاته إلى أرض جافة قاحلة، يفكر معظم ساكنيها في الرحيل بعدما كان مقصداً سياحيّاً.

خسر النوفلي عمله في الصيد ومات عدد من الجواميس التي يعيش عليها، وبات اليوم هو و3000 عائلة تسكن في تلك القرية والأهوار مهددين بالهلاك والعطش، كما يشكو أنه «لا يوجد ماء ولا زرع ولا أي شيء، هذه المشاحيف (الزوارق) بقيَت على الأرض دون ماء، لا أحد يهتمّ بنا أو بعائلاتنا ونسائنا وأطفالنا، لقد متنا من العطش».

أدرجَت “اليونيسكو” الأهوار على لائحة التراث العالمي عام 2016، لكنها اليوم باتت مساحات قاحلة نفقت حيواناتها وهجرها كثير من سكانها، والسبب هو الجفاف والغياب شبه التام للأمطار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وكذلك انخفاض مستوى المياه المتدفقة من الأنهار التي تنبع من دولتي الجوار إيران وتركيا، ما أرغم بغداد على تقنين استخدام احتياطاتها.

وفي ظل الانخفاض الحادّ في مياه الأهوار، دقت منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة (فاو) ناقوس الخطر، محذرة في تقرير نشر منتصف تموز/ يوليو من أن الأهوار باتت واحدة من أفقر المناطق في العراق، وإحدى أكثر المناطق تضرراً من تغير المناخ ونقص المياه. وأشارت إلى أن بها آثاراً كارثية أصابت سُبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية، إذ إنها فقدت جواميسها التي تُعَدّ مصدر رزقهم الوحيد.

تمتدّ أهوار العراق بين نهرَي دجلة والفرات، وكانت توصف بـ«جنّات عدن على الأرض»، لكن هذه الأرض الغنية بالحياة تحولت اليوم إلى صحراء قاحلة، وتعرضت لجفاف متكرر نتيجة الاحتباس الحراري الذي ألقى بظلاله على الإنسان والحيوان والنبات، فنتيجة شُحّ المياه وارتفاع درجات الحرارة نفقت نحو 750 جاموسة في أهوار الجبايش في محافظة الناصرية وحدها.

ويوضح المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية حاتم حميد أن «قطاع الزراعة والأهوار هما الأكثر تأثراً بشح المياه لأنهما أكبر قطاعين مستهلكين للمياه، لا سيما مع درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية»، مشيراً إلى أن التبخر العالي الذي يحدث في الأهوار لا يمكن تعويضه بالمياه المتاحة. ويضيف: «لا نستطيع تأمين المياه الكافية للزراعة والأهوار».

يأتي ذلك في ظل أسوأ موجة جفاف تمرّ بها البلاد عامّةً، وبخاصة محافظة ذي قار، التي أخذت تفقد مساحات واسعة من أهوارها وأراضيها الزراعية، وتواجه نزوحاً سكانيّاً كبيراً بين أوساط الفلاحين والصيادين ومربّي المواشي، الذين باتوا مهدَّدين بفقدان مصدر دخلهم الوحيد.

وقال رئيس “اتحاد الجمعيات الفلاحية” في ذي قار، حسين آل رباط، إنّ أزمة المياه ألحقت الأضرار بـ80 في المئة من الأراضي والمحاصيل الزراعية وأشجار النخيل في ذي قار.

تتشابه الظروف المناخية التي تواجه العراق مع نظيرتها المصرية، إذ تقع أجزاء كبيرة من أراضي البلدين في مناطق شديدة الجفاف، إضافة إلى أنهما يواجهان رياح الخماسين (الطوز)، التي تأتي من الصحراء الغربية محمَّلة بآلاف الأطنان من الرمال، بما يؤثّر بشدة في الزراعات الموجودة ويزيد معدّل التصحر.

على بُعد 300 كم عن ساحل البحر المتوسط إلى الجنوب الغربي من محافظة مرسى مطروح المصرية، كان يحيى موسى الذي يقيم بمنطقة واحة سيوة يمارس عمله بإعداد برنامج لفوج سياحي متجه إلى بحيرة فطناس، لكنّه فوجئ بمشهد الجفاف الذي غيّر معالم تلك البحيرة.

يقول موسى الذي صُدم بمشهد غير مألوف طرأ على واحة الغروب: «كنت أخشى مواجهة الفوج السياحي، لأنني وصفت لهم مشهد الغروب الباهر الذي يميز بحيرة فطناس».

إجراءات في الهواء

بعد أيام من انتشار صور الجفاف على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت وزارة الري المصرية في التاسع من آب/ أغسطس الماضي أنها تنفذ إجراءات لتطوير منظومة الري والصرف في واحة سيوة، تهدف إلى وضع حلول جذرية لمشكلة زيادة الملوحة بمياه خزان الحجر الجيري المتشقق نتيجة الحفر العشوائي للآبار.

وأكدّت الوزارة في بيان رسمي أنها تعمل على حل مشكلة زيادة كميات مياه الصرف الزراعي، المتسببة في ارتفاع منسوب المياه الأرضية بالأراضي الزراعية في الواحة، ما أثر سلباً في هذه الأراضي. وأشارت إلى عودة المناسيب إلى الزيادة تدريجيّاً مع حلول فصلَي الخريف والشتاء، دون حدوث ازدحامات مائية كما كان يحدث قبل بدء تنفيذ هذه الأعمال.

تواصلنا مع المهندس أحمد يوسف، مدير مديرية الزراعة بمرسى مطروح، الذي أكّد أنّ الحفر العشوائي للآبار أدى إلى تدهور الكثير من المحاصيل الزراعية مثل الزيتون والنخيل في سيوة، مشيراً إلى أنّ نحو 30 في المئة من زراعات النخيل من إجمالي 11 ألف فدان تأثرت بالملوحة. وأشار إلى تأثر المناطق الزراعية في محافظة مرسى في مطروح بالتغيرات المناخية، لا سيما أنّ المساحة الأكبر تعتمد على مياه الأمطار غير المنتظمة، مؤكداً أن ذلك العامل تسبّب في تحوّل عديد من الزراعات، من بينها الشعير، إلى مرعى. وأوضح أنّ نحو 250 ألف فدان من إجمالي 450 ألفاً تعتمد زراعتها على الأمطار، وأنّ معظم الأراضي في مطروح تتعرض تربتها لانجراف كبير.

ويشير الدكتور رأفت خضر، الرئيس الأسبق لمركز بحوث الصحراء المصرية، إلى أن مصر تقع في منطقة شديدة القحولة، وتعاني من ارتفاع درجات الحرارة، وأنّها من أكثر دول العالم عرضة للجفاف والتصحر. وأوضح خضر أنّ الأراضي المصرية تخسر 30 ألف فدان سنويّاً، كما فقدت ما يقرب من مليونَي فدان من الفترة الواقعة بين نهاية الثمانينيات حتى عام 2011.

وفي الجهة الأخرى، تقول وزارة الزراعة العراقية إنّ التصحر امتد إلى 70 في المئة من الأراضي الزراعية في البلاد، كما أنّ المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف أوضح أن وزراته اضطرت إلى تخفيض خطتها الزراعية إلى أقل من النصف، مبيناً أنّ ما زرعته هو 2.5 مليون دونم فقط من أصل 6 ملايين، كانت ضمن الخطة، وذلك نتيجة لشح المياه وتأثيرات الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية. ويشير رئيس الجمعيات الفلاحية في العراق حسن التميمي إلى أن الأراضي الزراعية التي خرجت عن الحسابات الزراعية تجاوزت 13 مليون دونم خلال السنوات الماضية، بسبب نقص المياه والتغيرات المناخية، ما انعكس على الفلاحين ونسب البطالة وأثر في الثروة الحيوانية.

ويقول المنسق العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية د. هادي هاشم إنّ التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية وعوامل أخرى ألقت بظلالها على هجرة المزارعين لأراضيهم ومغادرة مزارعهم وترك تربية الثروة الحيوانية.

وليس بعيداً عن مشهد الجواميس النافقة في أهوار العمارة والناصرية جنوب العراق، انخفض قرابة نصف أعداد غزلان الريم في بادية السماوة قبل أقل من شهرين، في المحمية التي أُنشئت عام 2007، من 148 رأساً إلى 87 خلال شهر واحد، بحسب الطبيب البيطري تركي الجياشي مدير مشروع محمية ساوة الطبيعية في محافظة المثنى، التي شهدت جفاف بحيرة ساوة بالكامل، التي كانت تُعَدّ من أشهر البحيرات الطبيعية في العراق، جرّاء تأثيرات التغير المناخي على المنطقة، بعدما أصبح العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، كما يقول وزير البيئة جاسم الفلاحي، مشيراً إلى أن التغيرات المناخية بدأت تهدد الأمن الغذائي والمائي والصحي في البلاد. محذراً من حجم الكوارث المناخية والبيئة التي تهدد أمن البلاد ومستقبلها.

ولم تكن الحال مختلفة في مصر، إذ يقول خبير حماية الحياة البرية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا، الدكتور علاء الدين سلطان، إنّ الغزلان المصرية تأثرت بالظروف المناخية وارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ. وأشار إلى أنه بحلول عام 2070 ستختفي الغزلان والنمور العربية من منطقة صحراء شمال إفريقيا والجزيرة العربية إذا لم تطبَّق برامج صون وحماية للأنواع الحيوانية المهدَّدة بالانقراض.

ومن جانبه يقول حسام الدين العلقامي مدير تخطيط الصون ونظم المعلومات الجغرافية بهيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية، الذي أعّد دراسة سابقة عن انكماش الغزلان المصرية في منطقة الصحارى نتيجة الجفاف، إنّ بعض الحيوانات الموجودة في السهول المصرية سيتأثر بالاحتباس الحراري بصورة كبيرة، وسيُضطرّ إلى الهجرة المحلية نحو الأراضي الأكثر علوّاً التي تتميز بظروف بيئية أفضل. وأشار إلى أنّ الغزلان المصرية في الصحراء الشرقية على ساحل البحر الأحمر، فضلاً عن الموجودة في الصحراء الغربية حول سيوة والواحات، سيطرأ عليها انكماش في أعدادها بنسبة تصل إلى 30 في المئة.

وقالت الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة المصرية، في كلمة لها خلال اجتماع لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب في يناير، إنّ الانبعاثات الحرارية في مصر لا تمثل 1 في المئة من النسبة العالمية، ورغم تلك النسبة الضئيلة فإنّ أضراراً جسيمة تقع على مصر والدول العربية. وأشارت إلى تأثر 84 في المئة من الأراضي الزراعية في الدول العربية بالتغيرات المناخية.

وكشف مصدر موثوق في وزارة الزراعة المصرية أنّهم يعثرون أحياناً في مواقع العمل على مخلَّفات حروب، ويبلّغون الجهات المعنية للتعامل معها سريعاً. وأوضح المصدر ذاته أنّ العثور على الألغام خلال العمل بات أقل بكثير من السابق، في ظل الوتيرة السريعة التي تسير بها عملية تطهير المناطق الملوثة بمخلفات الحروب خلال السنوات الأخيرة.

وتأثرت الأراضي في مصر والعراق بالحروب التي مرَّت على البلدين، فهما الأكثر تلوثاً بالألغام على المستوى العربي.

على بُعد 260 كيلومتراً من العاصمة، تقع مدينة العَلَمين على الساحل الشمالي المصري ضمن حدود محافظة مرسى مطروح، التي كانت شاهدة على أحداث الحرب العالمية الثانية، المتسببة في تلوث معظم أراضي المدينة بمخلفات الحروب، في ظل عدم امتلاك خرائط تشير بدقة إلى أماكن وجود الألغام.

أثر الحرب

توجّهنا إلى منزل الشيخ دومة عفون العقاري (76 سنة)، الذي يُعَدّ من القلائل الذين عايشوا تلك الأحداث بالمدينة وما زالوا على قيد الحياة.

استحضر دومة، الذي كان يجلس على وسادة محشوة بالقطن في منطقة فضاء بمحيط منزله ويستظل بأشجار النخيل حوله، مشهداً أصابه بالخوف من الزراعة عندما كان شابّاً يافعاً، «كنت أزرع قطعة أرض بمدينة العَلَمين بالشعير، لكن المحراث اشتبك بمجموعة مترابطة من الألغام، كادت تنفجر وتقضي على حياتي».

يستند عفون على عكازه الخشبي، ويضيف: «كلما تذكرت المشهد ارتجف جسدي، ولا أصدق أنني ما زلت حيّاً، ومن حُسن حظّي أنّ المحراث لم يشتبك بكبسولة اللغم».

يحكي الشيخ السبعيني عن عقدته التي ارتبطت بمخلفات الحروب قائلاً: «تمكّنت من تخليص المحراث من الألغام المتشابكة به، لكنني لا أقدر الآن على حمل أي أداة للزراعة، وأرى أن الحرب سرقت حياتي».

يواصل دومة حديثه متأثراً بتلك التجربة القاسية قائلاً: «كنت أرجو زراعة قُوت أُسرتي بيدي، لكنني فقدت ذلك الشعور، مثلما أُرغمت على عدم التعليم وغيره من أساسيات الحياة بسبب الحرب».

وأنهى الرجل كلامه قائلاً: «عشنا حياة صعبة من الخوف والرعب، وستستمرّ حتى الممات بسبب آثار الحروب».

قابلنا جابر سالم، وهو شابّ ثلاثينيّ يعمل حارساً للمقابر الإيطالية في مدينة العَلَمين بمنطقة صحراوية بالقرب من منزله الكائن بقرية تل العيس. يشير سالم إلى أنه تطوَّع للعمل دليلاً لمساعدة الغرباء عن المدينة، ولحمايتهم من التعرض للمناطق الملوثة بالألغام. ويؤكّد أنّه يرافق الراغبين في تنظيم رحلات السفاري والصيد، وأنّ السبب وراء قيامه بتلك المهمة تعرُّض عديد من أبناء قريته لإصابات من جراء الألغام.

يقول سالم مسلطاً أنظاره على المناطق الصحراوية الممتدة حوله: «إذا تمكّنا من زراعة هذه المناطق فلن نستورد حبّة قمح من الخارج».

وكانت مدينة العَلَمين من أهم المناطق المزروعة بالقمح باعتماد كامل على مياه الأمطار، ولم تعرف مصر استيراده إلا بعد تلوث معظم أراضي العلمين بالألغام خلال الفترة التي شهدت  أحداث الحرب العالمية الثانية.

وعلى المستوى الرسمي، أعلنت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي المصرية، خلال اجتماع لجنة العَلاقات الخارجية بمجلس النواب في مطلع يونيو، أنّ نصف مساحة الأراضي الملوثة بالألغام ومخلفات الحروب في الساحل الشمالي جرى تطهيرها من مخلفات الحروب. وكشفت أنّ المساحة التي جرى تطهيرها تبلغ 5100 كم، وتمثل 57% من المساحة المستهدفة. وأشارت إلى أنّه نتيجة تلك الجهود أُنشئت مدينة العَلَمين الجديدة ومحطة الضبعة النووية ومشروع امتداد ترعة الحمام.

وأعلنت القوات المسلحة المصرية، نهاية آب/ أغسطس الماضي، عن توقيع بروتوكول مع الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام بوزارة التعاون الدولي لتطهير الظهير الصحراوي للقرى والنجوع التي يقطنها عدد كبير من السكان من المخلفات المتبقية من الحروب، وذلك بنطاق العلمين والحمام والضبعة ومطروح والنجيلة وبراني والسلوم.

وأكّد المتحدث العسكري في بيان نُشر على «فيسبوك» استغلال المناطق التي تم تطهيرها من الألغام في توفير مناطق للاستصلاح والاستزراع، إضافة إلى استخراج البترول.

من جانبه يقول الدكتور أحمد عامر، خبير الألغام وعضو الشبكة المصرية للتغيرات المناخية، إنّ الألغام أضرّت بنباتات طبية وعطرية، كما عطّلت مساحات شاسعة من الأراضي المصرية. وأشار عامر، الذي حصل على رسالتَي ماجستير ودكتوراه عن قضايا متعلقة بالألغام، إلى أنّ السيول تحرِّك الألغام المنتشرة في المناطق المرتفعة بمدينة السلوم، وتنقلها من أماكنها إلى المنخفض حيث العمران، مشدداً على أنها تمثل تهديداً لحياة المواطنين.

خريطة الألغام من مصر إلى العراق

على امتداد أكثر من عشرة آلاف دونم، وفي أرض صحراوية تبعد 55 كم جنوب غرب محافظة كربلاء جنوب العراق، تفترش الأرض أنواعاً مختلفة من الأسلحة التي خلَّفها نظام صدّام حسين قبل الإطاحة به.

يعيش أبو علي في تلك الأرض، ويروي أنه وعائلته اعتادوا الحياة والمسير بين الصواريخ والقنابل اليدوية التي تنشر هناك لسنوات، وسط الخوف من فقدان حياتهم في أي لحظة، موضحا أنه اعتاد اكتشاف نوع جديد من المقذوفات الحربية كل يوم، بل أصبح يمتلك الخبرة في معرفة أنواع السلاح بأنواعه الثقيلة والمتوسطة والخفيفة منها، موضحاً أن تلك المقذوفات والمخلفات حرمته وأبناء المنطقة من فُرَص العمل وزراعة تلك الأرض لسنوات، وعلى رغم انطلاق مشروع لزراعة جزء من هذه الأرض فإنه يسير بحذَر ولم يزرع سوى 1500 دونم من تلك الأرض نتيجة صعوبة رفع تلك المخلفات وخطورتها.

ينوِّه وزير البيئة العراقي جاسم الفلاحي بأن «العراق يُعتبر الأول في مجال التلوث في الألغام والعبوات الناسفة والمخلفات الحربية نتيجة عقود من الحروب وعدم الاستقرار ومواجهة التحديات الإرهابية».

ويكشف الفلاحي أن معالجة هذه المشكلة المعقدة ما زالت تحتاج إلى سنوات طِوال، خصوصاً بعد أحداث احتلال تنظيم داعش الإرهابي مناطق واسعة من البلاد بعد عام 2014 وتحريرها من قبضته، وهو ما فاقم الأزمة بعد أن أقدم التنظيم على تفخيخ مساحات كبيرة وزرعها بالمتفجرات والألغام المختلفة.

ووفق دائرة شؤون الألغام التابعة لوزارة البيئة العراقية، فإنّ حجم التلوث الكلي للمخلفات الحربية في العراق يبلغ نحو 6 آلاف كلم مربع، جرى تنظيف نصفها تقريباً. لكن انتشار المخلفات الحربية والألغام على طول البلاد وعرضها لم يمرّ دون إزهاق أرواح الأبرياء وسقوط الآلاف منهم على مدى العقود السابقة، التي خاض فيها العراق حروباً وشهد أحداثاً ومشكلات أمنية عدة.

ويبيِّن مسؤول المركز الجنوبي لشؤون الألغام في وزارة البيئة، نبراس التميمي، أن «نحو 18 ألف شخص سقطوا بين قتيل وجريح بسبب الألغام والمخلفات الحربية في محافظات جنوب العراق، خلال العقود الثلاثة الأخيرة».

التميمي أوضح كذلك أن وزارتَي الدفاع والداخلية ومنظمات محلية وأجنبية تبذل جهداً كبيراً لإزالة المخلفات الحربية، لكن حجم التلوث كبير، إذ تبلغ مساحة المناطق الملوثة بالمخلفات الحربية أكثر من مليار متر مربع.

وتقول إحصائيات الأمم المتحدة إنّ «100 طفل قُتلوا أو أصيبوا في الأشهُر التسعة الأولى من عام 2021 جرّاء انفجار ألغام ومتفجرات من مخلفات الحروب في العراق».

مقترحات لحلّ الأزمة

يقول الدكتور أحمد دياب، كبير خبراء المياه بالأمم المتحدة، الذي سبق له المشاركة في وضع السياسات المائية للعراق، إنّ العراق بحاجة إلى تحديث السياسات الزراعية والمائية والبيئية الخاصة به، على أن تتَّسم تلك السياسات بمرونة تجعلها قادرة على تقبُّل الصدمات.

ويقدِّم دياب مقترحاً لمواجهة الجفاف الذي ضرب الأهوار من خلال استعمال المياه الآسنة للبدء في زراعة تلك المناطق بعد التخلص من الأملاح، على أن تُستخدم الخزانات الجوفية لضخ المياه فيها لاستزراعها.

كما يقترح الدكتور محمد سياف، الباحث بمركز البحوث الزراعية، استغلال الظهير الصحراوي للمدن الساحلية المصرية بزراعة المحاصيل من خلال تحلية مياه البحر، لافتاً إلى أن جميع المحافظات المصرية تمتلك ظهيراً صحراويّاً باستثناء محافظة الغربية بمساحة تقدر بـ3,5 مليون فدان.

ويضع سياف 3 محاور رئيسية، أولها استخدام مياه البحر المعالج عن طريق الطاقة الشمسية، مشيراً إلى أنّ المحور الثاني يتمثل في استخدام مياه الصرف الصحي المعالج في زراعة الغابات الشجرية التي تعمل على مقاومة التصحّر، وزيادة نسبة الأكسجين، والحد من درجات الحرارة المرتفعة. 

وأوضح أنّ وراء ذلك المقترح عائداً اقتصاديّاً يتمثل في استغلال بذور بعض الأشجار في استخلاص زيوت الطائرات، التي تتناسب زراعتها مع الظروف المناخية المصرية. وأضاف أنّ المحور الثالث يتمثل في استخدام المياه الجوفية، وهو ما فعلته الحكومة المصرية بإطلاقها مشروع مليون ونصف مليون فدان، متوقعاً أن تستكمل مصر بقية الأراضي التي تمكن زراعتها بالمياه الجوفية، والتي تقدر بمليون فدان آخر.

هذا التحقيق أُنجز بدعم وإشراف من مؤسسة “كانديد” الألمانية

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.