fbpx

هذه قطر… وهذا مونديالها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

  نجاح قطر الموعود، لن يستطيع الإبراء من جائحتين لازمتا ملفها المونديالي منذ الترشح حتى التفويض، وفي عهدي الأب والإبن. أثر السياسة من جهة، وملف حقوق الإنسان من جهة أخرى.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

قبل ثلاثين عاماً، قصد أبو جوهر ملعب قريته باحثاً عن ماهية تلك اللعبة التي خلت بسببها شوارع تلك القرية من ناسها.  لكن الخيبة هي ما أفضت إليه حال الرجل وهو يشاهد مقصده.”إسى هِذي هي كرة القدم؟! اتنين وعشرين… بيركضوا ورا هالمدورة والناس بتزقفلن!”.

  مارس الرجل السبعيني نقداً ريفياً حاداً حيال تلك اللعبة، وقفل عائداً إلى عزلة طوعية بانتظار انتهاء موسمها في قريته.

   أيام قليلة وتنطلق في قطر مباريات كأس العالم. هذا الحدث الرياضي، غالباً ما أقام قطعاً بين كرة القدم وما عداها. اللعبة الآن حديث العالم. وفي لبنان سيفضي الحدث إلى تخفيف منسوب السياسة إلا ما ندر. وما ندر علَّته مشاركة منتخبات كإيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية في هذا “المونديال”، وأيضاً الفنان فضل شاكر.

ففي مفارقة تحتاج إلى شيء من حسن الظن، أوقعت القرعة فريقي إيران والولايات المتحدة الأميركية في مجموعة واحدة. قرعة كهذه خدمت القطريين الذين يدفعون دائماً باتجاه اتفاق سياسي بين دولتين تتصدر خصومتهما أحداث العالم. لا ضير إذاً من أن  تتوج قطر مونديالها بلقاء رياضي بينهما، يجعله حدثاً ضمن الحدث.

 عموماً، كل شيء يشي بأن المونديال القطري سيكون ناجحاً. منشآت رياضية عصرية، تحضيرات لوجستية وإعلامية مميزة. وحدها المتعة الكروية لن تكون على عاتق اللاعبين القطريين، بل لأقدام فرق أخرى لن تستطيع الأموال القطرية، رغم التجنيس، من مجاراتها. ففضائح بلوغ الأدوار المتقدمة لفرق كقطر يفترض أنها خُتمت مع كوريا الجنوبية عام 2002.

  لكن نجاح قطر الموعود، لن يستطيع الإبراء من جائحتين لازمتا ملفها المونديالي منذ الترشح حتى التفويض، وفي عهدي الأب والإبن. أثر السياسة من جهة، وملف حقوق الإنسان من جهة أخرى.

   إنها قطر المذيلة بعلامة تعجب دائمة عن هذا التقاطع بين حجمها وأدوارها في السياسة، وراهناً في الرياضة. والأصح أنه المال القطري العائم على الغاز، وقدرته في تسييل حجم دولة صغيرة في الأحداث الكبيرة.

   فاستضافة قطر كأس العالم لكرة القدم لم تخلُ من فضائح ورشاوى منذ البدايات، ولاحقاً في انتهاكات لحقوق الإنسان من خلال الموت المجهول- المعلوم لآلاف العاملين في المنشآت الرياضية التي شُيدت لهذه المناسبة.

  ما يسري على قطر، هو غالباً نظير ما يجري في دول الخليج العربي والأردن، حيث يندر أن يكون مسؤولو الرياضة في تلك الدول من خارج الأسر الحاكمة وسطوتها.

   كان رئيس “الاتحاد الدولي لكرة القدم” السابق جوزيف بلاتر، ورئيس الاتحاد الأوروبي  للعبة حينها ميشال بلاتيني، الشخصين الرئيسين المتورطين في الرشاوى القطرية. والمرء يقدِّر ولا شك تأثيرهما في مآل الاستضافة إليها. والإدانة إذ كلَّفت الرجلين خسارة موقعيهما في رئاسة الإتحادين العالمي والقاري، فأغلب الظن أن الحديث راهناً عن تبرئتهما هو من مفعول ذلك المال الذي يجهد القطريون على بذله في محاولة مبسترة لتنقية المونديال من الفضائح التي أسست له.

  لكن الأثر الآخر، والأكثر سوءاً، هو الصمت الذي مارسه الرئيس الحالي للإتحاد جياني إنفانتينو، كما معظم دول العالم، واتحاداتها الكروية، عن موت آلاف العمال، خصوصاً الآسيويين والأفارقة بفعل محاولة السلطات القطرية عملية تسريع بناء المنشآت الرياضية إرضاءً لطموحها، وإخضاع هؤلاء العمال لساعات عمل مفرطة (70 ساعة عمل أسبوعياً على الأقل)، وطقس حار، من دون أي اعتبار لحقوقهم وظروف عملهم. 

أكثر من مليوني عامل وفدوا إلى قطر خلال فترة تشييد هذه المنشآت وإدارتها وحراستها. منظمة “هيومن رايتس ووتش” وثَّقت عدم تقاضي الكثير من هؤلاء العمال كامل أجورهم في انتهاك صريح لقانون العمل، ودون عقاب، والشركة المنفذة لملعب “البيت” الذي سيشهد على افتتاح المونديال هي نموذج موثق عن هذه الشركات.

وأغلب الظن أن المسكوت عنه في الرياضة قطرياً هو من أثر السياسة، وفي دولة يوفر مالها علة هذا الصمت. 

   إنه أيضاً عالم عربي لم تخفِ معظم دوله استثمارها في كرة القدم، وبمحاولة للتخفف من سطوة الديكتاتورية والثيوقراطية على أنظمة حكم متلازمة مع إعلاء للقمع وتقييد الحريات، لكنها تستجير بكرة القدم كمتنفس لتدجين شعوبها.

     يقوم واحد من أهم مبادئ “الاتحاد الدولي لكرة القدم” على العزل بين الأخيرة والسياسة، وتخضع الإتحادات الوطنية غالباً لعقوبات يفرضها التداخل بين الأخيرة  والأنظمة السياسية (الكويت نموذج عربي في الماضي القريب).

  لكن مبدأ كهذا يصعب مجاراته في أنظمة لا تترك أمراً يسقط من وصايتها، فكيف في لعبة هي مقياس المزاج الشعبي في العالم.

   “غول لسوريا الأسد”، هي العبارة الأثيرة على لسان المعلقين الرياضيين السوريين. العبارة ابتدعها الراحل عدنان بوظو، واستحالت لازمة يفضي مآلها أن كل “غول”سوري يفترض أن يخدم النظام، وآل الأسد على رأسه.

  والذي لا يزال سارياً في سوريا، اختبره العراق إبان حكم صدام حسين، ومقدماً لنموذج هو الأسوأ بالتساوي مع كوريا الشمالية. إنه التلازم القسري بين كرة القدم والسياسة. فنادراً ما آلت شؤون كرة القدم فيه إلى غير عدي الإبن البكر لصدام، والذي أسس لهذا التلازم بتماهي العقاب السياسي بمثيله الكروي، وهو عقاب شكل شرخاً نفسياً وضع اللاعب العراقي في حالة رعب دائم من الهزيمة بوصفها أحياناً كثيرة حتمية كروية.

  وما يسري على قطر، هو غالباً نظير ما يجري في دول الخليج العربي والأردن، حيث يندر أن يكون مسؤولو الرياضة في تلك الدول من خارج الأسر الحاكمة وسطوتها.

لبنانياً، لم تكن كرة القدم بعيدة من مظلة السياسة، وإن لم تكن بفجاجة ما سبق. هي تخضع للأقوى سياسياً، وتُعطى أنديتها التي تشكل غالباً رافعة سياسية- رياضية- شعبية مناعة مفتعلة ضد الهزيمة، كما في حالتي فريقي الأنصار والعهد سابقاً وراهناً.

   عودٌ على بدء، مات أبو جوهر ولم  تجذبه “الساحرة المستديرة”، أو “المدورة” كما وصفها. مات الرجل مُستثنيَاً من ملايين المشاهدين الذين سيتاح لهم معها وقت مستقطع لفوضى حواسهم ما بين الفرح والحزن والغضب و”التمريك”. مات أيضاً على جهله بأحوال كرة القدم وهي تتبدل من فطرتها، إلى تلازمها المقنع، أو المعلن، مع السياسة.

حازم الأمين - صحافي وكاتب لبناني | 28.03.2024

العرقوب اللبناني بين “فتح لاند” و”حماس لاند”

الوقائع التي تشهدها المناطق الحدودية اللبنانية عززت التشابه بين "فتح لاند" و"حماس لاند"، فبينما كانت الهبارية تتعرض لغارات الطائرات الإسرائيلية التي قتلت على نحو متعمد تسعة مسعفين، كان أهالي بلدة رميش المسيحية يقرعون أجراس كنائسهم احتجاجاً على تمركز حزب الله على إحدى التلال في بلدتهم!