fbpx

الحركة الطالبية في إيران: 8
عقود من صناعة التغيير الذي يطاول الملالي الآن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

في ظل الأحداث الحالية تحولت الجامعات، مرة أخری، إلی قطب لمعارضة السیاسات القائمة في البلاد في ظل الحكم الموحد للتیار الأصولي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يختلف الوضع في إيران الآن عن كل ما سبق. 

فالحراك الطالبي الذي يقود الاحتجاجات منذ مقتل الفتاة الكردية الإيرانية، مهسا أميني، وضع حداً فاصلاً ونهائياً أمام سرديات النظام، وكذا آلياته القمعية، بما فيها تجنيد المرتزقة واستغلال الأطفال لجهة تعبئة بعضهم في تنظيماتهم الميليشياوية.

ربما، الحركة الطالبية في الجامعات والمدارس، لا تخرج عن السياق العام الذي يتماس ودورها التاريخي الذي ظل يرافق مشاهد التغيير والتحول بالمجتمع الإيراني. بل إنّها صنعت حوادثه وشكلت أجزاء واسعة لا يستهان بها. 

المفارقة في اللحظة الراهنة تكشف، فقط، أنّ الطلبة الذين انتفضوا في مرات سابقة، كما في فترة محمد خاتمي، مثلاً، على خلفية غلق إحدى الصحف الإصلاحية، ثم المطالبة برفع القيود وتخفيفها عن الحريات، يتجهون نحو إيجاد بدائل للحكم، ونبذ النظام السياسي برمته.

لذا، فالنظام الإيراني يعمد إلى توسيع دائرة القمع كخيار استراتيجي. وحول هذه الاستراتيجية يسعى قادة الملالي إلى انعطافة موقتة لاختبار التهدئة في الشارع. وبينما يتفاقم المشهد من خلال المواجهات الدامية لتصفية التظاهرات، بصورة تامة وفورية، فإنّ هامش الإصلاح تتلاشى فعاليته وتأثيراته، وتغيب ضرورته.

والمحصلة، هي تنامي الأعباء الأمنية والسياسية على النظام الذي تتراجع رهاناته، لا سيّما مع اصطفاف فئات مختلفة تؤثر في هيكلية واستقرار النظام. وكان  أصحاب المحال التجارية وعمال النفط أعلنوا إضرابهم، تحديداً في مدينة مهاباد، شمال غربي طهران. 

وبالتزامن مع إضراب العمال، تباغت النخبة الثقافية والمجتمعية بإيران الجميع باستمرار دعم الاحتجاجات. الفنانة ترانه عليدوستي، الممثلة الإيرانية الشهيرة والحائزة جوائز فنية دولية، نشرت صورة لها على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام”، من دون حجاب. وظهرت في الصورة لافتة مكتوب عليها بالفارسية: “جين جيان آزادي” وتعني “امرأة حياة حرية”. 

ومن بين النتائج الأخرى، تنامي أعداد القتلى والموقوفين. وقضى في الاحتجاجات ما لا يقل عن 314 متظاهراً، كما أعلن تقرير وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، منهم 47 قاصراً.

كما اعتقل ما لا يقل عن 14170 شخصاً، منهم 392 طالباً. 

بالتزامن مع إضراب العمال، تباغت النخبة الثقافية والمجتمعية بإيران الجميع باستمرار دعم الاحتجاجات.

وكانت للاحتجاجات والإضرابات الواسعة لطلاب جامعة طهران في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات من القرن الثالث عشر تأثيرات جمّة على مصير النضالات الطلابية، وفق الباحث الإيراني، المتخصص في القضايا السياسية والحقوقية، مظاهر كلبي.

 ومنذ مطلع تشرين الأول/ أكتوبر عام 1971، قاطع الطلاب الفصول الدراسية ضمن نشاطهم المعادي لشاه إيران، وفق كلبي لـ”درج”. وتزامن احتجاج الطلبة، وقتذاك، مع الاحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس المملكة. فيما تعرض الطلاب لممارسات قمع عنيفة تماثل ما يحدث في عهد النظام الخميني. ومنها التعذيب على يد عناصر استخبارات الشاه (السافاك) وإرغام الطلاب على التعاون معهم. 

وفي العام الدراسي 1975، تم فرض رقابة صارمة على دخول وخروج طلاب جامعة طهران من قبل رجال الأمن (تماماً كما يفعل حالياً نظام الجمهورية الإسلامية). حتى أن السكن الجامعي كان يتعرض لمداهمات تفتيش أمنية. وكان مقتل الطلاب في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 1978 في الحرم الجامعي نقطة تحول لافتة في مسار الحركة الطالبية ونشاطهم السياسي الثوري، والتي أفضت مآلاتها إلى سقوط شاه إيران.

وتكمن أهمية الحركة الطلابية في أنّ لديها “شبكة وطنية قوية ومؤثرة”، على حد تعبير الباحث الإيراني المتخصص في القضايا السياسية والحقوقية. ويرجح أنّ القمع واعتقال الطلاب سيؤديان، إلى مزيد من “الوحدة بين المحتجين، واتساع حدود الانتفاضة التي تنتقل عدواها إلى الجامعات والمدن الأخرى. ولذلك، فإنّ النظام يتخوف بشدة من الحركات الاحتجاجية في الجامعات”.

وعلى مدار أكثر من 50 يوماً، طوقت فيها التظاهرات غالبية مدن وأقاليم إيران، حاول “آيات الله” المناورة أمام التصعيد، وتنوع تكتيكات المتظاهرين، وانتقال عدوى الاحتجاجات بين قطاعات وفئات متفاوتة. 

صمود الطلاب أبرز صلابة حقيقية برغم المنع من دخول الجامعات وملاحقة النشطاء وتوقيف بعضهم. كما أنّ هدم الحواجز والجدارن الخشبية، التي تفصل بين الجنسين في مدرجات التعليم، وقبلها حملة نزع عمائم رجال الدين في الشوارع، أحداث تبعث برسالة مفادها أنّ مصادر الحكم وشرعيتها انتهت. 

وفي المقابل، أصدر حوالى 600 أستاذ جامعي ومعهد بحثي بإيران، بياناً للضغط على الحكومة لإنهاء “جميع الأوامر التي صدرت ضد الحقوق المدنية للطلاب من دون قيد أو شرط “. 

فضلاً عن المطالبة بـ”إلغاء تعليق الدراسة، ومنع دخول الجامعة والمنامات الطلابية، والاستدعاء إلی اللجان التأديبية، وأخذ التعهدات من الطلاب، فضلا عن تهديدهم وذويهم”.

وإلى ذلك، يرى الكاتب السياسي الكردي، مسعود محمد، المتخصص في الشؤون الإيرانية، أنّ الجامعة في إيران منذ بداية تأسيسها، قبل نحو 8 عقود، لعبت بشكل مستمر دوراً سياسياً واجتماعياً لافتاً في تاريخ إيران المعاصر. إذ كانت هيمنة التخلف والاستبداد هي محور اهتمام الطلاب والأساتذة التقدميين.

وكان هناك دائماً صراع وتعارض بين الطالب والحكم السياسي. وهذا الصراع استمر من “جيل إلى جيل بين طلاب إيران ضد الدكتاتورية الحاكمة”، كما يوضح محمد لـ”درج”. وتكاد لا تختلف قضايا التنمية السياسية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية عن أهداف الحركة الطلابية في ستينات القرن الماضي.

ومن ثم، فليس جديداً وجود الطلاب في وسط الحراك المدني في إيران. فلقد لعبت التنظيمات والحرکات الطالبیة دوراً بارزاً في انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. وبرغم وجود التیارات الإسلامیة واللیبرالیة في الجامعات، آنذاك، إلا أنّ التيار اليساري هو الذي كان یهيمن علی الحرکات الطلابیة منذ الستينات، من خلال أكبر الأحزاب والتنظیمات الیساریة الناشطة في البلاد، منها حزب “توده” وحرکة “الفدائیین” و”العمال”، إضافة إلى منظمة “مجاهدي خلق”، والتي رغم انتماءاتها الإسلامیة بقراءتها الخاصة، إلا أنّها انشقت عن الأحزاب الیساریة، کما أنّها اتبعت تفسیراً یساریاً ردايكالياً عن الإسلام.

وعرج الكاتب السياسي الكردي المتخصص في الشأن الإيراني، على مرحلة ما يعرف بـ”الثورة الثقافیة” في إیران، والتي استمرت لأکثر من عامین، حيث تبني آلاف الأساتذة والطلاب أفكاراً ومواقف یساریة. وبعد ذلك، وفي ظل قبضة الثورة علی الجامعات بالتزامن مع انطلاق الحرب العراقية الإيرانية، شهدت الجامعات فترة طویلة من التراجع، وخفوتاً للحرکات الطلابیة. 

ويتابع: “فتح الانتصار المباغت للتیار الإصلاحي، وعلى رأسه الرئيس السابق محمد خاتمي، في انتخابات الرئاسة عام 1997، المجال لاستئناف أنشطة الحرکات الطالبیة في الجامعات”.

كما أنّ المساحة الكبیرة التي أعطتها حكومة خاتمي للطلاب، وخصوصاً حریة التعبیر بعد عقدین من الأزمات، إلی جانب عدم اهتمام الحكومات السابقة بالقضایا السیاسیة والاجتماعیة بسبب ترکیزها المطلق علی ملف إعادة إعمار البلاد بعد الحرب، خلقت “حالة ثوریة” بین الطلاب الذین کانوا یطالبون بتغییر الأجواء السائدة، والمزید من الحریات. يقول محمد.

من جانب آخر، کانت إدارة خاتمي تنظر إلی الحرکات الطالبیة کأداة لمواجهة القوی التقلیدیة في النظام، وفق المصدر ذاته، والتي کانت تقف أمام المحاولات التغییریة آنذاك. فتشكلت تنظيمات ومجموعات طالبیة جدیدة خلال تلك السنوات، تنتمي إلی الفكر الإسلامي، لكنها تمتلك ميولاً لیبرالیة تنتقد الوضع السياسي في البلاد. 

وخاضت التنظیمات نشاطاً غير محدود في الصراعات السیاسیة والأمنیة خلال تلك السنوات، منها الأزمة التي عرفت بـ”سكن الجامعة”. فعندما زادت الضغوط علی الحكومة، قامت المجموعات الطالبیة بالتظاهر في شوارع طهران، في 23 أيار/ مايو 1997 (وهو ما يُعرف بحركة 18 تیر)، للمرة الأولى منذ السبعينات. 

وانتقلت الاحتجاجات بين يومي 18 و23 تموز/ يوليو، من الحرم الجامعي إلى  الميادين والشوارع. ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص في الهجوم الذي نفذته قوات الحرس على جامعة طهران. ورداً علی ذلك التحدي، داهمت قوات مجهولة الهویة مباني سكن طلاب جامعة طهران لیلاً، ودارت اشتباکات دموية، قتل خلالها الكثير من الطلاب. 

وبرغم أنّ تلك التحولات أدت إلی تراجع التيارات الإصلاحیة في الجامعات إلی حد ما، لكنها ظلت مسیطرة علیها حتی نهایة عهد خاتمي. وإثر تجربة الحكم الإصلاحي باشر النظام بتدشين المجموعات الموالیة له في الجامعات، منها جماعة “طلبة الباسیج”. 

وبالعودة إلى الكاتب السياسي الكردي، فعلی عكس التوقعات التي کانت تشیر إلی استئناف عمل الحرکات الطالبیة المقربة من الإصلاحیین في الجامعات بعد انتصار حسن روحاني في الانتخابات، إلا أنّه فضّل عدم تحویل الجامعات إلی ساحة للصراع مع النظام، مكتفیاً بتقلیل الضغوط السیاسیة والاجتماعیة علی الطلاب وعلى أنصاره. مع الأخذ في الاعتبار أن روحاني لعب الدور الرئيسي في إنهاء الحركة الطالبية التي حدثت في عهد خاتمي، وذلك بصفته أمين المجلس الأعلی للأمن القومي، آنذاك. 

وفي ظل الأحداث الحالية تحولت الجامعات، مرة أخری، إلی قطب لمعارضة السیاسات القائمة في البلاد في ظل الحكم الموحد للتیار الأصولي. فيما نجحت الحرکة الطالبية بإيران في ترسيخ مكانتها كـقوة اجتماعية فاعلة بعدما أعلنت تضامنها ودعمها الحركات الاحتجاجية العارمة التي اجتاحت البلاد في كانون الأول/ ديسمبر 2017 وكانون الثاني/ يناير 2018 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وكانون الأول 2019. 

وفي المحصلة، الحركة الطالبية تدرك طبيعة الأزمات الهيكلية المزمنة التي يعيشها النظام الإيراني، فأعلنت عن تأييدها مطالب الحركات الاجتماعية على غرار الحركات النسوية والعمالية والمعلمين والمتقاعدين. كما أدى اهتمام الحركة الطالبية بالتحديات الاجتماعية، مثل عمالة الأطفال والمشكلات البيئية إلى بقاء هذه الحركة كإحدى القوى المدنية المؤثرة في المجتمع، وذلك برغم حملات القمع والاعتقالات التعسفية.