fbpx

عن الطفلة “شام” والأنا السورية الموهومة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ماذا لو قرأ المحتفون بشام تفاصيل الحفل وتفاصيل الجائزة بشكل عام وعرفوا أن الأمر كان مهرجاناً ثقافياً يحتفي بتعليم اللغة العربية ويرفع من شأنها وليس مهرجاناً لتسليط الضوء على عظمة تاريخ العلم في سوريا؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هناك حلقة من المسلسل الذائع الصيت “بقعة ضوء” بعنوان “ضربة فخر” يمثّل فيها بسام كوسا أعراض شخصية السوري السايكوباثية بإتقان شديد. فهو برغم أنّه يعيش حالة من الحرمان الماديّ والعاطفي يتشنج حينما يستمع إلى خطبة حماسية أو أي معنى يشير إلى تاريخنا العريق ويصاب بتيبس عضلي لا ينفع معه أي علاج.

والطفلة شام التي ينشغل السوريون بها هذه الأيام أعادت حالة الاحتقان الفخري التي كانت تسببها لهم مواقفهم البطولية الخلّبية الموهومة. حالة الامتلاء بالسعادة لأسباب لا علاقة لها بالواقع أو بالظروف المحيطة، حالة القناعة التامة بتفوّق العرق السوري دون البحث عن أي منطق في ذلك.

والحكاية تتلخص في أن طفلة صغيرة جميلة تتمتّع بقدرة عالية على الحفظ وتتقن لفظ اللغة العربية فازت بجائزة تحدّي القراءة العربي بموسمه السادس، تحت رعاية وحضور الشيخ محمد بن  راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. 

أن تفوز طفلة بمسابقة قراءة على 18 منافساً وهي بعمر سبع سنين يعتبر حدثاً لافتاً جذب الأنظار إليها وفصاحتها ورجاحة عقلها وابتسامتها البريئة علّقت بها القلوب، وحتماً فإن والدتها التي عملت على تلقينها كل هذه العبارات الجزيلة التي تفوهت بها في المقابلات شخصية تدعو للدهشة والامتنان وهكذا فقد حظي الحدث باهتمام الإعلام المحلّي والعربي. فاللغة العربية لغة صعبة وطلاقة لسان طفلة بهذا العمر يبقى مثيراً للإعجاب .

هذه الطفلة لا تمثّل أطفال سوريا ولن يقلّدها أطفال سوريا. ليس لنقص فيها بل لأن السواد الأعظم منهم لا يملكون ترف قراءة كتب خلاف الكتب المدرسية التي وفرها لهم ذووهم بشق النفس.

ولكننا في سوريا انتفضنا كلّنا للاحتفال بالعلم والعلماء وكما أسلفت -بتفوق العنصر السوري- كما تقتضي عاداتنا وتقاليدنا العريقة. فصفحات التواصل الاجتماعي تعج بالتهاني والتمنيات وكأنه يوم العيد. كل ذلك مشروع لشعب لم يسمع خبراً مفرحاً منذ 11 سنة. ولكن من الصادم أن تكون ردود أفعالنا وتعليقاتنا بهذه السذاجة بعد ما عشناه من تجارب مريرة. 

هناك من بدأ بسرد تاريخ فصاحتنا ودرجة إتقاننا اللغة العربية كشعب، وآخر يشيد بالعلم والتعليم وتاريخ اللغة العربية في سوريا، وآخرون تفرّغوا للرد على أي آراء “خارج الصندوق” يمكن أن تنال من الخشوع للموقف المهيب المتمثّل بالجائزة الأولى. وبدأ المعارضون بانتقاد صورة التفاف الطفلة بالعلم السوري الذي يمثل “نظاماً قضى على حياة والدها”.

الوضع باختصار : لغط غارق في الجهل.

من لم يتعلّم من معاناته ولم يدرس تجاربه لن يستنبط عبراً لبناء مستقبله. للأسف.

ماذا لو قرأ المحتفون بشام تفاصيل الحفل وتفاصيل الجائزة بشكل عام وعرفوا أن الأمر كان مهرجاناً ثقافياً يحتفي بتعليم اللغة العربية ويرفع من شأنها وليس مهرجاناً لتسليط الضوء على عظمة تاريخ العلم في سوريا؟ وماذا لو قرأوا قليلاً بين السطور وتفكّروا أن هذه الطفلة الصغيرة التي تدعو إلى القراءة كان فوزها مستحيلاً لو أنّها تقدّمت للجائزة منذ بضع سنين؟ وماذا لو حلّلوا حقيقة أن “العبقرية” الصغيرة التي تدّعي تلقينات والدتها أنها قرأت مائة كتاب بهذه السن الصغيرة كانت تختم كتاباً كل خمسة أيام إذا اعتبرنا أن سن قراءة الكتب تبدأ من السادسة؟ وماذا لو تركوا من لديه تعليقاً أن يقوله دون أن يهاجموه وكأنه عدو الشعب رقم واحد؟

هذه الطفلة لا تمثّل أطفال سوريا ولن يقلّدها أطفال سوريا. ليس لنقص فيها بل لأن السواد الأعظم منهم لا يملكون ترف قراءة كتب خلاف الكتب المدرسية التي وفرها لهم ذووهم بشق النفس. ولا يملكون الإمكانيات لحفظ بيت من الشعر. أما البقية الباقية، فأيتام اللجوء والحرب والجوع ومعظمهم حالياً جوعى ويعملون على إعالة أنفسهم ومن تبقى لهم من عائلاتهم فهم الجيل الذي سينمو وهو لا يعرف القراءة أصلاً.

وهذه الأم التي لن يقلّدها أحد من الأمّهات ستحاول أن لا ينسى الناس قصتها البطولية بعد أيام معدودة. فليس لدى وزارة تربيتنا “الرشيدة” خططاً لتطوير برامج تعليمية تشبه ما فعلته الأم مع ابنتها من اكتشاف الموهبة المبكّر إلى تطويرها والسهر على استمرار التعليم مع تحفّظي التامّ على طريقة التلقين الواضحة تماماً في سلوك الطفلة والتي سلبت منها عفوية تحتاجها وجعلتها أسيرة تلقين لا يشبه عمرها. 

ستبقى “شام” أسيرة وضحية لكل هذه الأضواء التي سلّطت عليها إذا لم يأخذ بيدها خبراء تربية وتعليم يجيدون التعامل مع موهبة بحجم موهبتها.

وأخيراً هنيئاً للشعب السوري فوز شام. استعيدوا أمجادكم وأفراحكم ولا تنسوا أغنية المرحوم “عبدالرحمن آل رشي”: أنا سوري… آه يانيّالي.