fbpx

“التدقيق الأمني” لمكافحة “داعش” في العراق…
باب الفساد الواسع؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تكرر عمليات التدقيق مع كل معاملة وكل فرد، يجعل غالبية المراجعين، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على تحرير نينوى، يعتقدون أن الهدف من التدقيق الأمني ليس كما تعلن عنه الأجهزة الأمنية لملاحقة فلول داعش، بل هو حلقة لجني المال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كل يوم ينتظم مئات المراجعين، منذ ساعات الصباح الباكر وحتى المساء، في طابور طويل أمام نافذة إحدى غرف مديرية الجنسية والجوازات في منطقة المحطة في الجانب الأيمن لمدينة الموصل (405 كلم شمال بغداد)، بانتظار الحصول على ختم الاستخبارات الذي يعد شرطاً أساسياً لتصديق أي معاملة رسمية.

مشهد يتكرر في الكثير من مقار المؤسسات الحكومية منذ خروج نينوى من سيطرة تنظيم “داعش” في صيف 2017، إذ لا تصدق معاملات الأهالي في دوائر ومؤسسات الدولة إلا بعد إجرائهم التدقيق الأمني، والختم الاستخباري يعني سلامة الموقف الأمني للمراجع، بمعنى “عدم تورطه بالانتماء أو الموالاة لتنظيم داعش”.

 دون ذلك الختم يعد الشخص مشتبهاً به وربما يصبح ملاحقاً حتى يثبت العكس.

إجراء روتيني، ضروري لضمان “استتباب الأمن ومنع عودة المتورطين مع داعش”، كما تقول السلطات الأمنية، لكنه يجبر وبشيء من الاذلال مئات الآلاف من سكان الموصل والأقضية الأخرى والنواحي التابعة لمحافظة نينوى على الوقوف في طابور(ختم الإستخبارات)، أمام أقسام الاستخبارات والأمن التابعة لوزارة الداخلية التي فتحت فروعاً في مقرات معظم الدوائر الحكومية وكذلك في مراكز الشرطة.

لذلك الختم وجهٌ آخر أيضاً، فهو نافذة فساد تملأ جيوب المتحكمين به بملايين الدولارات، عبر تقاضي رشى لتسريع الحصول عليه أو حتى حالات ابتزاز وتهديد بالملاحقة.

يقول مراجعون إن كثيرين يضطرون إلى دفع مبالغ تتراوح بين 1000 و2000 دولار للحصول على “الختم”، بخاصة المغتربون أو من لديهم معاملات غير قابلة للتأخير أو التأجيل في مؤسسة حكومية، وفقاً لتصريحات مسؤولين وبرلمانيين وتأكيدات مواطنين. وإذا قام 1 في المئة من المراجعين بالدفع من بين الآف من المضطرين للحصول على التدقيق فسنكون أمام رقم هائل.

فضلاً عن نينوى، فأن التدقيق الأمني يشمل سكان محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وشمالي بابل وبغداد. وقد أصدر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قراراً في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بإلغاء العمل بالتدقيق الأمني، وتوعد بمحاسبة الجهات التي لا تطبق القرار.

لكن على أرض الواقع، ما زال يسري منع تمرير أي معاملة في نينوى أو إصدار أوراق ثبوتية من بطاقات الأحوال المدنية والجنسية العراقية والسكن والوطنية والتموينية وشهادات الولادة والوفاة والجوازات، من دون المرور (بحاسبة) كومبيوتر الاستخبارات لتدقيق الأسماء والتأكد من عدم وجود أي شبهات أو شكاوى قضائية تتعلق بقضايا الإرهاب.

شريحة واسعة من مواطني نينوى، يعتقدون بأن التدقيق الأمني إهانة لهم، وأن الحكومة في بغداد تنظر إليهم على أنهم متهمون بالانتماء إلى “داعش”، وعليهم تبرئة أنفسهم من خلال الخضوع المستمر للتدقيق الأمني.

دوامة تدقيقات متجددة

يؤكد مواطنون قابلناهم وهم بصدد الحصول على ختم التدقيق الأمني، أن مدة صلاحية ختم التدقيق هي فقط 14 يوماً، وعليك بعدها أن تعود للحصول عليه مجددا. يقول (س.ح)، إنه وفور حصوله على سلامة الموقف الأمني يصبح في سباق مع الزمن لإنجاز معاملته في دوائر بيروقراطية تحتاج أحياناً إلى عشرات التواقيع “إنه سباق ماراثوني مهلك ومحبط، ولا نملك الاعتراض عليه”.

وفي حال عرقل الروتين المتبع في تلك الدوائر إنجاز المعاملة خلال مدة الـ14 يوماً، يتعين عليهم العودة للحصول على ختم التدقيق الأمني وبدء كل شيء من جديد، وهو ما يدفع البعض منهم إلى دفع مبالغ مالية للمعقبين والعناصر الأمنيين، لتسريع الحصول على الختم، فضلاً عما يدفعونه للموظفين في الدوائر الأخرى لمنع عرقلة معاملاتهم.

وكان هناك توجه لإلغاء التدقيق في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لكنه اصطدم برفض تنفيذه من قبل قيادات أمنية، وقبلها كان مجلس الأمن الوطني برئاسة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، قد أصدر في كانون الأول/ديسمبر 2019 قراراً بإلغاء التدقيق الأمني في المحافظات المحررة من داعش، لكنه بقي أيضاً حبراً على ورق.

وفيما يخص التدقيق الأمني الخاص بالنازحين، فقد أصدر مجلس الأمن القومي في 20 أيلول/ سبتمبر 2022 قرارا يقضي بقصر التدقيق الأمني على النازحين العراقيين الموجودين في الخارج، وعدم شمول النازحين في الداخل بإجراءاته.

لكن عمليات إلغاء التدقيق تواجه برفض جهات سياسية وأخرى أمنية. يرجع مراقبون ذلك الى مخاوف أمنية من عودة تسلل “داعش”، وأيضاً إلى الأموال الطائلة التي يَدُرها التدقيق على بعض الجهات.

مؤيدون ومعارضون

شريحة واسعة من مواطني نينوى الذين وصل عددهم الكلي وفق تقديرات غير رسمية إلى ما يزيد عن 4 ملايين، يعتقدون بأن التدقيق الأمني إهانة لهم، وأن الحكومة في بغداد تنظر إليهم على أنهم متهمون بالانتماء إلى “داعش”، وعليهم تبرئة أنفسهم من خلال الخضوع المستمر للتدقيق الأمني.

ويشير كثر منهم، باستياء، إلى أنه ليس إلا طريقة رسمية لابتزازهم والتضييق عليهم ودفعهم إلى مغادرة المحافظة كما فعل مئات الآلاف منذ 2014.

قريباً من هذا التصور، يعدد النائب محمد المحمدي، الأسباب التي دفعت جهات أمنية (لم يسمها) إلى اتخاذ قرار التدقيق الأمني في المناطق المحررة من “داعش”، وهي: “الابتزاز، والتهميش، وعدم الثقة بمواطني تلك المناطق بعد سيطرة داعش عليها”.

ونفى أن يؤدي إلغاء التدقيق الأمني إلى تسلل عناصر تنظيم “داعش” إلى تلك المناطق، بقوله: “هناك أجهزة أمنية تفرض سلطتها الكاملة وتمنع ذلك”، مشيراً إلى أنه طالب في الدورة البرلمانية الماضية بإلغاء التدقيق الأمني، غير أن ذلك لم يحدث.

آخرون يرون أن إلغاء التدقيق، يعني تبييض سير عناصر تنظيم “داعش” والمتعاونين معه، ما يمكنهم من الإفلات بما فعلوا، لا سيما أن الآلاف منهم طلقاء منذ 2017.

فيان دخيل نائبة في مجلس النواب العراقي، من المعترضين البارزين على قرار إلغاء التدقيق، واصفة إياه بـ”كارثة كبرى”. وقالت في مؤتمر صحافي عقدته في مقر مجلس النواب إن الكثير من المواطنين في المناطق التي سقطت بيد تنظيم “داعش”، كانوا “مشاركين معه أو مع غيره من الجهات الإرهابية” لذا فهي ترفض قرار الإلغاء وتقول بأنه غير صائب.

ودعت دخيل، رئيس الوزراء بدلاً من ذلك، إلى “تسهيل إجراءات التدقيق الأمني وتسريعها بتسخير جهود المزيد من الموظفين، لكي لا يصبح وسيلة لابتزاز المواطنين”.

27 تدقيق لعائلة واحدة

أحمد عبد الغني (36 سنة) يقول إنه يستحق أن يلتفت إليه القائمون على موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأنه وقف في طوابير الاستخبارات من أجل التدقيق الأمني 27 مرة خلال شهر واحد فقط، هو أيلول/ سبتمبر 2022.

أحمد، كان يسكن في منطقة اليرموك في الجانب الأيمن لمدينة الموصل وغادرها إلى تركيا بعد يومين فقط من سيطرة تنظيم داعش على المدينة في 10 حزيران/ يونيو 2014، وعاد من أجل إصدار أوراق ثبوتية لأطفاله الثلاث الذين ولدوا في تركيا وكذلك تجديد مستمسكاتهما هو وزوجته.

وأخذ يعدد باستخدام أصابع يديه: “أولاً، مصطفى وعبيدة، توأمان في الثالثة، تطلب إنجاز معاملتهما ختم الاستخبارات ست مرات، 3 لكل واحد، في المرة الأولى لإضافتهما إلى بطاقة السكن، والثانية لإصدار صورة قيد لها، والأخيرة لجواز سفر خاص بهما”.

يتوقف برهة ويقول، “لكل ختم راجعت مرة، يعني ست مراجعات للاثنين”.

ويضيف بطريقة مسرحية ملوحاً بذراعيه: طفلي الثالث، عمره سنة واحدة، راجعت لتدقيق وضعه الأمني خمس مرات، بفارق مرتين عن شقيقيه، لكوني اضطررت للعودة في اليوم التالي بسبب عطل في الكمبيوتر“.

واحتاج لتجديد الجنسية العراقية وبطاقة الأحوال المدنية وجواز السفر له ولزوجته وقوفاً في طوابير التدقيق الأمني 18 مرة، ويقول لكن بحرقة هذه المرة: “مجموع ساعات وقوفي في الطوابير بلغ 35 ساعة!”.

خلال الأعوام الخمس المنصرمة، مرّ معظم أهالي نينوى بالتجربة نفسها التي عانى منها أحمد عبد الغني، خصوصاً بعد قرارات مثل إلغاء العمل ببطاقات هوية الأحوال المدنية القديمة.

تكرر عمليات التدقيق مع كل معاملة وكل فرد، يجعل غالبية المراجعين، وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على تحرير نينوى، يعتقدون أن الهدف من التدقيق الأمني ليس كما تعلن عنه الأجهزة الأمنية لملاحقة فلول داعش، بل هو حلقة لجني المال.

مازن (45 سنة) وهو من أهالي سهل نينوى، حجبنا اسمه الثاني بطلب منه لدواع أمنية، اعتقل مرتين بسبب التدقيق الأمني لتشابه اسمه الثلاثي مع اسم شخص مطلوب للأجهزة الأمنية. يقول إن المرة الأولى كانت عام 2019، وأنه تفهم الأمر، لأنه بالأصل من المتضررين من تنظيم “داعش” الذي قتل عناصره أقرباء لهم، واستولوا على موجودات منزله ومتجره الذين تركهما بعد سيطرة التنظيم على الموصل في 2014.

غير أنه لا يفهم كيف ظهر التشابه مرة ثانية في تدقيق أمني، حاول الحصول عليه من أجل معاملة تتعلق بعقار في منتصف عام 2021، يقول: “دفعت المال لضابط في المرة الأولى لإطلاق سراحي، وتبرئة ساحتي، لكنهم عادوا وأوقفوني مرة أخرى وللسبب ذاته، ودفعت مرة أخرى لكي لا أتعفن في السجن وأنا بريء كما حدث لكثيرين”.

 فساد بعلم الحكومة

تواصلنا مع مواطنين من نينوى راجعوا للحصول على ختم الاستخبارات- التدقيق الأمني، وقد أجمعوا على وجود معقبين للمعاملات، يعملون مقابل أجور للتوسط بين المراجعين وضباط مسؤولين عن منح الختم.

وللتأكد من ذلك، قصد معد التقرير دائرة الجنسية والجوازات في منطقة المحطة في مدينة الموصل، وبعد مناقشات مستفيضة، وافق أحد المعقبين الذين يروجون معاملات في دوائر الدولة لمصلحة مواطنين مقابل أجور، على التحدث عما يحصل بخصوص التدقيق الأمني، مع التشديد على عدم الإشارة إلى اسمه.

أوضح الرجل وهو في الأربعينات من عمره، أن التدقيق الأمني لا يتوقف عند إصدار المستمسكات الثبوتية الشخصية، بل هو مطلوب كذلك عند إصدار بيانات الولادة وشهادات التخرج من الجامعة وعقود استئجار المنازل وغيرها، وحتى سحب خطوط الكهرباء من المولدات التجارية البديلة عن الكهرباء الوطنية المفقودة في العراق منذ عام 1991، بسبب حرب الخليج الثانية التي دمرت خلالها محطات الكهرباء.

وذكر أن التأخير في تسيير معاملات التدقيق متعمد، من أجل خلق زحام كبير فيضطر من ليس لديه الوقت للانتظار إلى دفع المال لتسريع الحصول على ختم الاستخبارات. وبناءً على تجربته اليومية فإن هناك معاملات يكون هو الوسيط فيها يحصل صاحبها على معاملته دون الوقوف في الطابور، مقابل دفعه 100 دولار للضابط.

ويشير إلى فئة أخرى، وهم بالآلاف ممن عليهم إشارات أمنية أو لم يراجعوا الدوائر الحكومية منذ سنوات، ويعيشون في إقليم كردستان أو خارج البلاد، يدفعون بحسب ما قال بين 1500 و2000 دولار لإنجاز معاملاتهم حتى بدون حضورهم الشخصي.

ويتابع متحدثاً عن طريقة أخرى لحصول عناصر فاسدين في مكاتب منح التدقيق الأمني على المال: “يحاولون في بعض الأحيان ابتزاز بعض الأشخاص من خلال عرقلة إنجاز معاملاتهم في حاسبة التدقيق الأمني بذريعة وجود ملفات أمنية تدينهم، والحقيقة هو تخويفهم وإرغامهم على دفع مبالغ مالية لتمرير أوراقهم والحصول على توقيع وختم التصريح الأمني”.

وكان عضو مجلس النواب العراقي نايف الشمري قد ذكر خلال مقابلة بثها تلفزيون الرشيد، أن سعر (التصريح الأمني) التدقيق الأمني في نينوى لبعض الحالات، المنجز خلال يوم واحد فقط يصل إلى 1000 دولار. ووصف الإجراء بأنه ابتزاز، لافتاً إلى أن المستفيدين من ذلك أصبحوا من “المستثمرين”، يقصد أصبحوا أثرياءً.

وعقد نواب من محافظة نينوى وقادة أمنيون اجتماعا في مدينة الموصل يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، لبحث تطبيق قرار رئيس الوزراء، وقد علمنا من مصادر في داخل الاجتماع أن بعض القادة عبروا عن رفضهم تنفيذ القرار معتقدين بأن وقف التدقيق الأمني سيؤدي إلى زعزعة الأمن مجدداً في نينوى.

وأظهر مقطع فديو جانباً من الاجتماع، ظهر فيه وزير الدفاع السابق والنائب الحالي خالد العبيدي وهو يستخدم مكبر صوت خارجي لكي يستمع الحضور إلى حديث وزير الداخلية عبد الأمير الشمري عبر الهاتف.

وقال  الشمري موجها كلامه إلى تشكيلات وزارة الدفاع والداخلية، بأن قرار التدقيق الأمني اتخذه مجلس الأمني القومي قبل أربع جلسات، معللاً عدم تنفيذه لغاية الآن، بسبب إجراءات ينبغي تنفيذها قبل ذلك، دون أن يبين طبيعة تلك الإجراءات أو الجهة التي اشترطتها.

وذكر فيما يظهر في الفيديو مدير شرطة نينوى إلى جانب عدد من النواب وشيوخ العشائر وهم يصغون باهتمام: “أن قرار إلغاء التدقيق الأمني لا يمكن التراجع عنه”.

ودعا الوزير الجهات المسؤولة عن الملف الأمني في نينوى إلى وضع آلية، بحيث يتم التخفيف عن المواطن، وقال “إذا تطلب الأمر التدقيق الأمني لأحد المواطنين، فيجب أن يتم بسرعة”.

وبعد إنهاء المكالمة مع الوزير أفصح خالد العبيدي عن الجهة التي تعرقل إلغاء التدقيق بقول “الاستخبارات هي المشكلة!”.

شكوك بإمكانية التنفيذ

أحمد الشمري من مدينة الموصل، كان حاضراً الاجتماع، ذكر أن التدقيق الأمني لن يرفع بنحو نهائي، وإنما ستجرى تعديلات على تنفيذه، ويقول بشيء من الإحباط “حديث وزير الداخلية بجعل التدقيق الأمني لا يستغرق سوى دقيقة واحدة، أي أن التدقيق سيظل قائماً وهو يؤكد ذلك بقوله الذي سمعه كل من كان في الاجتماع بأن المواطن لن يرسل إلى جهات عدة فقط جهة واحدة يحصل منها على التدقيق!”.

وأعرب الشمري عن أمله في أن يطبق قرار مجلس الأمن القومي بنحو كامل، ويلغى العمل بالتدقيق الأمني، من أجل إبعاد أبناء الموصل ونينوى بنحو عام عن دائرة الاتهام بالإرهاب، وأن ذلك سيغلق باباً من أبواب الفساد في نينوى، تمر عبره أموال كثيرة تذهب لمصلحة قادة في الأجهزة الأمنية وفقاً لما ذكر، دون أن يحدد أسماءً بعينها.

لكنه يعبر عن شكه بجدية قرار الإلغاء، ويضيف: “قرار مشابه صدر قبل ثلاث سنوات، واستبشر الأهالي خيراً لكنه لم ينفذ، ونخشى أن يكون قرار السوداني كما القرار السابق”.

النائب عن نينوى محمد نوري العبد ربه يقول بأن صفقات فساد كبيرة تجري في نينوى فيما يخص ملفات التصاريح الأمنية(التدقيق الأمني) وهو ما يعرقل تنفيذ قرار إلغاء تنفيذه. ودعا بشيء من السخرية الأجهزة الأمنية إلى ملاحقة المنتمين لداعش لا أن تنتظرهم حتى يراجعوا الدوائر الحكومية ومن ثمة يقبضون عليهم!

وتابع موضحاً لكن بنبرة السخرية ذاتها: “بعض المسؤولين الأمنيين يستغلون الموضوع للحصول على مبالغ مالية عبر ابتزاز المواطنين المراجعين، وهم يصرفون تلك الأموال في النوادي الليلة في أربيل وبغداد ومناطق أخرى”.

عبدالله السيد محامي من مدينة الموصل، يعتبر أن استمرار فرض التدقيق الأمني على المواطنين في كل كبيرة وصغيرة عقوبة جماعية. ويحذر من تداعيات الضغط المتواصل على المواطنين عبر أجهزة الدولة الأمنية، “لما في ذلك من تأثير سلبي على علاقة المواطن بالقوات الأمنية وبالتالي الخوف من تكرار المشهد الذي سبق العام 2014 والذي مهد لدخول تنظيم داعش إلى نينوى وسيطرته عليها، بسبب الفجوة الكبيرة بين المجتمع والقوات الأمنية”.

وأكد عبد الله أن النصوص القانونية تؤكد أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته فكيف والمشهد معكوس وأهالي الموصل جميعهم متهمون بمن فيهم المتكلم حتى تثبت تبرئتهم من خلال ختم الاستخبارات؟”.

ويأتي تخوف الأهالي من تأخر تنفيذ القرار أو عدم تطبيقه أصلاً والتلاعب به وإفراغه من محتواه بسبب عدم تنفيذ قرار مشابه له صدر مرتين في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

ويتوقع رئيس مركز رصد للدراسات في نينوى محمد غصوب، استمرار تطبيق التدقيق الأمني خلال المرحلة المقبلة في المحافظة على رغم من قرار مجلس الأمن بإلغائه. واتهم جهات مستفيدة (دون أن يسميها) بعرقلة تنفيذ قرار الإلغاء: “كان التدقيق الأمني ضرورياً في الفترة التي تلت تحرير نينوى من داعش، لكن بعد أكثر من خمس سنوات على ذلك، بات الأمر سيفاً مسلطاً على رقاب أهالي المناطق المحررة، ويجب وقف العمل به لتعزيز ثقة المواطنين بالدولة وأجهزتها الأمنية”.

تعديل الإجراءات

وبين مؤيد ورافض لإلغاء التدقيق الأمني هنالك فريق ثالث يقترح الإبقاء عليه لكن بتعديل إجراءاته وجعلها سرية وروتينية تقوم بها الجهات الأمنية دون حاجة إلى إرهاق المواطنين مع إعفاء شرائح معينة من الحصول عليه.

ويقول عقيد الشرطة المتقاعد مهند الحيالي، بأن إلغاء التدقيق الأمني أمر خطير للغاية، إذ لا بد منه حتى وإن كان العراق بلداً خالياً تماماً من الإرهاب، لكون الأمر يتعلق بالحفاظ على الأمن الداخلي، لكنه يرى أن فرضه على النحو الحاصل حالياً في نينوى “أمر معيب جداً” بحسب تعبيره.

واقترح تمديد صلاحية التدقيق الأمني من 14 يوماً لجعلها عاماً كاملاً في أقل تقدير، وعدم شموله الأطفال والنساء وكبار السن. إضافة إلى عدم تكرار طلب تدقيق الأسماء في كل دائرة من الدوائر الحكومية التي يجوبها المراجع لإنجاز معاملته، والاكتفاء بختم تدقيق واحد.

الباحث في الشأن السياسي غازي منهل، يرى أن انتظار أجهزة الأمن أن يأتي المطلوب أمنياً بقدميه إليهم ليقبضوا عليه: “إجراءٌ بدائيٌ ومؤشر واضح على عجز الجهد الاستخباري”.

ويشير منهل إلى أن “الاستفسار الأمني” أو “التدقيق الأمني”، معمول به في كل دول العالم وتنظم شبكات تعاون واسعة بين مختلف أجهزة الدول المتقدمة ومؤسساتها الأخرى، بحيث تتوافر المعلومات الكاملة لكل شخص يقيم فيها أو يدخل إليها على سبيل الزيارة أو لغرض العمل. 

يوم الثلاثاء 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، فوجئ عمر يحيى لدى مراجعته للحصول على وثيقة البطاقة الوطنية الموحدة أن شرط ختم الاستخبارات (التدقيق الأمني)، ما زال مطلوباً على رغم أنه أطلع على الأخبار التي أفادت بإلغائه من قبل رئاسة الوزراء.

يقول بحيرة: “عندما ذهبت إلى موقع الاستخبارات داخل بناية مجمع الجنسية والجوازات في منطقة الفيصلية بجانب الموصل الأيسر وجدت طابورا طويلا من المواطنين ينتظرون تدقيق أسمائهم أمنياً”.

وقال إنه فضلاً عن آخرين هناك، سألوا عناصر الأمن عن سبب عدم تطبيق الإلغاء، فأجابوهم بأن كتاب القرار لم يصل إليهم رسمياً بعد.

·        أنجز التقرير بإشراف من شبكة نيريج للتحقيقات الاستقصائية

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.