fbpx

مشروع بانون لتوحيد الشعبويّين والنازيّين الجدد في أوروبا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد إبعاده من البيت الأبيض حيث كان إلى ما قبل أشهر قليلة كبير الخبراء الاستراتيجيين للرئيس دونالد ترامب، أعلن ستيف بانون الذي كان رئيس تحرير الموقع الالكتروني اليميني المتطرّف “بريتبارت نيوز” تشكيل تنظيم سياسي يحمل اسم “الحركة” – The Movement، هدفه جمع الأحزاب والتيارات القومية اليمينية والشعبوية في أوروبا المناهضة للمشروع الاندماجي الأوروبي وتوحيد جهودها وتنسيقها من أجل تحقيق معدّلات فوز عالية في انتخابات البرلمان الأوروبي

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بعد إبعاده من البيت الأبيض حيث كان إلى ما قبل أشهر قليلة كبير الخبراء الاستراتيجيين للرئيس دونالد ترامب، أعلن ستيف بانون الذي كان رئيس تحرير الموقع الالكتروني اليميني المتطرّف “بريتبارت نيوز” تشكيل تنظيم سياسي يحمل اسم “الحركة” – The Movement، هدفه جمع الأحزاب والتيارات القومية اليمينية والشعبوية في أوروبا المناهضة للمشروع الاندماجي الأوروبي وتوحيد جهودها وتنسيقها، من أجل تحقيق معدّلات فوز عالية في انتخابات البرلمان الأوروبي التي من المقرّر أن تجرى في أيار/ مايو من العام المقبل.

وقال المساعد الأيمن لبانون رحيم قسام الذي كان قبل انضمامه اليه، في منصب كبير مساعدي السياسي البريطاني وزعيم “حزب الاستقلال” نايجل فاراج الذي لعب دوراً كبيراً في “البريكزت”، إن “الحركة ستكون مركزنا للتنسيق بين الحركات القومية اليمينية والشعبوية في أوروبا”. وأضاف: “نركّز اهتمامنا على مساعدة الاشخاص والجماعات المهتمة بقضايا السيادة الوطنية ومراقبة الحدود سعياً من أجل إيصال أكبر عدد من النواب إلى البرلمان الأوروبي الجديد في العام المقبل”.

ووفقاً للبيان المعلن فإن “الحركة” التي وضعت في مقدّمة أهدافها “تقويض الاتحاد الأوروبي من الداخل وإصابته في نهاية الأمر بالشلل”، اتّخذت من العاصمة الأوروبية بروكسيل مقرّاً رئيسياً لها تدير منه نشاطاتها على المستوى الأوروبي.

يقول بانون “إنه ومنظّمته يأملان من خلال تعبئة الجماعات المناهضة للاتحاد الأوروبي باكتساح البرلمان بالاستحواذ ديموقراطياً، من خلال الاقتراع والفوز بما لا يقل عن 60 في المئة من مقاعده، أي بما يكفي لتعطيله، بل وحتى إغلاقه سوية مع المفوضية الأوروبية”.

تمتلك الحركة بحسب بانون موازنة مالية سنوية ضخمة للغاية، ويصفها بأنها “مشروع شعبوي” يعمل بقوة وعزم على اثارة تغييرات تكتيكية في أوروبا وتحريكها”. ويقرّ قسام بأن “انتخابات البرلمان الأوروبي العام المقبل تمثّل اختباراً جدياً ليس فقط للجماعات اليمينية المتشدّدة والشعبوية، وإنما أيضاً للتيارات الإصلاحية التي تتطلع إلى تغيير البيروقراطية والجمود اللذين يؤطّران عمل الاتحاد، ولهذا فنحن نسعى لتكون حركتنا نقطة تقاطع للمسارَين”.

في حديث له مع وكالة “رويترز”، قال قسام “إن النخبة السياسية الليبرالية التي تفرض قبضتها على المفوضية الأوروبية منذ عشرات السنين تحصل على دعم ومساندة المئات من المنظمات غير الحكومية وفي مقدّمتها منظمة (المجتمع المفتوح)، التي يمتلكها الملياردير اليهودي الأميركي جورج سورس، فما الذي يمنع بأن نحظى نحن أيضاً بهذا الامتياز من خلال هذه الحركة، لا سيما أن الأوان قد حان لظهور منظمة تقف في صف الناس العاديين، وليس إلى جانب الحكام الذين سخّروا أنفسهم لتلبية مصالح الشركات الكبرى”.

التعبئة السياسية الأميركية في أوروبا

تأتي مبادرة بانون تجاه اليمين الشعبوي الأوروبي في سياق إظهار أن الولايات المتحدة كانت ومنذ فترة طويلة متقدّمة على أوروبا وبخاصة ألمانيا في وسائل التعبئة السياسية، ما يشير إلى أن بانون وجماعته يرون أنه قد حان الوقت لتبدأ الأحزاب اليمينية المتشددة والشعبوية في أوروبا استخدام الوسائل والآليات نفسها التي ظلت تعتمدها أحزاب الديموقراطية الليبرالية “وهو ما يشكك بإمكان نجاحه المؤرّخ بول نولتي الذي رأى في حديث مع مجموعة (فونكه) الإعلامية أنه في السياسة هناك تباين جدي بين القوميين الشعبويين والليبرالية العالمية، وبالتالي فإن التأثير لا يأتي من الخارج من شخص مثل بانون، إذ إن الخطر الحقيقي يأتي من الداخل لا سيما أن أوروبا منقسمة على نفسها”.

ظهر بانون كإحدى القوى الرئيسية في البيت الأبيض مع بدء رئاسة دونالد ترامب، واحتل منصب كبير المستشارين الاستراتيجيين، وهو دور أتاح له التواصل مباشرة مع الرئيس الأميركي، وأمكن رصد تأثيره في بعض القرارات الرئيسية التي اتّخذها ترامب. وبرز دور بانون على سبيل المثال عندما أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وهي الخطوة التي تعد أحد الأهداف البارزة في مشروع بانون السياسي.

كان تعيين بانون محل خلاف من جانب الجمهوريين الذين دأب موقع “بريتبارت” على انتقادهم. وكان هذا الموقع تحوّل في ظل إدارته إلى أحد أهم المواقع الإخبارية في الولايات المتحدة التي يتابعها بانتظام القرّاء لاحتوائه على الأخبار المحافظة ومقالات الرأي المعبّر عن التوجّه المتشدّد في الولايات المتحدة.

ولد بانون في ولاية فرجينيا الأميركية عام 1953 وقضى أربع سنوات في سلاح البحرية قبل أن يحصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد. وانتقل بعدها إلى العمل في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية ثم في التمويل الإعلامي وساعد على إطلاق المسلسل الكوميدي “ساينفيلد” ومسلسلات أخرى. انتقل بانون إلى مجال الإنتاج السينمائي في هوليوود قبل أن يتفرّغ لإنتاج أفلام وثائقية سياسية بشكل مستقل.

“تشير نتائج استطلاع للرأي عن انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة أجرته “رويترز” إلى أن نفوذ الأحزاب القومية المتشددة و الشعبوية وتأثيرها سيزيدان بنسبة تصل إلى 60 في المئة”

التقى بانون خلال عمله بأندرو بريتبارت، وهو رجل أعمال محافظ أراد تأسيس موقع يتحدّى من خلاله وسائل الإعلام التقليدية والتي قال إن التيار الليبرالي يهيمن عليها. وعندما مات بسبب أزمة قلبية عام 2012، تولّى بانون رئاسة تحرير الموقع ودفعه إلى الأمام. عيّن ترامب بانون مديراً لحملته الانتخابية في آب/ أغسطس 2016 وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، عيّنه كبير المستشارين الاستراتيجيين في البيت الأبيض حتى آب 2017 عندما أقاله. وانتقد الديموقراطيون تعيينه وحينها قال آدم جنتلسون، المتحدّث باسم هاري ريد زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي، في بيان: “من السهل معرفة سبب اعتبار المنظمات الأخوية في الولايات المتحدة ترامب بطلاً لها، بعدما عيّن واحداً من أبرز دعاة تفوّق أصحاب البشرة البيضاء في منصب كبير مساعديه”.

كما انتقدت الجماعات الحقوقية المدنية تعيين بانون، من بينها رابطة مكافحة التشهير، التي تنظّم حملات مكافحة معاداة السامية، ومركز قانون الحاجة الجنوبي، وهي منظمة تكافح جرائم الكراهية. ووصف جوناثان غرينبلات، المدير التنفيذي لمركز مكافحة التشهير، بانون بأنه “الرجل الذي رأس أول موقع إلكتروني لليمين البديل، وهي مجموعة من القوميين البيض والمعادين للسامية والعنصريين”. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن بانون شارك في صراع على السلطة مع صهر ترامب ومستشاره البارز، جاريد كوشنر، الذي يتمتع بنفوذ وتأثير في إدارة ترامب ما دفع الرئيس إلى إقالته وقطع علاقته نهائياً به بعد وصفه في كتاب أصدره الصحافي مايكل ولف اجتماع ترامب ونجله بالروس بأنه “خيانة وطنية”.

بانون ومشروع تهديم أوروبا

يتطلّع بانون إلى أن تضم حركته أحزاباً مثل (الجبهة الوطنية) الفرنسي بزعامة مارين لوبين و(رابطة الشمال) التي يتزعّمها وزير الداخلية في الحكومة الايطالية الشعبوية ماتيو سالفيني، وحزب (الحرية) النمساوي اليميني المتشدد وحزب (البديل من أجل المانيا)، إلى أحزاب شعبوية اخرى في أوروبا. ويعوّل بانون على قيام نواب هذه الأحزاب  بتشكيل (كتلة كبرى) في البرلمان الأوروبي الجديد تمتلك ما يكفي من المفاصل لرسم المسارات السياسية الأوروبية وتحديدها، إذ من الناحية النظرية في حال توحد نواب هذه الأحزاب في كتلة تحتل ثلثي مقاعد البرلمان ستكون قادرة على تأخير التصديق على الاتفاقيات المعقودة مع دول ثالثة، كما أن تعطيل تمرير قانون الموازنة الأوروبية العامة، وأيضاً عرقلة فرض عقوبات على بلدان اعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تلتزم بسياساته ونظامه الداخلي مثل المجر وبولندا، وضد دول أخرى مثل روسيا. عرض بانون من خلال حركته على زعماء هذه الأحزاب استراتيجيات وضعها لتعبئة وحشد الأمزجه الشعبية والاجتماعية المناهضة لأوروبا والتأثير في مواقف الناخبين عبر تمويل حملاتهم الانتخابية.

كما صرّح هو شخصياً فإنه سيتبع نموذج الملياردير الأميركي الليبرالي جورج سورس الذي يحظى بشهرة كبيرة في الأوساط السياسية الليبرالية في العالم، ويلعب سورس دوراً محورياً في السياسة الأوروبية من خلال مؤسساته الاجتماعية الكثيرة، وأكبرها (المجتمع المفتوح)  التي تقدّم الدعم المالي لمنظمات المجتمع المدني في أوروبا وبشكل خاص تلك التي تهتم بالنهوض بالتعليم واستقلالية القضاء والدفاع عن حقوق الأقليات العرقية والدينية ونشر ثقافة التسامح والانفتاح على اللاجئين والمهاجرين، وتنمية وسائل الإعلام الحرة ونشر الديموقراطية الليبرالية.

مارين لوبين رئيسة حزب الجبهة الوطنيّة الفرنسي اليميني

يراهن بانون على أحد أكثر نقاط الضعف في انتخابات البرلمان الأوروبي والتي توفر فرصاً أمام الأحزاب الهامشية لحيازة عضويته واستغلال منابره للدعاية لافكارها وبرامجها، وكذلك الحصول على اعانات مالية كبيرة تتيحها القوانين الأوروبية. وتشير نتائج استطلاع للرأي عن انتخابات البرلمان الأوروبي المرتقبة أجرته “رويترز” إلى أن نفوذ الأحزاب القومية المتشددة و الشعبوية وتأثيرها سيزيدان بنسبة تصل إلى 60 في المئة، حيث سيهيمن حزبان من هذه الأحزاب وهما  التحالف الذي يضم: حزب (استقلال المملكة المتحدة) (UKIP) بزعامة نايجل فاراج وحزب (5 نجوم) الإيطالي الذي يتزعّمه نائب رئيس الوزراء الحالي لويجي دي مايو، إضافة إلى تحالف (أوروبا الأمم والحريات) الذي يضم أحزاب (الحرية) الهولندي بزعامة غيرت فيلدرز و(التجمع الوطني) برئاسة مارين لوبين و(رابطة الشمال) الإيطالية و(الحرية) النمساوي.

يرى أستاذ العلاقات الدولية والسياسة العامة في جامعة كولن الألمانية الخبير الأميركي توماس باغر “أن بانون يسعى إلى تأدية دور في مشروع خطير للغاية يقوم في جوهره على تقديم الدعم للحملات الدعائية وتوفير الخبرات وهذا من شأنه أن يمنح الأحزاب الشعبوية الأدوات نفسها التي تم استخدامها في الانتخابات الأميركية عام 2016، وبالتالي إذا ما نجحت هذه المحاولة في أوروبا، فمن المحتمل جداً أن يحدث انقلاب مفاجئ في الانتخابات البرلمانية الأوروبية”. إلا أن الخبير في الشؤون الأوروبية فاسلين جيليف أعرب لـ”درج” عن شكوكه في إمكان نجاح مشروع بانون وقال” ان توحيد هذه الأحزاب مهمة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة في هذه الفترة القصيرة، فهذه الأحزاب لم تعتد على العمل المشترك، فضلاً عن أن غالبيتها لا تثق بالولايات المتحدة، كما لا يمكن تجاهل أن المعاهدات والاتفاقيات الأوروبية الخاصة بالنظام الأساسي للاتحاد تتضمّن خطوطاً دفاعية وآليات من الصعب اختراقها أو تجاهلها من الدول الأعضاء”.

المهمّة المستحيلة

يبلغ عدد مقاعد الأحزاب القومية المتشدّدة والشعبوية في البرلمان الأوروبي الحالي 223، ما يمثل نحو 30 في المئة من العدد الكلي وهو751 نائباً. يؤكد جيليف “يتميّز هؤلاء بأنهم يشكّلون مجموعة متعدّدة الالوان والاتجاهات، وهي متعارضة ايديولوجياً، ولم تعمل أبداً بشكل موحد ومشترك، ولم تقدم أي مشروع قانون ذات أهمية طيلة السنوات المنصرمة”.

ردود الفعل الصادرة من الأحزاب المعنية حتى الان على مشروع بانون تعكس مواقف متباينة و شكوكا جدية وتحفظات، ونقل موقع “بوليتكو” عن جيروم ريفيير المتحدّث باسم “التجمع الوطني” الفرنسي بزعامة لوبين قوله “إن بانون أميركي لا مكان له في السياسة الأوروبية، ولهذا فإننا نرفض أي دعوة للانضمام في أي حركة سياسية عابرة للدول، ولن نشارك في أي مشروع سياسي يطرحه بانون”.

كما رأى رئيس كتلة “أوروبا الامم والحريات” غيرولف انيمانس من حزب “اليمين المتشدّد الفلمنكي” أن مشروع بانون هو ببساطة محاوله منه لإعطاء دور أكبر لأصدقائه من حزب الاستقلال البريطاني بعد “البريكزيت”، وصافاً إياه بأنه “سيّئ التنظيم”. ونقلت أسبوعية “كابيتال” الصادرة في صوفيا عن نائب أوروبي طلب عدم الإفصاح عن هويّته قوله “إن رابطة الشمال بزعامة سالفيني لديها مشروعها السياسي الخاص، إذ تسعى إلى تحالف مع لوبين وشعبويين آخرين”. وأضاف: “إذا كان بانون يريد حقيقة مدّ العون لنا، فهذا شيء رائع، لأننا في حاجة إلى أي شكل من المساعدات، ولكننا لن نشارك في أي تشكيل سياسي جديد بما فيه الذي يعمل من أجله”.

هل كان من الممكن اشتهار بانون لولا الميديا الأميركية التي ابتكرته وصنعته وحوّلته إلى راسبوتين لدونالد ترامب، حينما صوّرت أنه يقف وراء انتخاب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة. يقول المحلّل كاس مود في “الغارديان” البريطانية:” بانون ليس راسبوتين ترامب، وليس عبقرياً سياسياً”. وتساءل” كيف يستطيع أميركي مهزوم في بلاده تحقيق ما أخفق في بلوغه طوال عقود سياسيون وأحزاب منظمة، وهو توحيد اليمين المتطرّف الأوروبي؟”.

إقرأ أيضاً:
تنامي كبير للنازيّة واليمين الشعبوي: ما الذي يحصل في دولة ميركل؟
لماذا يُهيمن الرجال على تيار اليمين المتطرّف؟
كيف يتغلغل اليمين المتطرف في عقول الشباب؟