fbpx

الحرب والتغيّر المناخي على زيتون سوريا… معاناةٌ من الشجرة إلى المعصرة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قطاع زراعة الزيتون هو واحد من قطاعات كثيرة تأثرت بالحرب، وأيضاً بالتغير المناخي، ما يعني أن شجرة الحب في خطر ومصدر رزق الكثير من السوريين بات يواجه تهديداً حقيقياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يشكل الزيتون جزءاً من الذاكرة الجمعية للسوريين وبخاصة لأولئك الذين نشأوا في المناطق الريفية. في صغرنا كنا نساعد والديَّ في القطاف، نمدُّ الشوادر تحت الشجرة الضخمة، ونستخدم الأمشاط، وهي أساليب تقليدية يدوية لقطف الثمار عبر تمرير المشط ذي الأصابع الأربع في الأغصان لتتساقط الثمار. أحببتُ صوت سقوط الثمار على الشادر أو على السلم الخشبي، رائحته الزكية، الطعام الذي كنّا نتناوله تحت الأشجار في وقت الاستراحة وكوب الشاي الساخن، هذه ليست مجرد ذكريات، بل هي جزء من حياة كاملة ربطت آلاف السوريين بهذه الشجرة. مع الوقت ومع تقدمنا في السن وعجز والديَّ عن مواصلة هذه المهمة الشاقة، استبدلنا أنفسنا بورشات متخصصة في القطاف، وهكذا ابتعدنا قليلاً عن هذا التعلق بأشجار الزيتون، إنما لم تغب ثمارها وزيتها عن موائدنا.

السوريون وشجرة الحب

يعود ارتباط السوريين بشجرة الزيتون إلى عصور غابرة، إذ وجدت نقوش للشجرة في آثار مملكة أوغاريت التي بنيت حوالى 6000 قبل الميلاد، وكأيّ عائلة سورية، كنا نعتبر موسم  الزيتون تقليداً وجزءاً من نمطنا، كل الأحاديث خلال الموسم تدور حول القطاف، والكميات التي جمعها المزارعون وتوقعات كميات الزيت. 

بعد انتهاء القطاف، تنتقل الأمهات لمهمة صنع المونة من الزيتون ليستخدم في طعام المائدة، تقول السيدة نوال لدرج أنها تفصل بين الزيتون الأسود والأخضر، تقوم بتحضير نوعين من الزيتون الأخضر، فجزأ منه تكسره بالحجر وهو ما يسمى بالزيتون المكسّر وتحليه بالماء ثم تخلطه بالزيت والفلفل الحار. وجزء تنتزع بذوره وتحشيه بالجزر والفليفلة الحمراء، أما الأسود فجزء منه يصنع منه الزيتون العطون وهو زيتون يُترك في الأشجار حتى ينضج تماماً، ويوضع في أكياس الخيش مع إضافة ثقل على الكيس، على أن يُقلّب لمدة شهر. والنوع الآخر هو الزيتون الأسود الذي يتمّ تكليسه، إضافة إلى الزيتون الذي يحفظ في الماء والملح ويترك لحين استخدامه ويتم تتبيله بالليمون والزيت…

تقول نوال وهي مزارعة سورية: “الزيتون عنصر أساسي في موائدنا إذ لا يغيب عن فطورنا، وكل فرد في عائلتي يحبُّ نوعاً معيناً فابني البكر لا يحب الزيتون الأسود مثلاً، للناس مزاجات مختلفة حتى في الزيتون”.

معاناة المزارعين 

لكن الواقع اختلف الآن، إذ يواجه المزارعون تحديات قاسية وحقيقية دفعت بالبعض إلى اقتلاع أشجار الزيتون وزراعة أشجار ذات تكلفة وجهد أقل كأشجار اللوز. يقول عبد الرحمن (اسم مستعار): “اقتلعتُ ثلاثين شجرة زيتون واستبدلتها بشجر اللوز، كونه لا يحتاج عناية كبيرة وكميات كبيرة من المياه، لم تكن هذه رغبتي الحقيقية لكنني لم أملك حلاً آخر”.

أمّا عاصم فيقول إن مشكلاته تتمثل في شحّ الأمطار وقلة المياه الخدمية، إضافة إلى نقص المحروقات الذ ي يؤثر على كل مراحل إنتاج الزيتون ابتداء من الحراثة وصولاً إلى نقل المحصول وعصره، وحتى الأسمدة فأسعارها مرتفعة لذلك يستغني عنها أو يستخدم كميات قليلة منها، ولذلك تتفاقم الآفات الزراعية.

المهندس الزراعي مازن أبو فاعور، يوضح لـ”درج” أن “المزارع في العادة يتمكن من مكافحة الحشرات بالتنسيق مع الوحدات الإرشادية المختصة لتحديد الوقت الأمثل للمكافحة، إذ يوزع المصرف الزراعي الأسمدة للمزارعين لكن في هذا العام لم يتم توزيع المبيدات الخاصة بالزيتون، واكتفوا بتوزيع تلك الخاصة بالقمح والتفاح”.

ويتابع “معاناة هذه الشجرة لم تتوقف خلال العقد الماضي، بسبب الحرائق وبخاصة في الساحل السوري، والتي أتت على مئات الهكتارات من الزيتون، دون نسيان تعديات السكان والجماعات المسلحة على حقول الزيتون، فبسبب فقدان مازوت التدفئة لجأ كثيرون إلى اقتطاع الأشجار وإحراقها في المواقد، وبخاصة في ريف حلب وإدلب”.

معاناة أصحاب معاصر الزيتون

عَصَرَ أبو أحمد وابنه محصولهما في اليوم ذاته، وكان الناتج لأبو أحمد كيلو زيت لكل 5 كيلو زيتون، أما ابنه ففوجئ بأن الناتج كان كيلو زيت لكل 8 كيلو زيتون، ما دفعه للتشكيك بعمل صاحب المعصرة، إلّا أن والده استدرك الأمر على الفور  وذكّره بأنه لا يعتني بأرضه كما يجب، إذ لا يحرثها بشكل منتظم ولا يسقيها أو يقلم الأشجار كما يفترض، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على كميات الزيت المستخرج. ما زال الكثير من المزارعين الجدد وبخاصة في مناطق الجنوب درعا والسويداء، التي دخلت حديثاً إلى مضمار الزيتون، يعانون من قلة الخبرة في وهو ما ينعكس على الإنتاج والجودة.

أحد أصحاب معاصر الزيتون في السويداء سالم (اسم مستعار) قال إن أكبر مشكلة يواجهوها اليوم، هي قلة خبرة المزارع في أساليب العناية بشجرة الزيتون، وهو ما يجعله يلقي اللوم على معاصر الزيتون إذا كانت كمية  الزيت قليلة، إذ يمرُّ موسم العصر مع الكثير من المشاكل والجدالات التي تصل إلى اتهامهم بسرقة الزيت، على رغم أن ذلك مستحيل، فتقنياً لا يمكن فعل ذلك، كما أن أصحاب المعاصر يعملون برؤوس أموال ضخمة وليسوا فعلياً بحاجة إلى سرقة الزيت.

تضرر أصحاب معاصر الزيتون كما المزارع، وأبرز المشكلات التي تعرقل العمل هي انقطاع الكهرباء، ما يُضْطر أصحاب المعامل إلى استخدام المولدات التي تحتاج إلى 24 ليتراً من المازوت في الساعة الواحدة، إضافة إلى أن أجور تصليح الآلات بات جنونياً، وأجر العامل في اليوم يصل إلى 30 ألف ليرة سورية، أي 6 دولارات، وتحتاج المعصرة الواحدة ما بين 15 إلى 30 عاملاً، إضافة إلى سعر المواد الأخرى وأجر عمال مكبس التفل أو ما يسمى “البيرين”. مع كلّ هذه الأزمات  يقول سالم إن مربحهم يأتي فقط من البيرين بعد كبسه وبيعه. تحولت المادة إلى وسيلة تدفئة في السويداء بعدما كانوا يصدرونها إلى حلب وإدلب قبل الحرب. وتحتاج العائلة إلى طنين من البيرين للتدفئة في العام الواحد، سعر الطن الواحد مليون ليرة سورية، أي نحو 200 دولار أميركي.

الزيتون بالأرقام بحسب وزارة الزراعة السورية

وفي اتصال لـ”درج” مع وزارة الزراعة في سوريا، قالت المهندسة عبير جوهر مديرة “مكتب الزيتون”، أنه ومنذ دخول البلاد في الحرب شهدت زراعة الزيتون تراجعاً واضحاً من حيث كميات الإنتاج وصل إلى حدود 30 في المئة، وكان متوسط الإنتاج في السنوات الثلاث التي سبقت الأزمة 150 ألف طن، ومن أسباب هذا التراجع التغيرات المناخية التي ساهمت في  انتشار عدد من الآفات والحشرات ما أدى إلى تدهور نوعية أشجار الزيتون وإنتاجيتها.

وبحسب الإحصاءات الرسمية لمكتب زراعة الزيتون، تشغل أشجار الزيتون نحو 696 ألف هكتار من الأراضي الزراعية  أي نسبة 12 في المئة من كامل مساحة الأراضي الزراعية مزروعة بنحو 103 ملايين شجرة، المثمر منها 90 مليون شجرة، وهي تشكل 65 في المئة من مجمل الأشجار المثمرة في سورية، التي تملك أكثر من 70 صنفاً لإنتاج الزيت وزيتون المائدة.

زراعة الزيتون وبحسب وزارة الزراعة، هي مصدر دخل لأكثر من 500 ألف أسرة، ويشتغل فيها حوالى 20 في المئة من القوى العاملة، وكانت الزراعة شهدت في السنوات العشر قبل الأزمة والحرب انتقال البلاد من استيراد زيت الزيتون إلى حالة الاكتفاء الذاتي والتصدير. احتلت سوريا حينها المرتبة الخامسة عالمياً في إنتاج الزيتون والرابعة في إنتاج زيت الزيتون،  بإنتاج قارب 1.2 مليون طن من الزيتون قبل الأزمة كان يصنع منها حوالي 170 ألف طن زيتون المائدة والباقي يتم عصره لاستخراج ما بين 150 ألف إلى 165 ألف طن من زيت الزيتون كانت كافية لتغطية حاجة السوق المحلية وتصدير الباقي إلى دول أخرى. 

وتقدر الوزارة انتاج الزيتون للموسم الحالي بحوالى 820000 طن، ويتوقع أن يلامس إنتاج زيت الزيتون 125000 طن من الزيت. 

قطاع زراعة الزيتون هو واحد من قطاعات كثيرة تأثرت بالحرب، وأيضاً بالتغير المناخي، ما يعني أن شجرة الحب في خطر ومصدر رزق الكثير من السوريين بات يواجه تهديداً حقيقياً.