fbpx

بعد ماغي وحافظ… أبنية طرابلس المتصدّعة تهدد حياة فقرائها!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

جمانة (طفلة ماتت بسبب انهيار مبنى سابقاً) وماغي وشذى وحافظ ليسوا أول ضحايا هذه المآسي التي تتكرر بين الحين والآخر، في ظل استمرار الإهمال والتأجيل والفساد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 لدى عودته من منزل أخته ظن حافظ العلي (40 سنة) أن الجدار قد يقيه من الأمطار التي انهمرت فانهار معها الجدار فوق رأسه وأرداه قتيلاً في منطقة الملولة في طرابلس، ليضاف اسمه في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 إلى سجل ضحايا الأبنية والجدران المتصدعة في عاصمة الشمال، والتي راح ضحيتها العشرات من أبناء المدينة. قبل رحيل حافظ بأيام، انهار سقف مبنى مدرسة الأميركان في جبل محسن، ما أدى إلى وفاة الطالبة ماغي محمود (16سنة) وإصابة زميلتها شدى درويش بكسور في ظهرها وكتفها، ومضى الأمر دون تحرك جدي من بلدية طرابلس المنشغلة بحرب التصريحات والبيانات بين الرئيس الحالي والرئيس الأسبق وخلافات أعضاء البلدية.

شقيق حافظ روى لـ”درج” تفاصيل الحادثة: ” كان عند أختنا في منطقة الملولة وفي طريق العودة اشتدت الأمطار فاحتمى بجدار، سرعان ما انهار عليه ليختفي تحت الأنقاض، ولم يصلنا خبره حتى الصباح. في السابق عمل حارس أمن، لكنه خسر وظيفته بسبب الأوضاع الإقتصادية فأصبح حلاقاً متجولاً لتأمين قوت يومه”.  

إحدى جارات حافظ في شارع سوريا في باب التبانة (طرابلس) تقول لـ”درج”، “عاش فقيراً ومات فقيراً، حتى إنه لم يستطع الزواج بسبب فقره وعدم امتلاكه منزلاً. كان يعمل حلاقاً متجولاً لأنه لا يستطيع استئجار محل، كان يجول على المتاجر والمنازل ليحلق للناس بثمن زهيد”.

شهود من أصحاب بعض المحال المتاخمة للجدار قالوا، “انهار الجدار عند الثامنة مساء وحين هرعنا الى المكان ظننا أنه انهيار عادي فلم نر أحداً بسبب الظلام الحالك، وفي الصباح لمح أحد المارة يداً من تحت الركام، وذلك بعد نحو عشر ساعات من الحادثة، كنا نناشد البلدية منذ 3 سنوات بإصلاح هذا الجدار واكتفت بوضع علامات لتحذير المواطنين من الوقوف إلى جانبه”. 

رئيس “لجنة الأبنية والهندسة في بلدية طرابلس” الدكتور جميل جبلاوي يوضح لـ”درج” أن “ملف الأبنية والجدران المتصدعة أكبر بكثير من طاقة بلدية طرابلس، حاولنا في البداية التركيز على المنطقة التاريخية ولكن تبين أن حجم الأضرار كبير ويفوق قدرتنا إذ تبين أن المنطقة التاريخية في طرابلس لوحدها تحتاج إلى 31 مليون دولار للتدعيم الإنشائي فقط ، فقررنا إنشاء خلية أزمة للبحث في سبل المعالجة، إنما توقف العمل في هذه الخلية بسبب الثورة واختلط الحابل بالنابل ثم جاءت جائحة كورونا وانشغلنا بها”.

وعن الحلول الممكنة يجيب جبلاوي: “الحل يكمن في استلام الوزارات المعنية هذا الملف، كوزارة الثقافة التي يفترض أن تتولى أمر المنطقة التاريخية بالتعاون مع مديرية الآثار، إضافة إلى كل من وزارات الشؤون الاجتماعية والداخلية والأشغال، ولكنني أستبعد القيام بأي خطوة جدية، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية”.

عاش فقيراً ومات فقيراً، حتى إنه لم يستطع الزواج بسبب فقره وعدم امتلاكه منزلاً. كان يعمل حلاقاً متجولاً لأنه لا يستطيع استئجار محل، كان يجول على المتاجر والمنازل ليحلق للناس بثمن زهيد”.

 

على الضفة الشرقية لنهر أبو علي أيضاً، يمتدّ حزام بؤس طويل، البحصة، الحارة البرانية، القبة، والتبانة، وهذه المنطقة الغارقة في الفقر والحرمان حالياً هي في الواقع المدينة التاريخية الغنية التي تحدث عنها الدكتور جبلاوي والتي تحوّلت إلى أكواخ تسكنها عائلات لا تملك ملجأ آخر، داخل أبنية متهالكة لم تعرف الصيانة أو الترميم منذ عقود، مع ما يشكِّله ذلك من خطر بشري وتاريخي  للعاصمة المملوكية الثالثة في العالم العربي بعد القاهرة وحلب.

موت ماغي في صفها يعيد الملف إلى الواجهة 

بعدما لقيت الطالبة ماغي محمود حتفها وأصيبت زميلتها شذى درويش اثر انهيار سقف صفهما عليهما في مدرسة الأميركان في جبل محسن، فكر كثيرون في ما إذا كان السبب هو سوء إدارة من قبل وزارة التربية أو بسبب ضعف الموارد المالية بفعل الأزمة الإقتصادية التي تشهدها البلاد؟

فبحسب مركز الدراسات اللبنانية، فإن وزارة التربية قد تلقت خلال السنوات الأخيرة هبات وقروضاً، خصص جزء كبير منها لترميم المدارس.

فعام 2021 انتهى العمل بمشروع Reaching All Children with education الذي خص لبنان بنحو 2.1 مليار دولار منذ عام 2016 منها 1.8 مليار دولار من البنك الدولي و224 مليون دولار من جهات دولية أخرى وذلك لتمويل الركائز الأربع التالية:

الانشاءات و الترميم والتجهيز للمدارس الرسمية 

موارد التعلم والتعليم والتدريب 

النقل

مصروفات التشغيل من رواتب واستشاريين.

وقد لحظ تمويل البنك الدولي والجهات المانحة الأخرى في مشروع RACE2 لغرض الترميم والإنشاءات والإصلاحات الكبرى والتوسعة، ما قيمته 270 مليون دولار منها 200 مليون من البنك الدولي و70 مليون من IDA (قرض) REACH TF-LSCT.

وتوقع البنك الدولي أن تنفق وزارة التربية والتعليم العالي نحو 155 مليون دولار من أموال المشروع لبناء وتوسعة وترميم وإصلاح المباني المدرسية في 665 مدرسة ولتعزيز قدرة استيعاب المدارس لنحو 45 ألف مقعد إضافي. أما بقية المبلغ فتصرف بناء على الحاجة، ويفترض أن تكون هذه المبالغ أنفقت بالكامل مع انتهاء مدة المشروع عام 2021، وأن تكون المدارس قد رُممت بالفعل لتصبح مطابقة لمعايير الوزارة. 

المشروع انتهى، لكن أي تقارير لم تنشر حول ما حققه المشروع بالفعل وما حصلت عليه المدارس المحتاجة والطلاب الفقراء، إنما تعكس قصة ماغي ورفيقتها استمرار تردي الأوضاع في المدارس وتشكيلها خطراً حقيقياً على حياة الطلاب وسلامتهم.

وبحسب العقد المبرم بين البنك الدولي ووزارة التربية والتعليم العالي، يعود الإشراف والرقابة المالية والمحاسبة لوزارة التربية، وتقوم وحدة التعليم الشامل في الوزارة بالتدقيق في العقود إدارياً ومراقبتها والتدقيق في الجدولة الزمنية والتسعير لمراقبة نوعية الأعمال وقبول العروض وتشغيل المباني التي تم تجديدها ومطابقتها للمواصفات.  

وكانت أولوية ترميم ابنية المدراس موضع هبة من قبل USAID والذي خصص مبلغ 75 مليون دولار عام 2010 لتقييم وضع المباني المدرسية وترميمها ضمن مشروع “دراستي” D-RASATI. واستناداً إلى المسح الشامل للمباني المدرسية الرسمية عام 2011، والذي تم تحديثه عام 2014 ضمن قرض البنك الدولي لدعم التطوير المدرسي، فإنه من أصل 1275 مدرسة رسمية، 75 في المئة (956 مدرسة) منها بحاجة إلى ترميم. و25 في المئة منها (239 مدرسة) بحاجة إلى إصلاحات أساسية، و40 مدرسة تم تصنيفها غير آمنة أي ايلة للسقوط.  

نحو 55 في المئة (30 في المئة وضعها سيئ جدًا و25 في المئة وضعها سيئ) من مدارس محافظة الشمال (منها 40 من أصل 96 مدرسة في طرابلس فيها تصدعات وتشققات ووضعها العام سيئ جداً)

كما ورد في مسح صلاحية المباني المدرسية الرسمية لمشروع “دراستي” أيضاً أن نحو 55 في المئة (30 في المئة وضعها سيئ جدًا و25 في المئة وضعها سيئ) من مدارس محافظة الشمال (منها 40 من أصل 96 مدرسة في طرابلس فيها تصدعات وتشققات ووضعها العام سيئ جدا) وهي من بين الأكثر حاجة للتدخل من أجل تحقيق المعايير الدنيا للسلامة والصحة وغيره.

من هنا، فمن واجب وزارة التربية والتعليم العالي قائمة كاملة ومحدثة بالمدارس المعرضة لخطر الانهيار أو التي تعاني من أضرار هيكلية، من أجل منع وقوع المزيد من المآسي والتأكد من توفير بيئة آمنة للتعليم. ومن الملحّ أيضاً أن ينشر المموّلون ووزارة التربية والتعليم العالي تقارير مالية مفصلة توضح كيف تم إنفاق المبالغ الكبيرة التي تلقتها الوزارة في السنوات الماضية.

هذا إضافة إلى الحاجة الملحة لإنقاذ مئات الأبنية المتصدعة في طرابلس، والمرشحة للسقوط في أي لحظة على رؤوس ساكنيها. فجمانة (طفلة ماتت بسبب انهيار مبنى سابقاً) وماغي وشذى وحافظ ليسوا أول ضحايا هذه المآسي التي تتكرر بين الحين والآخر، في ظل استمرار الإهمال والتأجيل والفساد.