fbpx

أبنية ومشاريع ومدن سكنية… لمن يعيدون إعمار دمشق؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

نحن نتكلّم عن مدينة يعيش سكانها المحظوظون في شقق مظلمة، ويعيش فيها اللاجئون مرغمين في مساكن موقتة تأجّل فيها توفير ظروف الحياة الطبيعية إلى أن يحين أجلهم ربما. لماذا لا نحسّن ظروف سكن المواطنين في هذا الوطن قبل أن نفكّر بالسائحين؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عندما تعودين لن نزور التكية السليمانية، البقعة التي تعشقينها في دمشق. لن تبتاعي هداياك من هناك ولن تجري حواراً مع نقّاش عجوز ولن تجعليه يبتسم مفتخراً بما صنعته يداه. يبدو أنّ حرفيي التكية قد عاشوا أكثر مما يجب ليشهدوا على فناء موطن إبداعهم الذي اعتادوا عليه.  

“تاريخ المدينة يُباع بالمفرّق تحت عنوان إعادة الإعمار يا ابنتي. ونحن لم نعد نفهم شيئاً”.

كيف تتم إعادة الإعمار؟ وما السياسة التي تقف خلفها؟ ولمن تقام المشاريع المعمارية الكبرى في دمشق والمدن الأخرى التي يسلّط عليها الضوء وأولها طرطوس؟ ولمن تخطط المدن السكنية المتكاملة والمشاريع السياحية في عمق المدينة القديمة؟

ما الجدوى الاقتصادية لمشروع “ماروتا سيتي” الذي يتألف من غابة من الأبراج العملاقة، بما تتطلبه من بنية تحتية وطرق مواصلات وإنارة غير متوفرة أصلاً في الساحات الرئيسية في دمشق؟ عدا الموقع الذي سيلقي بظلّه على أوتوستراد المزة المثقل بساكنيه والمتعثّر بخدماته الرئيسية. إنه مشروع بلا تخطيط على أراض مجاورة لمدينة مختنقة ومخصّص لجماعات سكنية لا نعرفها حتى الآن. 

ما الجدوى الاقتصادية لقرية سياحية متكاملة على طريق مطار دمشق بفيلاتها وحدائقها ومدرستها وسوقها وجامعها وكنيستها؟ من أين التمويل؟ من فائض أموال اقتصادنا؟

ما الجدوى الاقتصادية لقرية سياحية متكاملة على طريق مطار دمشق بفيلاتها وحدائقها ومدرستها وسوقها وجامعها وكنيستها؟ من أين التمويل؟ من فائض أموال اقتصادنا؟

لا نملك تفسيراً منطقياً لكل ما يحدث هنا. كيف يتمّ إشغال مساحات مركز المدينة بشكل ممنهج وتحت أعين مئات الآلاف من معماريي ومهندسي دمشق القلقين؟ لماذا تُستنزف الأموال مثلاً لإنشاء فندق وراء محطة الحجاز التاريخية في أعرق شارع في دمشق، “شارع النصر”؟ 

نحن نتكلّم عن مدينة يعيش سكانها المحظوظون في شقق مظلمة، ويعيش فيها اللاجئون مرغمين في مساكن موقتة تأجّل فيها توفير ظروف الحياة الطبيعية إلى أن يحين أجلهم ربما. لماذا لا نحسّن ظروف سكن المواطنين في هذا الوطن قبل أن نفكّر بالسائحين؟ وما هي السياحة التي نحلم بها في هذه البقعة الخارجة من حرب إبادة جماعية؟

ويندرج مشروع تطوير التكية السليمانية تحت المحتوى ذاته. فقد تمّ إخراج الحرفيين من سوق المهن اليدوية في ساحة التكية السليمانية، أشهر معلم عثماني في دمشق وأحبّه إلى قلوب ساكنيها، بحجة ترميم أرضيتها التي أثّرت فيها مياه نهر بردى التي تجري من تحتها. وتم إخلاء الحرفيين الذين يمثّلون مهناً آيلة للانقراض والذين لا يعرفون أين سيخزّنون معدّاتهم وبضاعتهم بعد إعطائهم وعوداً شفهية بالعودة لا قيمة قانونية لها. وستقام في الساحة أركان تتوافق مع متطلبات السوبر سياحة المقبلة.

النظر في المشاريع التي يتم التخطيط لها لا يحتاج إلى بداهة خارقة لاستنتاج أننا- سكان دمشق- غير معنيين بهذه المخططات. فمن هي الكائنات التي يتم التحضير لتوطينها هنا؟

ونحن لمن نشتكي؟ سؤال إشكالي في هذا الزمان. في بلادنا ليست لدينا الجرأة ولا الإمكانات للّجوء إلى القضاء. أمامنا فقط طريق الشكوى للمسؤولين في قطاعات الدولة الذين لحقهم الترهل والفساد.   

ما زال المسؤول يركب سيارته الفخمة ويتوجه إلى عمله صباحاً ويعود إلى بيته مساء، ناهباً ما يرميه له تجار الحرب ليقوم بدوره في تسهيل أعمالهم المزدهرة.

النظر في المشاريع التي يتم التخطيط لها لا يحتاج إلى بداهة خارقة لاستنتاج أننا- سكان دمشق– غير معنيين بهذه المخططات. فمن هي الكائنات التي يتم التحضير لتوطينها هنا؟

لقد حمّلَنا مسؤولو هذه البلاد مسؤولية ثقيلة. لقد سرقونا وأجبرونا على الخنوع بالقمع. ثم اختفوا ليطرحوا أنفسهم كرجال أعمال داخل البلاد أو كمعارضين خارجها. وأجمل فصول هذه الأسطورة المعادة أن أطقم السياسيين تتجدّد بالروتين ذاته في كل مرحلة، حتى بعد الحرب التي أكلت الأخضر واليابس. لكن الفرق الآن هو صفحات التواصل الاجتماعي وانتشار الإعلام على أوسع نطاق. صحيح أنّ الإعلام ما زال بالغباء وقلة الحيلة المعهودين ولكن المسؤولين انطلقوا وصارت تصريحاتهم شبه اليومية مدعاة للفكاهة. هناك وزير للكهرباء يعد بتخفيف التقنين كل ثلاث أشهر، ويقوم بزيادة التقنين بالمعدّل ذاته. ووزير يضع قوانين صارمة لتوزيع الخبز ثم يصرّح بأنها لم تجدِ ويعيد تجربة غيرها غير آبه بالتلاعب برغيف الخبز، الغذاء الوحيد المتبقي للفقراء. وآخر يوصي بتعليم “البيسبول” في المدارس في بلد مدارسه غير مجهّزة أصلاً بساحة للرياضة. والكل محصّن من الاعتراض عليه بقوة القانون الذي يمنع أي نقد تحت طائلة السجن والغرامات المالية. 

كان نزار قباني يقول: “فكيف يشكو من كان في فيه ماء؟”

لن نشتكي إذاً فما هو المطلوب منا؟ ما الخطة لتتخلصوا منا… نحن الحشرات الضارّة التي تقف في طريق إعادة إعمار المدينة؟

عندنا وزير تربية وتعليم وجّه الطلاّب في أول العام الدراسي إلى إتقان المهن الفنية اليدوية لأن طريق دراسة الطب طويل ونهايته إلى ألمانيا بينما السباكة والحدادة وتمديدات الكهرباء تدرّ على أصحابها الملايين ولا تحتاج إلا لبضع دورات تدريبية. ونفس الشخص يحاول منذ أسبوعين إدخال رياضة البيسبول إلى المدارس وذلك بتلقين قواعد اللعبة للمعلمين.