fbpx

“حاولت أجهض بس ما قدرت”… الصحة الجنسية والإنجابية مجرد رفاهية!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المفارقة أن المواضيع المرتبطة بالصحة الجنسية تتخذ اهتماماً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، فيما لا يزال الحديث عنها “تابو” في الدوائر الاجتماعية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حاولت إني أجهض بس ما قدرت… أخدت أدوية كتير وما نزل…”، تقول زينب وهي تضع يدها الأولى على بطنها وتحمل في الثانية طفلها الذي لم يتجاوز السنة. 

زينب (اسم مستعار) هي لاجئة سورية تعيش في مخيم بحنين شمال لبنان. تركت زينب بلدها منذ أكثر من 10 سنوات، ونزحت إلى إحدى المخيمات. في خيمة صغيرة مهترئة الخشب، أنجبت اللاجئة 6 أطفال، وسابعهم سيأتي قريباً. 

لم تكن زينب تنوي إنجاب المزيد من الأطفال إلى عالم الفقر، إلا أنها لا تملك أي سبيل لوسائل منع الحمل أو الإجهاض الآمن. حتى إنها أنجبت أطفالها جميعهم في خيمة “قابلة” لم يتسنَ لنا التأكد ما إذا كان عملها مُرخصاً أو إذا كانت المساحة التي تُجري فيها عمليات الولادة تطابق الحدّ الأدنى للمعايير الصحية.  

سيأتي طفل زينب في غضون أيام… تسعة أشهر من الحمل مرّت عليها كطيف أحلامٍ ثقيل،  عاشت فيها موجات الحرّ في الخيمة، وفيها علا صوت المطر على سقف الخيمة فحرمها النوم، وإذ بخيمتها تغرق، وتُجدّد معاناتها مع كل شتاء. كل ذلك ترافق مع سوء تغذية وغياب كامل للإجراءات الطبية اللازمة لحملها. 

“القابلة بتوصفلي فيتامينات بس أنا بقول هياني عايشة بلا الدوا… بجيب فيهن أكل للولاد أحسن”، تقول زينب شاكيةً من ارتفاع أسعار الأدوية وكلفة الطبابة، في ظل وضعها المعيشي الصعب.

حال زينب كحال عشرات اللاجئات في ذلك المخيم. جميعهن لا يمتلكن وصولاً إلى وسائل منع الحمل أو للإجهاض الآمن، أو حتى لمستلزمات النظافة الشخصية أو الفوط الصحية، إذ أكّدت لنا أكثر من لاجئة في المخيم أنها تستخدم قطع القماش للاستعاضة عن الفوط الصحية. 

“حاولت إني أجهض بس ما قدرت… أخدت أدوية كتير وما نزل…”، تقول زينب وهي تضع يدها الأولى على بطنها وتحمل في الثانية طفلها الذي لم يتجاوز السنة. 

بناءً على تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان و”منظمة الصحة العالمية” بين عامي 2016 و2018، واحدة من بين كل 4 فتيات لديها احتياجات غير ملباة بالحصول على وسائل منع الحمل، وتخضع حوالى 3.9 مليون فتاة سنوياً، تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً، لعمليات إجهاض غير آمن، ما يساهم في زيادة وفيات الأمومة والمشكلات الصحية الدائمة. 

لا تغيب الحقوق الصحية والجنسية عن الفئات المهمشة كاللاجئين ومجتمع الميم/ عين فقط، إنما تمتد لتشمل الشباب عموماً، وفق ما قاله الطبيب النسائي ومدير برنامج “الصحة الجنسية المتكاملة للنساء” في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت فيصل القاق. 

يرى القاق أن أسباب صعوبة وصول الشباب العربي إلى أشكال الصحة الجنسية والانجابية تعود بشكلٍ أساسي إلى ثقافة الحكومات وسياساتها حول مفاهيم ذلك الجانب الصحي. إذ وُقّعت اتفاقية مرتبطة بالصحة الجنسية والإنجابية في القاهرة عام 1994، تحفّظت فيها دول عربية عن التوقيع، فيما كانت للبعض الآخر مساهمات خجولة بسياسات وبرامج ترتبط بالصحة الانجابية فقط، لا الجنسية، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. 

لا تزال الحواجز التي تحول دون تمتع الشباب بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية قائمة على المستوى الحكومي الدولي، إذ إن أغلب الدول العربية لم تعترف بعد بالصحة الجنسية والإنجابية كقضية من قضايا حقوق الإنسان، كما لم تدرجها ضمن المناهج الدراسية سوى لبنان وتونس، وفي جزء محدود من المدارس. إذ أدرجت تونس مادة التربية الجنسية في المناهج الدراسية عام 2019، إلّا أن ذلك لم يُطبّق بعد. كما أقرّ لبنان تدريس مواد تتعلق بالصحة الانجابية تحت عنوان “إدماج ثقافة الجندر والصحة الإنجابية في المناهج الدراسية” عام 2010 من قبل وزارة التربية، إلا أن تفاعل المدارس مع تلك المواد كان متبايناً، إذ رفض البعض إدراجها في المواد، فيما اكتفى البعض الآخر بجزء معيّن منها، وفق ما ذكره القاق لـ”درج”.  

المفارقة أن المواضيع المرتبطة بالصحة الجنسية تتخذ اهتماماً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، فيما لا يزال الحديث عنها “تابو” في الدوائر الاجتماعية، وهو ما يُعيده القاق إلى غياب التنميط في الفضاء الرقمي ما يُتيح للأفراد مشاركة هواجسهم وأفكارهم واحتياجاتهم الجنسية. في هذا السياق، ورد في “تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أنّ معظم الشباب يعتبرون أن “الأعراف الاجتماعية والمواقف الثقافية والحواجز المؤسسية والهيكلية وانتهاكات حقوقهم الأساسية المرتكبة بحقّهم بحكم سنهم، تقوّض إمكاناتهم”. 

“ياريت كان في حدا يشرحلي شو رح يصير”…

“ياريت كان في حدا يشرحلي شو كان رح يصير… كل المعلومات اللي كانت عندي عن العلاقة كانت أخبار سمعتها من صديقات…”، تقول رنيم (اسم مستعار)، وهي شابة عراقية تزوجت منذ سنتين من دون أدنى معرفة عن العلاقات الجنسية. 

“أخبرت زوجي بأنني لا أدري ما الذي ينتظرني في العلاقة، فأعطاني فيلماً إباحياً وأمرني بأن أتعلم منه… لم أرَ في المقطع الذي شاهدته أي حب أو رحمة ولم يكن لدي خيار سوى تقبّل الواقع”، تروي رنيم، مشيرةً إلى أن زوجها، بعد سنتين من الزواج، يُفضّل مشاهدة الأفلام الإباحية على إقامة علاقة معها. 

“القابلة بتوصفلي فيتامينات بس أنا بقول هياني عايشة بلا الدوا… بجيب فيهن أكل للولاد أحسن”، تقول زينب شاكيةً من ارتفاع أسعار الأدوية وكلفة الطبابة، في ظل وضعها المعيشي الصعب.

بالعودة إلى الأسباب، تقول الخبيرة في الجندر والمديرة التنفيذية لـ”صندوق درية النسوي” زينة عبدالخالق لـ”درج” إن هناك عوامل كثيرة تحدّد وصول الشباب والشابات إلى حقوقهم بالصحة الجنسية والانجابية، أبرزها الأعراف الاجتماعية، “الثقافة الذكورية والمجتمعات والتقاليد المحافظة، وصمة العار والتمييز وبخاصة بالنسبة إلى الشبابات غير المتزوجات، الكلفة المرتفعة للخدمات، الموقع الجغرافي ونقص المعرفة”. 

الواقع أن العالم العربي يفتقر إلى التثقيف الجنسي، هذا ما يؤكّده تقرير لـ”صندوق الأمم المتحدة للسكان” صدر عام 2020. هذا النقص ينعكس ارتفاعاً في حالات الحمل والإجهاض لدى المراهقات، وارتفاعاً في نسبة الأمراض المنقولة جنسياً وفي العنف الجنسي ورهاب المثلية. غياب الثقافة الجنسية لدى معظم شباب العالم العربي، تجعل “وجود الزوج” مفتاحاً للتعرّف إلى أجساد النساء، فيما تجعل الزوجات محلاً لإسقاط “فانتازيا” الرجال وأوهامهم.