fbpx

المجتمع لم يقبل الزواج المدني الذي شرعته الادارة الكردية في “روج آفا”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا تختلف شروط الزواج المدنيّ المُطبَّق في الجزيرة السوريّة عنها في الدول الأخرى، بل هي مستمدّة حرفيّاً منه، زِدْ على ذلك أنّه لم يَرِد في شروط تنظيم «صكوك الزواج مدنيّاً» الصادر عن هيئة المرأة التابعة للإدارة الذاتية “الكُردية” المشكّلة أوائل العام 2014؛ ذِكر لحالات “زواج المحارم” أو “زواج المثليين جنسيّاً” سواءً بالقبول أو الرفض، ما قد يفتح المجال لحالاتٍ إشكاليّة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا تختلف شروط الزواج المدنيّ المُطبَّق في الجزيرة السوريّة عنها في الدول الأخرى، بل هي مستمدّة حرفيّاً منه، زِدْ على ذلك أنّه لم يَرِد في شروط تنظيم «صكوك الزواج مدنيّاً» الصادر عن هيئة المرأة التابعة للإدارة الذاتية “الكُردية” المشكّلة أوائل العام 2014؛ ذِكر لحالات “زواج المحارم” أو “زواج المثليين جنسيّاً” سواءً بالقبول أو الرفض، ما قد يفتح المجال لحالاتٍ إشكاليّة.
تراجع أعداد عقود الزواج المدنيّ
ميادة أحمد عضو المكتب القانونيّ لبلديّة “قامشلو العامّة”
بلغ عدد عقود الزواج المدنيّ المسجلّة في بلدية “قامشلو العامّة” والواقعة أقصى شمال شرق سوريا، 4800 عقدا، بحسب المكتب القانونيّ، منذ إقرار الزواج المدنيّ قبل أربع سنوات. لكنّ من الملاحَظ تراجع أعداد هذه العقود، فَحَسَب إحصاءات البلديّة تمّ عقد 2500 زواج عام 2015، و1500 عقد في 2016، مقابل 800 عقد فقط حتى نهاية 2017. وبحسب القائمين على مؤسّسات المرأة، يحتاج الزواج المدنيّ إلى وقتٍ ليتمّ استيعابه ونشر ثقافته، وترى ميادة أحمد من المكتب القانونيّ لـ “بلدية قامشلو”، أنّ نسبة تلك الزيجات لا تتجاوز 2% من عدد سكان المنطقة، وأرجعت ذلك إلى “نسبة التقبّل القليلة لهذا الزواج الذي يُعْتَبَر حديثاً، ويحتاج إلى وقت ليتمّ استيعابه”. في حين اعتبرت آريا جمعة، القياديّة في “اتحاد نساء كُردستان سوريا”، وهو تنظيم نسائيّ تأسّس بداية العام 2012، “أنّ المجتمع بأغلبيته لم يقبل الزواج المدنيّ بَعِد، إلا من ناحية أنّه يحمي حقوق المرأة”.
بلغت نسبة المتزوجين مدنيّاً من أعراق مختلفة، كرداً وعرباً، حوالي 8% من عدد الزيجات حتى مطلع هذا العام، وكشفت ميادة أحمد “أنّ هذه الزيجات النوعيّة في تزايد مستمر”. وسَجّلت “بلدية قامشلو”، 5 حالات طلاق فقط من عدد الزيجات المدنيّة. ويراعى في حالة التفريق تسلسلاً إجرائيّاً يبدأ من “الكومين”، وهي أصغر وحدة إداريّة لدى الإدارة الذاتيّة، يليها “مؤتمر ستار” أو “دار المرأة”، وهي منظمات نسائيّة تهتم بقضايا المرأة، ثم “هيئة المرأة”، و”البلدية” بحسب ميادة أحمد.والمرأة تملك الحقّ في طلب التفريق دون أنْ يستطيع الزوج فرض إعادتها خلال مدّة معيّنة، كما أوضحت آريا جمعة في إشارة إلى الطلاق الرجعيّ في الزواج الشرعيّ، الذي يسمح للزوج بإرجاع زوجته قبل انتهاء عدّة الطلاق دون موافقتها.
الأديان ترفض الزواج المدنيّ
ترتبط مؤسّسة الزواج في سوريا بوشائج الدّين، وتلتزم بتعاليمه وطقوسه سواءً أكان الزواج إسلاميّاً، أو مسيحيّاً، أو بين طوائف.وعلى الرغم من وجود تباينات واضحة، إلا أن نظرة الدينَيْن الإسلاميّ والمسيحيّ لا تختلف كثيراً فيما يخصّ زواج المختلفين دينيّاً، والعنوان الرئيسي لذلك هو تفضيل الزواج الدينيّ مهما كانت الظروف.
 الشيخ محمد القادري رئيس العلاقات العامّة في مكتب شؤون الأديان بـ “الإدارة الذاتيّة”
وتجيز الشريعة الإسلاميّة الزواج من “أهل الكتاب” استناداً الى آية ،” والمحصنات من المؤمنات والمُحْصَنات مِنَ الذين أُوتوا الكتاب مِنْ قَبْلكم”، بحسب الشيخ محمد القادري، رئيس العلاقات العامّة في مكتب شؤون الأديان في “الإدارة الذاتيّة”، مضيفاً “أنّ تزويج المُسْلِمات من غير المُسْلِمين لَم يحلَّله الشرع لعدم اعترافهم بنبوّة محمّد”. ويؤكِّد القادري “أنّ كلّ بند في أيّ قانون، أو دستور، أو عقد اجتماعيّ يخالف كتاب الله، الذي هو المصدر الأساسيّ للشريعة الإسلاميّة، هو مرفوض من المجتمع المسلم قبل علماء الدين الإسلاميّ” في إشارة إلى رفضه لهذا الزواج.
 الأبّ سمير كانون رئيس كنيسة الكلدان بالقامشلي
من جهته، أكد الأبّ سمير كانون، رئيس كنيسة الكلدان بالقامشلي ” أنّ الزواج سرٌّ مقدّس عند المسيحية، وأحد الأسرار الكنسيّة السبعة، والكنيسة الكاثوليكيّة تحبِّذ الزواج الكنسيّ”. كما يُشْتَرَط في الزواج الكنسيّ أنْ يكون الزوجان مسيحيّان، وأنْ يكونا قد تعمّدا، وكشف الأبّ كانون “أنّ الكنيسة تقبل تعميد أطفال مَن يتزوّج مدنيّاً عندما يكبرون، إنْ أرادا ذلك”. وتروي ميادة أحمد، أنّه تمّت مراجعتهم في حالتين لزواج المختلفين دينيّاً (الشاب مسيحيّ والفتاة مُسْلِمة) لكن لّمْ يَتِم عقد الزواج بسبب عدم حضور الطرف الآخر (الزوجة). تُضيف أحمد: “ليس هناك أيّ مانع من زواج المختلفين دينيّاً”، لكنها لَمْ تُخْفِ وجود مراعاة لتقاليد المجتمع وما يمكن للتقاليد أن تخلفه من آثار على هذا الزواج، والشكوك حول جدّية المتقدِّم بالطلب.
ويرى الشيخ القادري أنّ الحلّ هو “قبول ومحبة الآخر على ما هو عليه، والسعي الهادئ، والبعيد المدى لـ تقبّل الطوائف والديانات لبعضها البعض، وليس بفرض الزواج المدنيّ قسراً”.بينما أوضح الأبّ “كانون” أنّ الكنيسة تاريخيّاً كانت ترفض الزواج المدنيّ لكنّها ترى الآن أنّه لا مشكلة فيه، باعتباره حريّة شخصيّة، لكنْ لا يتمّ تكليل العروسان كنسيّاً.
أول حالة زواج مدني
 همرين ورشو أول زوجين مدنيّاً
“بدأت الفكرة من والدي، الذي عَرَضَها على رئيس “بلدية قامشلو”، وعلى بعض المؤسّسات الكُرديّة التي شكّلت فيما بعد الإدارة الذاتيّة في 21-1-2014″، تقول همرين محمد.وتابعت حديثها: “عرض أبي عليهم فكرة زواجي مدنيّاً لتصبح بذلك سابقة من جهة، وترويجاً للمؤسّسات الكرديّة من جهة أخرى”. وتروي همرين، وهي اليوم أمّ لابنتين، أكبرهما ثلاث سنوات، قصة أوّل زواج مدنيّ في الجزيرة السوريّة، بتاريخ 30-11-2013 حيث عقد قِرانَها من رشّو سليمان فارس، الذي وافق وأهلهُ على الفِكرة، وكان حينها عنصراً في وحدات حماية الشعب (الكرديّة). تم الزواج قبل أنْ يكون هناك قانون ناظم له في المنطقة.وعلى الرغم مِنْ أنّ جدّها مثلاً اعتبر زواجهما غير شرعيٍ، إلا أنّها ليست نادمة، وتفيد أنّها تعرّضت هي وزوجها نهاية سنة 2013 لتهديداتٍ من “جبهة النصرة” بالقصاص منهما، نشرتها آنذاك مواقع إلكترونية.
أثناء عقد القران المدنيّ في بلدية قامشلو العامّة
ولا تُخْفِ همرين قلقها حيال حقيقة عدم تسجيل ابنتيها حتى الآن في أي سجلّات رسميّة، منتظرةً أنْ يتمّ حلّ هذه المشكلة بطريقةٍ ما، كما إنّها ترى، رغم اقتناعها بطريقة زواجها، أن “الزواج المدنيّ لا زال فيه نقصٌ”. 
وأصدرت الإدارة الذاتيّة شمال شرق سوريا، قانون المرأة في 22-10-2014 والمعدّل في 17-2-2016، وتنظّم عبره إجراءات الزواج المدنيّ، والتي تَتّسِم بسهولة مقارنةً بالزواج الشرعيّ، الذي يحتاج إلى تثبيت في المحكمة والسجلّ المدنيّ، والمُثول أمام القاضي، وإجراءات أُخرى.
 
وفي حين يحتاج الزوجان اللذان ينويان عقد قِرانهما مدنيّاً كما هو منصوص في (تنظيم صكوك الزواج مدنيّاً)، جَلِب صورة عن الهويّة الشخصيّة لكليهما، وصورتان شخصيّتان، وبعد التأكّد من “إتمامهما سن الـ 18 ” يتم تسجيل الزواج، ومنحهما عقد الحياة المشتركة،وهو “عبارة عن دفتر صغير فيه بيانات الزوجين وتاريخ زواجهما، ومكان تواقيعهما وتوقيعيّ الشاهدين”.ويُعْتَبَر حضور الزوجين شرطاً أساسيّاً لانعقاد العقد، ولا يتمّ منح عقد الحياة المشتركة بغياب أحدهما، إلا إذا كان هناك وكيلٌ قانونيّ ينوب عن الغائب، والكلام لـ ميادة أحمد من المكتب القانونيّ ببلديّة “قامشلو العامّة”.
إشكالات توثيق مكتومي القيد
يتّضِح مِن خلال نصّ “تنظيم صكوك الزواج مدنيّاً “أنّ مَنْ لا يملك صورة عن الهويّة الشخصيّة يستطيع الاستعاضة عنها بصورة عن دفتر العائلة، أمّا بالنسبة لمكتوميّ القيد فيحتاجون لورقة مختومة من الكومين. لكن هذا الأمر يُحْدِث على الأغلب إشكاليّات إجرائية قد تُعَرْقِل انعقاد الزواج، أو تفتح المجال للتزوير، كما أفادت ميادة أحمد.تقول أحمد: “أول إشكال يواجهنا هو إن كانت الفتاة قاصر، فنحن لا نُسَجِّل العقد لقاصر إطلاقاً. ثاني إشكال هو حالات مكتوميّ القيد، فيحدث أنْ يقوم مواطن يملك هُويّة شخصيّة بعمل ورقة على أنّه مكتوم القيد”. ولا تملك الإدارة الذاتيّة شُعبة أو سجلّات للأحوال المدنيّة، وهذا يجعل التأكَّد من بيانات طالبيّ الزواج المدنيّ أمراً صعباً جدّاً، عدا عن الآثار الناتجة عن ذلك فيما يخصّ الأطفال وتثبيت الحقوق.وبَيَّنت “أحمد” أنّه مَرّ عليها ثلاث حالات لرجالٍ من تركيا ادّعوا أنّهم طلَّقوا زوجاتهم هناك، وأرادوا الزواج بامرأة سورية “لكن لَم يستطيعوا إثبات ذلك فَلَم نُسجّل لهم العقود”. وبمجرَّد أنْ يتمّ منح الزوجين عقد الحياة المشتركة يُعْتَبَر الزواج المدنيّ نافذاً ومنعقِداً، ولا يحتاج إلى تثبيت في “ديوان العدالة الاجتماعيّة” وهي محكمة درجة أولى أنشأتها “الإدارة الذاتيّة”
المحاميّة روجين حبّو
في حين تُعَرِّف المحاميّة روجين حبّو من مدينة القامشلي، الزواج المدنيّ بأنّه “عقد زواج يعقد غالباً أمام محكمة أو كاتب عدل، ولا يشترط العقد واللفظ، وإنّما يحتاج فقط لرضا الطرفين أيّاً كانت صيغة القبول”.
لَم يتمّ إلى الآن تطبيق الزواج المدنيّ البحت
تشترط المادة (12) من قانون المرأة، لتكوين زواجٍ مدنيّ صحيح، ما يلي:
عدم وجود زواج ثانٍ
أنْ يكون الطرفان قد أتّما الثامنة عشرة من العمر.
أنْ يتمّ الإبلاغ عن نيّة الزواج قبل (15) يوم من تنفيذ الزواج.
على الزوجين الانتظار ثلاث سنوات بعد الزواج حتى يطالبا بالتفريق، باستثناء حالات الخيانة الزوجيّة، وفي حال الخلاف بين الزوجين فإنّهما يخضعان للمحاكمة المدنيّة. وعن مدى قانونيّة الزواج المدنيّ المستند على سجلّات قضائيّة، ومدنيّة مُثْبَتة تقول المحامّية روجين حبّو: “لا يمكن الحُكِم بعدم قانونيّة الزواج المدنيّ ما دام صادراً عن السلطات المختصّة، حتى لو كانت هناك آراء معارضة”.
آريا جمعة القياديّة في “اتحاد نساء كُردستان سوريا”
بينما ترى آريا جمعة أنَّ قانون الأحوال الشخصيّة السوريّ يعتبر الزواج المدنيّ، أو أيّ زواج غير مطابق للشرائع الدينيّة والمذهبيّة الموجودة في سوريا، بمثابة “الزِّنا”، وتضيف “الزواج المدنيّ يمنح المرأة حق المساواة مثلاً، لكن يبقى ما هو مطبّقاً في مناطق الإدارة الذاتيّة ناقصاً، فلا توجد سجلّات رسميّة معترفٌ بها لتسجيل الزواج”.وتسرد “حبّو” الفروقات بين الزواج المدنيّ والشرعيّ بالقول: “لا يسمح الزواج المدنيّ بتعدّد الزوجات، ويساوي في النفقة بين الزوجين، بعكس الزواج الإسلاميّ”.وتقول ميادة أحمد: “نحن نطبِّق قانون المرأة لكنْ إلى الآن لَمْ يَتِمّ تطبيق الزواج المدنيّ البحت”. وتعتقد آريا جمعة أنّ الزواج المدنيّ بشكله القانوني الصحيح “سيعالج حالات القتل التي كُنّا نشهدها منذ سنوات حين كان يتمّ الزواج بين المختلفين دينيّاً في المنطقة”.
لا آثار للزواج غير المسجّل رسمياً
التعقيدات تبرز أكثر مع انجاب اطفال، وتقول جمعة” أنّ “آثار هذا الزواج غير واضحة المَعالِم، منها مثلاً مشكلة تحديد ديانة الطفل في حال تمّ الزواج بين مختلفَين دينيّاً.” وكشفت همرين أنّ المسؤولين في “الإدارة الذاتيّة” وعدوها بإنشاء سجلّات عائليّة، لكنْ دون ترجمة عمليّة، كما لَمْ يسمحوا لها بتسجيل الزواج في السجلّات الرسميّة السوريّة.وقد يُفسِّر هذا لجوء العديد من المتزوجين مدنيّاً لتسجيل عقود زواجهم في المحكمة الشرعيّة التابعة للحكومة السوريّة، ضماناً لعدم حرمان أطفالهم من حقوقهم المدنيّة، أو الحصول على الجنسيّة السوريّة على أقل تقدير.
“أتمنى تسجيل أطفالنا في سجلاتهم ليكونوا الحالة الأولى، كما كان زواجنا، وإذا لَمْ يفعلوا فسنضطر لتسجيلهم في السجلات الرسميّة السوريّة”… هكذا لخّصت همرين معاناتها بعد أربع سنوات من الانتظار.
 [video_player link=””][/video_player]