fbpx

معرض بيروت للكتاب… 
وجه شاحب و”تهجير” دور وكتّاب وقرّاء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحل معرض بيروت للكتاب بدورته الرابعة والستين، في خفوت يشبه كثيراً خطو الحياة الذي تراجع في البلاد، على وقع الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت والمنهبة التي تولتها المصارف بمساعدة الدولة اللبنانية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بوجه شاحب وجسد منهك من المحاولة، يحل معرض بيروت للكتاب بدورته الرابعة والستين، في خفوت يشبه كثيراً خطو الحياة الذي تراجع في البلاد، على وقع الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت والمنهبة التي تولتها المصارف بمساعدة الدولة اللبنانية.

يبدو معرض الكتاب ضحية لهذا كله، يكاد لا يشعر أحد بوجوده، برغم ما يحاول المنظمون بثه من طاقة إيجابية وتفاؤل. لكن الكتاب بأسعاره الحالية وبالظروف المعقدة التي تطوّقنا كجدران زنزانة، بات بالفعل رفاهية استغنى عنها كثيرون، مفضلين الانكفاء إلى النسخات الالكترونية المجانية، أو تأجيل الأمر برمته إلى يوم آخر. إنها رفاهية سندفع ثمن عدم الحصول عليها لاحقاً، حين تخرج أجيال الأزمة إلى العالم، من دون قراءة كتاب واحد لتولستوي أو قصيدة واحدة لمحمد الماغوط أو مسرحية “وادي الغزار” لموريس عواد التي أصبحت لاحقاً “طواحين الهوا” التي قدمها الأخوان الرحباني.

إنه جيل لن يحصل بجزء كبير منه على متعة التجول بين الأجنحة برشاقة، وربما لن يخطر له أن يسأل ماذا قصد جوزيه ساراماغو بـ”الأعمى”، لأنه لم يجد الرواية على أحد الأرفف لتثير فيه فضولاً أو شعوراً بالرغبة. ثم إنهاء الجولة بفنجان شاي في كافيتيريا المعرض، حيث نقاشات حول الثقافة والمؤلفات وحول العالم الذي نريده… إنه جيل لن يستطيع مناقشة عالمه بين الكتب.

مؤسف أن ندفع ثمن الأزمة عبر الكتب التي لن نستطيع لمسها أو شمها أو شراءها، لأن أسعارها تفوق ميزانيتنا أو لأنها غير متوفرة أصلاً في معرض بيروت وفي مكتبات المدينة المتبقية.  

بيروت، المدينة اليوتوبية المثقفة رحلت إلى الأبد، ربما حين اغتلناها بأيدينا في أولى رصاصات الحرب الأهلية

في سياق التحضير للمعرض، نشر الكاتب اللبناني علي خليفة على صفحته في “فيسبوك” أن النادي الثقافي العربي الجهة المنظمة للمعرض، رفضت طلبه تخصيص موعد لتوقيع كتابه “الصندوق الأسود للانتخابات، حوادث دائرة الجنوب الثانية في مواجهة الثنائي الشيعي”، بحجة أن “الكتاب في سياسة بيعمل مشاكل”… وهو ما استنكره خليفة، معتبراً أنه يأتي في إطار التضييق على الحريات في الكتابة والنشر، سائلاً، “هل أصبحت الكتابة في السياسة ممنوعة في معرض بيروت للكتاب؟ أم الكتابة ضد الشيعية السياسية هي التي يتلافاها المنظمون للمعرض والناشرون؟”.

خليفة أكد موقفه في حديث مع “درج”، مستنكراً أي رقابة أو محاولة سطو على حرية الفكر والكتابة والنشر.

مجرد كماليات…

ترى الكاتبة والناشرة في “دار النهضة العربية” لينا كريدية أن “المشهد الثقافي في بيروت في ما يتعلق بالنشر والكتب ليس على ما يرام، علينا أن نكون صريحين، وذلك لأسباب بعضها خارجي كالتراجع الذي أصاب الكتاب الورقي في العالم، وبعضها الآخر داخلي يتمثل بالأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد، والتي جعلت شراء الكتب بمثابة كماليات، فيما هموم العائلات الأساسية هي تأمين المأكل والمشرب”.

من 3 كانون الأول/ ديسمبر حتى 11 منه، هو موعد معرض بيروت للكتاب الذي ينظمه “النادي الثقافي العربي” و”نقابة اتحاد الناشرين” وتُشارك فيه أكثر من 124 دار نشر، في مركز “بيال” للمعارض عند واجهة بيروت البحرية، حيث دمر انفجار 4 آب/ أغسطس 2020، أحلاماً وحياةً وأبنية… وحيث يبدو أن الدمار ما زال مستمراً وممتداً إلى هواياتنا وفرصنا لتلقي المعرفة والثقافة والاستمتاع.

في هذا الإطار، يقول الكاتب والشاعر الدكتور محمد ناصر الدين، “خفت وهج معرض بيروت للكتاب منذ فترة طويلة إذ اقتصرت مشاركات الدور العربية على ما ندر، نظراً للوضع السياسي العام المتأزم منذ عام 2005 وتراجع الصحافة المكتوبة ودور النشر والمكتبات في بيروت، اضافة الى المصاعب اللوجستية في تنظيم معرض الكتاب في مساحة تفتقر إلى أبسط شروط الراحة التي توفرها معارض الشارقة وأبو ظبي والرياض وغيرها، من المساحات المخصصة لكل دار، ومواقف الزوار، وقاعات الاجتماعات والانترنت، كما أن الكلفة الباهظة للمتر المربع مقابل صفر خدمات، كلها عوامل تدفع بالكثير من دور النشر إلى التفكير ألف مرة قبل المشاركة في نسخ “معرض بيروت” المتعددة.

عدد دور النشر المشاركة هذا العام تراجع بالفعل  من أكثر من 240 من لبنان والبلدان العربية والعالم، إلى تقريباً 124 هذه السنة، وفق رئيسة النادي الثقافي العربي، سلوى السنيورة بعاصيري، بعدما كان بلغ نحو 79 في الدورة السابقة في آذار/ مارس الفائت.

ونسخة آذار، كانت أشبه بمهزلة، أو معرض غير محسوب على بيروت، فقد حاول البعض إلباسها رداءً ممانعاً، عبر رفع صورة كبيرة لقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الإيراني، إلى مشاركة عدد كبير من دور النشر التابعة للنظام الإيراني يومها، مقابل امتناع دور نشر لبنانية وعربية كثيرة عن المشاركة، فبدا المعرض بصبغة واحدة.

كان المشهد يومها بمثابة فضيحة للثقافة وللكتاب ولفكرة المعرض، ولا يمكن صرف النظر نهائياً عن الأثر الذي تركته فينا، ككتاب وكقراء وكزوار، فمحاولة وصم الكتاب برداء السياسة ليس تفصيلاً، وسط مشهد سياسي واقتصادي متهالك، يحاول فيه كل طرف شد الحبل إلى وجهته أكثر.

في النسخة الجديدة من المعرض التي تضم دور نشر من مصر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، تقلّصت مساحة القاعة التي تحتضن المعرض من عشرة آلاف متر مربع قبل 2019، إلى 2200 متر مربع حالياً، وهو انعكاس للمشاركة الخجولة المتوقعة.

وتوضح كريدية لـ”درج”، أن “المشاركة في حفلات توقيع 3 أو 4 كتّاب خلال المعرض يتطلب مبلغاً ربما لا يتوفر مع كثيرين، فالكتاب الذي كان يباع بـ10 دولارات قبل الأزمة، كان سعره يساوي 15 ألف ليرة لبنانية، أما اليوم فالـ10 دولارات باتت 400 ألف ليرة وربما أكثر، وبالتالي كم كتاباً يستطيع المواطن العادي بدخله المحدود أن يشتري، لا سيما أننا في شهر الأعياد أيضاً!”، مشيرة إلى أن “هذه العوامل كلها ساهمت في توجه كثيرين نحو الكتب الإلكترونية، لا سيما في ظل المنصات التي تقوم بقرصنة الكتب ونشرها مجاناً على الإنترنت”.

تقول كريدية: “نحن نحاول ونحن محكومون بالأمل بسبب كثرة الخضات القوية التي تصيب مدينتنا، تأملاتنا كبيرة لكن توقعاتنا أقل”.

يأتي المعرض هذا العام بحسب كريدية “في ظل امتناع عدد من الدور عن المشاركة، لأسباب كثيرة، منها التكلفة المرتفعة لناحية إيجار الجناح، وأجور الموظفين وتكلفة النقل وغير ذلك”، وتضيف “كنا عادة نأخد مساحة 50  متراً مربعاً، الآن لم يعطونا إلا 15 متراً، ما يشي بأن المعرض كله تقلّص وتغير”.

يتابع ناصر الدين الذي يوقع كتاب “الشعر جرح الغيب” (وهو الحوار الاخير مع الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين حول الشعر والحداثة) الصادر عن دار الرافدين، ضمن فعاليات المعرض، “في بالي صورة يوتوبية لبيروت، ومكتباتها في الأزقة الصغيرة التي تشبه مكتبات باريس، إلا أن الواقع مختلف تماماً: مع الارتفاع المجنون للأسعار بات اقتناء بعض الكتب الجديدة (وقد صارت قليلة بالمناسبة) من المكتبات، ضرباً من المستحيل. تبقى بعض مكتبات الكتب المستعملة التي بإمكان القارئ مثلي أن يعثر فيها على مفاجآت صغيرة، مثل كتاب سليم بركات (كنيسة المحارب) مثلاً الذي وجدته على بسطة للكتب في أحد زواريب بيروت. المدينة اليوتوبية المثقفة رحلت إلى الأبد، ربما حين اغتلناها بأيدينا في أولى رصاصات الحرب الأهلية”.