fbpx

هل الاحتجاجات في الصين مقدمة لثورة شبابية رقمية على النظام الشيوعي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم أن الاحتجاجات لم تكن مألوفة في الصين، ذلك لأن أي محاولة للتعبير العلني عن غضب شعبي أو توجيه انتقاد للحكم، يقابله عقوبات قاسية من قبل القادة الشيوعين، إلا أن المتظاهرين ابتكروا شكلًا جديدًا للتعبير عن استيائهم من الرقابة في البلاد، حيث قاموا برفع أوراق فارغة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تبنّى الحزب الشيوعي الحاكم  ما سمي بـ”أفكار الرئيس الصيني شي جينبينغ”، الذي يُحكم قبضته على جميع مفاصل الدولة الصينية، وكانت قيادة الحزب قد قررت قبل عام واحد فقط تضمين دستور البلاد “فكر شي جينبينغ” – وهو عبارة عن تجسيد لفلسفته السياسية – و يرى خبراء أن الصّين لم تشهد أمرًا مشابهًا منذ أمدٍ بعيد.

الأسبوع الماضي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يصور حريقاً في مبنى سكني في الصين، راح ضحيته 10 مواطنين، وقد أرجع مئات الصينيين السبب بوفاة الضحايا العشر إلى العزل الصحي، والقرار الرسمي الذي اتخذته السلطة بمنع الناس من الخروج من العمارة والنجاة بأرواحهم.

 هذه الحادثة أثارت غضب أغلب الصينين الذي خرجوا محتجين على هذه السياسة التي وصفوها بـ “العقيمة”. وقد شهدت مدينة شنغهاي – أكبر مدينة في الصين والمركز المالي العالمي المهم في شرق البلاد- شهدت احتجاجات ليلة السبت الماضية، وسُمع الناس يهتفون علانية “شي جينبينغ، ارحل” و “الحزب الشيوعي، تنحى”.

على الرغم من أن الاحتجاجات لم تكن مألوفة في الصين منذ مذبحة “ساحة تيانانمان“، ذلك لأن أي محاولة للتعبير العلني عن غضب شعبي أو توجيه انتقاد للحكم، يقابله عقوبات قاسية من قبل القادة الشيوعين، إلا أن المتظاهرين ابتكروا شكلًا جديدًا للتعبير عن استيائهم من الرقابة في البلاد، حيث قاموا برفع أوراق فارغة.

هذه الاحتجاجات التي انتشرت حتى الآن في 16 مقاطعة، دفعت المحللين والمراقبين الى اعتبارها “نقطة تحول في حكم الرئيس شي جينبينغ”، وقد اعتبرت الباحثة “أليسيا غارسيا هيريرو”، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك الاستثمار ناتاكسيس، في حديث لإذاعة أوروبا الحرة أن هذه الاحتجاجات ستغير قواعد اللعبة بالنسبة للحزب الشيوعية، وأضافت “يمثل هذا التحدي الصريح من قبل المواطنين نقطة تحوّل رئيسية في الصين، لأنه بالإضافة إلى كونه علامة على الغضب المتزايد من السلطات العليا في البلاد، فإنه يأتي مع استمرار ارتفاع الإصابات ومع حلول الشتاء وسوء الأحوال الجوية”.

إرهاصات الاحتجاجات بدأت في العاصمة الصينية “بكين”  قبيل انعقاد المؤتمر السنوي للحزب الشيوعي، ومثلت آنذاك احتجاجاً نادراً ضد الرئيس الصيني “شي جينبينغ” والقيود الخاصة بكوفيد-19 التي أمر شخصيًا بفرضها على الناس، وقد قام المتظاهرون آنذاك بتعليق لافتين على أحد جسور مدينة “هيديان” في بكين، تتضمن عبارات احتجاجية كُتب على إحداها: “لا لاختبارات كوفيد، نريد أن نأكل. لا للقيود، نريد الحرية. لا للكذب، نريد الكرامة. لا للثورة الثقافية، نريد الإصلاح. نريد الانتخابات. يمكننا أن نكون مواطنين وليس عبيداً”؛ فيما دعت اللافتة الثانية المواطنين إلى “الإضراب في المدارس وأماكن العمل، والإطاحة بالطاغية والخائن لوطنه شي جينبينغ”، وأظهر مقطع فيديو صُور في المكان نفسه أعمدة دخان كثيف تتصاعد فوق الجسر، ورجل يهتف بالشعارات ذاتها عبر مكبر للصوت، ولكن سرعان ما تدخلت الشرطة وعمدت إلى إزالة اللافتتين وتفريق المتجمعين في المكان، الا أن هذا الأمر لم يحبط عزيمة المتظاهرين، الذين صبّوا جام غضبهم على وسائل التواصل الاجتماعي منتقدين الإجراءات الأمنية والقيود الخاصة بمكافحة وباء كورونا.

فورات الغضب لدى السكان ارتفع منسوبها بعدما وجد كثيرون منهم عند محاولة سفرهم خلال عطلة العيد الوطني، أن رموز التشفير الصحيّة الالكترونيّة الخاصة بهم- التي تمنحهم حق السفر في أنحاء البلاد- أشارت فجأة إلى أنهم معرضون لخطر الإصابة بكوفيد، ما يمنعهم من ركوب القطارات أو الطائرات للعودة إلى بكين.

ورأى آخرون، تمكنّوا من العودة إلى العاصمة، تغييراً مماثلاً على رموز الشيفرة الصحيّة الخاصة بهم، تجبرهم على الالتزام بالحجر الصحي في المنزل؛ وعلّق أحدهم على موقع “ويبو”:”لا أفهم لماذا فعلت بكين ذلك… لا يمكنني الذهاب للعمل، أنا على وشك فقدان وظيفتي، أنا محبط للغاية، متى سينتهي ذلك ؟” وتساءل مستخدم آخر: “لماذا تعذبون المواطن العادي؟ السلطات طبقت سياستها بصورة غير منطقية، وأصبحت مصداقيتهم في الحضيض. كيف يمكن أن يثق الناس بهم؟”.

وسرعان ما تحول الغضب من الإغلاق العام إلى دعوات لإحداث إصلاحات سياسية أوسع؛ ومن الشعارات التي هتف بها المحتجون نهار الأحد “لا لفحوصات كوفيد، نحن جياع، شي استقِلْ، الحزب الشيوعي الصيني انسحبْ، لا للحجر.. نريد الحرية “، وانضم طلاب في جامعة تسينغهوا المرموقة، مطالبين بـ “الديمقراطية وسيادة القانون وحرية التعبير”، وهتف متظاهرون في بكين  بشعارات للمطالبة بـ “حرية الفن والكتابة”.

وفي مناطق أخرى، رفع محتجون أوراقًا بيضاء ترمز إلى الرقابة، وكتبت الخبيرة السياسية ماريا ريبنيكوفا في تغريدة عبر حسابها الرسمي على “تويتر”: “لا أتذكر أي احتجاجات عامة دعت مباشرة إلى حرية الصحافة خلال العقدين الماضيين في الصين”، وأضافت “ما يثير الاهتمام بهذه الاحتجاجات أن التركيز كان في البداية ينصب على قضية واحدة هي الإغلاق العام بسبب كوفيد، بيد أنه سرعان ما تحوّل إلى قضايا سياسية أوسع”؛ وأشار الخبير ألفردو مولوان إلى “إن المتظاهرين يافعون جدًا، والغضب بين الناس عنيف جدًا ويتنامى”.

الشعارات التي يرددها الشباب الصيني اليوم، هي نفسها تلك التي ترددت على ألسنة المحتجين مع انطلاق الانتفاضة الشبابيّة التي عرفت باسم “الربيع العربي” لأول مرة في تونس، ومنها انتقلت إلى مصر وليبيا واليمن وغيرها من البلاد العربية، فهل ما يحدث الآن في الصين، يمثل الشرارة الأولى التي ستحرق الأرض تحت أقدام حكام البلاد، مثلما تحرق ألسنة نار الثورة الشبابية الأرض تحت أقدام المرشد الأعلى وحاشيته المقربة، وحرسه الثوري في إيران؟ هل نحن أمام موجة جديدة من عمليات الانتقال من الأنظمة الديكتاتورية إلى الديمقراطية، والتي كانت بدأت أولًا في أوروبا الجنوبية (البرتغال 1974، واليونان 1974، وإسبانيا 1977)، ومنها انتقلت كموجة ثانية لأمريكا الجنوبية (بيرو 1980، وبوليفيا 1982، والارجنتين 1983، والبرازيل 1985، وتشيلي 1990، والباراغوي 1993)، ومن ثم الموجة الثالثة في أوروبا الشرقية والوسطى قبل أكثر من ثلاثة عقود، واستغرقت بمجموعها 6 أشهر فقط، لتندلع بعدها ثورات الربيع العربي التي وقعت فريسة سهلة بيد الإسلاميين، ومكنّت الأنظمة القمعية من إعادة ترميم نفسها والانقضاض مجددًا على السلطة؟

الاحتجاجات متواصلة… كيف سترد الحكومة؟

مع استمرار الاحتجاجات، وتوسع رقعتها الجغرافية لتطال مناطق مختلفة في أنحاء الصين، يوضح خبراء أن ما يثير قلق قيادة الحزب بشكل خاص، هو غضب المتظاهرين من كبار المسؤولين في الدولة، معتبرين أن هذا أمر غير مسبوق منذ المسيرات المؤيدة للديمقراطية عام 1989 والتي قُمعت بشدة آنذاك.

وقال الصحفي في مؤسسة “جيمس تاون” ويلي وو-لاب لام:  “من حيث الحجم والشدة، هذا أكبر احتجاج من قبل الشباب في الصين منذ الحركة الطلابية عام 1989″، ولفت إلى أنه “في ذلك العام كان الطلاب حذرين جدا ولم يجرؤوا على تسمية قيادة الحزب والتهجم عليها، لكنهم هذه المرة كانوا محددين جدًا في تعبيرهم عن إرادتهم”. 

وكتبت الأستاذة المساعدة بجامعة دورهام تشينتشين تسانغ:”نشأ الشباب الحضري اليوم مع النمو الاقتصادي وشبكات التواصل والثقافة الشعبية المعولمة”، وأضافت “يجب ألا يحد الماضي من قدرتنا على التخيل”.

كيف سترد الحكومة؟

تتجه الأنظار اليوم إلى الطريقة التي ستنتهجها حكومة شي وقيادة الحزب مع الغضب العارم في الشارع، وإذا ما كانت ستحاول تغيير سياستها القاسية (صفر كوفيد)، أو ستلجأ إلى العنف والاعتقالات.

وفي هذا الصدد، أشار ويلي وو إلى أن “الاستياء في صفوف قيادة الحزب والحكومة قوي جدًا، لكنهم يعرفون بأنه لا يمكن سجن الجميع”، ووصف “بيتر فرانكوبان” أستاذ التاريخ العالمي في جامعة أكسفورد دور الشرطة بأنه “حساس للغاية”، وقال: “أتوقع أن يتعاطف الضباط الأصغر سنًا من الشرطة والجيش مع المحتجين كونهم يعانون هم أيضا من هذه السياسات، لذا فإن إصدار الأمر بالقمع يجلب مخاطر”، فيما رجح ويلي أن الرئيس أو غيره من كبار القادة، سيضطرون في وقت ما إلى الخروج للحديث المباشر مع الناس، وإذا لم يحدث ذلك، سيكون هناك خطر من استمرار الاحتجاجات؛ وقال فرانكوبان:  “يبدو لي أن الاستياء يزداد بدلًا من أن يتراجع”.

أما الباحث في كينجز كوليدج في لندن كيري براون، فيرى أنّ أغلب الصينين ليس لديهم فكرة مثالية عن ديمقراطية على النمط الغربي، لكنهم يريدون حكومة تفي بوعودها الخاصة بتحسين حياة الناس والتي لم يتم تنفيذها حتى الآن؛ كما ونقلت وكالة “رويترز” عن المنشق الصيني الذي يعيش في منفاه في البرتغال آي ويوي المعروف بانتقاداته العنيفة لسياسات بكين قوله: “إن هذه الاحتجاجات لن تنجح في زعزعة حكومة شي لأن الشرطة قادرة على سحقها بقساوة” ورجح أن تتراجع وتيرة وحماسة هذه التظاهرات لأن المحتجين يفتقرون إلى عنصري القيادة والتنظيم”.

أي ويوي الذي قضى 81 يوما في السجن في بلاده في العام 2011 ليس متفائلًا بحدوث تغييرات ايجابية في الصين، وذلك بسبب “عدم وجود بيئة سياسية تتيح التغيير السياسي المنشود”، وقال” قامت السلطة و الحزب الحاكم خلال السبعين عاما المنصرمة بحملات تصفية وتطهير لمجموعات كاملة من المنشقين والمعارضين، والمثقفين والإعلاميين، والفنانين والكتاب، الذي كان يطرحون الاسئلة المحرجة في المجتمع” وأضاف”الحزب الشيوعي الصيني الحاكم قلق للغاية من الثورات الرقمية الشبابية التي تجتاح دول العالم وبالتالي سيفعل كل شيء لمنع حدوث ذلك باللجوء إلى أساليب الرقابة على الإنترنت، والاعتقالات المنظمة والعنف المفرط، وزج الأجهزة القمعية في المواجهة”.

الصين من الكاريزما إلى عبادة الرئيس والقائد 

تبنّى الحزب الشيوعي الحاكم  ما سمي أفكار الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي يُحكم قبضته على جميع مفاصل الدولة، وكانت قيادة الحزب قد قررت قبل عام واحد فقط تضمين دستور البلاد “فكر شي جينبينغ”- وهو عبارة عن تجسيد لفلسفته السياسية – و يرى خبراء أن الصين لم تشهد أمرًا مشابهًا منذ أمدٍ بعيد.

وقد تفاجأ أغلب الصينيين بالتغييرات التي طرأت على برنامج المسابقات الترفيهي الذي تبثه قناة تلفزيون “هونان” مساء كل يوم – وتعد “هونان” من أكثر القنوات التلفزيونية الشعبية في الصين التي تجذب الملايين من الشباب- وقد ظهر البرنامج بعنوان غريب ومثير “دراسة شي في الحقبة الجديدة”،حيث استهل مقدمَه وبحماس متقد القول ، “لنستمع إلى خطابات الرئيس شي ونتفهم فكره”.

ليعود ويوجّه سؤالاً للمتسابقين الحاضرين في الاستديو، “انتقل الرئيس شي، ولم يكن يبلغ من العمر الا 15 عامًا، من “بكين” إلى “ليانغجياهي” في إقليم شانشي ليعمل مزارعًا، وخلال تلك الفترة كان تواقًا للاستزادة من العلم، بحيث قطع في إحدى المرات مسافة 15 كيلومترًا سيرًا على الأقدام من أجل استعارة كتاب، ما اسم ذلك الكتاب؟” انبرى أحد المتسابقين دون أي تردد وقال “فاوستوس”.

“تهانينا، هذا هو الجواب الصحيح”، قال المقدم بينما صفق الحاضرون للفائز.

ثم تلا مقدم البرنامج قصيدة نظمها “شي” عندما كان يشغل منصب أمين عام الحزب الشيوعي في مدينة فازو في تسعينيات القرن الماضي، ثم وجه هذا السؤال للمتسابقين: “من تخلد هذه القصيدة؟ أجاب متسابق على الفور: “جياو يولو”، وهو الجواب الصحيح. فقد عرف المتسابق فورًا أن “شي” نظم في الماضي قصيدة خلّد فيها أحد الكوادر المتفانية في الحزب الشيوعي.

ظهر في البرنامج آي سيلين، عميد كلية الماركسية في جامعة تسينغهوا في بكين – التي تخرج منها الرئيس شي- ليطرح على المتسابقين هذا السؤال بصفته خبيرًا في البرنامج، “أي نظرية تعد عظيمة؟”.

فما كان من متسابق آخر إلا أن أجاب، “يجب أن تكون هذه النظرية نظرية علمية تفيد الشعب، وفي الحال الحاضر، يجب أن تكون نظرية فكر “شي جينبينغ” حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية والملائمة للعصر الجديد”.

هذا التطور المفاجئ بحسب مراقبين ” أظهر أن القيادة الصينية قررت على ما يبدو أن الوقت ملائم لجذب هذه الأجيال إلى الرئيس شي وفكره”، ويقول ديفيد موزر، المدير الأكاديمي لمعهد CET للدراسات الصينية، في حديث مع “بي بي سي” إنه  “بعد انتهاء حكم ماو، قرر دنغ شياوبينغ التخلص من حكم الزعيم الكاريزمي وتأسيس نظام تديره نخبة بيروقراطية تحكم لفترات زمنية محددة، ما فعله “شي” هو الانقلاب على  هذه النظرية؛ فمنذ توليه السلطة، جرت العادة بشكل ملحوظ إلى عبادة الشخص التي كانت سائدة في الفترة التي سبقت إصلاحات دنغ. وأضاف إن “ظاهرة عبادة الشخصية التي أسس لها “شي” أنهت الفصل الجذري بين السياسة والتسلية في الإعلام الصيني”؛ هذا يعني بحسب محررة الشؤون الصينية كاري غريسي أنه” سيتعين على تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والموظفين في المصانع الحكومية أن ينضموا إلى أعضاء الحزب الشيوعي الذين يبلغ عددهم 90 مليونًا في دراسة “فكر شي جينبينغ”، المتعلق بالعصر الجديد للاشتراكية بخصائص صينية”، وأوضحت إن تعبير “العصر الجديد”، “يعني وفقاً لنظرية شي البدء المرحلة الثالثة من تاريخ الصين المعاصرة”.

المرحلة الأولى التي تزعمها ماو كان هدفها توحيد البلاد عقب حرب أهلية طاحنة، أما الثانية التي قادها دينغ فركزت على إثراء البلاد، فيما تتسم المرحلة الثالثة التي يقودها الرئيس “شي” بتعزيز الوحدة والثراء وجعل الصين أكثر انضباطا داخليًا وخارجيًا.

وكان “شي” قد طرح رؤيته عن مستقبل الصين، وأطلق عليها اسم “حلم الصين”، في إطار مشروع بعنوان “إعادة بعث الأمة الصينية“، ونجح في إجراء إصلاح اقتصادي ساهم في الحدّ من تراجع النمو الاقتصادي، وتحجيم ملكية الدولة للصناعة ومكافحة التلوث، وتنفيذ مشروع النقل البري العملاق “طريق الحرير”.

وخلال ولايتي حكمه الأولى والثانية، فرضت الصين سيطرتها على بحر الصين الجنوبي رغم المعارضة الدولية، وعزّزت نفوذها على الصعيد العالمي، عن طريق ضخ مليارات الدولارات في القارة الأفريقية والآسيوية، وترافق ذلك مع نمو المشاعر القومية التي حضت عليها وسائل الإعلام الحكومية، وتركيزها على شخصية جيبينغ، إلى درجة أن البعض اتهموه بأنه يقود حملة إعلامية لتأليهه أسوةً بالزعيم الراحل ماو تسي تونغ.

وشملت حملة محاربة الفساد التي قادها “شي” في الداخل، والتي أطلق عليها اسم “النمور والذباب” أكثر من مليون شخص من كبار وصغار ومسؤولي الحزب، كما ترافق ذلك بفرض المزيد من القيود والرقابة على الحريات الشخصية، مثل الرقابة على الإنترنت، واعتقال المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لدرجة أن البعض رأى أن “جيبينغ” هو أكثر الزعماء سطوة بعد الزعيم ماو.

سياسة القبضة الحديدية والحكم المطلق

تولّى “شي جينبينغ” منصب الرئاسة في العام 2012، وكان هذا العام بداية دخول الصين مرحلة جديدة وفرت لها فرصة تبوأ موقع مؤثر على الساحة الدولية، وتميز هذا العام بتعاظم نفوذها خارجيًا، ولعب دوراً أكبر على الصعيد العالمي، وقد ترافق ذلك مع شن حملة واسعة على الفساد المتفشي، وخنق الأصوات المعارضة في الداخل.

استغل “شي” التقدم الاقتصادي والاجتماعي والعسكري في تعزيز موقعه وبسط سيطرته على الحزب الشيوعي، ما جعل  أفكاره  تصبح جزءًا من دستور البلاد، وهو ما لم يحظ به سوى “ماو تسي تونغ” و”دينغ سياو بينغ”، وبالتالي فإن معارضته من أي جهة أو طرف باتت بمثابة الوقوف ضد الحزب الشيوعي الحاكم.

كان والده أحد الأعضاء المؤسسين للحزب الشيوعي، ووصل إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، لكنه ذهب ضحية حملة التطهير التي شهدتها الصين عام 1962، حيث تعرض آنذاك للسجن قبل الثورة الثقافية التي اجتاحت الصين في الفترة اللاحقة.

إعادة تثقيف المجتمع والعودة من معسكر التأهيل

ولد “شي جينبينغ” عام 1953، وعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره أرسل إلى الريف للعمل في الزراعة في إطار برنامج “إعادة التثقيف والتأهيل”، حيث عمل في إحدى القرى النائية الفقيرة لمدة سبع سنوات، اكتسب خلالها تجربة شكّلت أحد أهم فصول سيرته الشخصية في المراجع الحكومية.

وبدلًا من أن ينقلب إلى مناهض للحزب الشيوعي بسبب تجربته في الريف، تبنّى أفكار الحزب وحاول مرارًا الانضمام إليه، لكن رفضت طلباته بسبب تاريخ والده، ومع ذلك لم يستسلم، حتى أصبح عضوًا في صفوف الحزب عام 1974، وارتقى إلى منصب مسؤول الحزب الأول في مدينة شنغهاي، ثاني أكبر مدن الصين ومركزها التجاري.

بعد ذلك تم انتخابه عضوًا في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب، إلى أن وصل لمنصب الرئاسة عام 2012.

يحمل “شي جينبينغ” إجازة في الهندسة الكيميائية، وزوجته هي المغنية المشهورة بينغ ليوان، والزوجان محط اهتمام الإعلام الصيني، على عكس الرؤساء السابقين الذين غالبًا ما كانوا يتجنبون تسليط الأضواء على زوجاتهم.

وللزعيم الصيني ابنة لا يعرف عنها سوى أنها درست في جامعة هارفارد الامريكية المرموقة، وتناولت وسائل الإعلام الأجنبية بالتفصيل تعاملات أقارب الرئيس الصيني المالية الضخمة في الخارج.