fbpx

الإعدام أداة النظام الإيراني لتطويق الاحتجاجات 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رغم محاولات النظام المحمومة اختيار أو صناعة عدو وهمي من خلال تطييف الحركة الاحتجاجية، وتضييق نطاقاتها الجغرافية، غير أنّ الشعور العام بالنقمة والغضب يتجاوز المربعات المذهبية والقومية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تتصاعد المخاوف الحقوقية في إيران على خلفية تمادي النظام في إصدار أحكام الإعدام بحق المحتجين، وتحديداً، بعد الدعوات الطالبية، في الفترة الأخيرة إلى توسيع نطاق الاحتجاجات، وتحويلها إلى إضرابات شاملة في أنحاء البلاد.

ومع إصدار مجموعة من النشطاء في مدن إيرانية، منها شيراز، مشهد، طهران، بندر عباس، وأصفهان، زاغروس، كرج، أردبيل، بياناً مشتركاً للتحريض على إضراب شامل، بين يومي 5 و7 كانون الأول/ ديسمبر 2022، فإنّ الحركة الطالبية تواصل تصعيدها، لا سيما بعد حادث تسمم، اتهم الطلاب الحكومة الإيرانية بتدبيره، عمداً.

وعبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام”، دعا مغني البوب، إبي، إلى المشاركة في الإضراب الشامل. وقال: “النذور والعطايا ليست في الاحتفالات الدينية فقط، في مثل هذه الأيام يمكنك دعم المضربين”.

وعلى أثر حدوث التسمم الغذائي (تسمم 160 طالباً)، في جامعة الخوارزمي بطهران، وهي ليست الحالة الأولى، وقد تعرض عدد من الطلبة في أصفهان وأراك وعلامة وخوارزمي إلى إصابات مماثلة، في الأسابيع القليلة الماضية، صعدّ الطلبة من تظاهراتهم واعتصاماتهم. بينما طالبوا بالإفراج عن زملائهم الموقوفين. 

ورفع طلاب جامعة خوارزمي بطهران عدة شعارات منها: “يقومون بتسميم الطلاب ثم يجلسون للتبرير”. 

كما امتنع طلاب كلية العلوم الاجتماعية في جامعة طهران عن حضور الصفوف الدراسية، نتيجة قمع الطلاب واعتقالهم وكذا تكثيف الانتشار الأمني.

اللافت أنّ النظام الإيراني، الذي بات يدرك رفض قطاعات واسعة من الشباب الإيراني “الجمهورية الإسلامي”، ونبذ حكم “آيات الله”، السياسي والأيديولوجي، برمته، لا يملك وسيلة للمواجهة سوى بتصعيد مدى العنف إلى حدوده القصوى. هذا الجيل، الذي لا يسعى إلى الإصلاح أو تخفيف القيود، بل هدم النظام وإيجاد بدائل سياسية أخرى مغايرة، يتعرض لتحريض مباشر بالقتل من جبهة النظام التي تحاول أن تبرز تماسكها.

تتصاعد المخاوف الحقوقية في إيران على خلفية تمادي النظام في إصدار أحكام الإعدام بحق المحتجين، وتحديداً، بعد الدعوات الطالبية، في الفترة الأخيرة إلى توسيع نطاق الاحتجاجات، وتحويلها إلى إضرابات شاملة في أنحاء البلاد.

ومثلما طالب 227 نائباً (من أصل 290) بمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إيران، بتحقيق أقسى عقوبة على أيّ صوت معارض، فإنّ النتيجة النهائية، والتي تبدو مرشحة للزيادة، اعتقال قرابة 15 ألف متظاهر. فضلاً عن مقتل أكثر من 400 قتيل، بحسب المنظمات الحقوقية الأممية والمحلية. 

ووفق الخبير المستقل بالأمم المتحدة لشؤون إيران، جاويد رحمن، فقد قتل أكثر من 300 شخص في الاحتجاجات، منهم أكثر من 40 طفلاً.

ولا تتفاوت الإحصاءات الرسمية الإيرانية كثيراً عن سابقتها، إذ قضى نحو 200 شخص في “أحداث الشغب” الأخيرة، على حد تعبير مجلس الأمن القومي الإيراني. 

وقال القيادي بالحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زادة، إنّ 300 شخص بينهم أفراد من قوات الأمن قتلوا في “الاضطرابات” التي اندلعت منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.

غير أنّ التقرير الأخير لوكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)، يكشف عن مقتل 469 متظاهراً، بينهم 64 قاصراً. وتابع: “61 من قوات الأمن الحكومية لقوا حتفهم أيضاً. ويُعتقد أنه تم اعتقال ما يصل إلى 18210 من المحتجين”.

تحطم فعالية القمع وآلياته بعدما أفرغت من قدرتها على تحقيق ثمة نتيجة أو أفق، يؤكد على نهاية أيدولوجيا “الولي الفقيه”، في نسختها الخمينية، في ظل عالم متحرر وأبعد من متخيل “آيات الله”. ولهذا؛ لا يمكن فهم الحراك الشعبي، في إيران، من زاوية واحدة، كما يوضح المفكر المتخصص في قضايا الإسلام السياسي عمار بنحمودة. 

إذ يرى بنحمودة أنّ هناك حالة جدل تمكن المراهنة عليها على ضوء العلاقة بين الحراك الذي عرفته المنطقة، منذ عام 2011، وما رفعته الشعوب المنتفضة ضدّ أنظمتها من شعارات لعلّ أبرزها “الشعب يريد”. وما الحراك الحاصل في إيران سوى “هزّات ارتداديّة” غير منفصلة عن حركة التاريخ. 

ولمّح بنحمودة لـ”درج” إلى الموقف الدولي من إيران وملفها النووي ودعمها لحزب الله. فيقول: “العين الإعلاميّة العالمية والقوى الدولية والإقليمية تنظر إلى هذا الحراك باعتباره وسيلة للقضاء على نظام تعتبره منبوذاً ويمثّل، بحسب وجهة نظرها، خطراً على كثير من الأطراف الإقليمية. بينما تلتقي مصلحتها في حدوث تحولات سياسية جذرية في إيران”. 

أمّا الزاوية الأخيرة فهي تتعلّق بفئة الشّباب والطلاب، تحديداً، وفق المفكر المتخصص في قضايا الإسلام السياسي. “الفئة القادرة على التأثير وتحقيق انزياحات سياسية من خلال قدرتهم على تبني مبادئ الحرية وحقوق الإنسان. وهم أكثر الفئات نفوراً من الأيديولوجيات المحافظة التي تحكمها القيود الدينيّة والالتزامات المذهبيّة. وإنّ كلّ عنف يسلّط عليهم سيمنح انتفاضتهم شرعيّة أكبر وسيمكّن الأطراف التي لديها مصالح دوليّة وإقليميّة من إيجاد حجج قويّة للتدخّل وتغيير النظام السياسي في إيران”. 

وهنا، يتعين النظر إلى أن النظام، الذي نجح طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في تصفية آلياتهم الأمنية وتفريغها من مضونها، وقع تحت وطأة أعباء أمنية راكمها عبر أربعة عقود، بينما لا يجد مدخلاً سياسياً للحوار وإنهاء الاستياء الشعبي. وما بين تعميم الإدارة الأمنية وتكتيكات المحتجين وقدرتهم على المناورة، تتضاءل فرص الملالي في استعادة الحكم والشرعية كما في السابق. 

والمحصلة، محاولات محمومة لترميم الفجوات المتزايدة في صفوف قوات الأمن، وتعزيز قدراتهم المعنوية والمادية. وقد طالب قائد شرطة طهران، حسين رحيمي، إلى تقديم المزيد من الدعم إلى عناصر الشرطة، ماديا، لمواجهة المتظاهرين. ووجه حديثه إلى المسؤولين بأن لا “يتخلفوا عن الركب”، وأن يدعموا الشرطة “أكثر مما سبق”، وذلك عبر تدشين قوانين لتحسين أحوالهم المعيشية. ووفق رحيمي فإنّ “إعلان الاشمئزاز” من المحتجين يشجع القوات الأمنية.

وبالتالي، لا تعدو التقارير الحقوقية بخصوص أحكام الأعدام كونها أمراً مباغتاً، بل إنّها نتيجة طبيعية ومرتبطة عضوياً بالوضع النهائي الذي وصل إليه النظام بطهران. 

,ذكرت “منظمة العفو الدولية” أنّ من بين من تم اعتقالهم خلال الانتفاضة الشعبية 28 إيرانياً على الأقل، منهم 3 أطفال، يتعرضون لخطر الإعدام باتهامات منها “الإفساد في الأرض”، و”الحرابة”.

وقالت المنظمة، المعنية بحقوق الإنسان، إنّه، حتى الآن، حُكم على 6 أشخاص على الأقل ممن قُبض عليهم خلال احتجاجات إيران بالإعدام في محاكمات صورية، موضحة أن سلطات النظام الإيراني تستخدم عقوبة الإعدام أداة “للقمع السياسي من أجل خلق الرعب بين المواطنين. وإنهاء الانتفاضة الشعبية”.

وهناك أحكام إعدام أولية، صدرت بحق مجموعة من المعتقلين، منهم سهند نور محمد زاده، وماهان صدارت مدني، ومنوشهر مهمن نواز، ومحمد بروقاني، ومحمد قادلو، وأبو الفضل مهري حسين حاجيلو، ومحسن رضا زاده قراقلو، وسامان (ياسين) سيدي، وسعيد شيرازي.

وذكرت المنظمة الأممية إمكانية استئناف هذه الأحكام، وأصدرت دعوة عامة لجميع الناس في جميع أنحاء العالم، لكتابة رسائل إلى سفارة إيران في الاتحاد الأوروبي في بروكسيل والمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام. وقالت إن 15 شخصاً آخرين حوكموا بتهمة “الحرابة” في محكمة كرج الثورية بمحافظة البرز.

ومن هؤلاء الأشخاص زوجان باسم فرزانة وحميد قره حسنلو، و3 أولاد يبلغون من العمر 17 عاماً هم: أمين محمد (مهدي) شكر اللهي، وأمير محمد (مهدي) جعفري، وأرين فرزام نيا.

وأردفت: “هؤلاء الأطفال الثلاثة يحاكمون أمام محاكم الكبار، خلافاً لاتفاقية حقوق الطفل التي صدقت عليها إيران”.

وهناك متهمون آخرون في هذه القضية هم: محمد مهدي كرمي، وسيد محمد حسيني، ورضا أريا، ومهدي محمدي، وشايان شاراني، ومحمد أمين أخلاقي، ورضا شاكر زواردهي، وجواد زركران، وبهراد علي كناري، وعلي معظمي كودرزي.

وتشير “منظمة العفو الدولية” إلى أن سلطات النظام الإيراني تسعى أيضاً إلى إصدار عقوبة الإعدام بحق أكبر غفاري، ومجيد رضا رهنورد، اللذين تتم محاكمتهما في محافظتي طهران وخراسان رضوي على التوالي، كما أنّ توماج صالحي، مغني الراب، وإبراهيم ريكي، المواطن البلوشي، أيضاً معرضان لخطر الإعدام.

وطالبت منظمة العفو الدولية في دعوتها بضرورة الإلغاء الفوري لأحكام الإعدام. فضلاً عن إطلاق سراح المعتقلين، ودعت الجميع إلى مطالبة رئيس السلطة القضائية في إيران، غلام حسين محسني إيجه إي، بمنع إصدار المزيد من الأحكام بحق المواطنين، وتفعيل المعايير القضائية الدولية في حظر عقوبة الإعدام وتطبيق الأنظمة ذات الصلة على الأطفال في المحاكم.

إذاً، منذ اندلاع الاحتجاجات في ايران والنظام يحاول أن يعيش في “حالة الإنكار” على خلفية اتساع رقعة الاعتراض على سياساته. وهنا، لم يعد الاعتراض على رؤيه أو سياسة اقتصادية أو اجتماعية، وإنما بدأ يصل إلى أساس ومرتكزات نظام ولاية الفقيه، وفق الباحث المتخصص في الشأن الإيراني عباس الجوهري.

هذا النظام انتهى لدى أولغاركية مافياوية، ممثلة في المرشد الإيراني علي خامنئي، وبعض جنرالات الحرس الثوري، وهم، بدورهم، نجحوا في إنهاء أي “مرونة موقتة وحيوية في المشهد السياسي من خلال التيار الإصلاحي”. يقول الجوهري لـ”درج”.

فمنذ وصول إبراهيم رئيسي لمنصب الرئيس في إيران، وما رافقه من قمع، نجح المتشددون في السيطرة على أجهزة ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

وبهذا تصبح الدعوة للخروج على النظام نهائية وتامة، وليست محصورة في مجموعة سياسية محددة لغرض الإصلاح كما في السابق. فبدا المشهد واضحاً في أن الأزمة الأولى هي الحرية، والمطلب المحدد هو الانفلات من قيود وهمية حكمت المواطن الإيراني تحت وطأة أغلال متوهمة باسم الدين والمقدس.

ورغم محاولات النظام المحمومة اختيار أو صناعة عدو وهمي من خلال تطييف الحركة الاحتجاجية، وتضييق نطاقاتها الجغرافية، غير أنّ الشعور العام بالنقمة والغضب يتجاوز المربعات المذهبية والقومية.