fbpx

بعد سنوات على سقوط “داعش”:
هذه هي الصعوبات التي تواجه النساء الخارجات من مخيم الهول 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عائلات معتقلي “داعش” في مخيم الهول واحد من الملفات المنسية التي تحمل في طياتها احتمالات انفجار مستقبلية مالم يتم معالجتها. نساء المخيم هم الحلقة الأضعف في هذه القضية.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خرجت السيدة إلهام (40 عاماً) من مخيم الهول مع أولادها الأربعة، وتقيم حالياً في مدينة الرقة، ورغم أنها تحمل إجازة في اللغة العربية، إلا أنها لم تستطع أن تجد فرصة عمل. تقول: “كنت في السابق معلمة لغة عربية، وفقدت عملي خلال الحرب، وبعد خروجي مع أبنائي من المخيم، لم أجد فرصة عمل لذا أعطي بعض الدروس الخصوصية لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، معتمدة على خبرتي بالتدريس”.

تعاني العائلات الخارجة من مخيم الهول، المخصص لاحتجاز عائلات منتسبي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، من مشكلات متعددة، تعيق طريق عودتها وتفاعلها مع المجتمع، ومنها انعدام فرص العمل، بالإضافة إلى فقدان الأوراق الثبوتية، حيث فقدت كثير منها أوراقها في خلال الحرب، عدا عن حالات زواج لفتيات سوريات، بعناصر من تنظيم “داعش” غير السوريين، ما حال دون تسجيل الزواج ثم الأطفال بشكل رسمي، وعدم اعتراف أي جهة بهم.

تروي الناشطة الاجتماعية وردة محمود العبد عن أوضاع العائلات الخارجة من “معتقل” الهول، قائلة: “خلال فترة الحرب، خرجت الناس من منازلها، وتركت كل شيء وراءها، وفقدت كثير من الأسر أوراقها الثبوتية نتيجة دمار منازلها، وهذه مشكلة أساسية تواجه العائلات الخارجة من الهول”.  

وتنشط العبد ضمن لجان حل النزاع، وعددها 5 لجان، والتي أسسها ناشطون وناشطات في كل من الرقة والطبقة في محافظة الرقة، وبلدات الشعفة والباغوز والصور في محافظة دير الزور، بهدف مساعدة العائلات الخارجة من الهول، وتأمين المتطلبات الأساسية لعودتها، وحل المشكلات التي تعترضها.

غياب إثباتات “الوجود”

يحولُ انعدام الأوراق الثبوتية، دون حصول الأسر العائدة من المخيم على مستحقاتها من المساعدات الإنسانية، والمواد الغذائية، وحصتها من وقود التدفئة والطبخ، إضافة إلى الكهرباء، إذ تحتاج كل الخدمات السابقة إلى أوراق، تثبت وجود العائلة وعدد أفرادها من الأطفال، وهكذا تتراكم مشكلات العائلات، ويتقاطع فيها الإشكال القانوني والإداري مع تردي الأوضاع الاقتصادية.

وفي هذا الإطار، تشير إحصائيات لجان حل النزاع، إلى تسجيل خروج 2064 عائلة من المخيم، حصلت 28 عائلة منها فقط على أوراق ثبوتية حتى الآن، فيما تسعى اللجان إلى تأمين أوراق لما تبقى من العائلات.

يضاف إلى ما سبق، أن بعض العائلات الخارجة من المخيم، تُقابَل بالرفض في المجتمعات المحلية حال عودتها، على اعتبار أنها عائلات لأفراد تنظيم “داعش”، وهنا تشير السيدة إلهام مرة أخرى إلى أن “هناك الكثير من العائلات التي رفضت أن أعمل على تدريس أبنائها أو مساعدتهم بالدروس الخصوصية، بعدما عرفت أنني كنت في مخيم الهول، لذا فقدت كثيراً من الطلاب الذين كان يمكن لي تدريسهم، كما أني فقدت فرص عمل أخرى لأني كنت في المخيم، إذ ما زال الناس يخافون من الاحتكاك بنا”.

العزلة الاجتماعية

تترك هذه الأوضاع العائلات في عزلة اجتماعية، وتفقد روابطها بمحيطها، ويقول الناشط في لجان حل النزاع أحمد الفنيش: “بعد خروج أفراد هذه العائلات من مخيم الهول، يشعرون أنهم في عالم آخر، بعض هذه العائلات تعيش على هامش المجتمع، وحتى من عادوا واستقبلهم من بقي من عائلاتهم خارج المخيم، يعانون من التهميش حتى داخل عائلاتهم”.

من ناحية أخرى، تبدو أوضاع أطفال العائلات الخارجة من المخيم هي الأشد مأساوية، والأكثر إثارة للقلق، إذ أن سنوات الحرب والنزوح، والاحتكاك مع الأفكار والخطاب المتشدد في المخيم، تركت أثرها الواضح على كثيرين منهم، حيث تظهر عليهم آثار الصدمات النفسية، والتصرفات العنيفة. يضاف إلى هذا، أن أوضاع البلدات والمدن التي عادوا إليها، ليست بأفضل حال، جرّاء الحرب وما خلفته من دمار في البنية التحتية المتعلقة بالصحة والتعليم، إضافة إلى انعدام الأمن والاستقرار.

تصف السيدة لمياء(35 عاماً) حال ولديها بعد خروجهما من المخيم قائلة: “بقيت في المخيم مع طفليَّ مدة 11 شهراً، وعندما خرجنا كان الولدان يعانيان من خوف شديد، يمكن لأي شيء أن يخيفهما خاصة الأصوات المرتفعة، كما كانا منعزلين كل الوقت، ولا يريدان الاختلاط بأحد أو اللعب مع الأولاد”.

ويقول الناشط حمود الخلف، عضو لجنة حل النزاع في مدينة الباغوز إن “المشكلات النفسية هي أهم المشكلات التي يعاني منها الأطفال، وذلك نتيجة مجريات الحرب والنزوح والإقامة في مخيم الهول، ونحن خلال عملنا في مساعدة العائلات العائدة من المخيم، حاولنا دمج الأطفال في التعليم المُسرَّع، وتقديم الدعم النفسي، من خلال منظمات تعمل على برامج إعادة التأهيل والدمج ضمن صفوف المجتمع”.

يضاف إلى قائمة الصعوبات السابقة، مشكلة عدم التحاق الأطفال العائدين مع عائلاتهم من مخيم الهول بالمدارس، وهنا يحول عدم وجود الأوراق الثبوتية دون التحاقهم أحياناً، كما أن الفقر وعدم قدرة العائلة على دفع تكاليف التعليم، وتفضيلها إلحاق الأطفال بالعمل يعرقل التحاقهم بالمدارس، وتشير إحصاءات لجان حل النزاع، إلى خروج ما يقارب 4200 طفل من مخيم الهول، منذ أواخر عام 2021، لم يلتحق منهم بالمدارس إلا 288 طفلاً، بينما ظلَّ البقية خارج العملية التعليمية.

الدمج والمساعدة

ضمن هذا الواضع الصعب، تعيش العائلات الخارجة من مخيم الهول، بينما تتلقى المساعدة على مواجهة مشاكلها الإدارية والقانونية والاقتصادية، بشكل رئيسي من لجان حل النزاع، التي تنشط في مدن وبلدات محافظتي الرقة ودير الزور، بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني الفاعلة، بهدف تذليل الصعوبات أمام عودة العائلات واندماجها في المجتمع، فتقدم بعض الدورات التعليمية، والأنشطة الترفيهية التي تستهدف الأطفال، كما تقدم تدريباً مهنياً للنساء، ليساعدهن على افتتاح مشاريع صغيرة، خاصة أنهنَّ يتحملن مسؤولية عائلاتهن، في ظل مقتل الزوج أو اعتقاله خلال الحرب.

التحقت الشابة إيمان (23 عاماً)، وهي أم لولدين، بعد خروجها من مخيم الهول، وعودتها إلى الرقة بدورة أولويات التمريض، وتقول: “كنت درست البكالوريا سابقاً، وكان طموحي دراسة التمريض، لكن الظروف حالت دون ذلك، وبعد خروجي من المخيم اتبعت دورة في التمريض لأداوي ابني وابنتي في حال مرضهما، ولأستطيع توفير فرصة عمل لي، لكن للأسف لم أجد عملاً في التمريض، لذا عدت واتبعت دورة في التصوير وأولويات العمل الإعلامي”.

تحاول النساء الخارجات من مخيم الهول إعالة أنفسهن وعائلاتهن، خاصة أن أغلبهن وصلن إلى المخيم نتيجة انتساب الأزواج إلى تنظيم “داعش”، وليس نتيجة قناعاتهن الشخصية، وفي ظل انعدام فرص العمل، وسوء الأحوال المعيشية، ما زالت النساء اللواتي خرجن من المخيم، تحاولن إيجاد فرص عمل جديدة، وطريقاً يوصلهن إلى برّ الأمان والاستقرار، وطيّ صفحة الحرب.