fbpx

بعد نشر تحقيق التعذيب بالسجون اللبنانية : قرار قضائي ينصف مسجوناً سورياً ويعترف بتعذيب موقوفين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقرير القاضية أبو شقرا إضافة إلى اعترافه بمنهجية التعذيب في غرف التحقيق في لبنان، فقد نفى كل الروايات التي لُفقت مع موت السجين أبو السعود، من تعرضه لأزمة قلبية أو موته بجرعة زائدة من المخدرات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يمكن أن يحتفي ضحايا التعذيب بعض الشيء، ويمكن أن يأملوا بأن العدالة ممكنة، ففي قرار يعتبر جريئاً، حكمت القاضية العسكرية، نجاة أبو شقرا، التي تولت التحقيق في قضية وفاة الشاب السوري، بشار عبد السعود، نتيجة التعذيب الذي تعرض له خلال التحقيق معه من جهاز أمن الدولة اللبناني نهاية شهر آب/ أغسطس الماضي، موجهة اتهاماً لـ 5 أشخاص بينهم الضابط المسؤول عن تعذيب عبد السعود (30 سنة)، ما أدّى إلى وفاته متأثراً بجراحه خلال التحقيق معه.

وتأتي أهمية القرار، بكونه يمثل اعترافاً بالممارسات والانتهاكات التي تمارسها أجهزة أمنية لبنانية ضد معتقلين سوريين، وهي ممارسات كنّا وثقناها في تحقيق بعنوان “تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”… سجناء سوريون في “المسلخ” اللبناني. 

من هنا نعتبر هذا القرار تتويجاً لجهود بذلناها مع زملائنا في المنظمات الحقوقية والصحافية، التي اعتبرت قضية بشار عبد السعود والتعذيب في السجون اللبنانية عموماً، أولوية بالغة الأهمية. 

 يعتبر قرار القاضية أبو شقرا سابقة في تاريخ القضاء اللبناني، الذي كان تعامل مع تقرير “أمنستي” الصادر عام 2021 عن تعذيب السوريين السجناء وانتزاع اعترافات بالقوة، بلا مبالاة واضحة، ولم يفتح تحقيقاً واضحاً في الأمر.

وهذا القرار تحية لمحمد اللاجئ الذي وثقنا قصته في تحقيقنا والذي أخبرنا بصوت يرتجف من داخل سجنه، أن التعذيب دمّر صحته ونفسيته، وحين أخبر القاضي بما حصل معه، لم يحدث أي شيء.

يوثق قرار القاضية ممارسات وحشية حصلت في مركز التحقيق التابع لأمن الدولة، ويكشف عن منهجية معتمدة تستخدم التعذيب والعنف وسيلة لانتزاع اعترافات خطيرة من الموقوفين، في مخالفة موصوفة للقانون اللبناني الذي يمنع التعذيب ويجرمه. 

ويمكن فهم أهمية القرار نظراً إلى أنه جديد وفريد من نوعه، إذ يندر أن تجرى تحقيقات قضائية جدية في لبنان بدعاوى تعذيب خلال التحقيقات الأولية، وانتزاع الاعترافات بالقوة، رغم أن هذه الممارسات منتشرة بشكل كبير في معظم مراكز التحقيق التابعة للأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية. 

وكانت النيابة العامة العسكرية قد أوقفت خمسة ضبّاط وعناصر في أمن الدولة مطلع سبتمبر الماضي، على إثر وفاة الموقوف، وتمت إحالتهم إلى قاضية التحقيق العسكري، نجاة أبو شقرا، وفي 29 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وجهت أبو شقرا تهمة التعذيب إلى عناصر أمن الدولة الخمسة بموجب قانون مناهضة التعذيب رقم 65 الصادر عام 2017، فيما نُشر القرار في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2022.

ولم يكتف القرار الاتهامي الذي نشرت نصه الكامل حصرياً مجلة “محكمة” المتخصصة بالشؤون القضائية والقانونية في لبنان، بتثبيت وتوثيق التعذيب الوحشي الذي أدى إلى وفاة عبد السعود، وإنما كشف أيضاً عن محاولات التزوير والتلاعب بالتحقيقات وتلفيق الاتهامات التي قام بها مكتب أمن الدولة، إضافة إلى الإفادات الكاذبة التي أدلى بها الضابط المسؤول عن المركز لمرؤوسيه وللقضاء قبل وخلال التحقيقات. 

تعليقاً على القرار، يؤكد وكيل عائلة عبد السعود ومدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي محمد صبلوح، أنه رفض تسلم الجثة ليتم دفنها وذلك أن تقرير الطبيب الشرعي كان يشير إلى أنه قد توفي تحت التعذيب، ولكنه كان بانتظار الفحوصات والتحاليل المخبرية لتأكيد ما جاء في تقريره.

 وبسبب تأخر صدور الفحوصات، اضطر صبلوح إلى مهاتفة النيابة العامة التي طلبت منه دفن الجثة وهو الأمر الذي طالبه به بدوره مفوض الحكومة، وقد رفضه ذلك، مطالباً بتعيين لجنة طبية على نفقته الخاصة وفق بروتوكول اسطنبول.

 وأصر على متابعة القضية كي لا يحصل أي تلاعب بمسار التحقيق إذ كان يخاف من تلفيق تهمة للضحية لم يرتكبها.

 وهذا ما أكده التقرير الذي فصّل قرار القاضية نجاة أبو شقرا حيث جاء فيه أن المتورطين كانوا يريدون التهرب من فعلتهم بذريعة أن أبو السعود مات تحت تأثير المخدرات، وبالتالي يصبح التعذيب جنحة ما يمكن المرتكبين من الخروج من الحبس دون أن ينالوا المحاسبة الفعلية لما اقترفوه.

ينوه صبلوح في حديث لـ”روزنة” بالعمل الجبار الذي قامت به القاضية أبو شقرا إضافة الى المواكبة الإعلامية وتسليط الضوء على الحادثة بشكل دائم، يُزاد على ذلك عمل منظمات حقوق الانسان ومنظمات العفو الدولية من حيث التقارير والبيانات، فقد أدى هذا كله إلى توجيه الأنظار إلى هذا الملف.

 واعتبر أن القرار الذي اتخذته القاضية أبو شقرا هو أول قرار صريح وجبار داخل لبنان حول الانتهاكات الخطيرة التي تحدث داخل غرف التحقيق…

ويشدد صبلوح على أنه ما زال مصراً على رفض إحالة المتهم بالإرهاب إلى القضاء العسكري، ويفضل إحالته للقضاء العدلي، وهو يسعى لتوفر مراقبين دوليين من منظمات حقوقية داخل المحكمة العسكرية، للإشراف على مسار المحاكمة، مؤكداً أن ملف بشار عبد السعود يجب أن يُتابع حتى النهاية، آملاً بتحقق العدالة وظهور الحقيقة.

ويعمل المحامي على تنظيم مؤتمر بشأن هذا القرار مع منظمات حقوقية ودولية، وسيدعو جميع قيادات الأجهزة الأمنية، فما أدلى به الضابط والعناصر، يتضمن اعترافات خطيرة تفرض على قيادة أمن الدولة أن تصدر بياناً، تحدد فيه موقفها تجاه هذه الاعترافات  التي تدل على أن التعذيب الذي كان يتم بحق المتهمين قد بدأ بغطاء من الاجهزة الامنية والقضائية.

 فالقرار الصادر بقضية بشار عبد السعود حالة إستثنائية يأمل أن تكون بداية للتغيير…

 تقرير القاضية أبو شقرا إضافة إلى اعترافه بمنهجية التعذيب في غرف التحقيق، فقد نفى كل الروايات التي لُفقت مع موت أبو السعود، من تعرضه لأزمة قلبية أو موته بجرعة زائدة من المخدرات، إلى التهم التي تم تداولها وقتذاك وتوجيهها لأبو السعود، إذ تبين أنها كانت كلها محاولة لتبرير الجريمة والتغطية عليها.

من هنا، يعتبر قرار القاضية أبو شقرا سابقة في تاريخ القضاء اللبناني، الذي كان تعامل مع تقرير “أمنستي” الصادر عام 2021 عن تعذيب السوريين السجناء وانتزاع اعترافات بالقوة، بلا مبالاة واضحة، ولم يفتح تحقيقاً واضحاً في الأمر. 

كذلك لم ترد المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على مراسلاتنا لسؤالها عن شهادات التعذيب التي وثّقناها، حتى بعد نشر التحقيق السابق ذكره.

لكننا نأمل أن يكون قرار القاضية أبو شقرا استجابة يستحقها بشار وكل ضحايا التعذيب…